الخاتم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د عامر خالد
    عضو الملتقى
    • 11-01-2011
    • 35

    الخاتم

    الخاتم
    أمسك الخاتم بين سبابته وإبهامه وأخذ يتفحصه مليا كان قلبه يخفق بالسعادة أيصدق عينيه ...انه خاتمه الذي أضاعه من أربعين عاما وها هي نفس السنبلة المنقوشة على فصه ...وضعه في بنصر يده اليمنى وهم بالخروج من الغرفة لكنه وقف فجأة, عض على إصبعه مفكرا وسرعان ما خلع الخاتم من إصبعه ووضعه مكانه على المنضدة الخشبية وخرج .أغلق باب الغرفة الحديدي الثقيل بهدوء ووضع قفل الباب مكانه وأسند ظهره إلى الجدار, لم تكن أقدامه قادرة على حمله, فانزلق على الجدار وجلس على الأرض , وضع رأسه بين يديه بينما حلقت خيالاته بعيدا .



    .................................................. .........



    لقد نامت أمك يا صابر ...انه الوقت المناسب ...لم لا تطلب المجيديه الفضية منها ..لا لن تعطيك إياها ما عليك إلا أن تسرقها من قلادتها ...لديها عشرون قطعة في القلادة ..لا ضير إن أصبحت تسع عشره فلن تنتبة أمك لذلك .
    شعر بوهج النار ينطلق من موقد الغجري وهو يصهر القطعة الفضية فيلفح وجهه ....إذا تريد خاتما ؟....نعم... ماذا تريد أن ترسم على فصه؟ ....مرساة .لا..لا.. بل سنبلة قمح ..فنحن فلاحون كما تعرف ...ولا نعمل في البحر رغم قربنا منه.
    أخذ صابريتحسس ظهره وفخذيه .مازال يشعر بلسعات سوط أبيه على ظهره وفخذيه .كفى يا والدي لن أفعلها ثانية .. أ تسرق يا صابر! ..بلغت الأمور معك إلى حد السرقة! ...وتسرق من !؟...أمك .



    .................................................. ........



    ها هي جميلة تلبسه خاتم الخطوبة ,وقلبها يخفق خجلا وفرحا لكنها فوجئت بوجود خاتم آخر في بنصره الأيمن ......اخلع هذا الخاتم حتى أضع مكانه خاتم الخطوبة؟! ....لا ..لن أنزعه ,ضعيه في الإصبع الآخر
    وجمت جميله, ولاحظت النساءعلامة حزن تغشى عينيها.



    .................................................. .........



    لعن الله هذه الصخرة ..للسنة الثانية أنسى مكانها وتكسرالمحراث ..سأفك المحراث عن الثورين لأصلحه ...خلع صابر ساعته وخاتميه وأصلح المحراث ..أين الخاتم الآخر ؟.....بحث عنه صابر طويلا ولكنه لم يجده
    رجع صابر مساء إلىالمنزل حزينا .....نزقا .
    ما يحزنك يا صابر؟ ...اسكتي لقد أضعت الخاتم ...شهقت جميلة ,أي خاتم ..هل أضعت خاتمنا ......بل.الخاتم الآخر.... ..فرحت جميلة وحاولت إخفاء فرحتها.



    .........................



    هب صابر واقفا وعلائم الغضب مرسومة على وجهه....سأسترد خاتمي ولو غصبا لن أتركه لهذا النائم في الداخل ...ولو كلفني ذلك حياتي ..هم صابر بفتح الغرفة لكنه وقف فجأة ....سأنتظر حتى الصباح, لقد أمروني ألا أزعج الصيد الثمين ,ولكن من أين لك الصبر يا رجل ....اصبر لقد أسموك صابرا .
    ها أنت قد بلغت الستين من عمرك ,ما الذي ذكرهم بك ,لقد أحالوك إلى التقاعد منذ سنتين بسبب إصابتك , لربما كما قالوا لك أنت تجيد اللغة العبرية لذلك استدعيناك لخدمة وحراسة طيارإسرائيلي سقطت طائرتة في جنوب لبنان إلى أن يحين موعد تبادل الأسرى ,ونحن نخاف عليه من طيش الشباب المقاتلين,وأنت الأنسب للقيام بهذه المهمة. أم أن القدر أراد لي أن أسترد خاتمي بعد أربعين عاما.لم يستطع صابر النوم تلك الليلة, بل بقي في فراشة ممددا يقظا وشريط طويل من الذكريات يداعب خياله طوال الليل,شاهد أمه وخبزها, شاهد بساتين الزيتون والعنب, شاهد رحى أمه و بئر الماء في ساحة بيته ,
    شاهد شجرةالخروب الكبيرة المزروعة في ساحة المنزل التي كان يلعب على أغصانها كانت هذه الصور تمر أمام ناظره كفلق الصبح إلى أن بدأ نور الصباح يشق عتمة الليل فقام من سريره متعبا وأخذ مكانه عند باب الغرفة السجن .يمج لفافة تبغ صنعها بيديه .
    ما أن أصبحت الساعة الثامنة صباحا حتى دخل غرفة الأسير وأحضر له إفطاره .
    (بوكر توف)لفتنانت( يوري) هل نمت جيدا ,لقد أحضرت لك إفطارا عسى أن يعجبك..... بيض وعسل وزبدةوشاي فوقها
    (بوكر توف) صابر هل سمعت عن أخبار تبادل الأسرى ..؟
    لا ...لم أسمع أي شيء جديد ..أريد أن أسألك سؤالا أيمكنني ذلك ...
    نعم وما هو ...
    أريدأن أسألك عن خاتمك الذي بيدك من أين حصلت عليه أرجو أن تصدقني القول...
    آه ..خاتمي ..لقد وجدته في السهل منذ عشرين عاما ...كنت ألعب مع أصدقائي .. كنت طفلا ...كم فرحت به ..لقد طرت إلى والدي لأخبره بأني وجدت خاتم سليمان ...حتى إن أهلي وأصدقائي يسمونه إلى اليوم خاتم سليمان....لقد دلكته وأنا طفل مرارا لكن المارد لميخرج منه..
    دعك من هذه الترهات, لن تصدقني إن قلت لك أن هذا خاتمي, لقد أضعته قبل أربعين عاما ...كنت أحرث الأرض في سهول قريتي ...رؤية الخاتم أثارت في قلبي الشجن وفي عقلي الذكريات ....لن أجبرك على إعادته لي
    لكن ماذا يمثل الخاتم هذالكل منا ؟......انه يمثل لك الخرافة بينما يمثل لي ذكريات الأرض التي مازالت أثارها تعشش في كياني إلى الآن ........
    صمت( يوري) ولم ينبس ببنت شفه بينما سكب صابرله الشاي .
    مضى أكثر من شهر وصابر ينظر إلى خاتمه الذي لم يستطع استعادته, والمشكلة أنه في إصبع غاصب أرضه, والمشكلة الأكبر أنه لا يستطيع تحريك ساكن مع هذاالصيد الثمين كما وصفوه له. إلى أن حان وقت تبادل الأسرى, كان نهار ذلك اليوم يمضي سريعا, وهاهي سيارتان للصليب الأحمر تلوحان من بعيد .بينما أخذ المساء يطبق على كاهل صابر .
    سيرحل ..نعم سيذهب والخاتم في إصبعه ..ماذا أفعل...أآخذه عنوة ....لا
    هذا لا يجوز .....سيعود إلى أهله بينما سأبقى أنا هنا أجتر الذكريات ...وأين أهله, المشكلة أنهم في أرضي ...بينما تقبع عائلتي في مخيم نسيه التاريخ,آه لقد قلب الزمان .
    أشعل صابر لفافة تبغ بينما نزل بضع رجال من الصليب الأحمر من سياراتهم التي وصلت إلى المكان .
    خرج( يوري) من الغرفة برفقة رجال الصليب الأحمر وقبل أن يصعد إلى السيارة تقدم من صابر وصافحه ....وخلع الخاتم وقدمه له وهو يقول هذا مقابل ما عاملتني به من معاملة حسنة ...دهش صابر بشدة وأطبق كفه على خاتمه بينما أخذت السيارات طريقها إلى الجنوب .
    حل الصمت وأطبقت عتمة الليل على سماء المعسكر وقلب صابر ..بينما أخذ صابر يتأمل خاتمة الذي عاد له بعد أربعين عاما ..عاد شريط الذكريات يحلق في مخيلته ...هذا المحراث وهذه البئر وهذه جميلة يوم عرسه وهذا سوط أبيه وهذه قلادة أمه وهذا وهذا وذاك وذاك .
    لقد اختلطت في قلبه المشاعر, أمشاعر فرحة هي أم مشاعر حزن وغضب
    وضع صابر الخاتم في إصبعة و نظرإليه مليا .شاهد الحقل في الربيع مزهرا .ثم شاهد أمه تطحن القمح برحاها الحجرية ,شم رائحة خبز أمه شاهد عروسه جميلة تحمل الحطب من الجبل ,سمع صوت أبيه يقرأ القرآن في الفجر , تزاحمت الصور أمام عينيه واشتدت قتامة ,شاهد أباه مسجى مضرجا بدمه جوارشجرة الخروب,رأى النار مشتعلة في بيته, شاهد زوجتة جميلة تحمل على رأسها صرة, وتحمل طفلها الصغير على خاصرتها بينما تعلق الأكبر بثوبها وتمشي في قافلة للاجئين باتجاه الشرق,
    ثم شاهد طفليه شبه عاريين في خيمة لا تقي من البرد أوالمطر.
    خلع صابر خاتمه من إصبعه ,وطوق به فوهة بندقيته بينما أخذ طريقه نحوالجنوب.



    ************************************************** *******

  • بسمة الصيادي
    مشرفة ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3185

    #2
    الخاتم رمز جميل استعان به الكاتب ليكون مفتاحه لأبواب الماضي
    بل هو صندوق الذكريات الذي حمل في طياته كل اللحظات الجميلة وملامح الطفولة
    ومع ضياعه ضاع الماضي نوعا ما لذا كانت القضية استعادته ..!
    ولكن استعادته من من؟ من أصبع صهيوني مدمر ؟ ترى هل حمل الخاتم أنفاس ذلك الإصبع
    حتى نفر من بطلنا في النهاية ؟
    لقد عاش هذا الخاتم مع العدو عشرين عاما وصار جزءا من خرافته وربما اكتسب عاداته
    فكيف يقدر أن يحمل الوجهين؟! هنا كان التناقض الذي جعل الصور تتزاحم وتتشابك في رأس بطلنا ..
    وأودى بالخاتم بين أنامل البندقية ..!
    الدكتور عامر خالد الكريم أحب الحديث عن الذكريات كثيرا والقص هنا أخذت أكثر من بعد
    وارتبطت بأحداث حقيقية وكانت الصدف الغريبة هي سيدة الموقف ولكنه عالم صغير على أية حال!
    وربما استغربت من موقف الرهينة حين رد الخاتم لم أتوقعه لأننا لم نعرفهم حافظين للجميل !
    عموما قد يحدث الأصابع لا تتشابه ..
    شكرا لك سيدي الكريم على ما قدمته هنا
    كل الود
    في انتظار ..هدية من السماء!!

    تعليق

    • د عامر خالد
      عضو الملتقى
      • 11-01-2011
      • 35

      #3
      [align=center]
      القديرة بسمة :
      أشكرك على تعليقك الجميل والموفق
      البطل هنا حصل على الخاتم فعلا ,لكنة لم يحصل على فلسطين
      فطوق بخاتمه (ذكرياته) فوهة بندقيته وأتجه نحو الجنوب نحو الوطن.
      الأسير الصهيوني بالنتيجة لا يعني له الخاتم اي شيء,فاستغنى عنه بسهولة
      وهو قادر على الاستغناء عن الأرض بسهولة لعدم وجود ما يربطه بها.
      شكرا على مرورك الكريم.
      عامر
      [/align]

      تعليق

      يعمل...
      X