أما أنا .. لن أبيع حماري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سيد حسن
    أديب وكاتب
    • 27-02-2010
    • 54

    أما أنا .. لن أبيع حماري

    أما أنا .. لن أبيع حماري
    بقلم : محمد سيد حسن
    في زحمة المنتديات ، وكثرة الأطباق على سطوح المنازل والبنايات ، و ثورة الاتصالات ، وسرعة وصول البرقيات ، والرسالات .
    وصلتني رسالة الكترونية تحت عنوان :
    هل تملك حماراً للبيع ؟؟
    قبل أن أفضها انتابني شيء من القلق ، وما أن قرأتها حتى تنفست الصعداء ، وحمدت الله أنها كانت قصة ، أو ربما مزحة من صديق لا أعلم مدى صدقها ومصداقيتها ، قد تكون حدثت تفاصيلها في الزمن الغابر من تاريخ البلاد العابر.
    الحكاية يا أخوتي .. تحكي أن ثلاثة من الشبان كانوا يعملون حمّارين – يحملون البضائع للناس من الأسواق إلى البيوت على الحمير ( أجلكم الله ) ، وفي ليلة من الليالي وبعد يوم من العمل الشاق , تناولوا طعام العشاء وجلس الثلاثة يتسامرون فقال أحدهم واسمه ماهر الشاطر .. افترضا يا أصدقائي أنني أصبحت في يوم من الأيام رجلاً مهماً ؟؟، ألا أستطيع بإشارة مني قلب الموازين ، وتجييش الملايين ، وضبط إيقاع العازفين ، ولا أموت بزعاف الثعابين ، وأنجح المرشحين ، وأكتب على جدار الصمت أسماء العابثين ، و المارقين ؟؟؟؟ .
    فقالا يا ماهر : إن هذا غير ممكن ، ربما حرارتك مرتفعة ، وهلوستك موجعة .
    فقال : أنا أحلم فهل أصبح الحلم حراماً ؟؟..
    فقال أحدهم هذا محال ، وضرب من الخيال ، وقال الآخر يا ماهر أنت تصلح حمّار أما تاجر وآمر ، هههه .. فهذا بلاء يا ابن الشاطر .
    وهام ماهر في أحلام اليقظة متخبطاً ، وتخيل نفسه في مكتبه وسبعة أبواب مؤصدة للوصول إلى بابه .
    قال بلهجة فوقية : ماذا تتمنى يا فرحان ؟
    رد بسخرية : أريد أن .. أن .. أن أغير مهنتي ، وخيمتي ، ومركبتي ، وتحترم إنسانيتي .
    وماذا بعد , قال : أريد سكرتيرة من الناجحات ومن حاملي أعلى الشهادات ، ومن أجمل الجميلات ، و مائة ألف دورار أخضر ، أو يورو ، أو بالليرو .
    ثم ماذا بعد , يكفي ذلك يا سيدي، لأن عقلي لا يتحمل أكثر ، وانفجر ضاحكاً من صاحبه ساخراً .
    كل ذلك و ماهر الشاطر يسبح في خياله الطموح ويرى نفسه في ما تمنى مطلبه ,ويسمع نفسه وهو يعطي العطاءات ويوزع الهبات ، ويشعر بمشاعر الغني المالك وهو يعطي بعد أن كان يأخذ , وهو ينفق بعد أن كان يطلب , وهو يأمر بعد أن كان ينفذ .
    التفت إلى صاحبه الآخر وقال : ماذا تريد أيها الزعلان ، المتأفف و الضجران .
    فقال : يا ماهر دعك من هذا الهراء ، لو يلج الجمل في سَمِّ الْخِيَاطِ ، أو تقع السماء على البلاط ، أيسر من وصولك إلى حلمك ، أنت حمّار , والحمّار لا يصلح أن يكون إلا حماّر أو حمار، وإن تحقق يوماً هذا الحلم المستحيل ، فاجعلني على حماري الهزيل ، ووجه وجهي إلى الوراء ، وألبسني قبعة معلق على أطرافها أجراس ، بحيث تكون تجريصة أمام كل الناس ، وأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها النااااااا س ! أيها الناااااا س ! هذا دجال .. محتال .. لص .. واحد من مجموعة علي بابا ، من يمشي معه أو يحدثه ، أو يصدقه فله مثله .
    انتهى الحوار ونام رفاقه إلا هو جلس يفكر ، ويسأل نفسه :
    صحيح الذي يعمل حمّاراً لا يحق له أن يكون تويجر أو تاجراً ؟؟؟؟.
    فكر ماهر كثيرا بالخطوة الأولى للوصول إلى الهدف المنشود ،قرر أن يبيع الحمار ، و باع الحمار ، قرأ واقعه بعين مبصرة ، وانطلق يبحث عن أقصر طريق يوصله للنجومية والشهرة .
    قرر أن يعمل عملاً حراً ، وبكل جد ونشاط بدأ يعمل ليثبت حضوره في دائرة عمله ، وتعاقد مع المشاريع الإنشائية الوهمية ، والبنوك المصرفية السرية ، و أقترب من عالم اللصوصية ، وارتقى في عمله حتى أصبح رئيساً لقسم المالكين أو الملاكين ، وأشتهر أكثر من داروين ، حتى علا جهاز إرساله ، وذاع صيته بين أقرانه ، وانتشرت صوره على صدر صفحات الصحف والمجلات ، وأصبح له معجبين من أجمل البنات .
    رجل أعمال بامتياز تتسابق عليه المحطات الفضائية ، وعلى مقاسه تفصل الأحكام القضائية .
    سبحان مغير الأحوال ، يغير ولا يتغير ..
    بعد ثلاثين سنة من بيع الحمار ، جلس على كرسي لواء التجار ،وعن يمينه شيخ الكار ، والتفت حوله بطانته ،و زبانيته .. منهم من بدأ يتذكر هل أساء يوماً بحق سيادته ؟؟ ، وآخر يتوقع أن لا محال قامت قيامته ، ومعمم ينافق ، ومحابي يصفق ، وواشي يتحين الفرصة ليعرض خدماته ، ومتسلق يتأهب ، ومراوغ يركب ، ولص يتحسب ، ومتفوه يرسم ويكتب ، ومتحزلق ، ومتملق ، و ، و .
    تذكر صاحبيه الحمارين فأرسل أحد خادميه وقال له : اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتي بهما.
    وصل الأجير ووجد الرجلين بنفس الصفة وفي نفس المكان و بنفس عقلية الحماّرين .
    قال السفير : إن سيدي يطلبكما مخفورين .
    قالا : إننا لم نذنب ،و لم نكذب ، ولم ننهب ، و ليس لنا عمل عند سيادته ولا نصلح أن نكون حمارين أو سايسين في إسطبلاته .
    قال : ما أنا إلا مبعوث .. أين يريد سيدي وضع قدمي أدوس ، هيا وإلا أهش عليكم الكلاب ، وتنهش من أجسادكم الأنياب .
    دخلوا القصر.. نظرا إلى فخامته وفراعة قامته .. ذهلا من وقع مفاجئته .
    قالا باستغراب إنه صاحبنا ماهر الشاطر ، ثكلتنا أمنا ، هل نستطيع أن نغادر ؟؟
    قال معالي التاجر : أعرفتماني ؟؟
    قالا نعم يا سيدي , ولكن نخشى أنك لم تعرفنا .
    قال : كيف لم أعرفكما ولم يتغير فيكما حتى بردعة حماركما ، وأنشوطة خرجكما ، و قبعة رأسكما ؟؟؟
    نظر إلى زبانيته وقال :
    كنت أنا وهذين الرجلين سويا قبل ثلاثين سنة ، وكنا نعمل حمارين وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما إذا أصبحت في يوم من الأيام رجلاً مهماً فماذا تتمنيا ؟، والتفت إلى أحدهما وقال : ماذا تمنيت يا فرحان ؟
    قال فرحان : أتذكر يا سيدي أنني قلت يومها ، أريد أن أغير مهنتي ، وخيمتي ، ومركبتي ، وتحترم إنسانيتي .
    وماذا بعد , قال : وقلت أيضاً .. أريد سكرتيرة من الناجحات ومن حاملي أعلى الشهادات ، ومن أجمل الجميلات ، و مائة ألف دورار أخضر ، أو يورو ، أو بالليرو .
    قال : هو لك وماذا بعد ؟ قال فرحان كفى يا سيدي .
    قال ماهر ولك مني فوق ذلك راتب لا مقطوع ولا ممنوع ، وتدخل عليّ بغير حاجب ولا بوّاب ، وبدون ( أحم ولا دستور )لأنك من المحاسيب ، هل أنت راض يا حبيب ؟؟؟.
    ثم التفت إلى الآخر وقال له : هل تذكر ما تمنيت يا زعلان ؟ أم يذكروك الشباب بطريقتهم ، و تكفر بنعمة النسيان ؟؟؟.
    قال بخاطر مكسور: اعفني يا سيدي بحق صحبة زمان .
    قال : لا و الله حتى تخبرهم.
    قال : إذا أصبحت كما أردت فاجعلني على حمار ووجه وجهي إلى الوراء ، وألبسني قبعة معلق على أطرافها أجراس ، بحيث تكون تجريصة أمام كل الناس ، وأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها النااااااا س ! أيها الناااااا س ! هذا دجال .. محتال .. لص .. واحد من مجموعة علي بابا ، من يمشي معه أو يحدثه فله مثله .
    أعتدل لواء التجار من مقعده ، وأشار لحاجبه لينفذ أوامره ......
    ...... ....... ........ هنا أنقطع التيار ومعه ما بقي من كلام .
    وبقي التصور لكم يا كرام .
    انتهت الحكاية ولم ينتهِ تعليقكم
    سأبقى معكم منتظراً مداد يراعكم .

  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    #2
    [align=center]
    جميلة وجذابة هذه الحدوتة أخي محمد سيد حسن
    وسهلة القراءة حتى تشعر أن كاتبها قد قام بخداعك
    لأنها تحتمل الإزادة وقد قام صاحبنا ببترها قبل النهاية

    مودتي وسلامي لك
    فوزي بيترو
    [/align]

    تعليق

    • محمد سيد حسن
      أديب وكاتب
      • 27-02-2010
      • 54

      #3
      الأستاذ سليم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أعتذر للتأخير وذلك بما نحن فيه الآن من حرب أسدية على شعب يريد الحرية
      دمتم ودام هذا المنبر / محمد

      تعليق

      يعمل...
      X