أدبنا المحلي.. بين الإبداع والجنون
هناك من يعتقد أن ساحتنا الأدبية شبه خالية من الإبداع، وأعتقد أن هذا يعود إلى عدة أسباب ، منها عملية جلد الذات، وأحيانا أنانية بعض الكتاب تساهم في نشر مثل وجهة النظر هذه، وكأني بهم يريدون القول إن هذا العالم يصعب دخوله وإن هذه المملكة خاصتهم.. وتكون هذه الوجهة مستمدة من خلال الزوايا الأدبية الركيكة المنتشرة في صحفنا المحلية، والتي عادة تنشر( قصائد) المراهقين في المناطق التي تباع فيها!. ولو أخذنا المواد النقدية المنشورة في صحفنا أيضا، نجد أنها ركيكة، حيث تأتي سريعة للغاية، لا تتطرق إلى مواطن الضعف والقوة ولا تناقش المضامين.. ولا تتطرق إلى المبنى؟!! علما أن هناك نقادًا على المستوى الأكاديمي، ولكن لا يتاح لهم التطرق إلى أعمالنا الأدبية بسبب تخصيص صفحة واحدة في الصحيفة للأدب ؟!
وإذا أردنا مقارنة أعمالنا الأدبية مع الأعمال القادمة من عالمنا العربي، نجد أنها لا تتفوق على أعمالنا، ونجد أيضا أن كتابًا مبدعين وقعوا في إشكالية محددة ولم ينجحوا في تخطيها، تمامًا كما يحدث عندنا، منها مثلاً الانتقال من مشهد إلى آخر بدون تهيئة ذهنية.. فحتى الكاتب الكبير نجيب محفوظ في قصة “بداية ونهاية” نجد أن ابن الخادمة الذي هو الابن غير الشرعي للباشا، يولد في الريف حتى لا ينكشف أمره.. يكبر ليصبح مناضلا ضد الطبقة الأرستقراطية، ليمسك بوالده محاولاً خنقه، وعندها يعلمه الباشا أنه والده.. الخ..
وهكذا يقفز محفوظ على الزمن بدون أن يحضر الأرضية الذهنية ومراحل بلوغ الولد.. علمًا أن هذا الاختزال يعتبر من فنون كتابة القصة القصيرة الحديثة. من هنا أعتقد أنَّ علينا أن لا نستهين بقدراتنا، وخير دليل على ذلك أن أدبنا يترجم إلى لغات العالم، وعلى سبيل المثال، قصائد طيب الذكر توفيق زياد وقصائد الراحل محمود درويش، وشعر الشاعر الكبير سميح القاسم وشقيقه نديم حسين وغيرهم.
والآن دعنا نعرف الإبداع .
أعتقد أن الخيال الخصب أول ميزات الإبداع، بل هو الأساس في عملية الإبداع الفني أًيًا كانت، وحتى في المجال التكنولوجي.. الاختراع الذي يعتمد على الحس اللمسي.. يشاهده المخترع بعين خياله أولا، قبل أن ينفذه. بينما الإبداع الأدبي يعتمد على الحس الفني.. على الملامسة الروحية للوجدان، يغذيه الخيال وهذا يعتمد على المبنى ثانيًا، صحيح أن من مهمات الأدب تغذية الوجدان البشري وتنمية الضمير الإنساني، ولكن المضمون إذا وضع في قالب أو مبنى هابط، فمن المفضل أن يحول إلى مقالة في النقد الاجتماعي. من هنا أعتقد أنه إذا استطاع كاتب القصة القصيرة أو الطويلة أو الرواية أن يصور الأجواء.. أن يستحضر المنظر.. لينقل القارئ إلى مناخ عمله الأدبي وترك الأحداث تنساب بشكلها الطبيعي بتسلسل متماسك لتحمل الكثير من المفاجآت، بمنأى عن رغباته.. وإن وجدت الجمالية التعبيرية وأحيطت القضية المطروحة بمنظور فني من كافة جوانبها، الاجتماعية والسياسية والإنسانية.. إذا استطاع الكاتب أن يدهشك.. يحرضك.. إذا استطاع أن يسحرك ويضمك إلى المبنى لتشعر أنك جزء من المعنى.. تمامًا (كالساحر) الذي ينقلك إلى الأجواء التي يريد بواسطة حركاته الفنية، التي تعتمد على سرعة الحركة في لحظة جذبك في اتجاه ما، يقوم به لتكملة اللعبة الأولى..
إننا إذا اعتبرنا تجاوزاً أن هذه الحركة، حركة درامية، نقول إن الحركة الدرامية ضرورية في عملية الإبداع الفني.. وإذا استطاع الكاتب أن ينتحل مشاعر أبطال عمله.. أن يبحر في نفسيتهم ويغوص بها عميقاً ليدخل في ثناياها المتشعبة والضيقة ليشعر بالنيابة عنهم.. إذا استطاع أن يتقمص أفكارهم ويفكر بالنيابة عنهم، إذا استطاع أن يضم هذه الرزمة أو جزءاً كبيراً منها فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع.. وتساعد حالة الانسجام اللا متناهية وحالة اضطراب الأعصاب في تقوية المستوى الفني للعمل الأدبي.. يعني على الكاتب أن يكون في حالة جنونية بكل معنى الكلمة بعد أن يكون قد خرج من ذاته ودخل أدوار الشخوص.. ليفكر ويشعر بالنيابة عنهم.. ليضحك أحيانا.. وليبكي أخرى.. هذه من بين الآليات التي على الكاتب أن يتسلح بها كي يكون مبدعاً.حقيقيًّا خاصة في الكتابة الروائية التي تتميز عن القصة، وخاصة الطويلة، في أنها لا تتطرق في آن لكافة مناحي الحياة كالرواية التي عادة ما تتحدث عن قصة حياة، حيث على الكاتب أن يسهب في الوصف .
والشاعر إذا كان في حالة توتر ؟! وتملك اللغة وسبك عباراته في قالب فني خاص ومختزل، وخلق الصورة الشعرية الجديدة، إضافة إلى الموسيقى فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع .
وكاتب “الستيرة” إذا استطاع أن يقتنص لحظة الحدث واعتقال الومضة ليجيرها ويسلطها على الحدث بشكل مكثف فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع.
وكاتب الخاطرة إذا استطاع أن يترجم نبضه كلاماً جميلاً سريعاً ومختزلاً فإنه استطاع أن يبدع .
وكاتب الصورة القلمية إذا استطاع أن يرسم لوحته بالألفاظ، تلك اللوحة التي يعجز الرسام عن رسمها بالريشة، كرسم لشخصية ما، بكل مركباتها، أو لمنظر ما من كافة جوانبه فإنه استطاع أن بيبدع
وكاتب المسرحية إذا استطاع أن يسرب الرسالة بالحبر السري، إذا استطاع أن يحاكي من لا حياة له بواسطة الضربات الكهربائية، إذا صح التعبير، فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع .
لقد تحدثنا في البداية عن أهمية الخيال، ولكن هناك من يأخذ علينا أننا انتهجنا في الكثير من أعمالنا المسرحية الواقعية التصويرية. وهنا نتساءل: ما العمل؟ وقد قذفنا القدر إلى داخل القدر وأشعل تحته النار.. هل سنبقى في حالة جمود أم سيسيل دهننا من شدة جحيم النار؟.. ثم إنه بالرغم من وجود كم هائل من الألوان المسرحية مثل مسرح “العبث” الذي ظهر على يد “برخت” في أواسط القرن الماضي، نجد أن هذه الألوان لم تستطع بتر الحركة المسرحية الواقعية، وإنما التقنيات التي اعتمدتها الألوان المسرحية المذكورة أفادت المسرح الواقعي، والذين اعتقدوا أنهم قادرون على شق عصا الطاعة على المسرح المعاش، آملين الولوج إلى عوالم يكتنفها الإبهام والغموض، ظلوا مشدودين إلى البذرة الأساسية، ألا وهي الواقع المعاش الذي هو البذرة الأساسية للمسرح الواقعي وللأدب بكل تفرعاته .
وهناك ألوان أدبية أخرى انتهجت في السابق منها، مثلاً، المقامة التي ما زال البعض ينتهجها، والتي تعتمد على السجع الذي يرى الكثيرون أنه لا لزوم له في زمننا هذا.
هناك من يعتقد أن ساحتنا الأدبية شبه خالية من الإبداع، وأعتقد أن هذا يعود إلى عدة أسباب ، منها عملية جلد الذات، وأحيانا أنانية بعض الكتاب تساهم في نشر مثل وجهة النظر هذه، وكأني بهم يريدون القول إن هذا العالم يصعب دخوله وإن هذه المملكة خاصتهم.. وتكون هذه الوجهة مستمدة من خلال الزوايا الأدبية الركيكة المنتشرة في صحفنا المحلية، والتي عادة تنشر( قصائد) المراهقين في المناطق التي تباع فيها!. ولو أخذنا المواد النقدية المنشورة في صحفنا أيضا، نجد أنها ركيكة، حيث تأتي سريعة للغاية، لا تتطرق إلى مواطن الضعف والقوة ولا تناقش المضامين.. ولا تتطرق إلى المبنى؟!! علما أن هناك نقادًا على المستوى الأكاديمي، ولكن لا يتاح لهم التطرق إلى أعمالنا الأدبية بسبب تخصيص صفحة واحدة في الصحيفة للأدب ؟!
وإذا أردنا مقارنة أعمالنا الأدبية مع الأعمال القادمة من عالمنا العربي، نجد أنها لا تتفوق على أعمالنا، ونجد أيضا أن كتابًا مبدعين وقعوا في إشكالية محددة ولم ينجحوا في تخطيها، تمامًا كما يحدث عندنا، منها مثلاً الانتقال من مشهد إلى آخر بدون تهيئة ذهنية.. فحتى الكاتب الكبير نجيب محفوظ في قصة “بداية ونهاية” نجد أن ابن الخادمة الذي هو الابن غير الشرعي للباشا، يولد في الريف حتى لا ينكشف أمره.. يكبر ليصبح مناضلا ضد الطبقة الأرستقراطية، ليمسك بوالده محاولاً خنقه، وعندها يعلمه الباشا أنه والده.. الخ..
وهكذا يقفز محفوظ على الزمن بدون أن يحضر الأرضية الذهنية ومراحل بلوغ الولد.. علمًا أن هذا الاختزال يعتبر من فنون كتابة القصة القصيرة الحديثة. من هنا أعتقد أنَّ علينا أن لا نستهين بقدراتنا، وخير دليل على ذلك أن أدبنا يترجم إلى لغات العالم، وعلى سبيل المثال، قصائد طيب الذكر توفيق زياد وقصائد الراحل محمود درويش، وشعر الشاعر الكبير سميح القاسم وشقيقه نديم حسين وغيرهم.
والآن دعنا نعرف الإبداع .
أعتقد أن الخيال الخصب أول ميزات الإبداع، بل هو الأساس في عملية الإبداع الفني أًيًا كانت، وحتى في المجال التكنولوجي.. الاختراع الذي يعتمد على الحس اللمسي.. يشاهده المخترع بعين خياله أولا، قبل أن ينفذه. بينما الإبداع الأدبي يعتمد على الحس الفني.. على الملامسة الروحية للوجدان، يغذيه الخيال وهذا يعتمد على المبنى ثانيًا، صحيح أن من مهمات الأدب تغذية الوجدان البشري وتنمية الضمير الإنساني، ولكن المضمون إذا وضع في قالب أو مبنى هابط، فمن المفضل أن يحول إلى مقالة في النقد الاجتماعي. من هنا أعتقد أنه إذا استطاع كاتب القصة القصيرة أو الطويلة أو الرواية أن يصور الأجواء.. أن يستحضر المنظر.. لينقل القارئ إلى مناخ عمله الأدبي وترك الأحداث تنساب بشكلها الطبيعي بتسلسل متماسك لتحمل الكثير من المفاجآت، بمنأى عن رغباته.. وإن وجدت الجمالية التعبيرية وأحيطت القضية المطروحة بمنظور فني من كافة جوانبها، الاجتماعية والسياسية والإنسانية.. إذا استطاع الكاتب أن يدهشك.. يحرضك.. إذا استطاع أن يسحرك ويضمك إلى المبنى لتشعر أنك جزء من المعنى.. تمامًا (كالساحر) الذي ينقلك إلى الأجواء التي يريد بواسطة حركاته الفنية، التي تعتمد على سرعة الحركة في لحظة جذبك في اتجاه ما، يقوم به لتكملة اللعبة الأولى..
إننا إذا اعتبرنا تجاوزاً أن هذه الحركة، حركة درامية، نقول إن الحركة الدرامية ضرورية في عملية الإبداع الفني.. وإذا استطاع الكاتب أن ينتحل مشاعر أبطال عمله.. أن يبحر في نفسيتهم ويغوص بها عميقاً ليدخل في ثناياها المتشعبة والضيقة ليشعر بالنيابة عنهم.. إذا استطاع أن يتقمص أفكارهم ويفكر بالنيابة عنهم، إذا استطاع أن يضم هذه الرزمة أو جزءاً كبيراً منها فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع.. وتساعد حالة الانسجام اللا متناهية وحالة اضطراب الأعصاب في تقوية المستوى الفني للعمل الأدبي.. يعني على الكاتب أن يكون في حالة جنونية بكل معنى الكلمة بعد أن يكون قد خرج من ذاته ودخل أدوار الشخوص.. ليفكر ويشعر بالنيابة عنهم.. ليضحك أحيانا.. وليبكي أخرى.. هذه من بين الآليات التي على الكاتب أن يتسلح بها كي يكون مبدعاً.حقيقيًّا خاصة في الكتابة الروائية التي تتميز عن القصة، وخاصة الطويلة، في أنها لا تتطرق في آن لكافة مناحي الحياة كالرواية التي عادة ما تتحدث عن قصة حياة، حيث على الكاتب أن يسهب في الوصف .
والشاعر إذا كان في حالة توتر ؟! وتملك اللغة وسبك عباراته في قالب فني خاص ومختزل، وخلق الصورة الشعرية الجديدة، إضافة إلى الموسيقى فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع .
وكاتب “الستيرة” إذا استطاع أن يقتنص لحظة الحدث واعتقال الومضة ليجيرها ويسلطها على الحدث بشكل مكثف فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع.
وكاتب الخاطرة إذا استطاع أن يترجم نبضه كلاماً جميلاً سريعاً ومختزلاً فإنه استطاع أن يبدع .
وكاتب الصورة القلمية إذا استطاع أن يرسم لوحته بالألفاظ، تلك اللوحة التي يعجز الرسام عن رسمها بالريشة، كرسم لشخصية ما، بكل مركباتها، أو لمنظر ما من كافة جوانبه فإنه استطاع أن بيبدع
وكاتب المسرحية إذا استطاع أن يسرب الرسالة بالحبر السري، إذا استطاع أن يحاكي من لا حياة له بواسطة الضربات الكهربائية، إذا صح التعبير، فهذا يعني أنه استطاع أن يبدع .
لقد تحدثنا في البداية عن أهمية الخيال، ولكن هناك من يأخذ علينا أننا انتهجنا في الكثير من أعمالنا المسرحية الواقعية التصويرية. وهنا نتساءل: ما العمل؟ وقد قذفنا القدر إلى داخل القدر وأشعل تحته النار.. هل سنبقى في حالة جمود أم سيسيل دهننا من شدة جحيم النار؟.. ثم إنه بالرغم من وجود كم هائل من الألوان المسرحية مثل مسرح “العبث” الذي ظهر على يد “برخت” في أواسط القرن الماضي، نجد أن هذه الألوان لم تستطع بتر الحركة المسرحية الواقعية، وإنما التقنيات التي اعتمدتها الألوان المسرحية المذكورة أفادت المسرح الواقعي، والذين اعتقدوا أنهم قادرون على شق عصا الطاعة على المسرح المعاش، آملين الولوج إلى عوالم يكتنفها الإبهام والغموض، ظلوا مشدودين إلى البذرة الأساسية، ألا وهي الواقع المعاش الذي هو البذرة الأساسية للمسرح الواقعي وللأدب بكل تفرعاته .
وهناك ألوان أدبية أخرى انتهجت في السابق منها، مثلاً، المقامة التي ما زال البعض ينتهجها، والتي تعتمد على السجع الذي يرى الكثيرون أنه لا لزوم له في زمننا هذا.
تعليق