آخر حكايا شهرزاد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    آخر حكايا شهرزاد

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    آخـــر حكــــايا شــهرزاد

    قراءة لقصيدة الشاعر و الناقد

    صادق حمزة منذر


    الحكايا هي زاد المسافر و معينه في حله و ترحاله , وهي مخزون ثقافي , فكري وجداني يحتوى أفراحه و أتراحه مشاعره و تجاربه و كل ما استبطنته ذاكرته و أحتضنته ذاته.
    و كانت شهرزاد الحكاية و القصيدة و التي تتجلى لنا كأنثى لتفصح عن نفسها وعن صراعها من أجل البقاء و كأنها في بحر متلاطم الأمواج تبحث فيه عن قارب نجاة أو جذع شجرة لتكون فرعه وتستمر الحياة ….وهي ليست وحدها في هذه المعاناة بل يرافقها طيفها و الذي هو منها و إليها, فهي الأم الحامل بالحبيب الذي تصبِغ عليه أنوثتها ليكون الابن و الأب و الشاعر بالكلمة و المعنى , يسهب في وصف معاناته الداخلية, في بحث دءوب عن طيف هو لأنثى في خياله استحوذت عليه و لازمته لتكون كلمَته شعره , قصيدته , حكاياه وهو شهريار الملك و المتحكم بالكلمة و في الكلمة يطوعها ليحييها أو يلغي وجودها ويجعل منها جثة هامدة .

    فشهرزاد الحكاية هي قصيدة حياة و ملحمةٌ عبر تاريخ الإنسانية تطفو داخلنا لتغوص في بحر لجي ظلامه دامس, تصارع الموج بحثا عن حياة تكون فيها ذاتها , كأنثى و كأم و كمعنى ناقص يبحث عن الكمال في حبيب هو مفقود موجود وهو البحث عن الزوجية التي تصبو لها النفس لأنها فطرية فينا لا نستطيع تجاهلها و لا الاستغناء عنها, فهي منظومة يسير بمقتضاها الكون و إن تخلى أحد عناصره عن دوره اختل توازنه.
    كذلك الإنسان, تعيش فيه هذه المنظومة وهو يستشعر أبعادها دون أن يستطيع التعبير عنها أو لنقل يعبرُ عنها بطريقته فيكون هذا التعبير هو بصمة حياة أو أثر مسافر على أديم الأرض و صفحة الزمان.

    هكذا كانت شهرزاد حكايا و قصيدة يترنم بها الشعراء و تحكيها قصص ألفُ ليلة و ليلة و كأنها شراب معتق يلتجي إليه المسافر ليروي عطشه يسكرَه ,فتكون القصيدة خمرة لحن و الحكاية معاناة وجدان .
    فقصيدة الشاعر و الأديب صادق حمزة منذر, "آخر حكايا شهرزاد" حوارية تمزج بين الحكاية ليكون شهريارها المتحكم في أحداثها و صورها, وبين القصيدة ليكون الشاعر المرهف الحس و الذي يتحسس هذا الوجود الأنثوي في داخله, ليَرسم ملامحه ويصوغ كيانه ليكون نصفه الآخر المحبب إلى نفسه , يسكن إليه و يعانق وجوده ,ليثمر تواصلا شاعريا يبدع بالكلمة و المعنى ويرسم أرق المشاعر و أروعها لتعزف لنا القصيدة لحن الخلود الآدمي في أبهى معانيه و الذي لا يكتمل حتى يتوحد الشاعر مع نصفه الثاني فيتناغم معه ويعزف لنا سيمفونية وجودية, تلتحم مع المنظومة الكونية فتكون القصيدة كوكبا لتطوف بنا عبر الزمان و التاريخ, لها ماض و حاضر و مستقبل, ينصهر في بلاغة الكلمة, ليكون لها بيان و استرسال, له حكايا نابعة من الوجدان الإنساني و كأنها سيل جارف يشق عباب الحياة ليرتمي في أحضان بحر الشعر, وتذوب فيه القصيدة و تصبح ماء زلالا يرتوي منه كلَّ مسافر نالت منه دروب الحياة فتشققت أرضه من العطش.

    فكما يبحث الشاعر عن نصفه الآخر يرسم ملامحه و يشكل وجدانه , تنشد الكلمة رديفتها ليكتمل المعنى فتُعبِّر عن نفسها و تعبُر إلى ما وراء السطور وتكتمل في فكر المتلقي, فكلنا معانٍ تبحث عن كلمات لنتعلق بها و نعانق وجودها فتفصح عن ألمها و سعادتها, حزنها و فرحها, جمالها و قبحها, فكلنا مفردات ترصع سطور الحكايا على أديم الأرض و صفحات الزمان .
    و كان آدم و كانت له حواء رديفته, نصف التفاحة و الذي لا يكتمل وجوده إلا بها فمنذ الخلق الأول و نحن نبحث عن الآخر لنشاركه السعادة و نتمسك بلحظاتها حتى لا تتسلل من بين أصابعنا فيطرق الحزن بابنا و يقفَ عنده .

    هو الوجع الذي يلازمنا لفقد نستشعره داخلنا و لا نستطيع التخلص منه و لا إدراك معانيه لأن الكلمات ترحل عنا و ترافق من غادرنا وجوده و تبقى الحكايا سطورا معلقة في داخلنا , لها انتظار و شوق, يرتحل بنا إلى المجهول بحثا عن المفقود الموجود نراه أمامنا و لا نطوله فهو القريب البعيد

    و يستلمنا الخيال بكل سحره ليطير بنا على أجنحته و يخترق بنا وجودنا الإنساني, و ينتفي الزمان و المكان وتتراءى لنا رسوم و شخوص نألفها و نتمنى قربها و نُصبغ عليها من وجودنا , شوقَنا , لهفتنا و كأننا نترك الألم و الحزن لنلتجئ إليها فتكونَ الدفء الذي نرتمي بين أحضانه فتغسلُنا العبرات و تعبر بنا إلى عالم النقاء, إلى عالم الروح الذي لا يعرف الحزن, لكنه يعيش السعادة و لحظة الفرح كما خلقت فيه, فهو لا يعرف الماضي و لا المستقبل .

    هكذا كانت آخر حكايا شهرزاد بدايتها خيالُ أنثى يخاطب نصفه الحاضر و الملحِ على الغياب وهو في نفس الوقت خيال الشاعر الذي تنطق فيه الحبيبة , فيرسم الجمال الأنثوي على صفحات هي غيرها, لا تشبه الواقع لكنها تتجاوزه إلى ما بعده, لتوحي لنا بالأمومة و براءة الطفولة و تواضع الكبرياء فللألم جذور تمتد من داخل الإنسان, لتحيط واقعه فيثور لأنها لا تترك له متنفسا سوى الخيال و كأن الواقع يضيق عليه فيلتجي إلى الطبيعة و فضائها الفسيح , ليستعمله كصفحة بيضاء شفافة يدون عليها كل أحلامه. ربما هي أحلام الطفولة أو ذكريات ماضٍ سحيق, لها كمون داخله يستخرجها كلما شعر بالضيق ووجع الحياة الخانق , فهو نوع من الهروب الجميل إلى الطبيعة الذاتية الغافيةُ فينا لنعيش بعدا داخليا يتواصل مع بُعْدا آخر له مفرداته و معانيه في الطبيعة الكونية ,فيصبح للمحيط رداء و للمستحيل نبوغ و فنون و نقاء.

    و كأن الشاعر يتجاوز نفسه, إلى ما وراءها ليجد نصفه الجميل المبدع به و فيه بالكلمة و المعنى ,فيسمو وهو لا يدري, ما تخبئه المعاني من كلمات تخرج لنا حاملة محملة , بأجمل الصور الناطقة بمشاعر اختزلها في وجدانه, ليبوح بها قلمُه في لحظة صفاء أو لحظة حزن و معاناة أو كأنها لحظة استفاقة بعد نسيان, فيصبح الكون غيره و الطبيعة أخرى, لا يتواجد فيها غير الشاعر و رسومَه التي تحرك كلماته لتجعل لها روحا ووجدانا و قلبا نابضا بحياةٍ تخَيّل الشاعر محيطها الطبيعي, ليحتضنه مع حبيبته و التي هي جزء منه فهي النصف الآخر من التفاحة و الذي يتطابق معه على مستوى المشاعر, ليكون هو المعنى وهي الكلمة الحامل, فهو الوالد و المولود وتكون الأنثى هي الأم المختزلة في رحمها و فكرها, كل معاني حبيبها و تتكلم "هي" في خطاب رائع و راق لتقول :

    هي

    لاعبِ الريشة فوق الهواءْ
    وصمِّمْ نساءً تفوقُ النساءْ
    وفوقَ الأثيرِ ادْعُنا
    أن نعودَ صغاراً .. صغاراً بلا كبرياءْ
    وحطمْ بِحَرفِك كلَّ دُعاةَِ الكلامِ .. وبدِّل أُصولَ الغناءْ

    و كأن الأنثى تسمو بمشاعرها و روحها ,إلى رحابة الفضاء , فتنفصل عن الواقع ليصبح الحبيب هو الرسام و المصمم ,لأجمل ما في النساء لتدعوه بعدها إلى زمان غير الزمان ,إلى واقع مختلف, تثور فيه الكلمة لتشكل واقعا جديدا ,يحتضن فضاء آخر, تتزاوج فيه المشاعر, لتُقيم صرح علاقة لها سمو الروح, فيسعد بها الجسد . فالتواصل الزوجي على مستوى المشاعر , يتجسد أيضا على مستوى الكلمة و الحرف و تصبح نون الجماعة, هي المهيمنة على الخطاب, فيكون للشاعر روعة المشاعر و الحرف, في التحام وجودي بين آدم و حواء , ليتكلم على لسان حبيبته التي تخاطِبُه كأجمل ما يكون الخطاب, في رحلة بين الأرض و السماء , فتارة تحتضنهم السماء و أخرى المحيط, في تواصل رائع مع المستحيل, الذي لا يخضع لا للزمان و لا للمكان, و كأنه الحكمةُ التي يصل إليها المبدع مع نصفه الأنثوي, بعد أن تخلى عن الأصول الموروثة و قواعد دعاة الكلام, فيكون العلم و النبوغ و الفن و النقاء ,هما الشجرة و الثمرة لهذا التلاقي المنشود و الذي هو نماء و بهاء.و يقول الشاعر

    فنحنُ اخترعنا التراقصَ تحتَ النُجومِ
    وجَرِّ الغيومِ … لقُرصِ السماءْ
    ونحنُ الذينَ سرقنا رداءَ المحيطِ
    وعِشنا بدونِ رداءْ
    ومُذ ذاكَ زدنا وزاد بهاءْ
    وعلمَنا المستحيلُ المُسنُّ النبوغَ
    وكُلَّ فنونِ النَّقاءْ
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2


    و تخضع القصيدةُ إلى لعبة الخيال الذي يكون في نفس الوقت الفارس و المحارب والحرب, على الواقع الذي يريد الشاعر أن يقَوضه ليتخلق من جديد, حسب واقع داخلي ,يعيشه بمشاعره و يطمح إلى تجسيده في محيطه, فكأن للشاعر مرآة يقابِلُها ليرى فيها داخله, يصفه و يتعايش معه بكل كيانه و مشاعره التي تجعله يشف و يرف , كروح تحلق في سماء خياله ,لترسم على صفحة الفضاء أجمل النساء في نظره لأنها ستكونُ نصفه الآخر و الذي يجرِفه شوقه و حنينه إليها ,كنهر هَادر, لا يتوقف حتى يرتمي في أحضان البحر فيكونَ النقطةَ التي أصبحت محيطا.

    فكأنّ الشاعرَ يختزل فيه أنثاه التي يريدها صورة مكمِّلة له, فهي الجزء المفقود المولود أمامه, و الذي يراه في كل النساء ,فكأنه آدم وهي حواء التي خلقت من ضلعه, فيصبح الصمت لغة و النظرة فعلا متحركا بذاته, ليعيشا معا جميع الفصول بنفس الشعور و الإحساس, في عالم لفه الفناء و خلا من الصور و الرسوم الأخرى و التي يمكن أن تكدر عليهِما حياتَهما, فالفناء في حد ذاته هو عطاء و توالد مثمر و خصوبة فكر فاعل متفاعل في الإنسان و المحيط .
    فالشاعر يتجاوز نفسَهُ إلى ما وراءها, ليعانق ما استحال عليه بالعقل الواعي, لكنه مُتاح الوصول إليه بعقله الآخر, الذي يبحث عن الإبداع و لا يستطيع ذلك حتى يجد أنثاه و التي تحمل مواصفات معينة, تَسعَدُ بها روحه, فتتخلق فيه معاني الفرح و تمتطي صهوة الكلمة, لتحلق بنا في فضاء الشاعر و ننهل من مادة هي من توالد الصور و الفكرة في خياله.

    هي الخصوبة التي تتجلى لنا في أبهى معانيها , فيكون التواصل مع الذات ومع الإبداع الذي تخطه الكلمات على صفحات ووجدان المتلقي, و تصبح للكلمة روحٌلها رفيف يأخذك بعيدا, إلا عوالم أخرى, ينكر وجودها, العقل المادي, الذي نالت منه الأصول الموروثة , فهذه المشاهد الحية و التي تنقلنا إليها القصيدة, تبعث فينا روح التحرر و الانعتاق, لنتواصل مع فضاء أرحب, نسعد فيه و نعيشُ فرح اللحظة المتحررة ,فيكون لنا الرضابعد أن تتواصل المفردات لتتكامل, و نراها بعين ينسجم أمامها كلَّ شيء هكذا تتجلى لنا الحقيقة بشقيها السالب و الموجب, لتكتمل و نقبلها كما هي, لأنها وجود كوني موجود فينا و خارجنا .

    و تتوالد القصيدة في رحم فكر الشاعر, و تلقي لنا بصور هي من إبداع خياله الخلاق, و السعيد بتجسيد معاني أنثاه, التي تسكن وجوده و كأنه يضعَها أمامه, ليصفها كما هي, فإرادته و مواصفاتها قد تطابقا, لأنها جزء منه ,تتواصل معه ليكتملا في تناسق بديع, فيتوحد إحساسَهما بالأشياء و كأنهما شجرة تتعانق فروعُها لتتماهي مع الجذع في ذاتيته , فتتوحد المشاعر في القلب و الفكر و العقل, و يصير العاشقان على قلب واحد, ينبض بهما و لهما , فالهدوء و السكينة التي تحتضن العاشقين هو فناء في حد ذاته, تتلاشى أمامه الرسوم, و يُقفِر الفضاء إلا منهما ,فتكون عملية التخلُّقِ و الإبداع الفكري ,هو حاضرَهم الخصب, و كأنه الأم الولادة, لأجمل الأجناس الفكرية و الأدبية.

    لقد خلقنا الله تعالى في عالم الصمت, و ها هو الشاعر يعود إلى هذا العالم بالفكر الخلاق و الكلمة التي حذقت القراءة , فكتبت عن هذا العالم الموجود, لأننا عشنا فيه و المفقود لأننا إلتهينا عنه بأشياء أخرى تشبهنا و ليست نحن, و ها هو الشاعر يعيد رسمه بالكلمة فيجيد استحضار هذه الثنائية الآدمية, ويعيشَ الهدوء, ليُجيد التوالُد في عالم الفناء ,و يكونَ للجمال نصيب.

    تعليق

    • منجية بن صالح
      عضو الملتقى
      • 03-11-2009
      • 2119

      #3


      وأَورثَنا صمتُنا المُتبادلُ كَفَّ العيونِ عنِ
      الاستياء
      ومرَّنَنا باجتيازِ الصقيعِ بطء الشتاءْ
      على الارتحال إلى الما وراءْ
      تقدمْ ..فنحنُ الذينَ اضْطُهِدنا وأُحْبِطَ فينا جَهيرُ النداءْ
      مشى حولنا الصيفُ حتى أذيبَ
      بأخطائنا لِيَظلَّ مُصِيبا
      فمن يَستعدُّ لهذا الهدوءِ
      يُجيدُ التوالُدَ فوقَ الفناءْ
      .,.
      خطاب الشاعر على لسان الحبيبة ,طاف بناء في فضاء رحب فكانت كأنها أغصان شجرةٍ مزهرة غطاها البهاء ,وهي تعانق مفردات السماء , و تتكلم بلغتها , و كأنها نداء للحبيب , حتى يلتحق بها إلى عالمها, فيعيشا معا روعة الخطاب الشِعري الشَاعري, الذي التحمت فيه روح الحبيبين ,فتستحيل الثنائية إلى واحد يجسده تواصل المشاعر ليتطابق معها .

      و يضيق الفضاء و يلتحم الشاعر مع القصيدة و الحبيبة في آن واحد , و يُختصر الكلامُ المُختصر و لا يبقى غيرُ بوح الصمت تحت ضوء القمر, و الذي لا يقوى على الصمودِ أمام مشاعر الحب و الهيام المتوحد والمختزَل في وجدان الشاعر, فلا يجد من مناص سوى التشظي في كفيْ الحبيبة لتصبحَ كأنها القمر, أو قطعةً منه , فالكلمة في القصيدة تأخُذُك في ترحال جميل , بين المشاعر و الطبيعة ,يكتنفك محيط من الجمال و إبداع المشاعر الراقية, التي تتواصل مع الخيال بمفردات الطبيعة الإنسانية ,على مستوى الشعور و المفردات الكونية, ليعشا معا أرقى المعاني و أسماها في تداخل بديع , لنقول ما أروع الخيال عندما يكون الحب فرَسه و فِراسَتَه النابعة من نبضِ قلب الشاعر.
      يخاطب الشاعر هذا الطيفَ الحالمَ فِيه, قمر ليله الساهر, ليقول :

      هو

      يضيقُ العبورُ إليك
      ويُختصرُ المُختَصَرْ
      ويَنفُضُ في راحتيكِ
      شظايا القمرْ

      مع هذا الهدوء, و السكينة التي يتمتع بها الشاعر في علاقته مع طيف و روح الأنثى, إلا أنه يجد صعوبة في التواصل معها ,فتكون رؤية خيال المنام هي راحِلَتَه التي تقوده إليها, لأنها تستحيل عليه في اليقظة , فتكون الكلمة هي الرسول ,وهي الرسالة, المحملة بأجمل المعاني ,لشهرزاد القصيدة و الحكاية, التي لها بداية و ليس لها نهاية, فهي حواء التي اختزل معانيها وجدان آدم, لتنفصل عنه, فتكون فيه الغائبة الحاضرة, يلاحقُها بمشاعره التي تعاني الفقد, و تنشد التواصل, ليكون الإبداع ,ويعيش آدم أسمى آيات الخلق التي حباها به الخالق.

      و ما القصيدة العاشقة إلا نداء, فقافيتها إيقاع سيمفونية تعزف لحن الحب لحياة لايمكن أن تكون إلا به . و الأنثى في القصيدة كأنها فروع شجرة تعانق الفضاء, لتعيش سموه ,و هذا ما يشكل بعدا وجدانيا ليس له زمان و لا مكان, لكن له وجود في خيال الحبيب و الذي يجعَل التواصل بعيد المنال, فهو الأصل أو لنقل هو جذع الشجرة , و أنثاه الفروع فهي فيه و منه, لكنها أيضا البعيدة القريبة. هكذا يكون الشاعر في قصيدته العاشقة مهمومابفكر التواصل و الذي لا يقدر أن يستوعبه, و لا يستطيع ذلك, حتى يتمكن من معايشة هذه الثنائية الزوجية: بمعني لا بد له أن يعي وجودها فيه ,أولا, ليستطيع أن يسكُن إليها, و يعيش السعادة معها و لا يكون هذا متاحا ,حتى يكون الحب هو القاسم المشترك الوحيد , بهذا المنطق تنتفي كل الأبعاد و يختفي وجودُها فليست لها زمان و لا مكان بل هي وهْم من اختراع العقل المادي ; و الخيال , و الذي لا يستطيع إدراك الشيء,حتى يضَع له حدودا مكانية و حيزا زمانيا..... و يقول الشاعر:

      إليك يَمُرُّ المنامُ المُحالُ
      أحلىالصُّورْ
      ويَندفعُ المهرجانُ المُقفّى
      قصائدَ غُرّ
      على صفحاتِكِ يَحلو الطَّوافُ
      ولا يَستقرْ
      على جسدٍ باتَ يَهوى السَّباقَ
      إلىالمُنحدرْ
      وفوقَ مروجِِ العذوبةِ
      عندَ الظَّفرْ
      يُعانقُ دِفءَ الليالي ويَملأُ
      حُبَّاً شطوطَ السَّفَرْ

      اختفاءالزمان و المكان و معه الوهم, يعيد للكلمة شموخَها فتصبح لها أبعادتأخذك إلى عالمها ,لأنها هي من يخلق الحركة في القصيدة ,فيصبح للمنام مرور و للمهرجان المقفى اندفاع ,وتبدع الصورة, ليكونَ للحبيبة صفحات يذوب فوقها الحبيب عشقا ,و للسفر شطوطٌ, حبلى بالحب, و لفروع الشجرة احتضان دافيء للجذع, ليتجسد الإلهام , وتكونَ شهرزاد القصيدة و الحكاية الملهِمة و الملهِبة لمشاعر الشاعر و التي تفيض على صفحات وجدانه, و بغير هذا التواصل تفقد الكلمات معانيها و القصيدة إبداعها .
      و ينتقل الشاعرُ إلى الرسم بريشة الفنان لتمتزج المشاعر و الصور بالخيال المبدع و يقول

      على وجنتَيكِ تَذوبُ الأُنوثَةُ
      بوحاً مُعنّى
      وفي مُقلتيكِ تَشعّ الفِكَر
      وتَسطعُ في ساكناتِ الليالي
      تَقودُ ارتحالي .. شريكاً أَغَرّْ
      عَبيراً تَهادى
      يُريقُ المِدادَ
      ليسرقَ كلَّ القلوبِ
      بِهمسٍ يُذيبُ الحجرْ

      و يصل الشاعر في نهاية القصيدة, إلى إدراك مصدر الإلهام و الذي ليس هو الأنثى في حد ذاتها, بل ما تختزله من أنوثة و أمومة ولادة, لها خصوبة الفكر, كما خصوبة الرحم و التي لا يمكن أن تتأتى إلا بعلاقة زوجية سليمة قوامها الحب, فللأنثى ولادة الجنين كما الفكرة التي تقود ارتحال الشاعر, في عالم الإبداع , فهي المشاعر و الشاعرة ,وهي الكلمة و المعنى ,وهي اللحظة و الزمن الذي يختزل عبير السعادة ليكون مدادا لأجمل همس ,و أروع بوح ,و أرق المشاعر, التي تترقرق و تنساب من وجدان الشاعر إلى المتلقى, لتجعلنا نختزل لحظة الإبداع و نتعايش معها, و نستمتع بهذا المخزون الوجداني و الذي يعبُر بنا إلى فضاء الشاعر ,لندرك أن الحقيقة واحدة و إن كانت مظاهرها متعددة..............

      كيف يكون ذلك ؟

      الحقيقة لا تفصح عن نفسِها حتى تتكامل الكلمة مع رديفتِها, و الشاعر مع حبيبته, ليكون الإلهام و الإبداع, و الخصوبة الفكرية و التي تنفعل و تتفاعل مع المتلقي, فتبوح الكلمة بأبعادها ,على مستوى المشاعر و الزمان و المكان و الحركة , فيكون لها روح تحلق بك, و تجعلُك تَشف و تَرف في سماء الجمال و الإبداع, فللكلمة روح وهي حياتُها ,التي تجعلَها تتواصل في مبنى القصيدة مع رديفتها, فيكون لها منطق سلس, متواصل ,يفصح عن الفكرة بالرسم و الصورة ,و التي تنقل لنا مشاعرَ صادقة, تستعمل جميع الأجناس الأدبية, لتفصح عن وجودها ,و تتجلى بكل زينتها و جمالها, لها حركة قادرة على تخليق الزمان و المكان ,ليكون لها عالمَها المتميز و الذي يفتح أبوابه للمتلقي, ليلجه و يتواصل مع مفردات الجمال و الإبداع بالحس و المعنى.

      فللكلمة أبعاد أخرى ,لا تخضع لمقاييس معروفة, بل هي من يخلُق أبعادها, ليكون لها في كل نص ثوب جديد, فهي متعددة في وحدتها ,و على قدر ما يجيد الشاعرُ التعامل مع هذه الأبعاد و تفعيلَ وجودها في القصيدة أو الحكاية ,على قدر ما تتجلى حقيقةُ وروح الكلمة للمتلقي, و يكون الإبداع و الجمال في أسمىتجلياته ,فيصبح للقصيدة قلب نابض بالحب و الحياة .

      و كان همسا, كما قال الشاعر, يذيب الحجر أهو للقصيدة أم للأنثى و الحبيبة ؟ لا أدري أو دعني أقول لكليهما معا, و كان هو ثالثَهما شاعرا مبدعا, تنبض كلماته بالحب و الحياة تنفصل عن الواقع لتتواصلمع حقيقة مشاعره ,و مع حقيقة أخرى كامنة فيه, لا تفصح عن نفسِها حتى تجد نصفها الآخر, لتكتمل فيه و به .
      و كانت الكلمة تنشد التواصل في القصيدة, كما كان الشاعر في تواصل رائع مع حبيبته ,و كان الإبداع على موعد في و مع قصيدة حكايا شهرزاد للشاعر , الناقد , المبدع صادق حمزة منذر.
      شهرزاد الحكاية و القصيدة ,هي قصة كل النساء, لأنها نصف التفاحة الذي يبحث عن نصفه الآخر, أو فرع الشجرة الذي يبحث عن أصله, أو لنقل أن الأصل يبحث دائما عن فرعه ليتكامل فيه و به و يُثمر. ففي الأصل جميع مكونات الفرع وهو لا يستطيع أن يخصب دون فروعه فتكون الزهرة و الثمرة لتتجلى لنا كأجمل ما تكون فهي أروع ما اختزلالمخلوق من جمال كان عطية الخالق .....

      مع تحيات
      خدمات رابطة محبي اللغة العربية
      محمد فهمي يوسف

      تعليق

      يعمل...
      X