ديبلوماسي "الجرذان"
منذ أن كان يحيى العنابي يهريء مؤخرة سرواله على مقاعد الدراسة..ويتوه متعة بأشعار نزار قباني..تسرب إلى أعماقه حسد شفاف من هذا الشاعر الأشقر الذي خطف الحظ من الدنيا بجشع..
فنزار رغم كونه شاعر الصالونات فقد تسلل إلى وزارة الخارجية وانتقى مقعدا وثيرا في السلك الدبوماسي..وما أحلى العمل في السلك الديبلوماسي..
تلك الوظيفة المرموقة..
مغترب بالرغبة.. مدلل في السفر والمطارات.. ضيف تحاصره الابتسامات في الحفلات والمهرجانات..يأكل ويشرب ويلبس ويركب " ببلاش "..
كان هذا الحلم يغتال أوقات يحيى منذ ربع قرن.. لكنه الآن اختلس من نصيب الشاعر القباني وظيفته تاركا له موهبته في دواوينه..
فالملحق الثقافي يحيى العنابي يعمل على مدى أربع سنوات في السفارة لدى ليبيا ويحظى بخالص التقدير والاحترام..من مرؤوسيه في الوطن ومن الجانب الليبي الذي ارتاح لمشاركاته في فعاليات التعاون الثقافي والاجتماعي..
قبل عدة ساعات..انفرط عقد الجماهيرية..وساح الناس في الشوارع يكفرون بقرآن الكتاب الأخضر الذي أوحى به العقيد العنيد معمر القذافي..وفرض ترتيله على مدى أربعين سنة.. إضافة إلى فتاويه التي كانت تتبدل مع تغيير ملابسه ومناخ أفكاره المتقلب..
بعد انتهاء يحيى العنابي من التسوق اتجه الى سيارته المركونة في آخر الشارع..لكن السيل البشري المعبأ بالاحتجاجات كان يجرف الطمي من أمامه في الطريق من سيارات وحاويات ولوحات اعلانات ومارة وعابري صدفة..ولم يكن يحيى استثناء..فسقط في أتون المعمعة تحت غبار الشعارات والهتافات باسقاط الطاغية..
فجأة زخ عليهم رصاص المرتزقة.. وتناثرت أشلاء الموكب على جانبي الطريق تسكب تواقيعها بالحبر الأحمر في الرصيف بعبارة " أموت حرا..وأستشهد مؤمنا بغد يحمل الفرح لمن بعدي...."
أذهلت نوافير الدم المتفجرة على شطآن الدرب الملحق الثقافي..الذي اصطدم بمشهد بركاني لأول مرة في حياته..فراح يسند رجلا متعثرا ويسعف شابا جريحا ويقفل عيني من قتل لتوه .. ويشارك في حمل المصابين.. وصاح:
- ياشباب سيارتي قريبة من هنا هاتوا الأطفال ننقلهم للمشفى..
- طيب.. دور الموتور يا... عفوا ..اسم حضرتك..
- أنا يحيى العنابي..
- لهجتك غريبة..أنت ليبي..؟
- لا أنا ديبلوماسي في السفارة ال..
- فيما بعد ..فيما بعد ..دور الموتور لازم نسعف الأطفال..
في الطريق تعرض لهم المرتزقة وسحبوا يحيى ومن معه وسحلوهم في الشارع إلى معسكر قريب وأجروا التحقيق معهم تحت سقف الاهانات والتعذيب.. وأثناء تفتيشهم ضبطوا هوية الملحق الثقافي الديبلوماسية فقال المحقق:
- ديبلوماسي وتشارك في التمرد..
والتفت إلى أحد العناصر الواقفين كالألواح بجانبه..
- هذا ضيف البلد ومن الواجب إكرامه..قم بواجب الضيافة..
انهال اللوح على يحيى بالضرب واللكم حتى اختل توازنه وسقط غائبا عن الوعي..فقال المحقق:
- ارميه في الشارع.. ديبلوماسي الجرذان.
تعليق