نريد تأميم البردي
* إلى شهداء مصر الحرّة..
السّماء تمطر تبرا على الصّفحات..لوثة في كلّ شبر،و السّماء تمطر تبرا على الصّفحات..
يقول ببّغاء الحاكم المدلّل يروي للعالم ما يجري بعدما عزلونا و لم يبق من خطوط الهاتف إلاّ خطّه:
- لا تصدّقوا ما ترون..شباب عابث لا يعي ما يقول تقوده عقول مريضة لا معنى لما تقول..لا تصغوا إليهم إنّ النّحل يرعى الزّهر بعد في ساحة الشّهيد،و قبضتنا اليوم حديد..
الشّعب و النّحل براء منك يا ببّغاء الحكومة..جنى عليك جباة العرق يا بلدي و ارتبك الصّبر في ضلوعنا فخرجنا.خرجنا عراة حفاة جياعا نطعمك بعض الجمر في حلوقنا كفراخ مالك الحزين..
رمّلوا لدهر قدورنا و حرّقوا الصّوف فوق جلودنا و استكثروا علينا تمزيق السّوائم الكذّابة.كان دوما لدينا حدس بأنّ الجنين في بطن البؤس و الّلعنة يمتلك فندقا في تقاريرهم الدّوليّة،و أسميناها جرائد التّبر المزعوم..و قرّرنا بدءا من تلك الّلحظة أنّا نحن من سيسمّي الأشياء.
و فكّرنا يومها : لا بأس سوف لن نستبق الأحداث،لكنّ الثّابت هو أنّ نقّار الخشب سيبحث بعد فوات الأوان عن مقعد في إحدى القنوات الوطنيّة لينتحل الثّورة.سوف لن نغفل عنه.إنّا له و لأشباهه و للّذين سيسطون على البنوك و يتبجّحوا بالبراءة لبالمرصاد.
و صمّمنا على أن نجتثّ أورام الوطن القديمة لعلّنا ندركه حيّا.كان لا بدّ أن نداويه بالكيّ بعدما طال الغشّ كلّ العقاقير،نعلم أنّ قلبه الذي يصبّ في المتوسّط سيغفر،فالحلم كبير و واحد؛أن يصبح النّيل حلوا من جديد،و تهجر البّبغاوات إلى غير عودة و تصير لعصافير السّطوح أوكار بيننا و يمشي خالي فوق الأرض كأمير كريم.
ضربنا المواعيد فيما بيننا،مغلولا و مغلولة،مسحوقا و مسحوقة.تركنا خلفنا ما تخلّد في رقابنا من دين لدى الحاكم و زمرته و ردّدنا بصوت واحد أن اخرجوا من البردي،إنّ طمعكم يقتل الحضارة فينا..و صرخ جيله الذي لم يعرف سواه:لست أبي كي لا أملّك ،فلم تصرّ أن تكون أبي الذي ألقي بي و بأمّي في مجاري التّصريف لمّا تكرّش..و امتلأت بنا الشّوارع و اندفعنا كنهر من صهارة.رمانا كلابه بقنابل مسيّلة للثّورة و قذفناهم بأصفادنا المزيلة للفجيعة و العار،فتراجعوا.
بالأمس علّقوا غصبا في كلّ بيت جدولا يحصي مكاسب الشّعب..نهبنا المكاتب التي تحرّرت فيها الجداول،فارتعبوا و سارعوا باعتقال العجّز و المتعثّرين،و قتلوا ما ترسّب في سجونهم من معتقلين رفضوا تقبيل بيانات البرلمان العائم في الرومانسيّة و تدليك الشّحوم.
بغتة كفّت ألواح التّبر المزوّر عن الهطول و زالت الأقنعة و نصّب فرعون داخل أسوار قصره دمية ليحمي بها عشيرته لو عنّ لها الفرار،و فهمنا أنّه قد وهن.و بدأ الثّلج الأخضر يندف في الشّوارع.الثّلج أبدا مرتبة دفىء و ليس ذروة صقيع و بياض.ولبسنا الأعلام و تسلّقنا الأسوار العالية نجلو الحثالة و رفرفت فوق ظهورنا ألوانها الغاضبة و انضمّ إلينا الجيش؛جيش سيناء الذي لا بديل له عن العبور و أحسسنا تجاهه بعاطفة لا أجد لها وصفا يناسبها أبلغ من واجب استمرارك في حبّ وشاح أمّك لو أنّهم خنقونك به مرّة و نجوت.
حاصرنا القلعة من كلّ صوب و اشتدّ وجيب الرّصاص..بُهتوا كيف ضربنا المواعيد و قد أعدموا كلّ موجات التّخاطب.ألم نكن قد أغلقنا كلّ المنافذ ؟ حينها أجبنا هازئين:فكّوا شفرة القلوب إن كنتم فاعلين،و قلنا لفرعون ارحل كما تشاء؛مدحورا لبّينا و عزيزا لبّينا.فاختفى و كانت الثّالثة إمعانا في عصيان الشّعوب..خلعناه و انتهى الأمر و ليس أسهل ،شيّعنا الشّهداء و تُهنا في مرج به حريّة و أنباء سعيدة..هناك في المرج حيث اجتمعنا لم نجد ما يكفي من القمح أو القصب أو القطن أو الخراف،و لكنّ مومياءات لا عدّ لها نزعت عنها قُمُطها و شاركتنا الغناء.
محمد فطومي
تعليق