أبو علاء.. وأبو حلموس.. حسام الدين مصطفى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام الدين مصطفى
    رئيس الجمعية المصرية للترجمة
    • 04-07-2007
    • 408

    أبو علاء.. وأبو حلموس.. حسام الدين مصطفى

    [align=center][/align]
    كنا نتندر فيما بيننا نحن المصريون بأن مصر هي أغنى دولة في العالم ولم تكن تهمنا الأدلة العلمية على ذلك بل كان الدليل الذي يسوقه كل مصري تأكيداً على أن مصر هي أغنى دولة في العالم لأنها الدولة الوحيدة التي يتم نهب خيراتها منذ سبعة آلاف عام ولا تزال واقفة على قدميها...

    إن مصر مميزة في كل شيء !!! وهي غير كل الدول فحتى الفساد الذي عم مصر اتخذ شكلاً مختلفاً، فهو لم يقتصر على فساد النظام الحاكم وأدواته الإدارية بل سعى لتوريط الشعب كله في منظومة من الفساد، وهنا انتقل دور النظام الحاكم من ممارسة الفساد إلى تعميق منظومة الإفساد، بل وسعى لتضليل الرأي العام حول منظومة الفساد التي طبقها النظام الحكومي السابق، ساعياً إلى ترسيخ قناعات تبرر مسالك وأنشطة الفساد وتعتبرها جزءً من الممارسات الحياتية، وسعى النظام إلى نشر ثقافات " الفهلوة" و " تسليك المصالح" مستعيناً بكل أدوات النظام المؤثرة على الرأي العام ومن خلال تقديم نماذج لأشخاص فاسدين ومتسلقين بوصفهم أمثلة للنجاح وهذا ما ينطبق على نموذج الفتى المعجزة " أحمد عز"..

    والطامة الكبرى أن الأداة الإعلامية وهي الصانع الرئيسي للرأي العام الشعبي تحولت إلى بوق يردد أكذوبة المساواة بين جميع الأفراد أمام القانون

    وبرغم أن الفساد في مفهومه الواسع يعتبر أحد الصفات البشرية إلا أن فساد النظام الذي حكم مصر خلال عهد مبارك استطاع بإعجاز شديد أن يحول الأخطاء التي يقترفها المفسدون الأفراد إلى مجموعة الآليات الحكومية تقوم على إفساد السياسات العامة للدولة التي تمارسها السلطات التنفيذية والتشريعية، وتوريط مجموعة المنتفعين مع النظام الفاسد بما يحفظ تكميم الأفواه وتجييش الأتباع وفق إملاءات النظام ذاته، وهذا ما حدث عند التزاوج غير الشرعي بين السلطة والثروة وتقسيم الأنصبة والمصالح

    وقد استطاع هذا النظام شراء أصوات ممثلي الشعب أو من ادعى أنهم نواب الشعب من خلال توريطهم في منظومة الإفساد من خلال تطميعهم فيما يعود عليهم من منافع أو خوفهم مما قد يحيق بهم من كشف لأخطائهم وظهر سماسرة النظام الذين حددوا مبالغ مليونية للحصول على عضوية الحزب الحاكم وترشيح من يقوم بالدفع لعضوية مجلس الشعب.. فضلاً عن إفساد المؤسسات المسئولة عن الرقابة والمحاسبة من خلال آلية إنتقائية للقائمين على معظم هذه الجهات بحيث تدين بالولاء للنظام أو تورطهم مع ذوي مصالح أو أنشطة مشبوهة...

    إن الإفساد –وهو المرحلة المتقدمة من منظومة الفساد لدى النظام المصري- يمتاز بأنه يتم من خلال القنوات القانونية والشرعية وشراء ذمم كثير من الشخصيات

    لقد سعت "عصابة النظام الحاكم"إلى توريط أكبر عدد ممكن من الشعب المصري في منظومة الفساد المستشري متخذة العديد من الصور والآليات بعضها يقوم على تسهيل التربح من المنصب، وإطلاق صلاحيات وتشارك في النهب العام والعمل على (إفقار) الشعب أو بمعنى أصح إفقار من لا يتسع المجال لإفسادهم واشراكهم في تقاسم غنيمة النهب....

    ولعل أهم مظاهر خطة الإفساد التي طبقها النظام السابق هي اعتماد منهج " الشللية" القائم على تقريب أفراد بعينهم وإقصاء آخرين والمعيار هنا هو مدى انتمائهم للنظام والإنتماء هنا لا يقوم على حس وطني أو ضمير أخلاقي بل لمجرد توافق المصالح المادية.. وكلما زادت قدرة الفرد على توسيع حجم شلته واستعرض قوة تأثيرهم كلما استطاع ان يقترب من الإدارة العليا للنظام حتى وإن كان ما يقدمه هو مجرد القدرة على توفير العناصر المستأجرة للقيام بدور البلطجي أو الجوقة..

    كما أن النظام المصري السابق قد تفنن في اختراع أجهزة وهيئات ذات طبيعة سرية يتم من خلالها امتصاص أموال الشعب وموارد الدولة لتتم بعد ذلك عملية إعادة توزيعها بطرق لا تخضع لأي جهة رقابية

    ولعل مرجعية الفساد الحكومي وأساسه إنما يأتي من تلك النظرية الساخرة التي عرضها الرائع نجيب الريحاني في فيلمه الشهير " أبو حلموس" والذي عرض عام 1947متضمنة القاعدة الشهيرة في السرقة المقنعة المختصرة في عبارة " الشيء لزوم الشيء"

    فحين ذهب "شحاتة أفندي" –نجيب الريحاني- ليتسلم عمله بدائرة " الألفي" ككاتب للحسابات فوجئ بمديره اللص وهو يسطر حسابات الدائرة مدرجاً مبالغ كبيرة فما كان من الموظف الجديد إلا أن أبرز مؤهلاته وقدراته العبقرية في ضبط الحسابات بصورة تتيح للمدير أن يسرق بصورة مقنعة، وبعد أن كان المدير حائراً في كيفية التربح من شراء خروف علمه "شحاتة أفندي" كيف ينهب وفي الوقت ذاته يظل هو المدير الأمين الحريص على أموال الدائرة وكان السر في ترتيب بنود وأدوات السرقة فبدلاً من أن يصدم المراقبين بالسعر المغالى فيه للخروف جعله يفندها ضمن بنود تضمنت شراء "دلو" للخروف بمبلغ كذا، وشراء "حبل" للخروف بمبلغ كذا، وشراء علف للخروف بمبلغ كذا وشراء وشراء وشراء كذا وكذا من مستلزمات الخروف ثم ثمن الخروف ذاته فيتضاعف المبلغ بل ويتضخم بصورة مقبولة...

    وهذا بالطبع ليس من نسج خيال الريحاني بل كان يعكس مكوناً رئيسياً في طبقة كانت سائدة وقتها، واستخدم الريحاني أداءه الساخر ليجسد حالة الفساد ونظريات وآليات عملها في القطاع الإداري... ولا نتهم الريحاني بأنه من أوجد هذه النظرية ولكن فيلمه العبقري تضمن صياغة ساخرة لهذه النظرية التي تفنن أهل الفساد في تطبيقها وتطويرها بدلاً من أن يحاولوا وضع مناهج لمحاربتها ومجابهتها وكشف أساليبها..
    حسام الدين مصطفى
    مترجم - باحث- كاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    رئيس المجلس التأسيسي للرابطة المصرية للمترجمين- المركز القومي للترجمة
    أمين عام المجلس التأسيسي لنقابة المترجمين المصريين
    www.hosameldin.org
    www.egytrans.org

  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    #2
    [align=center]دولة تُنْهَب خيراتها من سبعة آلاف سنة وواقفة على أرجلها
    هي قمة السخرية . وترى أبناءها يجوبون العالم بحثا عن لقمة العيش !
    مصر أخي حسام الدين مصطفى ، ولاّدة بكل شئ حتى بالحرامية الذين يسرقونها عيني عينك .
    جميل أنك أشرت إلى نجيب الريحاني وسخريته في الفيلم المشار إليه .
    مودتي
    فوزي بيترو
    [/align]

    تعليق

    يعمل...
    X