لعلّ الحوار الّذي أجراه عبده وازن مع أدونيس في جريدة الحياة ينطوي - وعلى الرغم من غناه - على غموض في أجوبة أدونيس، أو لنقُل: لم يُرِِد أدونيس الحداثيّ التّعدديّ الحواريّ أن يجيب على أغلب الأسئلة الّتي طرحها عليه محاوره.
وإنّ أهمّ نقطة تستدعي النّظر - حسب رأيي - هي رأيه في محمّد الماغوط، فقد فضّل أدونيس أنسي الحاج على الماغوط غير مرّة، وقد سأله عبده وازن ذات السّؤال: لماذا تفضِّل أنيس الحاج على الماغوط؟ أجاب: شعر الماغوط طائر جميل مغرِّد، وشعر أنسي سرب من الطّيور الجميلة المغرّدة، شعر الماغوط واحد، وشعر أنسي كثير، أغنى وأعمق وأكثر تنوّعاً.
هذا هو أدونيس الّذي يجيد اللّعب في اللّغة وبها. وقد ردّ سوء علاقته بالماغوط إلى وحشيّته في التّعامل مع زوجته سنيَّة صالح شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وردَّ بأنّ كلّ التّهجّمات الّتي أشعلها الماغوط ضدّه منبعها موقف أدونيس المعادي لوحشيّة الماغوط مع زوجته سنيَّة، وبالطّبع أدونيس سيُظهِر هنا العقل الحداثيّ التّنويريّ الكبير، الّذي نادى بالحرّيّات والتّعدّديّة والاعترافِ بالآخر، ومن الطّبيعيّ أن يرفض مبدأ ضرب المرأة، ولن يسلم من غضبه أيّاً كان حتّى لو كان << عديلهُ >>.
تفسير أدونيس لسوء العلاقة مع الماغوط غير منطقيّ وغير مقنع البتًّة، ومن يدري .. ربّما تنزاح السّتائر المخمليّة يوماً عن الغبار المتراكم تحتها، لنرى أدونيس – ربما - لكز زوجته بيده، أو رماها بالقلم أو الورقة ...، وعندها ستؤول النّتيجة إلى سوء العلاقة مع أدونيس من قِبَل رفاقِ الخندق، ولا أرى في هذا التّبرير ما يدعو أدونيس لعدم قراءة الماغوط، بل وإلى عدم قراءة شعراء جيله، وهذا تعالٍ وعدمُ اعتراف بالآخر، وأدونيس ذاته قال: << في الآخر شرط لوجودي >> ومسألة الزّمن والمعاصرة ليست مبرّراً لعدم قراءة الشّاعر لابن جيله، أم أنّ أدونيس نظَّر للحداثة وكتبها؟ وكلّ ما هو دونه يدور في فلكه أو فلك صنعهُ أدونيس مكتملاً نهائيّاً؟
وفي ذات الوقت لا مانع لديه من قراءة سنيّة صالح فيما لو خيَّروه بينهما، والمسألة إذاً ليست كما يدَّعي أدونيس وكما أحبَّ أن يوضّح لمحاوره عبده وازن، فسنيَّة صالح تعتبر من جيلهم، لماذا يقرؤها ولا يقرأ الماغوط أو عبد الوهاب البياتيّ؟.
وكي يزيد أدونيس من التّعمية حول موقفه من الماغوط ويبقى في إطار العقلانيّة قال: إنَّه يرفض المفاضلة بين الشّعراء، وأردف: إنّ سنيَّة صالح مهمّة ولم تأخذ حقّها كشاعرة، واسترسل في حديثه: << لو سألتني في أفق المفاضلة: من أقرأُ الآن الماغوط أَم سنيَّة؟ لأجبتك سنيَّة >>. وهنا تكمن المفارقة، فأدونيس يرفض المفاضلة بين الشّعراء لكن لا مانع لديه من إجرائها بين الماغوط وسنيَّة.
لقد اشتغل أدونيس في الحداثة زمناً طويلاً، يجلس على برجه العاجيّ ويرشرش علينا تنبّؤات وقرارات حداثيّة، يحدّد الولادة والنّهاية، يقرّر من وراء لغته النّموذج الحداثيّ المكتمل في شخصه، ويتنكر لدوره الفكريّ ولمهمّته التي عزاها لنفسه كغيره من روّاد الحداثة، مازال يرفض الاعتراف بالآخر، ومحاولة إبعاد رموز أدبيّة كبيرة عن مقهى الحداثة الّذي ابتناه وقطنه ورفض دخول الآخرين إليه بشكل أو بآخر، وفي مجمل ما قاله عن الماغوط لم يخرج أدونيس - مهما حاول التّواري - عن إزاحة ندٍّ كبير له، هو في قرارة نفسه يعرف من هو الماغوط، ولابدّ من إثارة التّعمية والضّبابية حول الماغوط بأطر واهيةٍ غيرِ منطقيّة، كأن يحرّف الحديث عن مساره الطّبيعيّ، ويغلّفه بكل ما من شأنه أن يبعد هذا الصّرح ( الماغوط ) عن مملكة أدونيس، خوفاً من اقتحام حصونه المرمَّمة بـِ << مفرد بصيغة الجمع - هذا هو اسمي - مهيار الدّمشقيّ - ... >> وإفراد مساحة واسعة للزّمن ( زمن الشّعر ) كما حدّد أدونيس مفرداته واكتماله، فلا زمن هنالك غيره ولا شاعر سواه.
إن من يتغلغل في ما وراء الحوار الأدونيسي سيرى الماغوط ماثلاً بكل قوة أمام وداخل أدونيس، بل واقتحم أسوار أدونيس كما بيّن هذا الأخير عن كوامنه وهواجسه حيال الماغوط، وإن أبدى غير ما يُضمر.
قبل أن نردِّد شطحات أدونيس، علينا إعادة النّظر بالهيكل الّذي بناه، وكيفيّة بنائه، وعرضه على الرّيح، وعندها ... سنرى المتانة أو الهشاشة ولا ثالث لهما.
وإنّ أهمّ نقطة تستدعي النّظر - حسب رأيي - هي رأيه في محمّد الماغوط، فقد فضّل أدونيس أنسي الحاج على الماغوط غير مرّة، وقد سأله عبده وازن ذات السّؤال: لماذا تفضِّل أنيس الحاج على الماغوط؟ أجاب: شعر الماغوط طائر جميل مغرِّد، وشعر أنسي سرب من الطّيور الجميلة المغرّدة، شعر الماغوط واحد، وشعر أنسي كثير، أغنى وأعمق وأكثر تنوّعاً.
هذا هو أدونيس الّذي يجيد اللّعب في اللّغة وبها. وقد ردّ سوء علاقته بالماغوط إلى وحشيّته في التّعامل مع زوجته سنيَّة صالح شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وردَّ بأنّ كلّ التّهجّمات الّتي أشعلها الماغوط ضدّه منبعها موقف أدونيس المعادي لوحشيّة الماغوط مع زوجته سنيَّة، وبالطّبع أدونيس سيُظهِر هنا العقل الحداثيّ التّنويريّ الكبير، الّذي نادى بالحرّيّات والتّعدّديّة والاعترافِ بالآخر، ومن الطّبيعيّ أن يرفض مبدأ ضرب المرأة، ولن يسلم من غضبه أيّاً كان حتّى لو كان << عديلهُ >>.
تفسير أدونيس لسوء العلاقة مع الماغوط غير منطقيّ وغير مقنع البتًّة، ومن يدري .. ربّما تنزاح السّتائر المخمليّة يوماً عن الغبار المتراكم تحتها، لنرى أدونيس – ربما - لكز زوجته بيده، أو رماها بالقلم أو الورقة ...، وعندها ستؤول النّتيجة إلى سوء العلاقة مع أدونيس من قِبَل رفاقِ الخندق، ولا أرى في هذا التّبرير ما يدعو أدونيس لعدم قراءة الماغوط، بل وإلى عدم قراءة شعراء جيله، وهذا تعالٍ وعدمُ اعتراف بالآخر، وأدونيس ذاته قال: << في الآخر شرط لوجودي >> ومسألة الزّمن والمعاصرة ليست مبرّراً لعدم قراءة الشّاعر لابن جيله، أم أنّ أدونيس نظَّر للحداثة وكتبها؟ وكلّ ما هو دونه يدور في فلكه أو فلك صنعهُ أدونيس مكتملاً نهائيّاً؟
وفي ذات الوقت لا مانع لديه من قراءة سنيّة صالح فيما لو خيَّروه بينهما، والمسألة إذاً ليست كما يدَّعي أدونيس وكما أحبَّ أن يوضّح لمحاوره عبده وازن، فسنيَّة صالح تعتبر من جيلهم، لماذا يقرؤها ولا يقرأ الماغوط أو عبد الوهاب البياتيّ؟.
وكي يزيد أدونيس من التّعمية حول موقفه من الماغوط ويبقى في إطار العقلانيّة قال: إنَّه يرفض المفاضلة بين الشّعراء، وأردف: إنّ سنيَّة صالح مهمّة ولم تأخذ حقّها كشاعرة، واسترسل في حديثه: << لو سألتني في أفق المفاضلة: من أقرأُ الآن الماغوط أَم سنيَّة؟ لأجبتك سنيَّة >>. وهنا تكمن المفارقة، فأدونيس يرفض المفاضلة بين الشّعراء لكن لا مانع لديه من إجرائها بين الماغوط وسنيَّة.
لقد اشتغل أدونيس في الحداثة زمناً طويلاً، يجلس على برجه العاجيّ ويرشرش علينا تنبّؤات وقرارات حداثيّة، يحدّد الولادة والنّهاية، يقرّر من وراء لغته النّموذج الحداثيّ المكتمل في شخصه، ويتنكر لدوره الفكريّ ولمهمّته التي عزاها لنفسه كغيره من روّاد الحداثة، مازال يرفض الاعتراف بالآخر، ومحاولة إبعاد رموز أدبيّة كبيرة عن مقهى الحداثة الّذي ابتناه وقطنه ورفض دخول الآخرين إليه بشكل أو بآخر، وفي مجمل ما قاله عن الماغوط لم يخرج أدونيس - مهما حاول التّواري - عن إزاحة ندٍّ كبير له، هو في قرارة نفسه يعرف من هو الماغوط، ولابدّ من إثارة التّعمية والضّبابية حول الماغوط بأطر واهيةٍ غيرِ منطقيّة، كأن يحرّف الحديث عن مساره الطّبيعيّ، ويغلّفه بكل ما من شأنه أن يبعد هذا الصّرح ( الماغوط ) عن مملكة أدونيس، خوفاً من اقتحام حصونه المرمَّمة بـِ << مفرد بصيغة الجمع - هذا هو اسمي - مهيار الدّمشقيّ - ... >> وإفراد مساحة واسعة للزّمن ( زمن الشّعر ) كما حدّد أدونيس مفرداته واكتماله، فلا زمن هنالك غيره ولا شاعر سواه.
إن من يتغلغل في ما وراء الحوار الأدونيسي سيرى الماغوط ماثلاً بكل قوة أمام وداخل أدونيس، بل واقتحم أسوار أدونيس كما بيّن هذا الأخير عن كوامنه وهواجسه حيال الماغوط، وإن أبدى غير ما يُضمر.
قبل أن نردِّد شطحات أدونيس، علينا إعادة النّظر بالهيكل الّذي بناه، وكيفيّة بنائه، وعرضه على الرّيح، وعندها ... سنرى المتانة أو الهشاشة ولا ثالث لهما.