على ساقٍ واحدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد الحميداني
    • 05-03-2011
    • 1

    على ساقٍ واحدة

    [align=center][/align]

    أفترس الصباح سواد الليل البهيم وفرش السماء بالضياء ووضع الشمس على صدره وسكب من جوفه قطرات ندية ليوقظ الزهور النائمة ويهز الأغصان المائلة والأعشاب المندسة والمتلاصقة بعضها ببعض وأطلت الطيور من أعشاشها تزيح عن ريشها سأم الليل وبدأت تصدح وتغرد للكون السادر في سكونه حتى تشعره بولادة هذا اليوم الجديد ، وأنا ما زلت أغط في نوم عميق متسربلاً في أحلامي متجاهلاً خيوط الشمس الذهبية التي تتسلل عبر نافذتي لتنساب على فراشي وتنتثر على وجهي ، منساقاً وراء رغبتي العارمة في النوم ، فتارة أدس رأسي في المخدة ، وتارة أخرى أضع الملاءة على وجهي ، كل ما أريده الهروب من هذا الضجيج الذي يدفعني للحياة !!
    لم يستطع أحد أن ينتشلني من هذا الغرق اللذيذ الذي كنت متمدداً في أعماقه ، أو يتجرأ على اقتحام عالمي المترف بالنوم والأحلام الهلامية إلا شخصاً واحداً إذا سمعت صوته تغير على ايقاعه نظام حياتي ، واتاني صوتها بعذوبته الأخاذة صوت لامس شغاف قلبي وأجرى الدم في عروقي وحرك كل سكنات أعضائي ونفضني من غبار الكسل والتململ ، وجعلني أرى جمال وروعة الصباح يشع من عينيها ، سمعت صوت أمي وهي تنادي بصوتها الملائكي وتخبرني بأنه حان موعد الذهاب إلى المستشفى .
    طبعت قبلة على جبينها وانحنيت أشم كفها وأقبله بنهم , فقلت لها : أنتِ الصباح يا أمي ، فصباح الخير على وجهك الوضيء الممتلئ بالنور والطهارة . فضحكت وأغرقتني بابتهالاتها لله وهي تدعو لي ، حتى اقشعر بدني وذرفت عيني لأني أحس بصوتها الممزوج بالدعاء يكسوني بجلال الإيمان ورضا الرحمن .
    عندما وصلنا مدخل المستشفى ، استوقفني منظر رهيب ، مشهدٌ لم أتمالك نفسي حينما شاهدته ، رأيت رجلاً يقفز على ساقٍ واحدة ، نعم ساق واحدة يتكئ على الجدران وعلى السيارات المتراصة الواقفة أمام المبنى ، تبدو عليه علامات الرضا عن نفسه ، يبتسم للغادين والرائحين ويلقي التحية على الجميع ، يموج في سعادة عارمة لدرجة أنني شعرت أنه طفلاً يقفز ويلعب في صباح يومٍ عيد ، كان منظره غريباً وهو يقفز على قدم واحدة استأنفت السير وراءه ونظري معلق بقدمه الواحدة ، أتابعه في ذهول وأنا في غيبوبة عن الواقع وكأن الكون انحسر لحظة في هذا الرجل ذي الساق الواحدة ، كنت ألاحظ رأسه وهو يعلو وينخفض ، اقتفي أثره خطوة بخطوة وكلما اقتربت منه أحس بأني أتجرع طعم الشفاء مما أعانيه من غرور الصحة والقوة ومن داء الخمول والكسل المتوغل في جسدي .
    وتساءلت في نفسي هل من المعقول أن يأتي رجلاً بساقٍ واحدة من غير مرافق يسنده أو يساعده في قضاء حاجته ؟ ولكن الرجل مازال يستمر في صفعي مرة تلو الأخرى وهو يدلف إلى مكتب الاستقبال الخاص بالمستشفى ويصافح زملاءه ويتبادل معهم الضحكات الصباحية بكل ثقة وحب ، فسحب أحد الكراسي وجلس عليه بكل خفة ومرونة ، فاتضح لي أنه يعمل موظف استقبال .
    كان زملاءه في نزق من العبث لا يتحملون الجلوس على مقاعدهم لفترة طويلة وكأن الجلوس أصبح عبأً لا يطاق ، وحملاً ثقيلاً يجب التخلص منه ، فتجدهم ينغمسون في لهوهم أمام المراجعين والبعض الآخر تبتلعهم ممرات المستشفى ولا يرجعون إلا في آخر الدوام ، ومنهم من يتسلل كاللص خارج أسوار المستشفى متأبطاً دخانه في يده ويقبع مختبئاً الساعات الطوال حتى يشرب دمه كمية كبيرة من سموم النيكوتين ويعود بعد ذلك .
    الذي تكفل بالعمل نيابةً عنهم هو ذو القدم الواحدة الذي كان يقفز من جهة إلى أخرى والابتسامة لا تفارق وجه النحيل خلف مكتب الاستقبال الكبير الذي يتسع لستة من الموظفين ، تناديه المرأة العجوز لينجز ما بيدها من أوراق فيقفز حتى يصل إليها وهو واقف على قدمٍ واحدة ثم ينتهي منها ويدلف للآخر بلا كلل أو ملل .
    تذكرت حينها يوم كنت غارقاً في النوم ، يوم تناديني الحياة هي على العمل هي على الفلاح هي على العطاء ومع ذلك كنت أجعل بيني وبين نور الشمس حجاباً مستوراً وأظل سادراً في غي غير مكترث لقرع ساعة الزمن وهي تدق بلا توقف ولا تؤدة ، تذكرت أن هذا المعاق وفي كل صباح يفر من هذا الفراش الوثير الذي هو أحوج مني به ليفتح نافذته للشمس ، للأمل ، للسعادة ويشم عبق الزهور ويشنف آذانه بتغريد الطيور ، ويتلذذ بقهوة الصباح ويعزف ألحان الحياة على أوتار الأيام الهاربة إلى الخلود ، واستحب الوقوف بساقٍ واحدة على أن يموت في فراشه أبد الدهر .
  • فايزشناني
    عضو الملتقى
    • 29-09-2010
    • 4795

    #2

    أخي محمد تحية طيبة
    انطلقت انطلاقة جيدة وكلماتك أجادت التعبير عن المشهد الذي وصفته
    ولكني رأيتك اتجهت إلى ذو الساق الواحدة ووقفت هناك تتأمله
    وكأنك اكتفيت بذلك فجاء النص مباشراً وجاءت الخاتمة عادية
    فرغم أن تناولت هذا الجانب الانساني لحالة معاق
    فهذا لايمنع أن يكون النص أكثر حركة وحيوية
    تقبل رأيي المتواضع بمحبة
    مع كل الود والتقدير
    هيهات منا الهزيمة
    قررنا ألا نخاف
    تعيش وتسلم يا وطني​

    تعليق

    يعمل...
    X