مُحَاوَلاتٌ لِلابْتِسَام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    مُحَاوَلاتٌ لِلابْتِسَام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    مُحَاوَلاتٌ لِلابْتِسَام
    صقر أبو عيدة


    أَحَاوِلُ أَنْ أُ
    زَيِّنَ بَسْمَةً..
    كَانَتْ مُعَلَّقَةً عَلى شَفَتِي
    فَيَبْلَعُهَا خَرَابُ الأَرْضِ..
    وَالطُّرُقَاتُ فَيضُ ظَلامْ
    عَلى أَجْفَانِهَا وَشْمٌ بِلَونِ الْبَغْيِ..
    تَنْحَتُهُ خَنَاجِرُ مَزَّقَتْ مِنْ قَبْلُ عُشَّ حَمَامْ

    *****

    يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..
    فَبِأَيِّ بَالٍ نَغْمِسُ الأَفْرَاحَ بِالزَّيتُونِ..
    وَالْوُدُّ اجْتَوَى أَثْوَابَهُ وَتَحَرَّقَتْ..
    لَمَّا طَغَى نَابُ الْخِصَامِ وَحَامْ
    وَظِلُّ الْيَاسَمِينِ غَفَا عَلى أَلْغَامْ

    *****

    سَأُهْدِي بَسْمَتِي يَومَاً
    لِدَالِيَةٍ تَرَى كَبِدَ الدِّيَارِ تَقَيَّأَتْ أَسْقَامَهَا..
    وَالْخَصْمَ يَفْقِدُ شَهْوَةَ الْعُدْوَانِ لِلأشجَارِ..
    يَومَ أَقُولُ لِلْقَاضِي وَبَينَ يَدَيَّ رَأْسُ بُنَيَّتِي..
    رَقَصَتْ عَلَى عَظْمَاتِهَا دَبَّابَةٌ رَفَعَتْ غُصُونَ سَلامْ
    فَكَيفَ تُفّسِّرُ الشَّكْوَى إلى اللهِ؟
    وَكَيفَ تَنَامْ؟

    *****

    إِذَا أَنْتَ الْمُرَادُ وَتَحْمِلُ الْقُرْبَانَ وَالْمَهْلِكْ
    وَتَنْتَظِرُ الصَّبَاحَ تُقَلِّبُ الأَنْفَاسَ في أَهْلِكْ
    وَطِفْلُكَ مِنْ سُبُولِ الشَّمْسِ لا يَمْلِكْ
    سِلاحُكَ زَنْدُ مِذْرَاةٍ وَلِمْ تُشْرَعْ عَلَى جُرْنِكْ
    فَكَيفَ تَنَامْ؟

    *****

    يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..
    وَالْمَوتُ يَضْحُكُ مِلْءَ شِدْقَيهِ
    يُعَرِّسُ في عُيُونِ الأَرْضِ لَمْ تَشْبَعْ خَوَابِيهِ
    وَيَنْزِعُ مِنْ فَمِ اللَّوزَاتِ طَعْمَ حُقُولِنَا..
    وَسُيُوفُنَا ثَقُلَتْ بِهَا الأَحْلامْ

    *****

    يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..
    وَالْحُرُّ يَبْهَتُ مِنْ مُسَاوَمَةٍ وَحَبْسِ هَوَاءْ
    وَيَسْكُنُ في التَّمَنِّي وَاحْتِسَاءِ خَوَاءْ
    فَقَدْ جُبَّتْ مُرُوءَتُهُ بِلَيلٍ وَالْبِلادُ عَرَاءْ
    وَتُسْلَبُ بَينَ أَنْدِيَةٍ وَطُولِ هِيَامْ

    *****

    وَعِنْدِي بَسْمَةٌ في البَالِ أُخْفِيهَا
    لِمَنْ يَأْتِي وَيَجْلِبُ فَرْحَةً لِفَرَاشَةٍ تَسْعَى
    تُجَفِّفُ في الْفَضَاءِ جَنَاحَهَا وَتُبَدِّلُ الْمَرْعَى
    وَتَنْسِجُ مَصْنَعاً مِنْ خُبْزِهِ الْحَلْوَى
    عَلى طَلَلٍ وَفَوقَ رُكَامْ



    الشاعر: صقر سلمان أبو عيدة
    اسم الشهرة صقر أبو عيدة
    مواليد الثالث من كانون ثاني، يناير ١٩٦١
    مكان الميلاد:فلسطين
    العنوان الحالي:الإمارات
    الجنسية الأصلية:فلسطيني
    التخصص الجامعي:دراسات إسلامية
    اسم الجامعة، والدولة التابعة لها: الأوزاعي
    سنة التخرج:2000
    الشهادة الجامعية: ليسانس


  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2



    قــــــراءة فـــــي قصيـــــدة
    مُحَـــــاوَلاتٌ لِلابْتِسَــــام
    للشـــــــــاعر
    صقــــــر أبـــــو عيـــــــدة



    يعيشنا الخيال، وينسج مفرداتنا بكل تفاصيلها ويحتل واقعنا؛ لنكون المفعول به، وهو الفاعل المتربع على عرش الفكر والأرض.
    منذ القدم والإنسان يخوض معترك الحياة؛ ليحقق طموحا، وسعادة بطعم الفرح، وألوان قوس قزح, لكن كل ما مرت الأيام كل ما ازدادت حياته قتامة و حزنًا . يفرض الإنسان خياله على الواقع؛ ليحقق مفردات سرعان ما تتحول إلى سراب؛ لتترك له حرقة العطش في صحراء نفسه.

    نخال الواقع حقيقة وما هو إلا جثة هامدة ملقاة على أرضنا القفر؛ وفي صحراء تعاستنا لعدم إدراك كنه وجودنا, فيكون الحزن ألما، والواقع رحِمه الذي يتخلق فيه.
    هكذا يكون الإنسان مفعولا به من الخيال، والذي له من الكبر، والغرور ما يجعله يتصور أنه فاعل؛ فيدوس على كل القيم، والمبادئ؛ لينجز طموحه المشبع بالسراب، والذي سرعان ما يتبخر على أرض الواقع، ويجعله يركض؛ ليلحقه، ويمسك بوجوده.

    هو وهم من صنع النفس البشرية التي أضناها مرض الكبر، والذي تحول إلى طغيان، وبطش بإنسانيته أولا, وبالمجتمع ثانيا, ويكون الإنسان ربان سفينة الخيال, يبحر في التاريخ، وينتقل بها عبر محيطات الزمان, وله محطات يقوم فيها بدور الطاغية،؛ فيفسد الحرث، والزرع؛ ليقول "أنا ربكم الأعلى".

    هكذا كان فرعون صورة للنفس البشرية التي تتخلص من عقالها؛ فيمتلكها الهوى، وسحر الخيال، وجبروت السلطة، والمال. تتحدى البشر، والحجر، وتبطش بكل من يخالفها أو يعترض سبيلها أو يحاول مقاومتها؛ فقصور العقل له قصر نظر يجعله يرى الذرة مجرة، والواقع حقيقة، والتعاسة سعادة، والحزن فرحًا. تنقلب المفاهيم رأسا على عقب، ويكون للعقل تصرف بمقتضاها فما هو إلا أداة تعقل ما نتبنى وجوده من فكر طاله التحريف؛ فتوارت من أمامه الفطرة السليمة. ويكون للنفس سحر من صُنعها وهي التي أضناها الكبر و امتلكهاالهوى . يصلب الإنسان الحقيقة ليعيش الخيال هكذا فعل بنو إسرائيل لسيدنا عيسى عليه السلام صلبوه لينعموا بحياة سحر الهوى. لقد خيل لهم أنهم صلبوا الحقيقة لكنه سبحانه و تعالى رفعها من بين أيديهم فهم لا يستحقون وجودها وهي باقية حتى يرث الله الأرض و من عليها فهي تتوارى عن أعين الطغاة؛ لتتركهم في طغيانهم يعمهون عسى أن يتعظ الإنسان و يقرأ التاريخ، ويدرك مفرداته.

    لكن مع الأسف الشديد يبقى الإنسان في كثير من الأحيان بشريًّابطبعه البدائي يحتضن في داخله حيوانا مفترسا يأتي على الأخضر، واليابس؛ ليفرض وجودا عقيما قاتلا، ومفترسا لكيانه الإنساني الفطري، ولغيره من أبناء جنسه. يلهث وراء سراب يخاله طموحا, و ضعفا يحسبه قوة, وسعادة في رداء حداد .
    كل هذه المفاهيم اختزلتها قصيدة الشاعر صقر أبوعيدة الذي أبدع في رسم خيال الطاغية، والذي اغتال الإنسان ومعه كل مفردات السعادة، والجمال,؛ ليصور لنا قبح النفس البشرية المتفردة بالمال، والسلطة, بالزمان، والمكان, وهي تحسب أنها المتحكمة في الخلق في محاولة غبية لتحدي الخالق سبحانه وما هو إلا جهل، وحيوانية في أدنى مستوياتها القبيحة لأنها تتجاوز الحيوان بالعقل الذي يسخره الشيطان؛ ليسوق الإنسان إلى حتفه، ويعجل أجله. فالكلمة في فم الطاغية سلاح يغتال به مفردات السعادة، والجمال، والفرح، يقول الشاعر:

    أَحَاوِلُ أَنْ أُزَيِّنَ بَسْمَةً..
    كَانَتْ مُعَلَّقَةً عَلى شَفَتِي
    فَيَبْلَعُهَا خَرَابُ الأَرْضِ..
    وَالطُّرُقَاتُ فَيضُ ظَلامْ
    عَلى أَجْفَانِهَا وَشْمٌ بِلَونِ الْبَغْيِ..
    تَنْحَتُهُ خَنَاجِرُ مَزَّقَتْ مِنْ قَبْلُ عُشَّ حَمَامْ

    وتفقد البسمة وجودها و يعم الخراب الذي تجعلنا الكلمة نعيش قتامة لها حزن و بغي ظالم ظلمة الليل الحالك السواد,؛ لتصبح الكلمة خنجرا يغتال السلام، يقول الشاعر:

    يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..
    فَبِأَيِّ بَالٍ نَغْمِسُ الأَفْرَاحَ بِالزَّيتُونِ..
    وَالْوُدُّ اجْتَوَى أَثْوَابَهُ وَتَحَرَّقَتْ..
    لَمَّا طَغَى نَابُ الْخِصَامِ وَحَامْ
    وَظِلُّ الْيَاسَمِينِ غَفَا عَلى أَلْغَامْ

    فلم يعد للبسمة مكان، ولا للأفراح زيتون فكل المفردات أحرقتها نار الصراع المحتدم بين البشر، والمتأجج لهيبه على أرض الإنسان، والطبيعة الجغرافية التي أصبحت مخزن ألغام تغفو عليه ظلال الياسمين، يقول الشاعر:

    يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..
    وَالْمَوتُ يَضْحُكُ مِلْءَ شِدْقَيهِ
    يُعَرِّسُ في عُيُونِ الأَرْضِ لَمْ تَشْبَعْ خَوَابِيهِ
    وَيَنْزِعُ مِنْ فَمِ اللَّوزَاتِ طَعْمَ حُقُولِنَا..
    وَسُيُوفُنَا ثَقُلَتْ بِهَا الأَحْلامْ

    وتختفي الابتسامةليضحك الموت و يبدع خيال الشاعر، ليبتكر صورا تتجدد في القصيدة؛ لتصف طغيان الإنسان على الإنسان، والأرض، والشجر، والحجر، وتفقد الحقول طعمها من شجر اللوز, ويعرس الموت ليتوالد, ويتكاثر، وتكون السيوف مأوى لأحلام البشر تثقل وجودها، وتفقدها خاصية الحركة؛ فتكون وهما يعشش في العقل، ويثمر فكرا مهزوما قبل ولادته، يقول الشاعر:



    يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..
    وَالْحُرُّ يَبْهَتُ مِنْ مُسَاوَمَةٍ وَحَبْسِ هَوَاءْ
    وَيَسْكُنُ في التَّمَنِّي وَاحْتِسَاءِ خَوَاءْ
    فَقَدْ جُبَّتْ مُرُوءَتُهُ بِلَيلٍ وَالْبِلادُ عَرَاءْ
    وَتُسْلَبُ بَينَ أَنْدِيَةٍ وَطُولِ هِيَامْ

    و تختفي البسمة على شفاه الحُرّ كما تختفي المروءة في ظلام العراء، ويبدع الشاعر، ويجعل الأضداد تتقابل؛ ليكون التمني خواء، والمروءة عراء، وتفقد الكلمات وجودها، ويكون المعنى المصلوب في بيت القصيد حاضرا حسا، ومعنى كما فقد السيف خفة حركته، وأقعدته أوهام الأحلام، يقول الشاعر:

    سَأُهْدِي بَسْمَتِي يَومَاً
    لِدَالِيَةٍ تَرَى كَبِدَ الدِّيَارِ تَقَيَّأَتْ أَسْقَامَهَا..
    وَالْخَصْمَ يَفْقِدُ شَهْوَةَ الْعُدْوَانِ لِلأشجَارِ..
    يَومَ أَقُولُ لِلْقَاضِي وَبَينَ يَدَيَّ رَأْسُ بُنَيَّتِي..
    رَقَصَتْ عَلَى عَظْمَاتِهَا دَبَّابَةٌ رَفَعَتْ غُصُونَ سَلامْ
    فَكَيفَ تُفّسِّرُ الشَّكْوَى إلى اللهِ؟
    وَكَيفَ تَنَامْ؟

    تعليق

    • منجية بن صالح
      عضو الملتقى
      • 03-11-2009
      • 2119

      #3



      ويعترف الشاعر أن له بسمة احتفظ بها لنفسه حتى لا يدنسها خيال الإنسان، وطغيانه لأنه يعمل جاهدا على اغتيالها، وهو لم يفلح في ذلك, لقد كان الشاعر واعيا بحقيقة الخيال فأخفى أجمل ما فيه؛ ليهديه لمن يستحق, لدالية ترى كبد الديار، وقد تقيأت أسقامها، وتخلصت منها بطريقتها، صورة حوت جمال روح الشاعر المقاومة للقبح الواعية بحقيقة وجودها المتوازن، والرافض للعدوان، والصراع، وأسقام البشر النفسية.

      ولا يخاف الشاعر من مواجهة القاضي بالفعل، والكلمة، وهو يرسم له أبشع جريمة يمكن أن تحدث على الأرض، ويسأله سؤالا لا يستطيع أي إنسان الإجابة عليه لكن جوابه يكون عند محترفي القتل فاقدي الإنسانية و كل من اختزل داخله شيطانًاأخرس؛ ليقول له كيف تنام ؟ و لسان حاله يقول أيضا كيف تموت ؟ لأن النوم هو موت أصغر سيكون لنا بعده موت محتوم، يقول الشاعر:

      إِذَا أَنْتَ الْمُرَادُ وَتَحْمِلُ الْقُرْبَانَ وَالْمَهْلِكْ
      وَتَنْتَظِرُ الصَّبَاحَ تُقَلِّبُ الأَنْفَاسَ في أَهْلِكْ
      وَطِفْلُكَ مِنْ سُبُولِ الشَّمْسِ لا يَمْلِكْ
      سِلاحُكَ زَنْدُ مِذْرَاةٍ وَلِمْ تُشْرَعْ عَلَى جُرْنِكْ
      فَكَيفَ تَنَامْ؟

      استرسالالشاعر في السؤال دليل على عدم قدرته إدراك المنظومة الفكرية التي تسير الطاغية و تملي عليه تصرفاته الدموية؛ فيجعل منه الجلاد، وصاحب القربان؛ ليتقابل فيه المعنى وضده، ويسأله بحرقة كيف تنام؟!
      في خضم تداخل المعاني، وصراع المفردات يعجز الشاعر عن الإدراك لأن المفاهيم تنقلب رأسا على عقب؛ لتعيد تشكيل نفسها من جديد فتكون الصورة أخرى، والمعنى غيره وتعم الفوضى منطق الكلمات كما عمت أرض الإنسان، وكأن اللغة تصبح ساحة قتال تتصارع فيها المفردات؛ لتسيل معانيها، وتتداخل كدم الشهداء على أرض الإنسان، والبيان، يقول الشاعر:

      وَعِنْدِي بَسْمَةٌ في البَالِ أُخْفِيهَا
      لِمَنْ يَأْتِي وَيَجْلِبُ فَرْحَةً لِفَرَاشَةٍ تَسْعَى
      تُجَفِّفُ في الْفَضَاءِ جَنَاحَهَا وَتُبَدِّلُ الْمَرْعَى
      وَتَنْسِجُ مَصْنَعاً مِنْ خُبْزِهِ الْحَلْوَى
      عَلى طَلَلٍ وَفَوقَ رُكَامْ

      ويخفي الشاعر بسمته وكأنه يخفي جمال روحه حتى لا يغتاله طاغوت المعنى، والكلمة مغتصبة للأرض، والعرض، والفكر, فالجمال يأبى أن يواجه القبح, والموت لا يمكن أن يثمر حياة.
      ويبدع الشاعر صورا تأخذك إلى عالمه الذي يهرب إليه,؛ ليرسم فراشة تجفف جناحها، و تبدل المرعى حتى يتخلق الخلق من جديد، ويتخلص من الدمار الذي احتلّ) فكره ودمر به نفسه ثم غيره, وكأنه يريد أن يقول إنّ أفعالنا هي نتيجة مرعانا فإذا أردناها أن تتغير لا بد أن نغير الأرضية التي يقتات عليها فكرنا والتي تغذي وجوده المعرفي؛ لينسج من كلمات المعاني مصنعا يكون خبز حلوى تتنعم بها روحه الذواقة للجمال؛ فيختفي القبح، وترتسم البسمة على الشفاه من جديد دون حاجة لتصنيعها، وتزيينها.

      و كأن للشاعر بسمة أخيرة تختزل حياة البشرية لأنها الجمال الذي يقاوم القبح، والذي يكون هدية لمن يأتي بعده, ومعه فرح, يسعى لفراشة تكون جمالا فيه، ومنه الحياة.
      لا يكفي أن نستشعر الجمال داخلنا ونطمح إليه بل يجب أن نهديه لمن نراه في حاجة إليه لأنه السلاح المقاوم بالفكرة، والكلمة، والمعنى لقبح الطغاة، والذين كانت لهم الجرأة، وقوة الجبروت التي جعلتهم ينفذون على الأرض مفردات قبحهم من اغتصاب للإنسان، وقوته، والأرض، وخيراتها .

      فوعي الشاعر بقضيته التي هي قضية الأمة نسج كلمات القصيدة، وشكل روحها؛ فتقابلت فيها المفارقات؛ لتبنيَ وجودها, فكانت مرآة عاكسة لفجور النفس، وتقواها منتهى القبح مقابل منتهى الجمال؛ لتتجلى لنا حقيقة وجودنا بكل أبعادها الإنسانية الإيجابية في الحياة، والسلبية المميتة لها والتي فيها خراب الإنسان، وموت البيان.

      فالقبح الذي يحتل الداخل الإنساني يختزل وجوده، ويشكل مفرداته؛ ليكون هو نفسه أول ضحاياه , بعدها يصبح الطاغية ماردا متحركا يزرع الموت، والخراب من حوله؛ ليتناثر الركام، ويهدم البيوت على أصحابها، وتموت الكلمات في الحناجر، ويتحجر الإحساس، ويُفقد التوازن في الطبيعة الإنسانية، والجغرافية على السواء، وندرك زمانا نرى فيه كيف يموت الإنسان؛ ليخرس البيان، ويعيش فينا الحيوان المفترس للقيم، والمبادئ .
      كانت القصيدة محاولات للابتسام جاهد فيها الشاعر حزنا ألمّ به نتيجة واقع له من القبح ما تنهدّ له الجبال فعندما يقول:

      يَومَ أَقُولُ لِلْقَاضِي وَبَينَ يَدَيَّ رَأْسُ بُنَيَّتِي..
      رَقَصَتْ عَلَى عَظْمَاتِهَا دَبَّابَةٌ رَفَعَتْ غُصُونَ سَلامْ

      تصمت الكلمات؛ لتكون الدمعة لغة تحرق وجود كل شيطان مريد للشر قاتلا للخير، و الجمال الإنساني، فالدبابة عند الطاغية نفاق يرفع غصن سلام ليسأل الشاعر القاضي في حرقة و يقول:

      فَكَيفَ تُفّسِّرُ الشَّكْوَى إلى اللهِ؟
      وَكَيفَ تَنَامْ؟

      و يبقى سؤال الشاعر لكل طغاة العالم عالقا بدون جواب ظاهره شفقة، وباطنه تشفٍّ يعتصره الألم، والحزن .

      لقد كانت القصيدة تجسيدا لواقع مرير، وفي نفس الوقت ثورة صامتة عرت القبح الإنساني، وجبروته في مقابل جمال فطري نتوق إليه، ولا نعرف كيف نتواصل معه لكن الشاعر كان رقيق الحس مرهفه, ووجد أن البسمة التي يخفيها لمن يعيش الفرحة بقلبه هي بساط سليمان المحلق به في عالم الطبيعة المختزل لوجود الجمال في أجنحة فراشة. صورة كان الإبداع فيها حاضرا بكل مفرداته؛ ليكون له إشراق بالكلمة، والمعنى في وجدان المتلقي.

      فللعطاء سعادة لا يمكن أن يعرفها الطاغية، وللفرح عين قريرة، وللحزن عين كليلة .

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة منجية بن صالح مشاهدة المشاركة
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



        مُحَاوَلاتٌ لِلابْتِسَام



        صقر أبو عيدة




        أَحَاوِلُ أَنْ أُزَيِّنَ بَسْمَةً..



        كَانَتْ مُعَلَّقَةً عَلى شَفَتِي



        فَيَبْلَعُهَا خَرَابُ الأَرْضِ..



        وَالطُّرُقَاتُ فَيضُ ظَلامْ



        عَلى أَجْفَانِهَا وَشْمٌ بِلَونِ الْبَغْيِ..



        تَنْحَتُهُ خَنَاجِرُ مَزَّقَتْ مِنْ قَبْلُ عُشَّ حَمَامْ






        *****






        يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..



        فَبِأَيِّ بَالٍ نَغْمِسُ الأَفْرَاحَ بِالزَّيتُونِ..



        وَالْوُدُّ اجْتَوَى أَثْوَابَهُ وَتَحَرَّقَتْ..



        لَمَّا طَغَى نَابُ الْخِصَامِ وَحَامْ



        وَظِلُّ الْيَاسَمِينِ غَفَا عَلى أَلْغَامْ






        *****






        سَأُهْدِي بَسْمَتِي يَومَاً



        لِدَالِيَةٍ تَرَى كَبِدَ الدِّيَارِ تَقَيَّأَتْ أَسْقَامَهَا..



        وَالْخَصْمَ يَفْقِدُ شَهْوَةَ الْعُدْوَانِ لِلأشجَارِ..



        يَومَ أَقُولُ لِلْقَاضِي وَبَينَ يَدَيَّ رَأْسُ بُنَيَّتِي..



        رَقَصَتْ عَلَى عَظْمَاتِهَا دَبَّابَةٌ رَفَعَتْ غُصُونَ سَلامْ



        فَكَيفَ تُفّسِّرُ الشَّكْوَى إلى اللهِ؟



        وَكَيفَ تَنَامْ؟






        *****






        إِذَا أَنْتَ الْمُرَادُ وَتَحْمِلُ الْقُرْبَانَ وَالْمَهْلِكْ



        وَتَنْتَظِرُ الصَّبَاحَ تُقَلِّبُ الأَنْفَاسَ في أَهْلِكْ



        وَطِفْلُكَ مِنْ سُبُولِ الشَّمْسِ لا يَمْلِكْ



        سِلاحُكَ زَنْدُ مِذْرَاةٍ وَلِمْ تُشْرَعْ عَلَى جُرْنِكْ



        فَكَيفَ تَنَامْ؟






        *****






        يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..



        وَالْمَوتُ يَضْحُكُ مِلْءَ شِدْقَيهِ



        يُعَرِّسُ في عُيُونِ الأَرْضِ لَمْ تَشْبَعْ خَوَابِيهِ



        وَيَنْزِعُ مِنْ فَمِ اللَّوزَاتِ طَعْمَ حُقُولِنَا..



        وَسُيُوفُنَا ثَقُلَتْ بِهَا الأَحْلامْ






        *****






        يَقُولُونَ ابْتَسِمْ..



        وَالْحُرُّ يَبْهَتُ مِنْ مُسَاوَمَةٍ وَحَبْسِ هَوَاءْ



        وَيَسْكُنُ في التَّمَنِّي وَاحْتِسَاءِ خَوَاءْ



        فَقَدْ جُبَّتْ مُرُوءَتُهُ بِلَيلٍ وَالْبِلادُ عَرَاءْ



        وَتُسْلَبُ بَينَ أَنْدِيَةٍ وَطُولِ هِيَامْ






        *****






        وَعِنْدِي بَسْمَةٌ في البَالِ أُخْفِيهَا



        لِمَنْ يَأْتِي وَيَجْلِبُ فَرْحَةً لِفَرَاشَةٍ تَسْعَى



        تُجَفِّفُ في الْفَضَاءِ جَنَاحَهَا وَتُبَدِّلُ الْمَرْعَى



        وَتَنْسِجُ مَصْنَعاً مِنْ خُبْزِهِ الْحَلْوَى



        عَلى طَلَلٍ وَفَوقَ رُكَامْ








        الشاعر: صقر سلمان أبو عيدة

        اسم الشهرة صقر أبو عيدة
        مواليد الثالث من كانون ثاني، يناير ١٩٦١
        مكان الميلاد:فلسطين
        العنوان الحالي:الإمارات
        الجنسية الأصلية:فلسطيني
        التخصص الجامعي:دراسات إسلامية
        اسم الجامعة، والدولة التابعة لها: الأوزاعي
        سنة التخرج:2000
        الشهادة الجامعية: ليسانس



        الزميلة القديرة
        منجية بن صالح
        لن أعلق كي أتقاطع معك مطلقا
        فقد رأيت الجمال والقبح والصورة الأولى قبلي
        وعليه لك الأولوية التي لن ينافسك عليها أحد
        جاءت القصيدة مغموسة بالوجع الكبير
        على الإنكاسارات المؤلمة
        على محاولة الإبتسام المتشبع بالألم
        ومن أين بدأت الحكاية
        أ من حيث رأس الصغيرة بين يدي أبيها
        أم من حيث يوم اغتصبت الأرض وأصبحت ملكا لأغراب
        أم
        من حيث بدأ الظلام يخيم على الأرض المقدسة وأصبح غصن الزيتون مغمسا بلون الدم
        فكيف ننام أونبتسم
        وكل ماحولنا أصبح قاتم اللون
        بلون الدماء التي سفكت
        سفحت على التراب تسقيه ولا تشبع
        ولن تفعل أقولها جازمة
        لأن مامن أرض ارتوت من دماء المخلدين
        شهداء الحرية
        ربما اسقطت النص على وضع تعيشينه وتحسين به وهذا حق مشروع لك
        ولي أيضا
        لكنني لن أختلف مطلقا أن الشاعر كان مفعما بالرؤية التفائلية وهو يقول أن عنده في البال بسمة يخفيها لمن يجيء بفرحة الفراشة
        وهنا أبدع الشاعر فعلا لأنه كان متفائلا وربما استشرق الحاضر
        كل الود لك منجية الغالية
        ولن نختلف مطلقا
        أشكرك لأنك أزحت الركام عن هذه الملحمة
        ولابن فلسطين الأبية الصقر أبو عيدة ألف تحية
        ودي ومحبتي لك
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • منجية بن صالح
          عضو الملتقى
          • 03-11-2009
          • 2119

          #5
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          الأديبة القديرة عائدة محمد نادر

          شرف لي تعليقك عزيزتي على مقالة كتبتها بمشاعر هي وليدة زمن الوجع و الذي تعيشه أمتنا الحبيبة أمة إقرأ التي لا تقرأ تاريخها و حضارتها لتتعلم و تلقي بالجهل و الأمية الفكرية خارج أسوارها و للأفراد نصيب من هذا الوجع الذي يكمن داخلنا لينسج لنا رداء حداد نرى من خلاله واقعنا الحزين والذي يدنسه المحتل بفساده و فكره الطاغية
          نص مشبع بالألم و الحزن لكن يتخلل نسيجه أشعة شمس قادمة من بعيد تستفيق لها الروح فتكون لها بسمة خجلة تكتنزها لمن يستحقها
          هي الرسالة التي أراد الشاعر أن تنجلي أمامها الظلمة التي تكتنفنا عند إهتزازات الواقع الأليم و الذي يريد أن يذكرنا بوجوده وقت الأزمات
          شكرا لك على الحضور و أتمنى أن تشاركيني القراءة حتى نحيط بكل جوانب النص و نثري الحوار وتتلاقح الأفكار
          لك كل ودي و محبتي

          تعليق

          • فايزشناني
            عضو الملتقى
            • 29-09-2010
            • 4795

            #6
            أرى أن الشاعر صقر أبوعيدة قد حاول انتشال بعض الابتسامات من بين الركام والنار
            وأشار إلى أنه رغم الآلام والقهر تشق بعض الابتسامات طريقها كي تثبت أنه مازال هناك أمل
            ووضعنا في اكثر من مكان شبه عراة ونحن نتابع تقطيع الأشلاء وسحق العظام نجترّ الأماني
            وأحلامنا صدأت وماتت من الصقيع ، فلا سيف يرفع ولا غصن زيتون ينفع ؟؟؟
            هي محاولات يائسة للابتسام
            ومناشدة العالم السلام
            أحببت قصيدة الشاعر صقر
            وأحببت ما قدمته الأخت منجية صالح من جهد
            تحية لكل من يتحفنا بالجمال
            هيهات منا الهزيمة
            قررنا ألا نخاف
            تعيش وتسلم يا وطني​

            تعليق

            • صقر أبوعيدة
              أديب وكاتب
              • 17-06-2009
              • 921

              #7
              الأخت الأديبة الراقية
              منجة بن صالح
              كم أنا سعيد بهذا الإثراء الذي رسم للنص طريقا للوصول للمهتمين
              قراءة واعية وافية رسمت بريشة الإبداع التي تلونت بالحب والإخلاص والصدق
              حقا..كان النص يحتاج لقارئ أريب محب صادق ليعطيه ما ينقصه من جمال
              شكرا لك أخيتي على ما تقدمينه من أبداع
              أختي النبيلة
              وصلتي رسالتك وأعتذر عن تأخيري في الرد وذلك لظروف ليست بإرادتي
              سعادتي لا توصف بحصول نصي المتواضع على قلمكم الكريم
              أقول لك أيتها النبيلة
              أنني كنت من المشاركين المتواصلين في هذا المنتدى الراقي الذي أفتخر به
              ولكن حصلت أمور جعلتني أتوقف لأني لا أحب الصراعات ونحن جميعا إخوة يجمعنا قلم الحب
              وهنا أحببت أن أعود للمشاركة بقصيدة جديدة وذلك تقديرا لجنابكم النبيل
              حفظك الله

              تعليق

              • منجية بن صالح
                عضو الملتقى
                • 03-11-2009
                • 2119

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة فايزشناني مشاهدة المشاركة
                أرى أن الشاعر صقر أبوعيدة قد حاول انتشال بعض الابتسامات من بين الركام والنار
                وأشار إلى أنه رغم الآلام والقهر تشق بعض الابتسامات طريقها كي تثبت أنه مازال هناك أمل
                ووضعنا في اكثر من مكان شبه عراة ونحن نتابع تقطيع الأشلاء وسحق العظام نجترّ الأماني
                وأحلامنا صدأت وماتت من الصقيع ، فلا سيف يرفع ولا غصن زيتون ينفع ؟؟؟
                هي محاولات يائسة للابتسام
                ومناشدة العالم السلام
                أحببت قصيدة الشاعر صقر
                وأحببت ما قدمته الأخت منجية صالح من جهد
                تحية لكل من يتحفنا بالجمال
                الأديب الكريم فايز شناني

                المحاولات للإبتسام هي شعاع الأمل المتبقي لنا حتى تستمر الحياة فينا رغم الألم الذي حرك القلم و جعله ينتحب على أوراقنا ليكون مداد الكلمات دموعا تطهرنا من سنين الفساد و الطغيان
                أبدع الشاعر في الرسم بالكلمة الصادقة الوفية للأرض والوطن فكانت الصورة تتواصل فينا و معنا لتقول كل الأمة تعيش على أرض فلسطين
                شكرا على تعليقك و قراءتك للقصيدة و المقال
                تحياتي و تقديري

                تعليق

                • منجية بن صالح
                  عضو الملتقى
                  • 03-11-2009
                  • 2119

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة صقر أبوعيدة مشاهدة المشاركة
                  الأخت الأديبة الراقية
                  منجة بن صالح
                  كم أنا سعيد بهذا الإثراء الذي رسم للنص طريقا للوصول للمهتمين
                  قراءة واعية وافية رسمت بريشة الإبداع التي تلونت بالحب والإخلاص والصدق
                  حقا..كان النص يحتاج لقارئ أريب محب صادق ليعطيه ما ينقصه من جمال
                  شكرا لك أخيتي على ما تقدمينه من أبداع
                  أختي النبيلة
                  وصلتي رسالتك وأعتذر عن تأخيري في الرد وذلك لظروف ليست بإرادتي
                  سعادتي لا توصف بحصول نصي المتواضع على قلمكم الكريم
                  أقول لك أيتها النبيلة
                  أنني كنت من المشاركين المتواصلين في هذا المنتدى الراقي الذي أفتخر به
                  ولكن حصلت أمور جعلتني أتوقف لأني لا أحب الصراعات ونحن جميعا إخوة يجمعنا قلم الحب
                  وهنا أحببت أن أعود للمشاركة بقصيدة جديدة وذلك تقديرا لجنابكم النبيل
                  حفظك الله
                  الشاعر القدير صقر أبو عيدة


                  أنا حقا سعيدة برجوع حضرتك إلى الملتقى ولم أكن أتصور أنك عضو فيه
                  المقال كان موجزا ولم أتناول فيه بإسهاب بعض الصور الرائعة وهي تعتصر ألما و حزنا على ضياع الأرض و إنسانية الإنسان و مع ذلك فقد تفرع النقاش في الصالون الصوتي حول القصيدة و دام قرابة الأربع ساعات فهي تستحق كل ما قيل في حقها و ربما أني قصرت في بعض المواطن و لم أتناولها كما يجب فالقصيدة ثرية بالمعنى و الصورة الناطقة بما فيها من مشاعر صادقة و راقية نتمنى أن يشرفنا حضورك في المرات القادمة
                  أيها الشاعر الكريم شرف لي أنا أحضي بتكريم منك ليحتضن الملتقى قصيدة لك
                  فلك أجمل التحية و التقدير
                  ووجودك بيننا هو في حد ذاته تحية وفاء لإخوان لك و أتمنى أن لا يفارقنا قلمك الحامل لرسالة تشرف كل شهم أبي فهو كسب للملتقى و القارىء فلا تحرمنا منه


                  تعليق

                  يعمل...
                  X