طفولتي ( 4 )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله راتب نفاخ
    أديب
    • 23-07-2010
    • 1173

    طفولتي ( 4 )


    حين زفّت أمي إلى أبي ، لم يكن لوالديها كبير رغبة بهذه الزيجة و إن لم يعارضاها ، فهو يكبرها بقريب من عشرين سنة ، و هو كذلك على علمه و فضله معروف بعنفه و نزقه ، أما صورتها عند الناس جميعاً فمبنية على اللطف و الرقة و الود ، و هي الداعية الربانية ذات السمعة الطيبة ، و القبول الواسع عند من يسمعون كلامها و مواعظها و نصائحها التي تلقيها في جلساتها الدينية .
    لذلك بقي لديهما خوف عليها من الجو الجديد الذي حملت إليه ، فلما جئت أنا الدنيا آل الخوف عليها إلي ، و بت محل نظريهما الدائم ، و لهفة قلبيهما الأولى .
    جدتي رحمها الله التي لكم كانت تداعبني ‘ و تهدي إلي ما يتيسر لها من أطايب كلما زرناها ، و إن قدرت على صنع شيء من لذائذ الطعام كنا أول المدعوين إلى مائدتها ، و كان عبد الله الاسم الدائم على شفتيها .
    جدتي تلك ... فجأة لم أعد أراها باسمة فاتحة ذراعيها لاستقبالي إن ذهبنا إليها ، بل ممددة على سرير في غرفة جانبية من غرف بيتها ، لا حركة تصدر عنها ، و لا كلمة من كلمات المودة و الألفة و المحبة التي طالما أسمعتنيها .
    كثرت زياراتنا إليها تلك الأيام ، كما أخذ شعور الفقد يراودني لكلماتها و حضنها الذي طالما ضمتني إليه فكنت أتفلت منه لما اعتدت من قسوة علمنيها والدي ، و شوق لملاطفتها التي كنت أرد عليها بخشونة شديدة لقِّنت شيئاً منها في بيتنا .
    و ذات يوم ، عدت إلى البيت من مدرستي فلم أجد أمي في انتظاري كما اعتدت ، و لما حضرت كان شيء من بسمتها الشفيفة قد تلاشى .
    في اليوم التالي لا أدري أي شعور تملكني بالشوق إلى رؤية جدتي و نحن متجهون إلى بيتها ، شوق إليها و إن لم أستطع الارتماء في حضنها ، و رغبة بتقبيلها و لمس يديها و إن لم أجد فيهما حرارتهما المعهودة .
    بدافع من شوقي ذاك سبقت أمي على السلم الموصل إلى غرفة والدتها ، و جريت مسرعاً إلى داخلها ، فتلقيت أكبر صدمة واجهتني حتى ذاك الحين .
    لم أجد على السرير الموضوع في غرفتها جسدها الممدد ، و لا أسطوانة الأكسجين المثبتة إلى جانبه ، و لا فستانها البيتي الذي كانت ترتديه .
    كانت تلك أول مرة شعرت فيها بأني سأبادلها حبها الكبر لي ، أول مرة أحسست أنني مملوء حنواً عليها ، و رغبة بمبادلتها بمثل كلماتها اللطيفة ، لا بالكلام الخشن العنيف الذي لم أقابلها إلا به قبلاً .
    أول مرة اتخذت قراري بأن أغدو كما ينبغي لي معها .
    لكن ... كانت كل رغباتي تلك قد تأخرت ... و فات أوانها .
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله راتب نفاخ; الساعة 06-03-2011, 10:49.
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

    [align=left]إمام الأدب العربي
    مصطفى صادق الرافعي[/align]
  • فايزشناني
    عضو الملتقى
    • 29-09-2010
    • 4795

    #2

    ما أجمل هذه المشاعر والذكريات
    كلنا يا أخي راتب نتأخر في إدراك الكثير من الحقائق
    ومن يعش طفولته مشوبة ببعض القسوة يدرك قبل غيره معنى الحياة
    ومعنى أن القسوة أحياناً قد تكون تعبيراً عن حب ممزوج ببعض الخوف
    وقد يكون الغنج والدلال للأطفال من قبل أهاليهم وأقاربهم كارثياً في بعض الأحيان
    صدقني أخي راتب الحبيب البيت الكبير متى سقط عموده ( القرمة ) تداعى فوراً وانهار
    لك مني أجمل تحية وكل التقدير
    هيهات منا الهزيمة
    قررنا ألا نخاف
    تعيش وتسلم يا وطني​

    تعليق

    • عبد الله راتب نفاخ
      أديب
      • 23-07-2010
      • 1173

      #3
      [align=center]أخي الكريم فايز ...
      كم أشكر مرورك الدائم بما أكتب ..
      و ذلك و الله شرف لي تمنحنيه ...
      حياك ربي ..
      و لك كل شكر و تحية و احترام
      [/align]
      الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

      [align=left]إمام الأدب العربي
      مصطفى صادق الرافعي[/align]

      تعليق

      • عبير هلال
        أميرة الرومانسية
        • 23-06-2007
        • 6758

        #4
        للأسف الشديد

        لا نعرف قيمة أحبتنا

        ومدى حبنا لهم وشوقنا الكبير

        إلا حينما نفقدهم

        قصتك مؤثرة للغاية

        ومؤلمة

        أديبنا القدير

        عبد الله

        دمتَ لنا بقلمك المذهل

        أرق تحياتي لك
        sigpic

        تعليق

        • عبد الله راتب نفاخ
          أديب
          • 23-07-2010
          • 1173

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
          للأسف الشديد

          لا نعرف قيمة أحبتنا

          ومدى حبنا لهم وشوقنا الكبير

          إلا حينما نفقدهم

          قصتك مؤثرة للغاية

          ومؤلمة

          أديبنا القدير

          عبد الله

          دمتَ لنا بقلمك المذهل

          أرق تحياتي لك
          دوماً مرورك تطيب به النفس يا أميرة ...
          سلمك الله و بارك بك ...
          دمت بخير
          الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

          [align=left]إمام الأدب العربي
          مصطفى صادق الرافعي[/align]

          تعليق

          يعمل...
          X