الرقص على برزخ الحياة جـ 1

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سمير طبيل
    عضو الملتقى
    • 04-12-2007
    • 120

    الرقص على برزخ الحياة جـ 1

    اهديها إلى الصديق خيري حمدن وأرجو أن يغفر لي إقحامه في الأحداث
    ..............

    الرقص على برزخ الحياة
    .......

    " وضعت حرب يونيو سبعة وستين أوزارها وأسقطت معها كثيراً من الأقنعة البراقة الخادعة وكثيراً من الشعارات الجوفاء لقد غيرت خريطة المنطقة بأكملها وغيرت معها حياة كثير من البشر "

    وقف رامون يتطلع إلى شاطئ مدينة حيفا بنظرات جوفاء لا تحمل أي تعبير، لا يشعر بأي شيء يدور حوله حتى انه لم يشعر بأصدقائه وهم ينادونه ليشاركهم لهوهم واحتفالهم بالنصر الكبير ولا باقتراب صديقته الحميمة استر ألا عندما احتضنته من الخلف وهي تسأله عن سبب شروده وعزوفه عنها وعن الأصدقاء، أبعد يدها عنه فنظرت أليه بدهشة وسألته بحده عما به، فتطلع إليها بذات النظرة الجوفاء ثم تركها وانصرف دون أن يجيبها بكلمة واحدة.
    دلف رامون إلى منزله بعد أن فتح الباب بمفتاحه الخاص على غير عادته حيث كان معتاداً أن يقرع الباب محدثا صخبا عالياً حتى تفتح له أمه وتنهره فيقبل جبينها وهو يضحك ويصعد إلى غرفته أما ألان فلم يعد يفعل ،وجد أمه تجلس في ردهة المنزل تطلع أليها بحزن وألم لم يلتفت إليها وصعد مباشرة إلى غرفته دون كلمة واحدة تاركا خلفه أمه دامعة العنين ....
    ألقى بجسده على فراشه دون أن يبدل ملابسه بعد أن صب لنفسه كأسا من خمر وأشعل سيجارة ينفس دخانها في الهواء وهو يراقبه بعينيه .دخلت عليه أمه فوجدته على هذه الحالة فجلست على طرف فراشه فأزاح وجهه عنها إلى الجهة الأخرى فبكت بحرقة وقالت له لماذا تعذبني كل هذا العذاب؟ هل لأننا أنقذناك من موت محقق؟ أم لأننا اتخذناك ابنا لنا؟ أنت في قلبي والله لأعز من ابني أنجبته من رحمي هذا لو كان مقدراً لي الإنجاب، حافظ رامون على صمته فزاد بكاء أمه وجذبته نحوها من قميصه وهي تصرخ فيه أنت ابني أن شئت أم أبيت فانا من رباك صغيرا حتى أصبحت شابا يافعا أنا من سهر عليك في مرضك أنا من فرح لنجاحك أنا من حزن لهمك أنت ابني أنا وليس بن ذلك العربي الأحمق ،هو تركك خلفه لتموت وفضل أن ينجو بنفسه وبزوجته وتركك أنت تواجه مصيرك وأنت لم تكمل عامك الأول بعد ولولا رحمة زوجي الذي هو أبوك وعطفه عليك لكنت ألان ميت مثل ألاف العرب الذين قتلوا في حرب الاستقلال ، أنت يهودي إسرائيلي وليس فلسطيني مسلم أتسمع ما أقوله جيدا أنت منا نحن فالأم ليست من تنجب بل هي من تربي، أزاح رامون يدها عنه بعنف وغادر البيت مسرعا تاركا خلفه أمه وقد ألقت بنفسها على فراشه بعد أن غسلته بدموعها.
    ركب رامون سيارته يتجول بها في شوارع المدينة بغير هدى، تلعب الأفكار برأسه كما تلعب العاصفة بمركب صيد صغير فقد ربانه ،لقد تغيرت حياته تماماً ،كم كان سعيدا بانتصار جيش الدفاع على أقوى الدول العربية في طرفة عين وهو من يكره العرب والمسلمين أكثر من كره للموت نفسه، صحيح انه تعلم اللغة العربية وأتقنها مثل أهلها لكنه لم يتعلمها إلا مكرها رضوخا لرغبة والده رحمه الله فقد كان دائما يقول من عرف لغة أعدائه امن غدرهم ،هل حقا هذا هو السبب ؟!! أم لأنه عربي و يوما ما سوف يعود إلى بني جلدته ! ،اللعنة على تلك الحرب ليتها لم تكن فبعد انتصار جيش الدفاع وسيطرته على كل ارض الميعاد أصبح في إمكان سكان ارض يهودا و السامرة الوصول إلى إسرائيل بسهولة ويسر مما مكن ذلك العربي أبو عمر أن يصل إليه ويفجر القنبلة التي زلزلت حياته لقد ادعى انه ابنه وان اسمه ليس رامون وانه ليس بيهودي بل اسمه عمر وفلسطيني مسلم!!...مسلم! كيف؟! انه يمقت هذا الدين بل يمقت كل المسلمين والعرب هكذا تربى منذ الصغر، أبعد أن أصبح شابا في العشرين من عمره يعلم انه هو ليس بهو!! انه..عدوه!! يا لها من كارثة مضحكة..
    لا!! .. بل كارثة مبكية حتى الموت.
    وجد رامون نفسه يقف بسيارته أمام منزل أبو طلال العربي كما يسمونه في حيفا، نزل منها وتوجه مباشرة إلى المنزل ورن الجرس فأتاه صوت يسأل عن الطارق فأجابه انه رامون فأتاه الصوت مرة أخرى يقول تقصد عمر؟ ثم فتح الباب ودلف رامون إلى الداخل ،استقبله أبو طلال مرحبا ثم قال له كنت اعلم انك سوف تأتي إلي وها أنت أمامي تفضل بالجلوس، جلس رامون أمامه صامت لا يعرف ماذا يقول و أبو طلال ذلك العجوز العربي ينظر في عينيه مباشرة ثم قال أرى في عينيك أسئلة كثيرة يا عمر!! فاحتد عليه رامون قائلا لا تناديني بهذا الاسم مرة أخرى أفهمت؟ ، ابتسم أبو طلال وهز رأسه ثم قال سل ما بداخلك يا بني؟ نظر رامون إليه طويلا والكلمات تتلعثم بفمه لا تريد أن تغادره، عن ماذا يسأل عن كونه عربي حقا!! لقد اعترفت له أمه بذلك الم تخبره أن والده أو من كان يظنه كذلك قد وجده في منزل عربي ممن فروا أيام حرب الاستقلال فعطف عليه واتخذه ولدا له لأنه لم يكن يرزق بالأولاد ، أخرجه أبو طلال من شروده عندما سأله أن كان يرغب فنجان من القهوة؟ فهز رامون رأسه مرحبا بالفكرة ثم سأله مباشرا خوفا من أن تخونه قواه مرة أخرى فلا تخرج منه الكلمات.. لماذا؟ فقطب أبو طلال جبينه وأعاد إليه سؤاله.. لماذا ماذا يا بني؟ فقال رامون لماذا ظهر ذلك العربي ألان؟ لماذا تركني لأواجه الموت وأنا طفل صغير إذا كان حقا يتمسك بي كما يقول؟ فتنهد أبو طلال واخرج من صدره زفرة تحمل ذكريات مؤلمة ثم قال لو انك يا بني استمعت لأبيك أو لي عندما أتيناك ولم تقم بصم أذنيك عنا عندما عرفت بسبب قدومنا لحصلت على احابات لكل أسألتك ، على كل سوف أجيبك عما يدور بعقلك من أسئلة أنا اعرف الحاج حمدان من أيام البلاد قبل الهجرة انه إنسان عاقل ملتزم بتعاليم دينه كان تزوج من أمك فاطمة...فصرخ رامون في وجهه قائلا لا تقل أمك فانا رامون وأمي راشيل وأبي اسحق واعتز بهم هم من أنقذاني من الموت وقاما على تربيتي أما حمدان وفاطمة اللذان تتحدث عنهما تركاني وسط الموت ونجيا بأنفسهما فهدأ أبو طلال من روعه ثم قال أنصت يا بني حتى تعلم ولا تكون متسرعاً فتظلم إنساناً بريئاً ثم أكمل كما سبق وأخبرتك أن حمدان تزوج فاطمة وأنجبا طفلا جميلا وأسمياه عمر و هو أنت وكان هذا في أواخر عام 47 ولم تمر فترة طويلة حتى حملت فاطمة بطفل أخر الذي هو ألان خيري أخوك، لم يعترض رامون هذه المرة فالفضول سيطر على كل خلجة من خلجات جسده ،أكمل أبو طلال حديثه فقال وما أن بدأت الأحداث عام 48 حتى دب الرعب في قلوب الناس من العصابات الصهيونية وفي يوم وبينما كان الحاج حمدان يعمل في الحقل هجمت إحدى العصابات على القرية ،لم تقدر فاطمة على حملك والهروب بك وهي حامل في شهورها الأخيرة فهرعت إلى والدك الحاج حمدان في الحقل حتى يتصرف لكن كان الصهاينة قد سيطروا على القرية بأكملها وقتلوا كل كائن حي وقع في أيدهم لذا لم يستطيعا العودة وهاجرا مع من هاجر إلى الضفة الغربية وسكنا بمخيم طولكرم لكن حمدان ظل على يقين انك حي ترزق وأصر أن يكنيه الناس بأبي عمر وبعد حرب يونيو 67 أصبح بمقدور الحاج حمدان الدخول إلى مدينة حيفا بعد أن علم آن كل من نجا من المجزرة البشعة ولم يهاجر قد سكنها وبحث عني لأننا أصدقاء منذ الطفولة لمساعدته في البحث عنك ورغم محاولاتي لإثنائه عن ذلك لأنك من المؤكد قد مت مع من مات ألا انه رفض وأصر وقال أن قلبه يحدثنه بغير ذلك وبالفعل فعلنا ولم يكن من الصعب العثور عليك بعد أن اسر أبوك اسحق ذات يوما وهو مخمر إلى عامل الحانة بسرك الذي تكفل بنشره بالمدينة كلها والباقي أنت تعرفه جيدا فقد أتينا إليك وضغطنا على أمك راشيل لتقول لك الحقيقة ولولا خشيتها من تهديدنا بأننا سوف نخبرك نحن ما فعلت أبدا وبعد ذلك حضرت أنت وفعلت معنا ما فعلت، هذه كل الحقيقة يا بني وألان القرار قرارك ثم احضر قلم و ورقة وخط بعض كلمات عليها ثم ناولها إلى رامون وهو يقول هذا هو عنوان أبويك الحقيقيين في الضفة أن شئت ذهبت أليهم ،اختطف رامون الورقة من يده وانصرف مسرعا دون حتى أن يودع صاحب المنزل
    .................... يتبع

    ..................................................
    samir11577@hotmail.com
    مدونة http://samir11577.maktoobblog.com
    .
يعمل...
X