اللغة في طوفان غيمة لـ توليب / جعفر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جعفر حيدر
    أديب وكاتب
    • 18-01-2011
    • 109

    اللغة في طوفان غيمة لـ توليب / جعفر

    [align=justify]

    اللغة والشعر في قصيدة


    ( طوفان غيمة ) لـ توليب محمد




    طوفان غيـمة

    من طفلة الأمس
    من بدء التّشكّل
    صُغتُ ضفائري
    جناحين ملوّنين
    أراودُ السّماء لهوًا
    وأصْغيْتُ لغيمة تناديني
    فدنوْتُ...
    وارْتَديتُها كَسِـرِّي
    قد يأتي...!!!



    من إعصار الوجْد
    من دمي السّاهر
    غزلتُ لكَ
    لُهاث القلب
    وسادة تنام عليها
    وأسْريْتُ إلى غوايتي بكَ
    وفتحتُ شرفتي على قوس طيْفِكَ
    وما أتَيْتَ...!!!



    من قيْد القلب
    وركض الرّيح الشّريدة
    واحتمال ماء السّراب
    أدركتُ خسارة اليقين
    وجحيم المسافات
    وأعْلَنَ الهديلُ
    احتفال العراء بي
    وما أتَيْتَ...!!!



    من قَبْري الجليد
    ووحشة البياض
    وجرح مفتوح
    على ريح خرساء
    وريح مكتظّة خرائب
    أطفأتُ خُطاي إليكَ
    وانعطفتُ إلى نحيب الظّلام
    لِمَاذا الآنَ أتيـت...؟؟؟

    توليب









    دائما كنت أشعر أن العبارة الشعرية واحدة .. وأن الشعر واحد ... أي أن الشعر لا يتجزأ أينما كان، وكيفما كتب .. وبأية تقاطيع بدأ وكيفما انتهى .. ولكنني بالرغم من كل ذلك دخلت إلى فهم قصيدة النثر متأخراً. .. بل متأخراً جداً. وبالرغم من كل ذلك أيضاً لا زلت أكتب الشعر كيفما يأتي إليّ من هناك ... ، .. فإذا أتت القصيدة موزونةً مقفاةً أتركُها هكذا حتى تنتهي .. منطلقاً من مبدأ الحرية الذي أحمله دائماً وأبداً. ... ومن نفس المبدأ أترك القصيدة الحرة ( التفعيلة ) تتناسل بين يدي حتى تبلغ ذروتَها ونشوتَها.
    لكنني من خلال قراءاتي الكثيرة والمتعددة والمتنوعة .... بدأت أرى ما لم أكن أراه سابقاً .. أرى شِعريّة جديدة متدفقة ... هي نادرةٌ حقاً مثلُها في ذلك مثلُ رفيقاتها في أي نوع من أنواع الكتابة، ولكنها ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل .. بالرغم من كل ما كتب عنها وخاصة ( في مجلة شعر / التي أشرف على ظهورها في لبنان أدونيس ويوسف الخال .. وآخرون ). وما أراه في بعض الأحيان ( وفي بعض المواقع ) يجعلني أعتقد أنها تمر بأزمة كغيرها من صنوف الكتابة، بل ربما أكثر من غيرها بسبب حداثتها نسبيا، واستسهال كتابتها في كثير من الأحيان. ( أترك هذا الأمر للمناقشة مع الإخوة الكبار هنا ).
    النقد:
    لست ناقداً .. ولا أريد أن أكون ( الآن على الأقل ) .. وما سأقوم به هنا ليس إلا محاولة لفهم اللغة ( واللغة تحديداً ) في قصيدة شاعرة مُقِلَّة جداً .. رغم أن ما يكْمُن من طاقات لديها تستدعي التّفجيرَ، بحزام الشِّعر الناسف . ..... إنها بحاجة إلى تثوير بجماهيرية تونس وثورتها التي فتحت عصر الثورات العربي ... ولن أكتب ناقداً أبداً هنا .. بل إنني وجدتُ ما هو أهم من النقد ... وجدت الدراسة ... دراسة كل كلمة، وكل فاصلة، وكل عبارة شعرية، على الأقل هنا. فالأنانية الأدبية ( التي تعني المعرفة ) وزيادة المعرفة والتحصيل المعرفي أهم بكثير من التعالي المعرفي والتكابر بالمعرفة الذي يمارسه بعض النقاد ( وليس كلهم ).
    اقتربت من هذا النوع من الشعر وأعدت قراءة ما كنت قد أرهقت نفسي في قراءته سابقاً .. ورأيت أن الكتابة وحدة لا تتجزأ ، وأن الشاعرية لا تتجزأ أيضاً.
    كثيراً ما نفتقد الجانب اللغوي عند قراءاتنا السريعة للشعر، وكذلك عند ترجمته إلى لغات أخرى غير اللغة التي يكتب بها عادة. نفتقد التركيب اللغوي الخاص، نفتقد الطاقة الكامنة والإيحاءات اللغوية التي تدل عليها كلمات القصيدة عادة وعباراتها.
    الكلمة كائن حي في شكلها وفي ولادتها وفي تطورها وفي أداء دورها اللغوي والأدبي في كل عبارة في هذه القصيدة ( التي نحن بصددها ).
    هناك العديد من الشعراء الذين يرفضون الهبوط – بحسب تعبيراتهم إلى اللغة الواقعية، وهناك الكثيرون أيضاً الذين يرون أن الشاعرية هي هذا الهبوط إلى اليومي المعاش، والجانبان أبدعا بشكل ملفت للنظر.
    الشاعرة هنا تنتمي إلى جانب الشعراء الذين يريدون الحفاظ على اللغة المثالية ( من المثال ) لا من النظرة المثالية للكون. إنها تريد لغة عربية صافية، ورمزية متمسكة برومانسية راقية.
    لفت نظري هنا في هذا النص ..
    أصالة الكلمات .... رغم حداثة القصيدة ...
    لفتت نظري بنية العبارة .... رغم حداثة النص ... رغم تجدده من خلال علاقاته البنيوية الجديدة ..
    لفتت نظري اللغة المستخدمة في هذا النص .... رغم أن الكلمات هي نفسها الكلمات المتاحة لكل كاتب.
    ولذا قررت الدخول في مغامرة صعبة.

    صوت الشاعرة:


    من طفلة الأمس


    من بدء التّشكّل


    صُغتُ ضفائري


    جناحين ملوّنين

    ما هو الشعر ؟ هو سؤال ......... من أصعب الأسئلة !!
    للشعر تعريفات كثيرة وكلها تحد من حريته، ومنها:
    - الموزون المقفى.
    - الكلام الذي يثير الدهشة.
    ومنها:
    - أن الشعر هو كل ما لا يمكن كتابته نثراً .
    الصياغة الشعرية - بهذا المعنى - هي أمر لا يمكن كتابته نثراً ....
    ولكن هل يمكن أن نقترب وندنو من الشعر بناءً على هذا التعريف يا ترى؟
    الاختصار في الشعر أيضا هو أمر لا يمكن كتابته نثراً.
    التكثيف الشعري – كما يرى المنظرون للشاعرية – لا يمكن كتابته نثراً.

    وبناء على ذلك:
    يمكننا فهم هذه المقطوعة الشعرية المزدهرة بالشعر
    المتخمة بالتكثيف الشعري المبهر.
    الشاعرية الكثيفة هنا في هذه المقطوعة
    لا يمكن نثرها كما هي ... أقصد ... دون تدخل الخيال الشعري ..
    ولا الذهاب في رحلة صوفية ... شفافيتها أكثر بكثير من غموضها.
    إنها صعبة المراس .....
    نعم هذه المقطوعة صعبة المراس.
    إنها تكثيف للعبارة الشعرية هنا.
    تكثيف للكلمة التي لا تدخل في القاموس إذا خرجت منه.
    للكلمة الخارجة والمتمردة على القاموس.
    والمتمردة حتى على حروفه. والتي هجرته بلا عودة.
    الكلمات هنا تمردت
    بشكل تستطيع معه كل كلمة أن تحمل معاني صفحاته
    وهي الفارّة منه:
    بجناحيها .
    وبحريتها.
    وبعنفوانها.
    وبكنوزها.
    ***
    لننظر إلى إعادة صياغة الضفائر
    الصياغة ( كلمة الصياغة ) هنا مهمة جداً ....
    لأنها إعادة تشكيل هذه الضفائر
    وليس إعادة رسمها
    أو التلاعب بشكلها
    بل إعادة ( صياغة )
    وكأنما الضفائر ( شِعر ) بكسر العين
    كأنما الضفيرة فلسفة امرأة
    لا بد من إعادة صياغتها

    ولكن هذه الإعادة هي على شكل جناحين ملونين
    هما الطفولة.
    إذن هنا نحن أمام العودة إلى الطفولة ...
    التي هي صياغة جديدة للنفس
    وليست صياغة للضفائر فحسب.



    صوت الشاعرة :


    أراودُ السّماء لهوًا

    راود - يراود ...
    ورد في القرآن الكريم .. وراودته عن نفسه
    أغرته بنفسها
    ما أجمل الإغراءات هنا
    طفلة ... تراود السماء عن نفسها ...
    تستغل طيب السماء ولطفها ..
    وغير ذلك لا يعنيها بأي أمر.
    تستجلبها !!!
    تغريها بجمال الضفائر وتغريها ( لهواً ).
    طفلة قادرة على تحدي قوانين الدنيا بكلمة ( المراودة )
    القوانين الطبيعية لا يلغيها إلا الإغراء ..
    والمراودة إغراء ..
    والطفلة التي لا تعرف قوانين الدنيا
    ةهذه القةانين لا تعنيها بشيء
    تحاول أن تسترد السماء ( لهواً )
    فتراودها بألعابها ... بضفائرها ... بلهوها

    صوت الشاعرة :


    وأصْغيْتُ لغيمة تناديني


    فدنوْتُ...


    وارْتَديتُها كَسِـرِّي

    لكن السماء أيضا تراود
    والطفلة تعي ذلك بحدس ألعابها الجميلة
    وبخبرة من تأملاتها ....
    وهي تأمر ألعابها.
    ولكن ما هي نتيجة المراودة ... يا ترى ؟؟؟؟
    غيمة تتكلم ... و( أصغيت ) لغيمة... والفعل أصغى هنا لا يعني الاستماع فحسب .. وهنا تكمن اللغة .. الإصغاء هو الميل إلى الأمر وحسن الاستماع إليه ..
    وربما يعني التوحد بين الجسد والصوت ..
    كما أرى هنا.
    الغيوم نزلت .... والطفلة دنت ..
    ومع الضفيرتين
    شاءت الطفلة أن ترتدي جسد الغيمة .. لا أن تلبسه
    الرداء هو ما نلبسه فوق اللباس وليس العكس ...
    لذلك ارتدت الغيمة
    ولم تلبسها
    هنا الفرق طبعا ليس كبيراً
    ولكن الطفلة تشاء أن ترتدي الغيمة هكذا فوق ملابسها ..
    وقد أبدعت في اختيار لفظتها.
    فهل ستنزل الغيوم على ذات الضفيرة العذبة بطفولتها الدائمة؟
    ولكن الأهم كيف تم ارتداء الغيمة
    ( ارتديتها كسرّي ... )
    والسر رداء جميل !!!!!!!!
    ثم تتحول الغيمة تدريجيا إلى قوس قزح يطل من الشرفة لاحقاً

    صوت الشاعرة:


    قد يأتي...!!!


    من إعصار الوجْد


    من دمي السّاهر


    غزلتُ لكَ


    لُهاث القلب


    وسادة تنام عليها


    وأسْريْتُ إلى غوايتي بكَ


    وفتحتُ شرفتي على قوس طيْفِكَ


    وما أتَيْتَ...!!!

    كبرت الطفلة .. وهي تنتظر ..
    ولهاث القلب بدأ يتحول إلى وسادة. و تبدأ دارة التحولات....
    ***
    التشبيه:
    للتشبيه في القاموس القديم وفي الشعر القديم جانبان
    ( المشبه والمشبه به )
    ولكنهما يتحاوران يتحركان ..
    يتداخلان في زمن الشعر وزمن الشاعرية.
    يختفي أحدهما مع الزمان ..
    ليطل الآخر عبر المكان ..
    لكن الشاعرة هنا بحداثتها تلغي الجانبين..
    تلغي المشبه والمشبه به ......
    ليتداخلا في لوحة شعرية قوامها الكلمة، والصورة.
    ( يأتي إعصار الوجد / الدم الساهر / لهاث القلب ... الخ )
    ****

    وأسريت إلى غوايتي ....
    سير الليل نحو الغواية ...
    يقول بدوي الجبل ( من الغواية سلسلنا هدايتنا )
    تتكئ الشاعرة على تراث لغوي كبير عندما تكتب ..
    تتكئ على لغة عظيمة منفتحة ..
    تخرجها من عباءة الرمل إلى فضاء الواحة ...
    نسلسل الهداية من الخطيئة ومن الإغراءات ..
    وهدايتي بك
    هذا نسيج القلب يفتح لك مسراه إلى الغواية
    التي هي طريق الهداية
    لانفتاح شرفة على قوس قزح
    القادم من مراودة السماء وارتداء الغيمة.


    صوت الشاعرة:


    من قيْد القلب


    وركض الرّيح الشّريدة


    واحتمال ماء السّراب


    أدركتُ خسارة اليقين


    وجحيم المسافات


    وأعْلَنَ الهديلُ


    احتفال العراء بي


    وما أتَيْتَ...!!!


    هناك ركن كبير من أركان الحياة
    كثيراً ما يلقيه الأدباء على الكلمات الشاعرية
    التي هي ( كائنات حية ) كما أسلفت.
    وهذا العنصر هو عنصر العلاقات ..
    العلاقات بين الكلمات ...
    والأشياء ...
    انكسار وانهيار العلاقات الاجتماعية يؤدي إلى ثورة اجتماعية ....
    وانهيار العلاقات القديمة بين الأشياء ....
    وبين الكلمات في الشعر ... يؤدي إلى ثورة في الشعر.
    وهذا هو الطموح الأكبر.....

    ***
    هنا ... وبهذه المناسبة
    تحشد الشاعرة مجموعة من عبقريات اللغة،
    لتعلن وهي تنتظر حبيبها ..
    أن العراء بدأ بمسرحية الاحتفاء ....
    واحتمالات التناقض
    الذي يظهر الحسن،
    ويدمر العلاقات القديمة
    ليقيم عليها احتفاءات جديدة.

    صوت الشاعرة


    من قَبْري الجليد


    ووحشة البياض


    وجرح مفتوح


    على ريح خرساء


    وريح مكتظّة خرائب


    أطفأتُ خُطاي إليكَ


    وانعطفتُ إلى نحيب الظّلام


    لِمَاذا الآنَ أتيـت...؟؟؟


    تتصاعد اللغة
    لتصل قمتها هنا في صوت الشاعرة ...
    وتصويرها ..
    ورسمها للأشياء بكلمات خاصة بها ...
    كلمات ترسم شكل الأشياء بطريقة مختلفة عن الشكل المتعارف عليه ...
    من خلال العلاقة التي أنشأتها بين المفردات.
    هنا أيضاً يبدو اللفظ عادي
    ولكن إتقانه يبدو غير عادي
    مثله في ذلك مثل معناه الذي خرج من سطوة الكلمات التقليدية.
    ولا تدع لنا الصورة الشعرية - التي ترسمها الكلمات - أية فرصة للمتناقضات إلا وتنتهزها.
    فتجمع من المفردات شتاتها
    وتدخلها في مرحلة الانسجام المتناقض.
    وتتصاعد دهشة اللغة بنا .... لكي نكتظّ بها ...
    كما اكتظت رياحها بالخرائب
    التي تبعثر الجسد والروح
    لتكوّن منها جسداً جديداً وروحاً جديدة ...
    وقبل أن تنهي الخرائب ...
    يأتي زمن آخر ..
    زمن جديد ..
    تبنيه على أنقاض اللغة القديمة
    وتشعله في نفوسنا ثورة شعرية جديدة.
    تشعل نبوءة جديدة
    بثورة جديدة.
    ***
    ومع قمة اللغة الشعرية
    تنطلق اللهفة
    والألم ...
    وعندما يأتي ( ؟؟؟ ) متأخراً جداً
    يقف الحرف الشعري مشدوها
    / قبر بارد
    / خُطا كانت مشتعلة الخطو تنطفئ.
    / الريح التي كانت مجنونة تنتحر وتتوقف
    / والخرائب تتتابع فيها
    يصرخ الحرف : لماذا لم تأت قبل الآن.
    ****
    خاتمة
    الشعر حياة
    الشعر خلق
    والقصيدة الحديثة ... تتخلى عن ثقل الواقعية بشكل كبير.
    والشاعرة / توليب
    شاعرة متميزة باختيار قصيدتها الحديثة
    وباختيار حرفها
    بشكل خاص جداً
    بشكل يدل على نظم جديد في نوعية الشعر ( الحر – المنثور )
    وهو الشعر المعروف بانعتاقه ... وحريته
    إلا أن الشاعرة تستهلك المفردات بدقة مدهشة
    وترتبها بشكل ملفت للنظر
    فتنتظم المفردات لديها بشاعرية متدفقة
    ومهما اكتظت الحروف - وهي كثيرة لديها - يبقى لديها النَّظْم الخاص
    النظم الذي يذكرنا بأسلوب جميل وراق في الشعر الحر.
    ****
    أرجو أن أكون قد وفقت فيما رميت إليه
    وأعتذر من الشاعرة لتدخلي بقصيدتها دون إذن منها
    محبتي

    جعفر
    [/align]
  • رضا الزواوي
    نائب رئيس ملتقى النقد الأدبي
    • 25-10-2009
    • 575

    #2
    قراءة هادئة لنص رائق، لشاعرة يتهادى الشعر منها في ثبات شائق!
    رؤى مفعمة سافرت داخل النص بحكمة نافذة!
    أغرتني رؤاك لأفرج، ربما، عن قراءة لأحد نصوص "توليب" التي أحتفظ بها!
    شكرا أيها الشاعر الجميل؛ لإمتاعنا، ولذائقتك فائقة الجودة!
    دمت بخير،
    مع تحياتي.
    رضا
    التعديل الأخير تم بواسطة رضا الزواوي; الساعة 12-04-2011, 05:16.
    [frame="15 98"]
    لقد زادني حبّـا لنفسي أنني***بغيض إلى كل امرئ غير طائل
    وأنّي شقيّ باللئــام ولا ترى***شـقيّـا بهـم إلا كـريم الشـمـائل!

    [/frame]

    تعليق

    • نجيةيوسف
      أديب وكاتب
      • 27-10-2008
      • 2682

      #3
      حقيقة لا أدري لمن الفضل أكثر !!

      لقراءة نقدية رائقة راقية شدت متابعها أم لنص حمل كل هذا الجمال .

      أستاذ جعفر ،

      أشكر لك بصدق هذه الرحلة معك ومع الشاعرة ، مثلي يحتاج الكثير لأن يتعلم منكم . كم أحب أن يأتي النقد رائا واضحا قريبا من نفس المتلقي بهذه الصورة المشجعة على المتابعة .

      سعيدة أيما سعادة أن أكون هنا على مقعد من مقاعد الدرس بين حروفكم .

      تحياتي ، ودم بخير أبدا .


      sigpic


      كلماتنا أرواحنا تهمي على السطر

      تعليق

      • منجية بن صالح
        عضو الملتقى
        • 03-11-2009
        • 2119

        #4
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        الشاعر القدير جعفر حيدر
        لك كل الإحترام و التقدير على هذه القراءة الجميلة لقصيدة
        تستحق الكثير من الإهتمام لجمال المعنى و المبنى
        و أسمح لي شاعرنا أن أقدم قراءة مختصرة لمقطع إحتلني جماله

        تقول الشاعرة :


        وأصْغيْتُ لغيمة تناديني
        فدنوْتُ...
        وارْتَديتُها كَسِـرِّي

        تتواصل الشاعرة بحسها المرهف مع الكون لتسمع حَكيه و تدرك عنه حياته النابضة في بحر صمت تحذق الشاعرة السباحة فيه لتقول أن لها إصغاء لمفردات وحدها القادرة على إختزال معنى يفتقد لمبنى حسي لغوي .
        للغيمة نداء و للشاعرة إستجابة فيها دنو و حنو و لطف يغمرها يجعلها في مقام التبني حد الإلتصاق و الإنصهار الجميل و الذي تشكل معه وحدة لا تتجزء لتصبح الغيمة في نفس اللحظة رداء و سرّ... صورة رائعة لشاعرة تعيش صفاء حال يثمر عمقا و جمالا يتمدد على أرض القصيد لتقول لنا الشاعرة و بفطرة الأنثى الشفيفة الحس أن الغيمة جزء من خلقها الرباني فهي المختزلة لماء هو سر وجودها المادي و سر حياة فكرها و الذي لا يمكن إلا أن يتواصل مع حياة أخرى كونية هي إمتداد منها إليه تستلهم منه الحياة لتعيش جمال روعة الخلق على أرض الواقع و على أرض الفكر الخلاق لأنها الأنثى الأم الولادة على أرض الطبيعة و على أرض القصيدة
        هي مساهمة مني متواضعة أرجو أن تكون فيها إضافة
        شكرا لشاعرنا جعفر حيدر و الذي أتاح لي هذه الفرصة
        كل التحية و التقدير

        تعليق

        • عبد الرحيم محمود
          عضو الملتقى
          • 19-06-2007
          • 7086

          #5
          [align=center]بداية أشكر الأخ الموجي لدعوته للتعاطي مع هذا النص الثري !
          الشعر بلغة العصر قص النفس ولصقها على الورق ، قال أحد الشعراء :
          قلبي كمنفضة الرماد أنا=إن تنظريه كنت تحترقي
          قلبي أنا شعري ويظلمني=من لا يرى قلبي على الورق
          فالشعر نثر النفس على ورق الكثافة الواقعية ، والشاعرة هنا نسجت عكس نظرية الشعر فهي تصور الطبيعة داخل نفسها ، وتحاول أحيانا الامتزاج بها وأحيانا التضاد معها وأحيانا أخرى الذوبان التام والاختفاء داخل الصورة ، هي تكتب إحساسات أنثى سافر الحب عنها بعكس سيرها ، فانتظرته على رصيف قوس المطر حينا ، وعلى شرفة الانتظار أحيانا ، والشاعر الأخ جعفر مشى على سطح النص بحذر بالغ ، وسأحاول الدخول للنص الذي حاولت صاحبته تحويل التجريد لكثافة الإيجاد ، وهذا بعكس غالبية كتاب قصيدة النثر الذين يسيرون لتحويل الكثافة لروح تتسامى من الصلابة لأثير هائم في كينونة الفراغ ، هذه الشاعرة اكتشف أخي جعفر ما أدهشه من سبك لغوي دون أن يشير للسبب ، أدرك الدهشة ، وأصابته رعشة الصدمة اللغوية ولكن النص صعق بجماله رهافة حس الشاعر ، ولم يخترق حاجز الضوء فيه ، تقول الشاعرة :

          من طفلة الأمس
          من بدء التّشكّل
          صُغتُ ضفائري
          جناحين ملوّنين
          أراودُ السّماء لهوًا
          وأصْغيْتُ لغيمة تناديني
          فدنوْتُ...
          وارْتَديتُها كَسِـرِّي
          قد يأتي...!!!

          الشاعرة هنا لا تتكلم كطفلة وإنما تسترجع ذكريات الطفولة لتقول لمن كان معها طفلا يعبثان بالأشياء معا ويرسمان الأيام القادمة بأصبعيهما أحلاما على تراب الطريق ، وتحت غيمة السماء المنتظرة التي لا تأتي فتتشقق الأرض حنينا ، ويذوب شجرها وزهرها شوقا واغترابا !!
          تريد أن تقول إن التي كانت ترمي جدائلها لتكون جناحين أصبحت بانتظار الغيم لتسافر فيه بجناحيها ، وأن الانتظار طال حتى لم تعد في السماء قزعة غيم .
          ثم تقول :
          من إعصار الوجْد
          من دمي السّاهر
          غزلتُ لكَ
          لُهاث القلب
          وسادة تنام عليها
          وأسْريْتُ إلى غوايتي بكَ
          وفتحتُ شرفتي على قوس طيْفِكَ
          وما أتَيْتَ...!!!


          هنا تعود الشاعرة هنا للخط التقليدي بتشكيل المجردات وتحويلها من صور ضوئية ، وكلمات مجردة عن الكينونة لأجسام كثيفة متجسدة تتحرك في فضاء العلاقة الأبدية بين الرجل والمرأة ، ولكنها عكست العلاقة لتكون ما بين المرأة والرجل الذي تنتظر عودة ما كانه عندما كانت الأنامل صغيرة والضفائر جناحين دون أن يتحقق الحلم ولا يفي الطيف بوعد قديم أصبح تحت غبار الزمن الغابر !!!
          تقول الشاعرة في الصورة التالية :

          من قيْد القلب
          وركض الرّيح الشّريدة
          واحتمال ماء السّراب
          أدركتُ خسارة اليقين
          وجحيم المسافات
          وأعْلَنَ الهديلُ
          احتفال العراء بي
          وما أتَيْتَ...!!!

          عادت شاعرتنا لتكتب بنفس السير المقلوب لتجعل من المحسوسات أضواء ومن الكثيف غاية في الشفافية ، فتقول أنا ارتبطت بعهدها ولم تخن من ارتبطت به ، واحتملت مرارة صبر البعد ، لكن السراب بقي سرابا ، ولم يأت صاحب العهد من سراب بعده ، وبقي القيد على معصمي الجدائل الصغيرة بعد أن مر عليها ماء كثير في نهر الزمن !!
          ثم صورت شاعرتنا لقاء بين التراب المتشقق والنبات الذي عصفت بهشيمه الريح مع مطر في غير وقته ، جاء ليتدفق في جذور نبات ماتت فيه ذرات الحياة ، فما فائدة مجيئه ؟؟
          فتقول :

          من قَبْري الجليد
          ووحشة البياض
          وجرح مفتوح
          على ريح خرساء
          وريح مكتظّة خرائب
          أطفأتُ خُطاي إليكَ
          وانعطفتُ إلى نحيب الظّلام
          لِمَاذا الآنَ أتيـت...؟؟؟
          فبعد الموت ووحشة الكفن الأبيض وريح الزمن الذي أطفأ شمعة الحب والشوق والحنين بعد أن باتت خرابا لا يفيد فيه مجيء المطر تتساءل استنكارا :
          لِمَاذا الآنَ أتيـت...؟؟؟
          شكرا لك شاعرنا الجميل ولسيرك المجتهد على ضفاف النص ، وشكرا لشاعرة تكتب بشرايين إحساسها عواصف حب خبا !!
          [/align]
          نثرت حروفي بياض الورق
          فذاب فؤادي وفيك احترق
          فأنت الحنان وأنت الأمان
          وأنت السعادة فوق الشفق​

          تعليق

          • نجيةيوسف
            أديب وكاتب
            • 27-10-2008
            • 2682

            #6
            أستاذ جعفر ، أستاذة منجية ، أستاذ عبد الرحيم محمود

            ما أجمل أن تحنو على نص جميل أكف تغنيه بلمسات أرواحكم .

            أسجل إعجابي الشديد بهذا الحضور الجميل وهذه القراءات الرائعة .

            كونوا جميعا بخير أبدا .


            sigpic


            كلماتنا أرواحنا تهمي على السطر

            تعليق

            • منجية بن صالح
              عضو الملتقى
              • 03-11-2009
              • 2119

              #7
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              الغالية نجية

              يكون دائما لطلتك على المواضيع إشراقة تحفز الروح و الفكر على العطاء
              لك بصمة مميزة تسعدني دائما و يعطرني حضورها
              لك باقات من الورد وود لا ينقطع

              تعليق

              • محمد الصاوى السيد حسين
                أديب وكاتب
                • 25-09-2008
                • 2803

                #8
                تحياتى البيضاء

                ملمح صغير أضيفه بعد ما أضاف أساتذتى إضاءات نيرة جلية ، وهو ملمح أضيفه حول العلاقة النحوية التى تم توظيفها فنيا فى هذا النص وهو ملمح أراه يجلو الكثير من جماليته وما يكنزه من تخييل ثرى ، ولنتأمل بنية العلاقة النحوية فيما يلى

                1- من طفلة الأمس ، من بدء التشكل صغت

                2- من إعصار الوجد ، من دمى الساهر غزلت

                3- من قيد القلب ، وركض الريح الشريدة ، واحتمال لماء السراب أدركت

                سنلاحظ إننا أمام تقديم شبه جملة الجار والمجرور على الفعل الماضى دوما مما يجعلنا أولا أمام سياق محفز للتلقى ، مثير لاستكشاف دلالته ، فالمتلقى هنا يتلقى الجملة عكس ترتيبها البنيوى العادى حيث يتم تقديم شبه جملة الجار والمجرور بما يكثِّف من دهشة المتلقى ويحفز على مساءلة السياق ، ثم ولنتأمل بنية الفعل نجدها جميعا أفعالا ماضية بما يوحى بحالة من اليقين والرسوخ الذى يتشبع به وجدان البطل ويتجلى فى الأسلوب الخبرى الذى احتوى السياق
                ثانيا سنجد أن العلاقة النحوية تقوم على أن يكون الاسم المجرور متلعق بالمضاف إليه وهو الذى يكنز الصورة الشعرية
                ولنتأمل مثلا هذا السياق

                من إعصار ...

                حتى الآن لم نتلق التخييل الذى يكنزه السياق رغم أننا تلقينا شبه جملة الجار والمجرور
                ولكن حينما نتلقى علاقة المضاف إليه

                من إعصار الوجد

                فنحن أمام الاستعارة المكنية التى تخيل لنا الوجد غير ما نعرف ، وغير ما لدينا من رؤية له وتخيل ، فالوجد هنا قد يستحيل أرضا يضربها الإعصار ، وينبع من قلبها ليفيض ، وقد يستحيل الوجد إلى طقس ما يبدأ معه الإعصار ، وهكذا ينفتح تأويل الاستعارة المكنية على الكثير من القراءات ولكنها جميعا تبدأ مع علاقة المضاف إلى الاسم المجرور وهى العلاقة النحوية التى أتاحت أن يمتد السياق محفزا للتلقى مثيرا للوجدان عبر تغيير بنية التركيب ليتم تقدم علاقة الجار والمجرور بما يعمق من أثر الصورة الفنية

                تعليق

                • صادق حمزة منذر
                  الأخطل الأخير
                  مدير لجنة التنظيم والإدارة
                  • 12-11-2009
                  • 2944

                  #9
                  [align=center]

                  بوركت شاعرنا الفذ محمد حيدر .. بوركت مرتين

                  مرة حين اختيارك وقع على هذا النص الجميل ..
                  ومرة حين قرأته بمنظور الشاعر رغم محاولاتك تتبع البنيوية اللغوية والدلالية للكلمات
                  كان هنا شاعر يقرأ قصيدة .. يقرؤها شعرا وليس شيئا آخر ..

                  تحيتي وتقديري لك
                  [/align]




                  تعليق

                  • شيماءعبدالله
                    أديب وكاتب
                    • 06-08-2010
                    • 7583

                    #10
                    [align=center]شعر وقراءة التحفا الجمال
                    وحلقنا بهما في سماء الحرف البهي
                    أستاذنا الفاضل
                    اختيار رائع قراءة مميزة جدا
                    دام هذا الإبداع
                    وبورك القلم واليراع
                    احترامي وتقديري
                    [/align]
                    التعديل الأخير تم بواسطة شيماءعبدالله; الساعة 23-04-2011, 14:43.

                    تعليق

                    • غازية منصور الغجري
                      عضو الملتقى
                      • 21-06-2008
                      • 371

                      #11
                      رغم الجراح التي ألمت بي وأبعدتني عن احتمال عالم الشعر إلى مشاء الله ...ها هو العميد وقد سحبني إلى هنا.. وها أخرج قليلاً من عالمي المكتئب ، إلى عالم توليب الشعري حيث رائحة البنفسج ورقي البوح..وإلى مصافحة أولى إلى الشاعر الجميل جعفر ..وهو يقرأ النص بعذوبة ...يأخذنا إلى جنبات الحروف مأسورين بها .


                      لكم جميعاً أقول


                      شكراً من القلب
                      التعديل الأخير تم بواسطة غازية منصور الغجري; الساعة 23-04-2011, 22:18.
                      بين الفكر والأدب ثمة حلقة مفقودة ،معاً سنبحث عنها ::emot0:
                      [URL]http://www.crhat.com/vb/index.php[/URL]

                      وتذكروا أن هدفنا دائما أن نلتقي لنرتقي
                      [URL]http://all2chat.com/login.php?room=5635[/URL]

                      تعليق

                      • علي المتقي
                        عضو الملتقى
                        • 10-01-2009
                        • 602

                        #12



                        بداية الشكر موصول إلى الأستاذ جعفر حيدر الذي نبه إلى هذا النص الذي يستحق القراءة والتحليل ، وما سأقدمه قد يكون إضافة لما جاء في قراءته الجميلة، إن لم يكن يتماهى معها ويهتدي بهديها . مع احترامي وتقديري .



                        يتألف عنوان قصيدة (طوفان غيمة) من كلمتين : (طوفان وغيمة) . ينتميان إلى حقل دلالي واحد هو الحقل المائي ، هذا الحقل في الثقافة العربية له وظيفتان : وظيفة إيجابية إذ يتحول الغيم إلى غيث فيسقي الأرض ويبعث فيها الحياة ، ووظيفة سلبية إذ يتحول الغيم نفسه إلى سيل جارف يحول الأرض إلى خراب .

                        ارتبطت الغيمة في عنوان القصيدة بالطوفان، مما يوحي بأن الغيمة لن تكون إلا سيلا جارفا لا يبقي ولا يذر .
                        ماذا جرف السيل الجارف ، هل طهر الأرض من بقايا خريف ليبعث الحياة من جديد ، أم جرف طميها وحول بقايا أملها إلى يأس قاتل ؟


                        الوحدة الأولى: حلم يتشكل ويكبر :العلاقة بين الذات وموضوعها علاقة انسجام


                        من طفلةالأمس
                        من بدء التّشكّل
                        صُغتُ ضفائري
                        جناحين ملوّنين
                        أراودُ السّماءلهوًا
                        وأصْغيْتُلغيمة تناديني
                        فدنوْتُ...
                        وارْتَديتُها كَسِـرِّي
                        قديأتي...!!!


                        المقطع الأول من القصيدة يحكي عن حلم طفلة. يتشكل جسدها فيتشكل معه حلمها ، وكلما نما الجسد إلا وكبر معه هذا الحلم . وكلما كبر الحلم ، إلا وازدادت الرغبة في أن يتحول إلى حقيقة و إلى واقع .
                        ليتحقق هذا الحلم ويصير واقعا لا بد أولا أن يتشكل عبر القيام بأفعال متعددة أسندها المقطع الأول إلى الذات الشاعرة:

                        صغت ضفائري جناحين
                        أراود السماء لهوا
                        أصغيت لغيمة تناديني
                        دنوت
                        ارتديتها كسري

                        لقد تخلصت الذات الشاعرة الحالمة من عجزها وواقعها ،وحلقت بعيدا ، والتحليق رمز الحرية . لقد صارت مالكة لحلمها، تصنعه كيف تشاء ، تحول ضفيرتيها إلى جناحين ملونين ، فتراود السماء . والمراودة تعبير عن العشق والرغبة في القرب والوصال ، راودت السماء ، لأن السماء وحدها في عرف الأطفال تصنع الغد وتتحكم فيه . تراود السماء لكي تحقق ما يصوغه القلب وما يحلم به.
                        و لأن السماء لا تتأخر في الاستجابة لدعوات الأطفال ومراوداتهم كانت الإجابة من الغيمة ، والغيمة ماء، و الماء رمز الخصب و البعث والحياة ، الذي سيسقي الحلم لينمو ويكبر ويتحول على واقع . الماء وحده يقوم بفعل التجلي ، فيخرج الحياة الموجودة بالقوة من باطن الأرض إلى واقع بارز على ظهرها، لذا لم تتردد الذات الحالمة في التماهي معه ، هذا التماهي الذي جسده فعل ارتديتها كسري .
                        بعد هذا التماهي يظهر التجلي الأول للموضوع مختزلا في فعل واحد لم يتحقق بعد ، لكن كل شروط تحققه متوفرة ، لذا جاء مقترنا بحرف التحقق : قد يأتي متبوعا بثلاث نقط للتعجب ونقط للحذف . حروف التعجب المظهر الكتابي للانبهار و الإعجاب ، والأمر أيضا ( ما أعجب و أعجب به) فصيغ الأمر أيضا تنتهي بالتعجب.فالذات الشاعرة تحلم ، ولها ن تراود السماء أو تأمر ، وليس أمام السماء إلا الاستجابة .
                        في هذه الوحدة، كانت الذات الشاعرة فاعلا أساس لأفعال متعددة .وموضوعها المبهم يعبر عنه ضمير مستتر غائب فاعل لفعل لم يتحقق بعد: قد يأتي . لكن كل شروط تحوله من الاستتار إلى الظهور ومن الغياب إلى الحضور متوفرة. تحليق فمراودة فاستجابة متجلية في النداء فإصغاء فارتداء ، لذا لم تتردد الذات الحالمة في استعمال حرف التحقيق : قد يأتي .

                        الوحدة الثانية:إعصار الوجد و إصرار الذات على الوصال


                        من إعصار الوجْد
                        من دمي السّاهر
                        غزلتُ لكَ
                        لُهاث القلب
                        وسادة تنام عليها
                        وأسْريْتُ إلى غوايتي بكَ
                        وفتحتُ شرفتي على قوسطيْفِكَ
                        وماأتَيْتَ...!!!



                        في الوحدة الثانية، تتحول الغيمة البسيطة التي تراودها الذات الحالمة إلى إعصار داخلي، إعصار من الوجد ، والوجد عشق بل أقصى درجات العشق، و العشق ماؤه دم ، فكما تحولت الغيمة إلى إعصار جارف من الوجد ، تحول ماؤها إلى دم ساهر. يكبر الحلم ويصير في حجم الإعصار . وكما ارتدت الذات الشاعرة الحالمة غيمة في الوحدة الأول، غزلت ونسجت من حلمها وسادة نوم لموضوعها الذي تحول من ضمير غائب إلى ضمير مخاطب حاضر ( كاف الخطاب في غزلت لك ) وفعل الارتداء وفعل الغزل من حقل دلالي واحد ، ما يغزل هو ما يرتدى . و الأجمل أن تغزل الوسادة رمز النوم و السكون والحلم من الوجد الموصوف بالإعصار و الدم الموصوف بالسهر. فالإعصار و السهر حركة ، والنوم سكون ، وعلى الرغم من التناقض الظاهر بين مادة الغزل ومنتوج الغزل، فإن الوسادة جزء من سرير العشق والوجد الذي يطفئ الإعصار ويلطفه وحوله إلى غيمة خصب .
                        إن الذات الشاعرة الحالمة لا تعرف الهدوء ولا النوم: إعصار ودم ساهر وقلب لاهث وإسراء (السفر ليلا) نحو موضوعها. لها شرفة واحدة مشرعة نحو قوس طيفه ، والطيف كائن ليلي يزور في الحلم .
                        لكن الموضوع المختزل في كاف الخطاب في هذه الوحدة يخلف الوعد ـ وما أتيت ـ فيتحول حرف التحقيق في الوحدة الأولى ـ قد ــ إلى حرف نفي في الوحدة الثانية ،( ما أتيت ) ينفي الحلم ويحطم حلم الذات الحالمة .

                        الوحدة الثالثة : خسارة اليقين ،وبداية انكسار الحلم


                        من قيْد القلب
                        وركض الرّيح الشّريدة
                        واحتمال ماء السّراب
                        أدركتُ خسارة اليقين
                        وجحيم المسافات
                        وأعْلَنَ الهديلُ
                        احتفال العراء بي
                        وماأتَيْتَ...!!!



                        في الوحدة الثالثة، يبدأ الحلم في الانكسار ، فالقلب مصدر الإعصار والدم الساهر والإسراء إلى الغواية أصبح له قيدا ، يحد من إعصاره ، ومن فوران دمه ، و الإعصار صار ريحا موصوفة بالتشرد ، الذي يفيد الضياع ، و الماء الذي تحول إلى دم ساهر في الوحدة الثانية صار سرابا ، بل مجرد احتمال ماء السراب . ومن هذه الصفات الثلاث الذي وصفت القلب والريح والماء ( القيد و الشريدة و السراب ) تحول اليقين الذي يفيده حرف التحقيق في الوحدة الأولى ( قد) إلى خسارة ( أدركت خسارة اليقين ). وتحول التحليق الذي يفيد الحرية إلى إسراء بما يحمله من حمولة دينية تحبل بها قصة الإسراء والمعراج ، إلى جحيم مسافات . فيعلن الهديل احتفال العراء بالذات الشاعرة الحالمة . الهديل بكاء ورثاء الحمام الذي فقد إلفه وبقي وحيدا كما تحكي الأسطورة ، وكما يحكي الشعر العربي ( قصيدة غير مجد في ملتي واعتقادي لأبي العلاء نموذجا ) وعلى الرغم من إيجابية فعل الاحتفال ، فالذي يقوم به هو العراء ، ويعلنه الهديل مما يفقده كل إيجابية . وعلى الرغم من كل هذا ، يؤكد الموضوع الغائب الحاضر نفي فعل المجيء و تحقيق الوصال ـ وما أتيت ـ .
                        ومن السمات الأسلوبية لهذه التحول من الأمل إلى اليأس ، ومن يقين الوصل إلى إدراك الخسارة، تحول الذات الشاعرة من ذات فاعلة لعدة أفعال إلى ذات سلبية منفعلة . ففي الوحدة الأولى هناك خمسة أفعال :( صغت ـ أراود ـ أصغيت ـ دنوت ـ أرتدي ) وفي الوحدةالثانية اكتفت الذات الشاعرة بثلاثة أفعال ( غزلت ، أسريت ، فتحت) وفي الوحدة الثالثة صار الفعل فعلا واحد ( أدركت ) وحتى هذا الإدراك صار سلبا لأن مفعوله ليس سوى خسارة اليقين الذي تحيا به هذه الذات .

                        الوحدة الرابعة : نهاية الحلم


                        من قَبْري الجليد
                        ووحشة البياض
                        وجرح مفتوح
                        على ريح خرساء
                        وريح مكتظّة خرائب
                        أطفأتُ خُطاي إليكَ
                        وانعطفتُ إلى نحيب الظّلام
                        لِمَاذا الآنَأتيـت...؟؟؟


                        في الوحدة الرابعة ينتهي كل شيء إلى أقصى درجة على حد تعبير هايدجر، فالتحليق ومراودة السماء الذي تحول إلى إسراء في اتجاه الإغواء ، ثم إلى جحيم مسافات ، ينتهي إلى قبر . تنتهي الحركة في أقصى صورها إلى صمت في أقصى صوره ( الموت) الذي يوحي به القبر ، قبر الذات الشاعرة الحالمة. (من العالم العلوي إلى العالم السفلي .)
                        ويتحول ماء الغيمة الذي صار دما ساهرا فسرابا إلى جليد ، ففي الماء والدم والسراب حركة ، وفي الجليد سكون وموت .( من السيولة إلى الجماد ).
                        ويتحول لون الجناحين بما يفيده من جمال و ألفة الذي صار قوس طيف ( للطيف ألوان سبعة ) إلى وحشة بياض الذي ليس سوى لون الكفن الذي يحيل هو الآخر إلى الموت .( من ألوان الحياة والألفة إلى لون الوحشة و الموت).
                        والريح الذي تحرك الغيمة الذي تحولت إلى إعصار ثم صارت ريحا شريدة ، صارت في هذه الوحدة ريحا خرساء ومكتظة خرائب . ألم تكن الغيمة تنادي و الذات الشاعرة الحالمة تصغي في الوحدة الأولى ؟ إن الإصغاء صار خرسا . فصارت الريح تدميرية لا تأتي إلا بالخراب .( من الخصب إلى التدمير)
                        في هذه الشروط الجديدة التي تحيط بالذات الشاعرة الحالمة تنكسر الذات ، وتنتهي رحلتها ، لتنطفئ الخطوات في قبر الجليد، ويتحول النداء والإصغاء والهديل إلى نحيب في الظلام الذي لم يكتب له أن يتحول إصباح . وفي آخر جملة من القصيدة تحدث المفارقة الكبرى الذي تتجسد في تحقق مجيء الموضوع المخاطب ( لماذا الآن أتيت ؟) لكن بماذا يفيد هذا المجيء بعد أن وصل كل شيء إلى نهايته ؟ هذا ما يعبر عنه الاستفهام الإنكاري الذي حل محل التعجب .
                        تحقق القصيدة إذن مفارقة بين زمن الأمس : زمن الحلم و الطفولة في الوحدة الأولى ،والآنالحاضر : زمن الواقع و اليأس و الموت . وبين الأمس واليوم ، بين الحلم والواقع جرت مياه تحت الجسر ، ومرت رياح تارة بما تشتهي الذات الشاعرة ، و في أغلب الأحوال بما لا تشتهيه ، ذاك الذي ولد التجربة الشعرية بكل زخمها .



















                        [frame="1 98"][align=center]أحبتي : أخاف من كل الناس ، وأنتم لا أخافكم، فالمجيئ إليكم متعه، والبحث عنكم فتنة ولذه، ولقاؤكم فرحة تعاش ولا تقال.[/align][/frame]
                        مدونتي ترحب بمن يطرق أبوابها:
                        http://moutaki.jeeran.com/

                        تعليق

                        • جلال داود
                          نائب ملتقى فنون النثر
                          • 06-02-2011
                          • 3893

                          #13
                          الأستاذ جعفر حيدر

                          تحية طيبة و بعد

                          نشكرك على أمرين
                          أولا إيراد هذا النص البديع
                          ثانيا لهذه القراءة العميقة الممتعة للنص و التي أضفت إطارا بهيا له.
                          أنا أؤمن دائما بأن المعنى في ( بطن الشاعر ) ... و أن القاريء للنص قد ينحو بالمعاني حسب البنية النافرة من جوف العبارة و الكلمة و المفردة. و لكن قراءتك للنص جعلتني كمن يقارن بين صورة لتوأمين ليلاحظ الفرق بينهما و لكن دون جدوى ، فأوجه الإختلاف تكاد معدومة.

                          لك خالص التحايا و الشكر
                          دمتم

                          تعليق

                          • ح ـنين عبدالجواد
                            عضو الملتقى
                            • 23-02-2011
                            • 100

                            #14
                            [frame="2 98"]
                            وهنا بالنسبة لي
                            اول قراءتي في تلك الدعوة وأقصد هنا الموضوع المستحدث
                            من أجل حركة نقدية رقمية

                            نقد لا غبار عليه
                            يشجع الكاتب على المضي قُدما وليس تقهقرا

                            فشكرا للناقد القدير جعفر حيدر
                            وشكرا للشاعرة صاحبة النص المنقود توليب محمد
                            وكم هي رائعة تلك القصيدة التي تم نقدها طوفان غيمة

                            ثلاثي رائع قرأته هنا

                            نتمنى ان ينتهج الجميع نفس الاسلوب الايجابي
                            وليس السلبي والقمعي

                            تقدير وود للجميع
                            [/frame]
                            [CENTER]
                            [SIZE=5][COLOR=Purple]أول وأفضل إنتصار
                            [/COLOR][/SIZE] [SIZE=5][COLOR=Purple]هو الإنتصار [COLOR=Red]على[/COLOR] النفس وغزوها
                            [/COLOR][/SIZE] [SIZE=5][COLOR=Purple]لإنه عندما تغزوك نفسك [COLOR=Red]و[/COLOR]تنتصر عليك
                            يكون ذلك من أكثر الأمور[/COLOR][/SIZE][SIZE=5][COLOR=Purple] [COLOR=Red]مدعاة[/COLOR] للعار والخجل

                            [/COLOR][/SIZE] [COLOR=Black][SIZE=5][COLOR=Black]أفلاطون [/COLOR][/SIZE]
                            [/COLOR]
                            [/CENTER]

                            تعليق

                            • مليكة معطاوي
                              أديب وكاتب
                              • 27-03-2009
                              • 225

                              #15
                              قراءة رائعة لنص جميل

                              شكرا للشاعرة وللناقد فكلاهما أبدع.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X