سيدة من ورق .... قصة قصيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد الجنديل
    أديب وكاتب
    • 03-01-2011
    • 55

    سيدة من ورق .... قصة قصيرة

    سيدة من ورق

    عبرَ دهاليزي الملغومة بالصمت والخوف ، رأيتكِ تجتازين أسوارَ التردد غير آبه بالدخان .
    وعبرَ شوارعك المسكونة بالتحدي ، كنتُ أنظرُ إليكِ من كوّة الفزع وأنتِ طائرة على جناحين من سعير الرغبة الدفينة في صدر عبرَ الأزمنة ولم يبقَ فيه سوى أطلال لمجدٍ غابر .
    لملمتُ أشرعتي المذعورة ، واختبأتُ وراءَ فزعي ، وأنا أسمعُ صَهيلكِ يطوي المسافات ويختزلُ الزمنَ المّر طمعاً في فريسة تدقين عنقها وتعصرين جلدها لعلها تمنحكِ حقنة من دفء وأنتِ في عمق الصقيع .
    أكلَ التحدي النازف من عينيكِ ذيول إرادتي ، وبدأتُ أتعرى أمام بريقكِ الطافح بالعنفوان ، وألسنة الحريق المتعالية منحتني فرصة الهروب إلى حاضنات الصمت ، وذهول يصرخ بي : مَنْ يلقّحُ مَنْ في هذه المغامرة التي لا تعرف حسابات التكافؤ .
    في لحظات التوجس المبهم ، اتخذتِ مكانكِ ، وابتسامة الظفر أراها تأكل شفتيكِ ، وفريستكِ أعلنت استسلامها لمشيئتكِ ، تأملتُ التألقَ المنتصر فيكِ ، فأعلنتُ هزيمتي ، صرختُ بانكسار ذليل : ازرعي في جسد الفريسة بذورَ الاشتعال ، واسقيها عنفَ الشهوة ، واقتحمي معاقل الجليد ، فأنا لا أصلحُ للزرع ، جربيني بلا مناورة ، مزقي أشرعتي المنكفئة على هزيمتي ، ستجدين هزائم أخرى ستقودكِ إلى الخراب .
    مددتِ يديكِ لتمسكَ أصابعي ، استفزني اللهب المستعر في دمكِ الفائر ، تخطيتِ الحواجزَ الواحد تلو الآخر ، وفريستكِ مدحورة تحت قدميكِ ، صرختُ من ثقل الاشتعال دون أن تسمعي صراخي ، استيقظت بؤرُ الدود الراكدة ، تحركتْ جحافلـُها ، بدأتْ تنهشُ في العظام ، وأنتِ كبحار متمرس على مواجهة الأعاصير لا يعرف غير التحدي وإحراز النصر .
    أطلقتُ صرخة ، لا أعرفُ كيفَ خرجتْ ؟
    ــ أنا فريستكِ ، خذيها هنيئاً لكِ سيدتي .
    ازدادَ أوارُ النار على اللحم الساخن بالهزيمة ، مخالبكِ امتدت نحو الشريان الغافي منذ مغادرة صدركِ عرشَ الإغراء ، شفتاكِ تتمتمان بتعويذة وعرة مطلسمة ، عيناكِ تتقدان بتأجج مخيف ، أسنانكِ لهما صريرٌ مرعب ، أنفاسكِ مصحوبة بلهاث مجنون أدركتُ معها أنّ الساعة آتية لا ريب فيها .
    بدأ الهجوم الصاعق ، حصلَ بطريقة خاطفة ، أرفقي بضحيتكِ قليلا سيدتي ، ألا تسمعي نواحها الذي ملأ أفقكِ الرحيب ، ألم تتخضب أحلامكِ ببخار دمها الملوث ، ألم تشعري بعنف السكين المبحر بين دهاليز الأوردة والشرايين .
    أنتِ تطلقين صرخة الانتصار ، وأنا أصرخُ من عار الهزيمة ، ورماحكِ لا تعرف الحياء فقد فضحتْ كلّ الأسرار التي جاهدتُ على إخفائها منذ التحاقي في حظيرتكِ الكبيرة .
    حوافركِ تغوص في جسدي ، وأنيابكِ مغروسة في لحمي ، ونشوة سادية تجوبُ شفتيكِ ، وأنا مستسلمٌ لأعراس الذبح التي تقيمينها على أبواب قلبي .
    سمعتُ صرختكِ الرادعة :
    ـ أريد المزيد المزيد .
    بكيتُ ، وأنا تحت قبضة إعصاركِ قائلاً بخجل :
    ـ خذي ما تريدين ، فكلّ ما أملكه قد أستبيح ، لقحّي دمي بجنونكِ سيدتي ، فقد استيقظ الدود في دمائي الآسنة ، ابصقي جوعكِ في أوردتي ، فجحافل الدود انتفضت بفعل سوط شراستكِ ، أمطريني غضبكِ وحقدكِ ، فأوردتي أنعشها السوط ، فاستيقظت تاركة وراءها ذيول هزيمتها المخزية .
    بدأ الخوارُ يأخذ شكلاً آخر ، احذري لغة العشق فكلّ حروفها مصابة بالتعفن ، ابعدي هذا الهمس الخفي ، فصراخ سوطكِ لا زال يفتك في دمي ولحمي ، وأنتِ أراكِ تستبدلين مكانكِ ، وتتحولين إلى سيدة وديعة حالمة .
    دمي يختضّ بفعل ثورة الدود ، وسوطكِ بدأ يتراخى بين يديكِ ، لم يكن قادراً على تلبية ما تريدين ، ولابدّ من إعادة صياغة أفكاري من جديد ، وأنا أشاهد عرشكِ المزيف يتهاوى بفعل الدود الزاحف ليلتهم غطرستكِ المزيفة .
    ما الذي يبكيكِ سيدتي !!؟ قبل قليل كنتِ سلطانة القسوة وراعية الدمار ، فما الذي أحالكِ إلى رماد !!!؟ ها أنذا أسمعُ نشيجكِ المخزي ، ولهاثكِ المذل ، وأحسّ بسوطكِ المحقون بالغضب الحاقد قد استحالَ إلى خيط من حرير .
    اركعي سيدتي عند قدميّ ، فلطالما ركعتُ تحت قدميكِ ، اغسلي وجهي بدموعكِ ، فكلّ دموعي سفحتها بين يديكِ ، أدّي قسم الولاء للدود الذي احتلّ منابع جبروتكِ ، احرقي لغتكِ المتبخترة في مواقدي ، وتعلمي آداب الطاعة لعبدكِ القديم الذي تحرر الآن .
    بعد قليل ، سيهجم الليل ، ومع الظلام سيكون موعدكِ مع ثورة الدود ، وبعد انتهاء التلاحم ، سأرفعُ راية النصر ، وأهتفُ بكل قوتي :
    ـ ما عدتِ سيدة كما عهدتكِ من قبل ، انكِ سيدة من ورق .
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    تحيّة لك أستاذ أحمد الجنديل.
    الّلغة بديعة،لم تغادرها الصّور الشّعريّة و المجاز.و الجهد كبير و العمل جادّ و مرهق هذا أكيد و ملموس.
    لكن بقدر ما إنّ المجاز مطلوب فإنّ الإغراق فيه هنا أزّم القصّة فتهت و أنا أبحث عمّا جرى على أرض الواقع.ليس هناك حدث محسوس واحد أطلقت عليه اسمه الحقيقيّ أخي الكريم حتّى إنّ العمل تحوّل إلى خاطرة فكريّة بلغة الشّعر؛تحمّلني إن قلت لك بأنّها لو طالت أكثر لما أتممت قراءتها.
    هذا رأي شخصيّ لا يقلّل من شأن النصّ.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • أحمد الجنديل
      أديب وكاتب
      • 03-01-2011
      • 55

      #3
      الأستاذ العزيز محمد فطومي
      تحية طيبة
      فائق احترامي وتقديري لقلمك الناقد الجميل .
      لقد أسقطتَ على النص أركان القصة وشروطها وفـق المفهوم التقليدي لكـتابة الـقصة ، والنص الذي كتبت عليه هو قصة اعتمدت على منلوج داخلي ارتكز على حدث ترعرع في حاضنات نمو أوصلته إلى لحظة تنوير ودفعته إلى الخاتمة .
      كنتُ حذراً أستاذي الفاضل من تعرض النص إلى الترهل فاعتمدتُ على زرعه بخطافات الإيحاء والرمزية مستعينا بالصور التي ترسمها الكلمات بطريقة مباشرة كأداة تشويقية .
      ما تفضلتَ به هو محط احترام وتقدير ، ومرورك على قلمي والتعليق عليه شرف أعتز به .
      لكَ مودتي الخالصة .

      تعليق

      يعمل...
      X