الرياض، صيف 1985م
أختي العزيزة سعاد
أبعث إليكم أطيب تحياتي و سلامي الكثير وأشواقي.
أما الشوق ،، فسأطفئ ناره قريبا لأنني حزمت حقائبي و حاجياتي و سأكون بقربكم قريباً.
مسألة وقت لإنهاء إجراءات الطلاق.
نعم يا سعاد الطلاق، فلا تستغربي حتى تسمعي تفاصيل الأسباب.
سأنفصل عن زوجي الثاني.
أعرف أنك ستصابين بدهشة كبيرة وإحباط أكبر.
و لكن و الله ليس بيدي شيء..
فزوجي الأول أنت تعرفين قصته ،، و كيف أنقلب إلى وحش و تجرد من آدميته بعد شهر من الزواج ،، فكان لا بد من الطلاق.
أما هذا ياسعاد فأمره عجيب و غريب و مريب ،، بل مريض يحتاج إلى علاج.
إنه لغز يمشي على قدمين.
فهو كما تعلمين أيضاً تزوج من امرأة قبلي و أنجب منها طفلين و طلقها ،، و يقول أنها حولت حياته إلى جحيم ،، هكذا قال لي.
و كما تعلمين ،، عندما تقدم للزواج مني ،، قلت له أنه لا بد أن نعرف بعضنا البعض تماماً لأنني لا أريد أن أكرر التجربة، قال أنه يعرفني جيدا ،، و أنه رجل مثل كتاب مفتوح للكل ،، و لا نحتاج إلى وقت طويل للتعارف.
مكثتُ حوالي الستة أشهر أحاول أن أدلف إلى دواخله قبل أن أوافق عليه.
بالطبع الظواهر كانت مشجعة جدا، فأعطيته الضوء الأخضر و تم الزواج.
يعرف هو تماماً كيف تزوجتُ و كيف تم طلاقي من زوجي الأول.
و إلى هنا كل شيء طبيعي وعادي.
و مرت الشهور الأولى كلها شهور عسل ،، رجل حنون و كريم.
حمدت الله أن عوضني خيراً عن صبري.
ثم بدأتْ المنغصات تأخذ طريقها إلى حياتي رويداًرويداً.
فاجأني يوماً بسؤال كان كضربة من فأس على الرأس : أحكي لي عن حياتك السابقة.
نظرت إليه طويلا قبل أن أقول له : ماذا تقصد ؟
قال : أقصد حياتك السابقة ،، زوجك الأول ،، كيف قابلتيه ،، و أين ؟ و بقية القصة.
أجبته : و ما الفائدة التي ستجنيها من حكاية نسيتها و صارت طي النسيان ؟
قال : أريد أن أعرف فقط.
قلت : لا طائل من معرفتك لموضوع انتهى أمره و نسيته أنا تماماً.
فتغير لون وجهه و قال : ذكرى مؤلمة ،، أليس كذلك ؟ لا تريدين نبْش الجراح.
غاص قلبي بين قدمي يا سعاد وقتها.
سكتُّ و لم أرد وأنا في حالة ذهول تام.
قال : أنا مُصِر على سماع الحكاية.
فقلت في نفسي ،، لأحكي له ولأرى ماذا يريد.
فحكيت له أنه كان زميلي بالعمل ،، أعجبني خلقه واحترامه وأدبه ،، فتقدم لي ووافقت ثم تزوجنا وعندما وجدته عكس ذلك ،، طلبت منه الطلاق.
اختزلت الفترة البسيطة التي عشتها مع زوجي الأول في كلمات بسيطة وبالشكل الذي يهمه
فقال المجنون : ألم تخرجي معه ؟
قلت بثقة : كثيراً
قال في بلاهة : وكان يمسك يدك بيده ؟
لم أرد عليه ،، فسؤاله سؤال مراهق وساذج لا يجدر أن يطرحه رجل تجاوز الثلاثين.
فصرخ بأعلى صوته : ردي على سؤالي.
لم أرد ،، فصفعني على وجهي.
رمقته بنظرة غضب، فوجدت الندم على محياه،، حاول أن يعتذر،، فصددته بعنف.
هرولت إلى غرفتي وأقفلت على نفسي الباب.
ما هذا الحظ العاثر يا سعاد؟
ماذا فعلت في دنيتي ؟
طوال حياتي كنت أتمنى أن أجد زوجاً أتفانى في حبه وخدمته ،، و لكن القدر يوقف في طريقي مثل هؤلاء ،،
الحمد لله على كل شيء
أختي العزيزة
أكتب إليك كل هذه التفاصيل حتى تحكيها لأمي وأبي وإخوتي ،،
لأنني لا أريد أن أحضر ثم يحاصرونني بالأسئلة وسرد التفاصيل.
إليكِ بقية القصة أختي ...
تصالحنا بعد عدة أيام بعد وعد منه بأن لا يتكرر ما حدث.
يتحاشى أن يسألني أي سؤال.
وأنا أتحاشى أي حديث يأتي على ذكر زواج أو طلاق أو حياتي السابقة ،،
عشت وكأنني على حافة جرف يطل على واد سحيق ،،
أيام من التوتر والترقب والتوجس والقلق.
لا أنكر أنه طيب ويحبني ويخاف علي،،
ولكن ليس من حقه أن يسألني عن حياة مضت واندثرت ،، كل ما يجب أن يعرفه عني هو أنه عندما تزوجني أنني كنت مطلقة.
جاء يوماً وهو ثمل بفعل الخمر.
عرفت أنه ستكون وراء الأكمة ما ورائها.
قال : أتحبينني ؟
قلت : إن لم أكن أحبك لما تزوجتك
قال : وهل أحببت زوجك الأول ؟
هكذا يا أختي ،، يتسلل من بين الأسئلة ليصل إلى شيء يريد أن يصل إليه وليشبع بقعة ظمأ في نفسه. لا أدري كنهها وحقيقتها ،، وكأنه يريد أن يعاقبني لأنني تزوجت رجلاً قبله.
كأنه يريد أن يلعن القدر من خلال تعذيبي بهذه الأسئلة.
قلت له : لم تتح لنا الفرصة لنصل مرحلة الحب.
قال : إذن لو كانت هناك فرصة لحدث الحب؟
قلت من بين أسناني : أفعاله من البداية دلت على أنه شخص لا يمكن أن تحبه امرأة.
قال : إذن لماذا رضيت به زوجا ؟
قلت : قسمة ونصيب ،، ثم هل يمكن أن تترك هذه السيرة التي تصيبني بالغثيان ؟
قال : أرأيت ؟ لأن جرحك لم يندمل لا تطيقين سيرة زوجك الأول.
قلت بانفعال : أي جرح أيها المعتوه،، لو كانت هناك جروح لعدت له وهو الذي ظل يلهث ورائي و لم يتوقف حتى ظهرت أنت في حياتي ،، ثم هل تريدني أن أسرد لك كل يوم سيرة حياته حتى أثبت أن جرحي قد اندمل؟ أي جرح ؟
وعندما رأى الغضب بادياً على وجهي،، أنسحب وغط في نوم عميق.
ظل يمعن في إثارة هذه النقطة كلما سنحت له الفرصة.
إن لم أجاوب على أسئلته،، تنتهي المناقشة بمعركة كلامية أو يمد يده بالضرب.
اعذريني أختي،، أكتب إليك وعيناي متورمتان من كثرةالبكاء على حالتي هذه.
كان يظن أن هيجاني عند فتح هذا الموضوع سببه حزني على حياتي السابقة رغم أنه يعرف أنني أنا من طلب الطلاق.
ماذا تسمين مثل هذا ؟ هل أنا أول امرأة مطلقة تتزوج ؟ لا يدري المسكين أنني أريد أن أنسى كل الماضي وأريده أن يساعدني على النسيان ،،
ولكنه من حيث لا يدري يأتي بحياتي السابقة كاملة ويضعها نصب عيني ويبدأ في تشريحها على منضدة شكه وارتيابه،، فيصيب الرذاذ قلبي المثقل وحياتي التي بدأت تميل كشمعة صغيرة في مهب الريح على وشك أن تنطفئ نار فتيلها.
أختي العزيزة
طلبت منه أن يكف عن مثل هذه الأسئلة لو أراد لسفينة حياتنا أن تبحر دون عقبات.قال وهو يمسك بكلتا يدي : ألا تحسين بغيرتي عليك؟
قلت في يأس : أتغار من شيء مضى ؟ أقسم لك بأن الرجل لم يحتل أي جزء في حياتي،، فقد حوّلَ حياتي بعد أيام معدودة إلى كابوس،، واعتبرت نفسي لم أتزوج أصلاً،، وعندما تقدمت طالبا الزواج مني،، كنت أخطو كل خطوة معك و كأنني أزف لأول مرة. هل تصدقني أم لا ؟
قال : أصدقك ياعزيزتي،، و لكنني عندما أتخيل أن رجلاً آخر عاش معك تحت سقف واحد يجن جنوني ،، سامحيني أرجوك.
قلت : إذن هل يحق لي أن أسألك تفاصيل حياتك الزوجية مع طليقتك؟ وهل يحق لي أن أغار منها وهي التي عاشت معك أكثر من أربعة سنوات وأنجبت لك طفلين ؟ ردعلى سؤالي أرجوك.
سكت ولم ينطق ،، هل أدركت مدى أنانيته يا سعاد؟
ويظل يكرر حتى أشفق عليه أحيانا : سامحيني أرجوك
ويطوقني بذراعيه و أحس كأنه يريد أن يبدأ في بكاء مكتوم.
احترت في أمره.
يغمرني بحب وعطف.
ثم فجأة يطلق سهام أسئلته التي تصيبني بالدوار.
أتعتقدين أنه يحبني حباً شديداً ولكنه في قرارة نفسه الذاخرة بالأنانية نادم على أنني كنت متزوجة من رجل آخر؟ لو كان هذا صحيحا ،، ماذا نسمي هذا ؟ في اعتقادي هو الجنون بعينه.
وسارت الحياة بيننا هادئة لا ينغصها شيء ،، وعذرته على أسئلته وظننت أنني قد أفحمته بكلامي الأخير.
قال لي يوماً : لم تصرين على ارتداء هذا الفستان دائماً؟
قلت : عزيز على نفسي جداً
قال دونما تفكير : هل أشتراه لك هو ؟
قلت : من هو ؟
قال : من غيره؟ زوجك الأول ؟
هوتْ كلماته كالمطرقة على رأسي.
قلت والشرر يتطاير أمام عيني : ما رأيك أنت ؟ بعدكل الذي قلته لك أتظن أنني أحتفظ بذكرى منه ؟
قال ببرود يجيده : ربما
قلت : إذن لا داعي لأن نعيش سوياً.
قال : أنا أعرف أنك لا زلت تتذكرينه.
قلت : نعم،، أتذكره فقط عندما تذكره أنت،، الفضل لك أنت،، تذكرني به دائماً،، وكأنك ليس زوجي،، كأنك في سباق معه للوصول إليّ رغم أنك زوجي وهو طليقي الذي أجبرتُه على طلاقي،، أمرك غريب ومحير،، هل أسألك سؤالاً ؟ هل تذكر كم مرة قلت لي أن زوجتك قالت وفعلت ؟ وهل تذكر كم مرة قلت لي أنك هاتفتها للاطمئنان على أولادك ؟ لثقتي بك فقط لم تتملكني الغيرة ،، لثقتي بأن حياتك معها كانت لا تطاق لم أسألك عن الموضوع ،، فلماذا هذا الموال الذي تردده كل يوم رغم أنني لا أملك شيئاً أتذكر به طليقي غير أسئلتك عنه ؟
قال : هل تريدين القول بأنك لم تقضي معه أياما حلوة ؟ ألم يقل أنه يحبك وقلت له بأنك كذلك ؟ ألم تخافي عليه إن مرض ؟ ألم تسهري على راحته ؟ ألم ........ وهل .. و......
وانطلقت منه عشرات الأسئلة التي يمنعني حيائي أن أكتبها لك ،، ولكنه لحظتها سقط من نظري نهائياً ،، ولفظه قلبي بلا رجعة ،، ووقفت أستمع إلى صوته وكأنه يأتيني عبر مكبر للصوت في غرفة فارغة.
أسكتُّه بحركة من يدي وقلت له : رغم أن كل ما تقوله لم يحدث،، ولكن هب أنه حدث،، أليس من حقي كزوجة أن أقوم بكل ذلك حيال زوج اخترته بمحض إرادتي ؟ ألم تقم زوجتك بذلك نحوك ؟ ألم تقم أنت حيال زوجتك بكل هذا؟ هل ستتوقف طليقتك عن الزواج لأنها أحبتك يوماً ومارست معك حقوقها ؟ أتريد أن تعاقبني على حياةزوجية فاشلة وتريد أن تجردني في خيالك المريض حتى من أبسط حقوق المعاشرة الزوجية في حياة سابقة ؟ داخل خيالك المريض تريدني، ولكن عقلك الباطن يصور لك بأنني أوزع مشاعري، تارة له في خيالي ثم لك في الواقع.
هل تقصد أنه كان يجب أن تكون علاقتي الزوجية مع طليقي علاقة مع وقف التنفيذ لأن سعادتكم سيأتي يوماً ما بعد طلاقه ليتزوجني ؟ كنت تريدني أن أكون عذراء حتى في مشاعري وتصرفاتي والوفاء بحقوق الزوجية ؟ هذه ليست بغيرة،، هذا مرض ،،أنت مريض. تحتاج بالفعل إلى علاج.
طوال حديثي هذا كان ينهال علي بالضرب حتى تعب هو وليس أنا ،،
عرفت أنني لمست موضع الداء فيه وضغطتُ على أورام مرضه النفسي بيدي ،،،،
ثم واصلت حديثي :
طلقني الآن إن كنت رجلاً ،، طلقني وأذهب و أبحث عن زوجة تجدها محفوظة ومعلبة في انتظارك ومكتوب على جبينها أنها صنعت خصيصاً لك ،، أو أذهب وتصالح مع أم أطفالك فأنا قد عرفت الآن أنك أنت الذي حول حياتها إلى جحيم.
وقد كان ، طلقني بهدوء.
...
ها قد عرفت كل شيء ،،فأرجوك أختي العزيزة لا تسألينني شيئاً عندما أحضر ،،
كما أرجو أن يقرأ خطابي هذا كلأهل البيت حتى يوفروا على أنفسهم مشقة السؤال والاستماع إلى هذا الجنون ،، ويعفونني من الألم الذي ينهش قلبي.
محبتي لكم ،، ولا تقلقي سعاد ،، فأنا ما زلت قوية ومتماسكة وإيماني بالله قوي وثقتي في نفسي لا تحدها حدود.
سلام إلى حين اللقاء.
أختي العزيزة سعاد
أبعث إليكم أطيب تحياتي و سلامي الكثير وأشواقي.
أما الشوق ،، فسأطفئ ناره قريبا لأنني حزمت حقائبي و حاجياتي و سأكون بقربكم قريباً.
مسألة وقت لإنهاء إجراءات الطلاق.
نعم يا سعاد الطلاق، فلا تستغربي حتى تسمعي تفاصيل الأسباب.
سأنفصل عن زوجي الثاني.
أعرف أنك ستصابين بدهشة كبيرة وإحباط أكبر.
و لكن و الله ليس بيدي شيء..
فزوجي الأول أنت تعرفين قصته ،، و كيف أنقلب إلى وحش و تجرد من آدميته بعد شهر من الزواج ،، فكان لا بد من الطلاق.
أما هذا ياسعاد فأمره عجيب و غريب و مريب ،، بل مريض يحتاج إلى علاج.
إنه لغز يمشي على قدمين.
فهو كما تعلمين أيضاً تزوج من امرأة قبلي و أنجب منها طفلين و طلقها ،، و يقول أنها حولت حياته إلى جحيم ،، هكذا قال لي.
و كما تعلمين ،، عندما تقدم للزواج مني ،، قلت له أنه لا بد أن نعرف بعضنا البعض تماماً لأنني لا أريد أن أكرر التجربة، قال أنه يعرفني جيدا ،، و أنه رجل مثل كتاب مفتوح للكل ،، و لا نحتاج إلى وقت طويل للتعارف.
مكثتُ حوالي الستة أشهر أحاول أن أدلف إلى دواخله قبل أن أوافق عليه.
بالطبع الظواهر كانت مشجعة جدا، فأعطيته الضوء الأخضر و تم الزواج.
يعرف هو تماماً كيف تزوجتُ و كيف تم طلاقي من زوجي الأول.
و إلى هنا كل شيء طبيعي وعادي.
و مرت الشهور الأولى كلها شهور عسل ،، رجل حنون و كريم.
حمدت الله أن عوضني خيراً عن صبري.
ثم بدأتْ المنغصات تأخذ طريقها إلى حياتي رويداًرويداً.
فاجأني يوماً بسؤال كان كضربة من فأس على الرأس : أحكي لي عن حياتك السابقة.
نظرت إليه طويلا قبل أن أقول له : ماذا تقصد ؟
قال : أقصد حياتك السابقة ،، زوجك الأول ،، كيف قابلتيه ،، و أين ؟ و بقية القصة.
أجبته : و ما الفائدة التي ستجنيها من حكاية نسيتها و صارت طي النسيان ؟
قال : أريد أن أعرف فقط.
قلت : لا طائل من معرفتك لموضوع انتهى أمره و نسيته أنا تماماً.
فتغير لون وجهه و قال : ذكرى مؤلمة ،، أليس كذلك ؟ لا تريدين نبْش الجراح.
غاص قلبي بين قدمي يا سعاد وقتها.
سكتُّ و لم أرد وأنا في حالة ذهول تام.
قال : أنا مُصِر على سماع الحكاية.
فقلت في نفسي ،، لأحكي له ولأرى ماذا يريد.
فحكيت له أنه كان زميلي بالعمل ،، أعجبني خلقه واحترامه وأدبه ،، فتقدم لي ووافقت ثم تزوجنا وعندما وجدته عكس ذلك ،، طلبت منه الطلاق.
اختزلت الفترة البسيطة التي عشتها مع زوجي الأول في كلمات بسيطة وبالشكل الذي يهمه
فقال المجنون : ألم تخرجي معه ؟
قلت بثقة : كثيراً
قال في بلاهة : وكان يمسك يدك بيده ؟
لم أرد عليه ،، فسؤاله سؤال مراهق وساذج لا يجدر أن يطرحه رجل تجاوز الثلاثين.
فصرخ بأعلى صوته : ردي على سؤالي.
لم أرد ،، فصفعني على وجهي.
رمقته بنظرة غضب، فوجدت الندم على محياه،، حاول أن يعتذر،، فصددته بعنف.
هرولت إلى غرفتي وأقفلت على نفسي الباب.
ما هذا الحظ العاثر يا سعاد؟
ماذا فعلت في دنيتي ؟
طوال حياتي كنت أتمنى أن أجد زوجاً أتفانى في حبه وخدمته ،، و لكن القدر يوقف في طريقي مثل هؤلاء ،،
الحمد لله على كل شيء
أختي العزيزة
أكتب إليك كل هذه التفاصيل حتى تحكيها لأمي وأبي وإخوتي ،،
لأنني لا أريد أن أحضر ثم يحاصرونني بالأسئلة وسرد التفاصيل.
إليكِ بقية القصة أختي ...
تصالحنا بعد عدة أيام بعد وعد منه بأن لا يتكرر ما حدث.
يتحاشى أن يسألني أي سؤال.
وأنا أتحاشى أي حديث يأتي على ذكر زواج أو طلاق أو حياتي السابقة ،،
عشت وكأنني على حافة جرف يطل على واد سحيق ،،
أيام من التوتر والترقب والتوجس والقلق.
لا أنكر أنه طيب ويحبني ويخاف علي،،
ولكن ليس من حقه أن يسألني عن حياة مضت واندثرت ،، كل ما يجب أن يعرفه عني هو أنه عندما تزوجني أنني كنت مطلقة.
جاء يوماً وهو ثمل بفعل الخمر.
عرفت أنه ستكون وراء الأكمة ما ورائها.
قال : أتحبينني ؟
قلت : إن لم أكن أحبك لما تزوجتك
قال : وهل أحببت زوجك الأول ؟
هكذا يا أختي ،، يتسلل من بين الأسئلة ليصل إلى شيء يريد أن يصل إليه وليشبع بقعة ظمأ في نفسه. لا أدري كنهها وحقيقتها ،، وكأنه يريد أن يعاقبني لأنني تزوجت رجلاً قبله.
كأنه يريد أن يلعن القدر من خلال تعذيبي بهذه الأسئلة.
قلت له : لم تتح لنا الفرصة لنصل مرحلة الحب.
قال : إذن لو كانت هناك فرصة لحدث الحب؟
قلت من بين أسناني : أفعاله من البداية دلت على أنه شخص لا يمكن أن تحبه امرأة.
قال : إذن لماذا رضيت به زوجا ؟
قلت : قسمة ونصيب ،، ثم هل يمكن أن تترك هذه السيرة التي تصيبني بالغثيان ؟
قال : أرأيت ؟ لأن جرحك لم يندمل لا تطيقين سيرة زوجك الأول.
قلت بانفعال : أي جرح أيها المعتوه،، لو كانت هناك جروح لعدت له وهو الذي ظل يلهث ورائي و لم يتوقف حتى ظهرت أنت في حياتي ،، ثم هل تريدني أن أسرد لك كل يوم سيرة حياته حتى أثبت أن جرحي قد اندمل؟ أي جرح ؟
وعندما رأى الغضب بادياً على وجهي،، أنسحب وغط في نوم عميق.
ظل يمعن في إثارة هذه النقطة كلما سنحت له الفرصة.
إن لم أجاوب على أسئلته،، تنتهي المناقشة بمعركة كلامية أو يمد يده بالضرب.
اعذريني أختي،، أكتب إليك وعيناي متورمتان من كثرةالبكاء على حالتي هذه.
كان يظن أن هيجاني عند فتح هذا الموضوع سببه حزني على حياتي السابقة رغم أنه يعرف أنني أنا من طلب الطلاق.
ماذا تسمين مثل هذا ؟ هل أنا أول امرأة مطلقة تتزوج ؟ لا يدري المسكين أنني أريد أن أنسى كل الماضي وأريده أن يساعدني على النسيان ،،
ولكنه من حيث لا يدري يأتي بحياتي السابقة كاملة ويضعها نصب عيني ويبدأ في تشريحها على منضدة شكه وارتيابه،، فيصيب الرذاذ قلبي المثقل وحياتي التي بدأت تميل كشمعة صغيرة في مهب الريح على وشك أن تنطفئ نار فتيلها.
أختي العزيزة
طلبت منه أن يكف عن مثل هذه الأسئلة لو أراد لسفينة حياتنا أن تبحر دون عقبات.قال وهو يمسك بكلتا يدي : ألا تحسين بغيرتي عليك؟
قلت في يأس : أتغار من شيء مضى ؟ أقسم لك بأن الرجل لم يحتل أي جزء في حياتي،، فقد حوّلَ حياتي بعد أيام معدودة إلى كابوس،، واعتبرت نفسي لم أتزوج أصلاً،، وعندما تقدمت طالبا الزواج مني،، كنت أخطو كل خطوة معك و كأنني أزف لأول مرة. هل تصدقني أم لا ؟
قال : أصدقك ياعزيزتي،، و لكنني عندما أتخيل أن رجلاً آخر عاش معك تحت سقف واحد يجن جنوني ،، سامحيني أرجوك.
قلت : إذن هل يحق لي أن أسألك تفاصيل حياتك الزوجية مع طليقتك؟ وهل يحق لي أن أغار منها وهي التي عاشت معك أكثر من أربعة سنوات وأنجبت لك طفلين ؟ ردعلى سؤالي أرجوك.
سكت ولم ينطق ،، هل أدركت مدى أنانيته يا سعاد؟
ويظل يكرر حتى أشفق عليه أحيانا : سامحيني أرجوك
ويطوقني بذراعيه و أحس كأنه يريد أن يبدأ في بكاء مكتوم.
احترت في أمره.
يغمرني بحب وعطف.
ثم فجأة يطلق سهام أسئلته التي تصيبني بالدوار.
أتعتقدين أنه يحبني حباً شديداً ولكنه في قرارة نفسه الذاخرة بالأنانية نادم على أنني كنت متزوجة من رجل آخر؟ لو كان هذا صحيحا ،، ماذا نسمي هذا ؟ في اعتقادي هو الجنون بعينه.
وسارت الحياة بيننا هادئة لا ينغصها شيء ،، وعذرته على أسئلته وظننت أنني قد أفحمته بكلامي الأخير.
قال لي يوماً : لم تصرين على ارتداء هذا الفستان دائماً؟
قلت : عزيز على نفسي جداً
قال دونما تفكير : هل أشتراه لك هو ؟
قلت : من هو ؟
قال : من غيره؟ زوجك الأول ؟
هوتْ كلماته كالمطرقة على رأسي.
قلت والشرر يتطاير أمام عيني : ما رأيك أنت ؟ بعدكل الذي قلته لك أتظن أنني أحتفظ بذكرى منه ؟
قال ببرود يجيده : ربما
قلت : إذن لا داعي لأن نعيش سوياً.
قال : أنا أعرف أنك لا زلت تتذكرينه.
قلت : نعم،، أتذكره فقط عندما تذكره أنت،، الفضل لك أنت،، تذكرني به دائماً،، وكأنك ليس زوجي،، كأنك في سباق معه للوصول إليّ رغم أنك زوجي وهو طليقي الذي أجبرتُه على طلاقي،، أمرك غريب ومحير،، هل أسألك سؤالاً ؟ هل تذكر كم مرة قلت لي أن زوجتك قالت وفعلت ؟ وهل تذكر كم مرة قلت لي أنك هاتفتها للاطمئنان على أولادك ؟ لثقتي بك فقط لم تتملكني الغيرة ،، لثقتي بأن حياتك معها كانت لا تطاق لم أسألك عن الموضوع ،، فلماذا هذا الموال الذي تردده كل يوم رغم أنني لا أملك شيئاً أتذكر به طليقي غير أسئلتك عنه ؟
قال : هل تريدين القول بأنك لم تقضي معه أياما حلوة ؟ ألم يقل أنه يحبك وقلت له بأنك كذلك ؟ ألم تخافي عليه إن مرض ؟ ألم تسهري على راحته ؟ ألم ........ وهل .. و......
وانطلقت منه عشرات الأسئلة التي يمنعني حيائي أن أكتبها لك ،، ولكنه لحظتها سقط من نظري نهائياً ،، ولفظه قلبي بلا رجعة ،، ووقفت أستمع إلى صوته وكأنه يأتيني عبر مكبر للصوت في غرفة فارغة.
أسكتُّه بحركة من يدي وقلت له : رغم أن كل ما تقوله لم يحدث،، ولكن هب أنه حدث،، أليس من حقي كزوجة أن أقوم بكل ذلك حيال زوج اخترته بمحض إرادتي ؟ ألم تقم زوجتك بذلك نحوك ؟ ألم تقم أنت حيال زوجتك بكل هذا؟ هل ستتوقف طليقتك عن الزواج لأنها أحبتك يوماً ومارست معك حقوقها ؟ أتريد أن تعاقبني على حياةزوجية فاشلة وتريد أن تجردني في خيالك المريض حتى من أبسط حقوق المعاشرة الزوجية في حياة سابقة ؟ داخل خيالك المريض تريدني، ولكن عقلك الباطن يصور لك بأنني أوزع مشاعري، تارة له في خيالي ثم لك في الواقع.
هل تقصد أنه كان يجب أن تكون علاقتي الزوجية مع طليقي علاقة مع وقف التنفيذ لأن سعادتكم سيأتي يوماً ما بعد طلاقه ليتزوجني ؟ كنت تريدني أن أكون عذراء حتى في مشاعري وتصرفاتي والوفاء بحقوق الزوجية ؟ هذه ليست بغيرة،، هذا مرض ،،أنت مريض. تحتاج بالفعل إلى علاج.
طوال حديثي هذا كان ينهال علي بالضرب حتى تعب هو وليس أنا ،،
عرفت أنني لمست موضع الداء فيه وضغطتُ على أورام مرضه النفسي بيدي ،،،،
ثم واصلت حديثي :
طلقني الآن إن كنت رجلاً ،، طلقني وأذهب و أبحث عن زوجة تجدها محفوظة ومعلبة في انتظارك ومكتوب على جبينها أنها صنعت خصيصاً لك ،، أو أذهب وتصالح مع أم أطفالك فأنا قد عرفت الآن أنك أنت الذي حول حياتها إلى جحيم.
وقد كان ، طلقني بهدوء.
...
ها قد عرفت كل شيء ،،فأرجوك أختي العزيزة لا تسألينني شيئاً عندما أحضر ،،
كما أرجو أن يقرأ خطابي هذا كلأهل البيت حتى يوفروا على أنفسهم مشقة السؤال والاستماع إلى هذا الجنون ،، ويعفونني من الألم الذي ينهش قلبي.
محبتي لكم ،، ولا تقلقي سعاد ،، فأنا ما زلت قوية ومتماسكة وإيماني بالله قوي وثقتي في نفسي لا تحدها حدود.
سلام إلى حين اللقاء.
تعليق