برقية
وصلت البرقية متأخرة ، ليست متأخرة عن موعدها وإنما بعد أوانها ..لو أنها وصلت قبل ثلاثة أعوام لتغير مجرى الحكاية، والحدث، والأرجح لن يكون هناك سببا للقصة أصلا.
ست كلمات ،كانت كافية لمنع حدث قد حصل، سيبقى أثاره حتى نهاية البشرية، وسيمتد إلى ما لا نهاية في العالم الأخر الذي نؤمن به .
انتظرته سعاد خمسة عشر عاما ، سبعمئة وثمانين أسبوعا ،خمس الآلاف وأربعمئة وخمسين يوما ،مئة وواحد وثلاثين ألفا وأربعمئة ساعة ، لم تنتظره بلهفة كل هذه السنوات، اللهفة، والشوق كانتا في السنوات الخمس الأولى، تحول بعدها الى التزام أخلاقي لخمس سنوات أخرى، تنتظر ابن عمها الذي سافر الى استراليا لتأمين المستقبل، وانقطعت أخباره بعد ستة أشهر من رحيله ، وخمس سنوات الأخيرة ادعت انتظاره، وقد أحست بأن فارق الشيخوخة يتقلص أكثر، فأكثر .
سعاد لم تحسِب كما كتبت، وإنما كنت أحسب بدلا عنها، وأرقب اللحظة التي تنهي فيها التفكير به في كل يوم يجمعنا فيه مكان العمل ..وكان القاسم المشترك لحديثنا، فتعرفت عليه من خلالها ،ورأيته مرة واحدة قبل سفره ،وان كنت حفظت كل تصرفاته ومشاكله وأحلامه ..
قرأت نصا البرقية مرة أخرى..لم تك برقية ،بل رسالة أرسلت عبر البريد، في زمن حلت الرسائل الالكترونية مكان البرقية والرسائل، إلا أنها كانت مختصرة جدا كأنها برقية في ثوب رسالة ..
(سعاد لقد خرجت لتوي أنا قادم ) ..هذا هو النص ،لا سلام ،ولا تحية، ولا أشواق .. ولكن كلّ حرف يدل على الشوق ،واللهفة، والعجلة..
أدهشني طابع الرسالة البريدي لم يكن من استراليا، ولا بلد من غربي، إنما من البحرين ،ترى ما الذي حوله الى البحرين؟ ومتى أصبح في البحرين ؟
ساعي البريد الذي أعطاني الرسالة بصفتي زوج سعاد سألني بفضول عن درجة قرابته لي، فقلت انه قريب سعاد .تردد في البدء تسليمي الرسالة ، إلا انه عندما تأكد بأني زوج سعاد عبر زميلي الجديد في العمل بعد استقالة سعاد أعطاني الرسالة، منتظرا مكافأة لتعبه فلم أخيب ظنه ..
استغربت سعاد شكلي وهيئتي لحظة دخولي البيت .كأني احمل ثقلا اكبر من طاقتي ،وهمست في إذن طفلي الصغير أن لا يزعج أباه القادم من عمله متعبا، فتراجع الصغير وانشغل بإحدى لعبه ..
- لك رسالة .
بفضول أنثوي سألتني :
- رسالة ؟
وبغيرة رجل شرقي امتنعت عن ذكر اسمه إلا أني قدمت لها الرسالة..
تناولت الرسالة وقد رأيت في عينيها صورته يوم دخل علينا في الشركة تعرفنا به، كانت مغرقة بحبه، وكانت لا ترى غيره.
تابعت عينيها وهي تمر على السطور بسرعة، رمت الرسالة ونظرت الى طفلنا، فنهضت نحوه تضمه ،وبقيت الرسالة على الأريكة تنظر إلي تطلب مني شيئا يخصها..
2007
وصلت البرقية متأخرة ، ليست متأخرة عن موعدها وإنما بعد أوانها ..لو أنها وصلت قبل ثلاثة أعوام لتغير مجرى الحكاية، والحدث، والأرجح لن يكون هناك سببا للقصة أصلا.
ست كلمات ،كانت كافية لمنع حدث قد حصل، سيبقى أثاره حتى نهاية البشرية، وسيمتد إلى ما لا نهاية في العالم الأخر الذي نؤمن به .
انتظرته سعاد خمسة عشر عاما ، سبعمئة وثمانين أسبوعا ،خمس الآلاف وأربعمئة وخمسين يوما ،مئة وواحد وثلاثين ألفا وأربعمئة ساعة ، لم تنتظره بلهفة كل هذه السنوات، اللهفة، والشوق كانتا في السنوات الخمس الأولى، تحول بعدها الى التزام أخلاقي لخمس سنوات أخرى، تنتظر ابن عمها الذي سافر الى استراليا لتأمين المستقبل، وانقطعت أخباره بعد ستة أشهر من رحيله ، وخمس سنوات الأخيرة ادعت انتظاره، وقد أحست بأن فارق الشيخوخة يتقلص أكثر، فأكثر .
سعاد لم تحسِب كما كتبت، وإنما كنت أحسب بدلا عنها، وأرقب اللحظة التي تنهي فيها التفكير به في كل يوم يجمعنا فيه مكان العمل ..وكان القاسم المشترك لحديثنا، فتعرفت عليه من خلالها ،ورأيته مرة واحدة قبل سفره ،وان كنت حفظت كل تصرفاته ومشاكله وأحلامه ..
قرأت نصا البرقية مرة أخرى..لم تك برقية ،بل رسالة أرسلت عبر البريد، في زمن حلت الرسائل الالكترونية مكان البرقية والرسائل، إلا أنها كانت مختصرة جدا كأنها برقية في ثوب رسالة ..
(سعاد لقد خرجت لتوي أنا قادم ) ..هذا هو النص ،لا سلام ،ولا تحية، ولا أشواق .. ولكن كلّ حرف يدل على الشوق ،واللهفة، والعجلة..
أدهشني طابع الرسالة البريدي لم يكن من استراليا، ولا بلد من غربي، إنما من البحرين ،ترى ما الذي حوله الى البحرين؟ ومتى أصبح في البحرين ؟
ساعي البريد الذي أعطاني الرسالة بصفتي زوج سعاد سألني بفضول عن درجة قرابته لي، فقلت انه قريب سعاد .تردد في البدء تسليمي الرسالة ، إلا انه عندما تأكد بأني زوج سعاد عبر زميلي الجديد في العمل بعد استقالة سعاد أعطاني الرسالة، منتظرا مكافأة لتعبه فلم أخيب ظنه ..
استغربت سعاد شكلي وهيئتي لحظة دخولي البيت .كأني احمل ثقلا اكبر من طاقتي ،وهمست في إذن طفلي الصغير أن لا يزعج أباه القادم من عمله متعبا، فتراجع الصغير وانشغل بإحدى لعبه ..
- لك رسالة .
بفضول أنثوي سألتني :
- رسالة ؟
وبغيرة رجل شرقي امتنعت عن ذكر اسمه إلا أني قدمت لها الرسالة..
تناولت الرسالة وقد رأيت في عينيها صورته يوم دخل علينا في الشركة تعرفنا به، كانت مغرقة بحبه، وكانت لا ترى غيره.
تابعت عينيها وهي تمر على السطور بسرعة، رمت الرسالة ونظرت الى طفلنا، فنهضت نحوه تضمه ،وبقيت الرسالة على الأريكة تنظر إلي تطلب مني شيئا يخصها..
2007
تعليق