قصة : ايثار سخي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحليم بولحية
    • 19-01-2011
    • 8

    قصة : ايثار سخي

    قصة

    ايثار سخي /
    ....... هو يعلم أنّ لا وجـود لهذا الوطن الذي يتشدّق بـه أولئك الذيـن يحاولون دائماً تبـريد غليان أفئدتنا المتعبة، وصراخاتنا المحمومة بدم الشكايا، يبرّدونها في ثلاجة الوعود المجمّدة على سطـوح الكلام السّهيب والمزيّف لا غير.
    هو يعلم أنّ هذا الوطن يقطن بين دبدبات الميكروفونات على موائد المواعيد والاجتماعات الرسمية البـاهتة المصداقية، والخطابات الملتهبة على نـار الكلمات المزوّقة وسـط ألغام مـن الحقائق الملفقة.
    وهو يعلم علم اليقين أنّه يؤرّق ذاته الحيرى بتدخلها فيما لا يعنيه، لكن كم يلزمه من النفاق والتنكّر لها، حتى يخـدع تسلط هـذه الفكرة المدعـرة و المرعبة التي داهمته في حيـن غفلــة وجعلته يتمرّن فـن اللـغة التأسيسية لتوابيت ليست حقيقية و حقـائق ليست ثـابتة، بدا و كأنّـه يصطنع أفكاراً وتصورات خيالية يشكلها مسلسلا لأحداث مفبركة، يحـاول الفرار والتملص بها من عـالم الصحوة واليقظة المنطقية لفكرة مجنونة مفرطة في العياء التركيزي إلى زمن لازوردي يحتكم فيه قانون الخيال والصورة الطبيعية الموسومة رسماً خياليا لا واقعا منطقياً.
    أحمق هو، هكذا بدت له نفسه فراح يردّد بصوت خافت لا تسمعه سوى ذاته:«نعم أنا أحمق، نعم أنا سيّد البلادة وأمير التفاهة الساكن أقبية الغبـاء السّاخر، نعم أنا ألهث بكل سرعة غبيّة وقمّة فـي الحمق وراء سراب الأمكنة لأحجز مقعداً مرفوضاً لي في قبيلـة بائـدة تمتهن فيها مهن التميّز والتفضيل بكل طلاقة لبقة وعلى مرأى من حشـود لأناس تلمع ذواتهم الخارجيّة ذهباً، ويشعّ منـها بريقاً مصنوعاً من شمس الزّيف الكاذبة، أنا لست ذلك الفتى الذي تترصّع أيّـامه بألوان زاهية في التبـديل والتغيير لشتى الأشيـاء و الحوائج الماديـة، أنا فتى مرفوض ولو فـي عـالم افتراضي يحنّ إليـه أولئك الدين توقفت بهم قـاطرة العمـر فـي محطة القنـوط واليأس الشرس يحاولون رسم لأنفسهم عالماً آخر يفرغون فيه شحنات طاقاتهم التي تشكلت مـن وحي الألم ومـن رحـم المعاناة الشائكة..» كان عبّـاس يتأرجح بين طرفي هذه الأفكـار المجنونة حـدّ السُكر و الثمـالة الكاشفة، لقد بـات لا يفرّق بين مـا هـو صائب يحتكم لقــانون المنطق وبين مـا هو غلـط يتنكر تحت سقف منـافق، أيتـرك ذاتـه ونفسـه لحـالة ملتزمة بمـا عبدت له طريق الحياة اليوميّة لوقت باذخ في الشقـاء وحياة خاطت له خيوطها هي ونسجَها هو بردة يحتمي بها من براغيث وطحالب الفراغ الفتـاك القاتل. أو يدع سبيل تلك الفكرة أن تسلك طريقها كما تشاء، وتبتاع حوائجها مـن سوق حديقة الفعل الخيري التي نزفت شجرته المقدّسة وباتت شوكة لادغة تلسع كل من يمرّ بمحاذاتها أو يشم ريحها.
    بقي عبّاس هكذا وقتاً بدى له ردحاً من الزمن الغابر، يُمَرّغ ذاكرته وأفكاره المتراصة بين بعضها البعض في وحـل مـن الأحاسيس الإنسانية يحـاول جاهداً وأمـلا بأن يجد حـلا سريعاً ودواءً شـافياً يداوي بـه ذاكرتـه المريضة بجراثيم الوسوسـة الفكريـة و يغسلها بميـاه الفكـرة السديدة والصائبة.
    هـذا الفتى الـذي يشِعّ وجـهه بشـاشة و أدباً كان دائماً يستحم بميـاه الأخـلاق، و يصلي فـي محـراب الفضائل السمحـة. فتى لم يتطـاول يوماً على المساعي الخيّـرة، و لم يشي يوماً بمـا أصابوه بني قبيلته البائدة من أفعال مشينة طاعنةٍ فـي اللإنسانية، يشي بها لقاضي تحقيق ذاتِه حتى يحيلهم على جلسة للانتقام ويزج بهم في سجن الكره الأسود الحاقد للسلام. فتى ترقص على منصّة فـؤاده الرطب المفعم بالعطف والحنان أنغـام المناقب والفضائل السامية، يقودهـا جـوق الضمير الإنساني الحي. فتى هكذا في زمـن قست فيه القلوب وتجمّدت الدمـاء ويبست العقـول و أفلت السرائر بعدما غـزاها غروب و دجى الملاميس الماديـة الجشعـة، فتى هكـذا مازال يتنفس هـواء الضمير الحي فـي مزابل القـذارة والضياع الرّوحي، كالذي يشتري سلع الجنّـة الخالدة مـن حوانيت جهنّم، و كالذي يبني له منـزلا فـي الفردوس بأدوات ويـل أفعـال الآخرين.
    إنّ عبّـاس لم يكن يوماً يعير اِهتمامه للآخـرين مـن منطلق تعدّيهم على حقـوقه و محـاولة إشعـال نـار غضبه باستفزازهم إيّـاه حتى و لو وصل بهم الحـال إلى المسـاس بمـا تـلوح به المحاكم القضائية من عراكات تافهة سافهة من جيف هذه الدنيا الزّائلة والسالكة دربها على عجل من غفلة منّا فضاء الفناء الحتمي اللازم. لم يكن يوماً يكترث لكل هذه السقطات و الهفوات المذمومة روحانياً و إنسانياً، إلا أنّه الآن أضحى أكثر من السابق يجعل لها قدراً من ولاءٍ فـي الطاعة الجليلة، لأنّ الأمر يتطلب أكثر من دعم معنوي لضمير غطى سطحه الخرب رماد الأنانية الغاوية والنرجسيّة البالية ورمال اللامبالاة النائية في عالم الضمير الحي فيه مات وأتربة سوء النوايا الطاعنة في حب الذات. إنّ المشكلة الحقيقية التي جعلت عبّـاس يلـج مصح الأمراض المتصارعة لوسواس قهـري عبث بذاكرته طولا وعرضاً، وجعله يكبّر عليها أربع تكبيرات ويلفها في كفن أبيض بيـاض النسيان لكل ما يدور حـوله من أحداث و وقائع يرجوها أن لا تهمّه و لا يزج بذاته فيها، كل هـذا الصراع الداخـلي المتـأزّم لفوضى الأحـاسيس الإنسانيـة، هـو ذلك المسلك لطريـق إن اِبتسمت لاهل قريته الشمس الذهبيـة تضللوا مـن لهيبها الحارق تحت سقف سياراتهم العديدة ، و إن بكت السماء دموعاً جارفة كان عليهم أن ينتعلوا أقدامهم بأحذية تقص سراويلهم إلى نصفين حتى تقيهم من بذخ الوحل المتبجّح بين طرفي هذا المسلك المدفون في لحد النسيان الرّوحي الخاوي من كلّ المشاعر الإنسانية النبيلة.
    كان هـذا الفقيد الحي (الطريق) هـو منعرج تحـول نظرة تلك القريـة التعيسـة تعـاسة مـن كانت النـار أمامه وهو يرتعش برداً وقراً لبعضهم البعض وباتوا يتساومون أسعار الحقد الأسود في مزاد لسوء النوايا يزايـد الواحد عـن الآخر، حتى يكون قد اِشترى تلك البؤرة الخبيثة لقلب مكفهر السـواد طاعن في البغضاء و الشحناء المفرطة، لقد خـلقوا لأنفسهم عالماً تسوده سلطة سـوء الظن و يحكمـه دستـور الفتنة و النميمة الشيطانية، بعدما كانـوا عصبة واحـدة و يـداً واحـدة يتوضؤون من إنـاء واحـد، ويأكلون من قصعة واحـدة ويتنفسون مبدأ واحـداً. والآن أضحوا يتهاوون على حـافة من حفرة عميقة عمق بئر سحيقة يدفنون فيها جثة الأخـلاق، وينصبون على عرش حيـاتهم اليومية أرواح سوء النوايا التي باتت تنحر أجسادهم وأرواحهم بقوانينها التعسّفية الجـائرة ، لأنّهم هم مـن زكـوها على عرش الحكم و التصرّف في حيـاتهم اليـومية يتجرّعون مـن خـلالها كؤوس الشقـاء. فأيّ قانـون هـذا الذي يجعل الفـرد يعيش في حرمان فاحش صنعه بكلتا يديه وصادق هو عليه، هل هذا القانون الجائر نصبته العقيدة الجاهلة؟ أو سُنّ من طرف ذوي العقول الخبلى أو زكاه شعب الضمير الميّت؟ ألم تحن تلك الساعة التي تتآلف فيها القلوب وتتوحّد العقول على كلمة واحدة شعارها الشمس تشرق للجميع والهواء متنفسٌ للجميع.
    كانت هـذه الكلمات بمثابة الحبـل النـوعي الذي بات عبّـاس يتشبّث به بكل قـواه العـاطفية والفكرية ، حتى يخرج بواسطته مـن العمق الفوضوي ، ويرى نور الفكرة السديدة الصائبة تضيء له دهاليز ذاكرته المعتمة بسواد ذلك الوسواس القهري المفرط في العشق.
    لقد كانت الساعة في طريق العودة لمحطة البداية، وكان عبّـاس يفرك عجينة هذه الكلمات في قصعة الشرح لقاموس فكرة سديدة يهتدي بها إلى حل يكبحُ به شبق و جنون هذه الفكرة المولعة بالإثـارة الشهوانية ، حتى يسكن قلعة الرضا الضميري ويتوسّد وسـادة أحـد غرفها المقدّسـة و ينعم بالرّاحـة السرمدية ، فهو يعلم أنّه لا وجـود لوسادةٍ أنعمُ مـن الضمير الحي. وبينما هو هكذا يستأنِسُ بحديث هذه الفكرة الجيّاشة لحلم قد سبقه الآن للحقيقة بعدما رسم له صورة أخـرى عن الحياة الإنسانية النبيلة، وجـد عبّـاس نفسه تهوي من على قمّة جبل عـالٍ إلى حضيض وادٍ عميق وسحيق، ليستسلم للكرى ويقطن قصور الحلم الجميل.
    صوته ينبعث من هناك مدوياً أرجاء الغرفة معلناً لولوج باب النهار واِنسلاخ خيوط الدجى من ليلٍ كان عمره عمر سماء الكون، قضاها عبّاس مهرولاً وسط مدينة أفكاره منقباً ومفتشاً عن منزل داره الضائع بين طيّات الوسوسة الشيطانية لفكرة وقحة نكدت عليه ليلته، وعندما اِهتدى إليه أوصدت الأبواب في وجهه ، وبات عليه أن يجد مفاتيح عزاءه حتى يُسكِنَ وجـع وألم هذه الفكرة الجشعة ويهتدي به إلى سلام الرّوح ووداعة السريرة. إذن هو رنين الهاتف يغرّد كطير الصباح الوسيم قد دغدغ أدني عبّـاس وسباهما موسيقى عذبة وحيرى على وقع آخـر لنهوض محتوم و متموم النهـاية و البـداية لحـلم لازمه منذ ذلك الوقت التي تفشت فيـه حـرائق الغيرة و قذائف التهم الملفقـة لبعضهم البعض ، حـتى يلم شمـل الأحبّـة المشتت في زنزانات سـوء النوايا و يعيد عقارب السّـاعة للوراء تدقّ بصدق و إخلاص مع ضميرٍ حي تحيا فيه النبضات والومضات و الدقات القلبية للمشاعر الإنسانية النبيلة والخلاقة.
    هو يعلم أنّ مكامن هذا الوطن الجريح محجوزة في محتشدات الكلام المزوّق لا غير، وهو يحفظ عن ظهر وجنب وبطن قلب تلك المقولة التي تقـول: " إذا منع عليك أبوك لقمة العيش فأصنعها بنفسك، تجده بجانبك".
    لقد طرقت هـذه الكلمات فكـر عبّـاس عن دون وعي، وحتى لا تخونه أفكاره ولكي لا يبقَ يـدور في حلقة مفرغة لجوع فكرة صعلوكية متشرّدة كلما أراد التملص منها أطبقت على فكيْ ذاكرته ونكدت عليه ساعته، اِرتمى عبّـاس من فراشه مسرعاً طارقاً باب وقت صلاة الفجـر، داعياً ربّ الملكوت العظيم أن يعينه على جهـادِ خوارج الخبائث والرذائل، وكل البراغيث الخبيثة التي قبعت في براثن القلوب المريضة والنفوس العهرة والعقـول الخبلى، فعزم على أن يشدّ العزم والحزم من الآن، فحمل فأساً وأنساق به إلى بداية الطريق يفرّك عجينة الوحـل، وفي كلّ ضربة يفرك بها تتراءى له قطعه البالية على شكل صورة خيالية براغيث الخبث وسوء النوايـا مستصرخـة طالبـة النّجـدة، فيهيـل عليها فأسـه الكريمـة كرم نفسـه الفضلى المثخنـة بأخضر الخيـر المورقة بأوراق الصبر البادية لأوّل شخص يخرج من منزله الفخم صاحب السيّارات و الهياكل الحديدية العديـدة "أحمد"، صورة أخـرى حفرت في قلبه نقوش التأنيب النفسي على وقـع حـالةٍ منشعلة فـي التأثر الشديـد الدهشة جعلتـه ينزوي بلا هوادة محتضناً الفأس بتداوله مع عبّـاس، هذا الذي كان قبل حـالة مجنونة في التغيّر عمرها اِبتسامة عفوية لا تتطلب وقتاً للتكلف. يسبّه و يعتدي على حقوقه وينعته بكل الصفات المذمومة، بات الآن يتلهف بلهفةٍ شهيّةٍ يعينه فيها نفسه نفسيهما بكل مـا جابت بـه ذاته و ما أوتي من قـوة خيرة شحنت طاقتها بعد هذا المشهد الطاعن في التأثر الفيّاض.
    وتلى الثاني والثالث يتسابقون فيما بينهم الخيرات، وكان الكل يغسل يديه من الوحل بعرق جبينـه لقد قضوا مـدّة أسبـوع يحملون فيها الحجـارة على شاحنـاتهم يفرشونها على الطريق حتى توسم لهم عملا أخوياً كان قبل ذلك شوكة سامة علقت في قلوبهم المريضة. لقد ضرب لهم عبّـاس درساً في الأخـلاق بحركة تضامنية كانت تنقصها الجرأة وروح المبادرة العالية كان لها الأثر البليغ فـي بنـاء قلوب الخير بأدوات بعضهم البعض، اِقتنوها مـن سـوق خيرة لفتى يتقن جودة السلع الغذائية التي تنفع وتداوي الأبدان السقيمة والسرائر العقيمة المريضة بحب الذات النرجسيّة.
    عبد الحليم بولحية
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    عبد الحليم بولحيه
    نص تصارعت في النفس مع شتى المشاعر
    صراع نفسي بين الضبابية والنور بين طريق الخير ودرب الشر المتعرج
    معركة ضد النفس أيضا
    دعوة للتكاتف ضد أبواق الشر ومحاربة الفساد
    وربما يستطيع شخص أن يبدأ بتعبيد طريق كي يصبح جيشا
    لا أدري إن طال النص قليلا منك
    رأيته يستحق بعض التكثيف
    أسعدني التعرف بك وبفكرك من خلال نصك زميلي
    هلا وغلا بك
    تحياتي ومودتي

    أكره ربيع

    أكره ربيع فاجأني ربيع حين كنت ساهمة بملامح وجهه يرمقني عميقا أحسست بالجليد يقتحم جسدي، فارتعشت مذعورة، وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور، وأنا أتفحص تلك القسمات الحادة، التي..... !! كم كان عمري حين أنجبته خالتي خمسة سنين؟ غضة طرية كورقة وردة لم تتفتح أوردتها بعد! أذكر أني كنت في المرحلة التمهيدية لا
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • عبد الحليم بولحية
      • 19-01-2011
      • 8

      #3
      تحياتي
      الزميلة القديرة المحترمة
      عائدة محمد نادر
      وهو كذلك اختاه صراع وهمي وقهري يلتهم بجبروته الاسر
      كل ما هو اخضر ربيعي للنفس الطيبة الشغوفة بدرر الخير الوسيمة
      بوركت اختاه على مرورك العطر والجميل
      وشكرا جزيلا يهب نسيما ظليلا على اشراقتك البهية وتواجدك المليح
      سررت بمعرفتك زميلتي القديرة واعدريني ان اطلتك في الرد عليك
      وافر مودتي وتقديري واحترامي

      تعليق

      يعمل...
      X