قصة قصيرة : الحــنطـة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.مصطفى عطية جمعة
    عضو الملتقى
    • 19-05-2007
    • 301

    قصة قصيرة : الحــنطـة

    قصة قصيرة الحــنطـة بقلم د. مصطفى عطية جمعة

    الأب بكار :
    حتى الحيات ، خرجت تتلظى و تلتمع جلودها المزركشة تحت نيران القرص المتعامد في السماء ، كأنه يتعقبنا .
    أيتها الأفاعي ، كفي عن اللهث ، فلن تنالي من جسـدي و لا جسـد زوجتي " برية " التي ضَمُر ثديها ، و رضيعنا معلق فيه ، و ابناي ، و ابنتي يجرون أقدامهم كأنها العصي . هل تطمعين - أيتها الأفعى - في الحنطة التي أحكمت ربطها على بطني ، و قد حفظت أعداد حبيباتها ؟
    تقعرت بطني ، لا يزال النفس يتردد ، فلا تتطلع عيونكم - أبنائي - إلى الحنطة و إن كان القلب يهُن لكن دقاته تُعالي صوت القذائف التي صَمّت إحداها أذنيّ . . . هناك في بقايا بلدتنا " بربرة " .
    تقوست ساقاي ، ليس بعد ، أمامنا ليالي حتى نصل إلى السلك الشائك للحدود . تتحسس أناملي الحنطة ، كأن ملمسها نغم . تلسعني عيونهم ، و بريق الروح يتسلل من شفاههم التي أخرست ضنًا بالرذاذ المتطاير مع الكلمات . لن أقرب حبيبة واحدة ، سأقاوم أيها الرضيع ، ألا تترك قطعة الجلد المعلقة في فيك . افتح عينيك حتى أشم الروح منها ، أو حرك أصابعك المتجمدة كالعقارب المتناثرة موتا حولنا .
    هل تشبع من سكونك . . ؟ لا . . . إنه يُذكّرني بسكون أبي في قبره تحت الأنقاض ، بينما النيران تتصاعد للنجوم .
    السكون في خلاياي . تقترب طاقة النور ، من قلبي . الآن . . . ربما الحنطة . . . تعزف الموت لي . . . . . و الحياة لكم .
    الأم برية :
    تصلبت الرمال أمام أظفارنا . أنترك عظامك تنبت الأشواك . الأرض هنا لن تجود بقبرك . أحكم ربط الحنطة حول بطني . رضيعي " فرح " فارقني مقتلعًا ثديي . ساكن بجوار من ألقى بذرته في رحمي التصق ولداي و ابنتاي ببطني . . يفكون القماش ، لا تزيدوا - فلذات كبدي - على كف من الحبات . . ثم أسرعوا بأقدامكم .

    الظلام مطبق ، و أجسادنا المتساندة في نومها ترتجف . تلك النجمة ، واهنة حركتها من المشرق إلى حيث يبتلعها المغرب . هل تتأسين - أيتها النجمة - لوحدتك في السماء أم لوحدتنا ؟ ها هو القرص يتسارع بخيوط أشعته المحرقة . تفتحت أبصارنا تتخطى تماس الأفق من بعيد .
    شدوا يدي - أبنائي - ليلة واحدة ، منذ فارقتنا يا " بكار " و يا " فرح " . الحنطة تتناقص و أنفاسكما تلاحقني . دعوا يدي . . فالصمت يملأ جسدي .
    عيونكم ستواصل المسير نحو سلك الحدود الشائك ، حيث هناك يهطل الماء ، و يلمع رذاذه من السماء . الصمت الآن . . .
    . . . . . . له رنين مع طاقة النور التي تدنو مني .
    الولدان و البنت :
    عند رأس " برية " تقول البنت : " لا تنهوا الحنطة حتى نستطيع أن نصل " . توقفت أسنان الولدين ، كان الأفق ملتفًا بالاحمرار . تلفتت عيونهم ، تصرخ في الجسد المسجي . . . .
    " أين السلك الشائك يا أمنا ؟ ، أفيقي ، و أشيري لنا . . سنعدوا نحوه ، قد شبعنا . . أشيري . . أشيري . . ".
    تقول البنت : " أمنا " برية " مع " فرح " و أبي " بكار" لا تقلقوها " .
    . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
    النجمة تسرع من المشرق للمغرب ، مرات ، و مرات . . عيونهم . . الآن . . معلقة بالجسد الذي بدأ في الانتفاخ و قد ازدادت بطونهم تقعرًا ، يصطرخون جوعًا . . .
    . . . . . ثم تلاحقت . . . أسنانهم على اللحم المنتفخ .
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    قاسي هو الجوع وأقسى منه عندما نعبر عنه بحرقة
    وخفايا السطور توحي بالمزيد...
    تحية لقلمك

    تعليق

    • د.مصطفى عطية جمعة
      عضو الملتقى
      • 19-05-2007
      • 301

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
      قاسي هو الجوع وأقسى منه عندما نعبر عنه بحرقة
      وخفايا السطور توحي بالمزيد...
      تحية لقلمك
      الأخت ريمة
      خالص شكري وتقديري لهذا المرور الفاعل
      تقبل مودتي

      تعليق

      • د. جمال مرسي
        شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
        • 16-05-2007
        • 4938

        #4
        قمة الإيثار أن يموت المرء جوعاً في سبيل أن يعيش أبناؤه
        و قمة القسوة أن يؤكل من لحم ميت انتفخ بطنه موتاً في حين ضمرت بطون آخرين جوعاً
        و كلاهما أمر من الآخر
        يذكرني هذا المشهد المحزن و المبكي الذي صورته بعدسة مصور فنان بصور المجاعات العديدة التي تحدث
        في معظم بلدان العالم عامة و الإفريقية خاصة .
        و أذكر أني شاهدت صورة لعقاب أصابه الهزال رغم انتشار جثث الموتى حوله فوقف على بعد
        حزينا و كأن نفسه عافت أن تأكل لحم ميت
        الجوع و المجاعات تبكينا و ربي
        و قد أججت دمعة الألم هنا أكثر في أحداقنا أخي د. مصطفى
        قصة واقعية أخسنت سردها و توصيفها
        محبتي و تقديري
        sigpic

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #5
          مررت من هنا للذكرى و لتحية أخوين عزيزين:
          الدكتور مصطفى عطية جمعة، الأديب الناقد ؛
          و الدكتور جمال مرسي الأديب الشاعر ؛
          و أحيي أختنا الفاضلة أم فراس، السيدة ريمة الخاني، الأديبة المتميزة.

          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          يعمل...
          X