[align=justify]فى أوائل سنة 1980م حاولت أن أجرب نوعا من كتابة السيرة الذاتية وما يجيش به صدرى من حكايات وقصص ، واقترحت على نفسى منهجا هو منهج تداعى الذكريات .ويخلص هذا المنهج فى فرضية أن اللون إذا دقق المرء فيه فما الذى يجتاحه من مشاعر وقصص وحكايات ، واخترت عددا من الألوان ، الأسود ، الأبيض ، الأحمر ، الأخضر ، الأصفر ، وبدأت الكتابة عنهم ،واحتفظت بالكراسة منذ تاريخ الكتابة ، أنشرها كاملةً وما بها من أخطاء وقت كتابتها ولن أتدخل بإصلاحها , سميتها بعنوان(وهج الألوان ..من الأعماق)[/align]
[align=justify]اللون الأسود
أسود لفظ غريب ، أول مرة طالعنى اللون الأسود ،وأنا طفل لم أشب عن الطوق ،كنت صغيرا جدا .يفكرنى بلون الأرض .أرضنا التى بعناها فى لحظة ضعف ..اللون الطينى .ياله من لون !0صغيرا كنت ومعى أخى وابن عمى ، نصنع حقولا نموذجية على شط الترعة ، نلعب بالطين ، نستحم فى الترعة ،لاشىء يعكر صفونا .
الليل ،لونه أسود ..هيا إخوتى كى نعود إلى المنزل ..الظلام /الليل /الذئاب سوف تنتهز الفرصة لكى تأكلنا فى هذا الظلام الأسود.
الليل أسود ،فى هذا السواد ، نلعب ، نلهو ، نسهر حتى يبلغ منا التعب ،حارتنا الضيقة ، الضيقة ،أطفال كثار ، بنات ، صبيان ..النساء يرتدين الثياب السوداء عند الخروج من الحارة .الحارة مظلمة قبل الظلام قبل دخول الليل ، لأنها ضيقة .
أنت أسود ...قصة سمعت عنها لم أقرأها ، لا أتذكر إسم مؤلفها ،أسود مهضوم حقه فى الحياة ، السود البيض صراع دائر ، جنوب إفريقيا ، الرجل الأبيض ، الرجل الأسود ..البيض يقتلون السود لأنهم لون آخر ..لا حق لهم فى الحياة !!!
تزوج أحد رجال حارتنا إمرأة سوداء ،لم تمكث إلا قليلا ثم خرجت من الحارة ليلا ،عرفت السبب ..لأنها سوداء ونساء حارتنا بيضاوات كن يعايرنها ،زوجها لم يعد يظهر فى الحارة ، فجأة إختفى .
الأسود /الموت .مات عمى فى الأربعين من عمره ، كان شابا ولا كل الشباب ،عاش فى مصر أم الدنيا ، يأتى لزيارتنا مرتديا البالطو الأسود ، البهجة والسرور ،نحفظ كلامه نردده بيننا ، جدتى تحتضنه ، تجلسه بجوارها ،لا يعرفنا ..عددنا كبير، أنا وإخواتى وأولاد أعمامى وعمتى ...أبى يعتز به ،أولاده يتكلمون بلهجة غريبة ، نضحك منهم ، قلوبنا سعيدة بوجودهم معنا ، نحاول أن نؤثرهم على أنفسنا ،ملابسهم نظيفة ، بيضاء ،وحمراء ، وجوههم بيضاء مشربة بالإحمرار ، أيديهم نظيفة ،زوجته بيضاء لدنة ،شعرها أسود جميل ينسدل على ظهرها ، تحاول إيقاف تمرده على وجهها.
الأسود ....جلباب جدتى ترتديه بعد موت جدى ، مات جدى منذ زمن طويل لا أدركه لا أعيه ، دائما ملابسها سوداء ،أعتقد أن قلبها لم يعرف الفرح بل الأحزان السوداء ،الآلام .
السواد/الموت ...جنازة طويلة يسير فيها الرجال بملابسهم الداكنة ووجوههم الغبرة وسحنهم المهمومة ،النساء متشحات بالسواد ،على البعد منهم ..يسرن يصرخن يلطمن ..يقطعن الثياب ..يلطخن وجوههن بالطين ..منظر يتكرر كل أسبوع ، بل أحيانا فى أيام متتالية .
حبيبتى ...شعرها أسود ناعم طويل .أول حب فى سنى المراهقة ، كانت من الأقارب ،عشقتها ،همت بها ،كنت أنتظرها وأمشى خلفها .أحرسها .
الشعر الأسود ،الوجه الأبيض المشرب بالإحمرار.
كتبت فيها أشعارا بدموع العين وآهات القلب .تزوجت ،حاولت النسيان.
أراها _أتذكر الشعر الأسود_ وأولادها ، أراها مرتدية الثياب السوداء ثياب الخروج كنساء حارتنا ،صارت عجوزة .نسيتها .
صارت ذكرى .
الأسود/الموت .أختى ماتت كانت فى ريعان الصبا وزهرة الأنوثة الغضة ،ذهبت إثر مرض عضال ..اللون الأسود يملأ المنزل ..يملأ الجدران..يملأ القلوب ،يخرج مع الكلمات والهمسات والأنفاس،راحت لم يعد يذكرها أحد.
السواد /الموت /النسيان .
اللون الأسود ...الكحل فى العيون ،نساء حارتنا جميعهن متكحلات ،ينظرن لبعضهن البعض يضحكن ..يهمسن ..وجوههن نظيفة ، ملابسهن نظيفة جديدة يوم فى الأسبوع ،باقى الأيام ، متربات ،عصبيات ، يحملن التراب فوق روؤسهن ، يقذفوننا بالطوب ، وقت الظهيرة وأطفال الحارة مجتمعة ..الماء يسكب فوق روؤسنا ،نجرى ،نهرب ،لكن إلى أين ؟؟؟؟؟
السواد ...المقابر .نلعب عليها وفى القبور المفتوحة ،نعيش مع الأموات أكثر مما نعيش فى منازلنا ،منازلنا ضيقة ،الحارة ضيقة ،الرجال عصبيون ،النساء متسخات .
السواد /الأحزان /الأفكار ..سودوى المزاج ، متشائم ، عصبى ، القتامة ، المرارة .
بداية مظلمة ، نهاية أشد إظلاما ...الليل الطويل لا آخر له ..
متى يطلع الفجر يارفيق ؟؟؟
الأوضاع تزداد سوادا وظلاما ..
أنا حزين ، أنا سودوى المزاج وعصبى .. [/align]
[align=justify]اللون الأسود
أسود لفظ غريب ، أول مرة طالعنى اللون الأسود ،وأنا طفل لم أشب عن الطوق ،كنت صغيرا جدا .يفكرنى بلون الأرض .أرضنا التى بعناها فى لحظة ضعف ..اللون الطينى .ياله من لون !0صغيرا كنت ومعى أخى وابن عمى ، نصنع حقولا نموذجية على شط الترعة ، نلعب بالطين ، نستحم فى الترعة ،لاشىء يعكر صفونا .
الليل ،لونه أسود ..هيا إخوتى كى نعود إلى المنزل ..الظلام /الليل /الذئاب سوف تنتهز الفرصة لكى تأكلنا فى هذا الظلام الأسود.
الليل أسود ،فى هذا السواد ، نلعب ، نلهو ، نسهر حتى يبلغ منا التعب ،حارتنا الضيقة ، الضيقة ،أطفال كثار ، بنات ، صبيان ..النساء يرتدين الثياب السوداء عند الخروج من الحارة .الحارة مظلمة قبل الظلام قبل دخول الليل ، لأنها ضيقة .
أنت أسود ...قصة سمعت عنها لم أقرأها ، لا أتذكر إسم مؤلفها ،أسود مهضوم حقه فى الحياة ، السود البيض صراع دائر ، جنوب إفريقيا ، الرجل الأبيض ، الرجل الأسود ..البيض يقتلون السود لأنهم لون آخر ..لا حق لهم فى الحياة !!!
تزوج أحد رجال حارتنا إمرأة سوداء ،لم تمكث إلا قليلا ثم خرجت من الحارة ليلا ،عرفت السبب ..لأنها سوداء ونساء حارتنا بيضاوات كن يعايرنها ،زوجها لم يعد يظهر فى الحارة ، فجأة إختفى .
الأسود /الموت .مات عمى فى الأربعين من عمره ، كان شابا ولا كل الشباب ،عاش فى مصر أم الدنيا ، يأتى لزيارتنا مرتديا البالطو الأسود ، البهجة والسرور ،نحفظ كلامه نردده بيننا ، جدتى تحتضنه ، تجلسه بجوارها ،لا يعرفنا ..عددنا كبير، أنا وإخواتى وأولاد أعمامى وعمتى ...أبى يعتز به ،أولاده يتكلمون بلهجة غريبة ، نضحك منهم ، قلوبنا سعيدة بوجودهم معنا ، نحاول أن نؤثرهم على أنفسنا ،ملابسهم نظيفة ، بيضاء ،وحمراء ، وجوههم بيضاء مشربة بالإحمرار ، أيديهم نظيفة ،زوجته بيضاء لدنة ،شعرها أسود جميل ينسدل على ظهرها ، تحاول إيقاف تمرده على وجهها.
الأسود ....جلباب جدتى ترتديه بعد موت جدى ، مات جدى منذ زمن طويل لا أدركه لا أعيه ، دائما ملابسها سوداء ،أعتقد أن قلبها لم يعرف الفرح بل الأحزان السوداء ،الآلام .
السواد/الموت ...جنازة طويلة يسير فيها الرجال بملابسهم الداكنة ووجوههم الغبرة وسحنهم المهمومة ،النساء متشحات بالسواد ،على البعد منهم ..يسرن يصرخن يلطمن ..يقطعن الثياب ..يلطخن وجوههن بالطين ..منظر يتكرر كل أسبوع ، بل أحيانا فى أيام متتالية .
حبيبتى ...شعرها أسود ناعم طويل .أول حب فى سنى المراهقة ، كانت من الأقارب ،عشقتها ،همت بها ،كنت أنتظرها وأمشى خلفها .أحرسها .
الشعر الأسود ،الوجه الأبيض المشرب بالإحمرار.
كتبت فيها أشعارا بدموع العين وآهات القلب .تزوجت ،حاولت النسيان.
أراها _أتذكر الشعر الأسود_ وأولادها ، أراها مرتدية الثياب السوداء ثياب الخروج كنساء حارتنا ،صارت عجوزة .نسيتها .
صارت ذكرى .
الأسود/الموت .أختى ماتت كانت فى ريعان الصبا وزهرة الأنوثة الغضة ،ذهبت إثر مرض عضال ..اللون الأسود يملأ المنزل ..يملأ الجدران..يملأ القلوب ،يخرج مع الكلمات والهمسات والأنفاس،راحت لم يعد يذكرها أحد.
السواد /الموت /النسيان .
اللون الأسود ...الكحل فى العيون ،نساء حارتنا جميعهن متكحلات ،ينظرن لبعضهن البعض يضحكن ..يهمسن ..وجوههن نظيفة ، ملابسهن نظيفة جديدة يوم فى الأسبوع ،باقى الأيام ، متربات ،عصبيات ، يحملن التراب فوق روؤسهن ، يقذفوننا بالطوب ، وقت الظهيرة وأطفال الحارة مجتمعة ..الماء يسكب فوق روؤسنا ،نجرى ،نهرب ،لكن إلى أين ؟؟؟؟؟
السواد ...المقابر .نلعب عليها وفى القبور المفتوحة ،نعيش مع الأموات أكثر مما نعيش فى منازلنا ،منازلنا ضيقة ،الحارة ضيقة ،الرجال عصبيون ،النساء متسخات .
السواد /الأحزان /الأفكار ..سودوى المزاج ، متشائم ، عصبى ، القتامة ، المرارة .
بداية مظلمة ، نهاية أشد إظلاما ...الليل الطويل لا آخر له ..
متى يطلع الفجر يارفيق ؟؟؟
الأوضاع تزداد سوادا وظلاما ..
أنا حزين ، أنا سودوى المزاج وعصبى .. [/align]
تعليق