حين كان سعد يصل إلى ذيل صفحة الجريدة التي ألقى بها أحد المارة أمام عشته ، فى قرف و ضيق ، فى ذاك المساء ، كانت أعداد ضخمة من النازحين من ليبيا تتحرك أمامه على شاشة التليفزيون ، بعضهم يبكي ، و يتحسر على خمس سنين قضاها ، بعيدا عن أولاده ، و بلدته ، وزوجه
و البعض الآخر يسجد على تراب الوطن ، وهو يتمزق ، و يئن ، و ينظر صوب الشاشة ربما للتصوير ، و تطير رسالة إلى ذويه بوصوله سالما .
بمجرد قراءة الجملة ألأولى فى العمود ، كان يأكل الكلمات ، ووجهه يزداد مع كل سطر امتقاعا ، و هو لا يصدق ما يقرأ ، فيعاود القراءة
ليجد نفس الكلمات ، هى هى ، لم تتغير ، لم يختل نظره فى الدوران معها ، فيبتلع ريقه غير مصدق ، ثم يعلو صوته مناديا ولده مجيد ، الذى أقبل مترنحا ، وهو مستسلم لغفوة آنية : خذ اقرأ هذه .. خذ .. ".
تهالك مجيد ، وحط بجانبه : اقرأ جورنال يا أبي .. لم أتعلم هذا !!".
زغدة فى جنبه بغيظ :" ستقرأ .. هيا لا تناكفني .. خذ ".
تأتأ مجيد ، أكل بعض الحروف ، وربما الكلمات ، لكنها وصلت بنفس المعنى . و حين كان يلقي بالجريدة ، ويزحف هربا ، لم يكن سعد فى موضعه ، بله كان هناك ، يلف و يدور حول صهريج المدينة : يعنى لو اشترى كل سنة بذلة ، لأصبح عنده ثلاثين ، أى بمعدل ثلاثين بيتا أو ربما أكثر ، هذا لو افترضنا أن البيت بمقدار ست و تسعين ألفا .. لا .. لا علينا أن نضرب فى اثنتين ، فيصبح الرئيس مالكا لستين بيتا ، يضعها فى دولاب ملابسه أو جناحه ".
يلف و يدور ، ثم يبدأ بتسلق الصهريج ببطء :" ستون عائلة مشردة فى علب الصفيح ، كل عائلة على الأقل أربعة أفراد .. أربعة آدميين بلا ماض ، و لا حاضر ، و لا مستقبل ".
أصبح على قمة الصهريج ، ذاك القلب الذى يضخ المدينة ، يغذيها بالرى .
نال منه غثيان ، تقايأ ، غرق وجهه فى دموع ، و عرق غزير ، ترنح ، حط طائره مهيضا :" أى فى الوقت الذى عجزت فيه عن دفع رسوم المدرسة الحكومي لمجيد كان الرئيس المخلوع يدفع ست و تسعين ألف جنيه لتلك الشركة فى أوربا ثمنا لبذلة قد يرتديها مرة ، ثم يلقى بها للنار أو للعفن ".
قهقه بلا توقف ، حتى سمع صوته فى كل الميدان ، بل هناك فى علب الصفيح المجاورة للمقابر ، ثم رقص كابرع راقص عرفته البلاد ، و حين ارتفعت الأصوات تناديه بالتوقف ، و النزول فورا اختفى .. اختفى تماما
كأنه ما كان سوى شبح أو عفريت ، فانسحب الناس عائدين إلى دورهم ، و البائعون إلى بضاعتهم ، و هم يلطمون الكفوف ، و يضحكون على غفلتهم !
فى الصباح كان سعد ببسمة لم تمر بثغره يوما ، معلقا على مشنقة ، تتدلى من أعلى الصهريج ، مخلفا جملة هناك خفتت حروفها ، ولم تنل ما تستحق من اهتمام :" لأجل بذلة الرئيس مت لثلاثين سنة فى علبة من الصفيح البارد !! ".
و البعض الآخر يسجد على تراب الوطن ، وهو يتمزق ، و يئن ، و ينظر صوب الشاشة ربما للتصوير ، و تطير رسالة إلى ذويه بوصوله سالما .
بمجرد قراءة الجملة ألأولى فى العمود ، كان يأكل الكلمات ، ووجهه يزداد مع كل سطر امتقاعا ، و هو لا يصدق ما يقرأ ، فيعاود القراءة
ليجد نفس الكلمات ، هى هى ، لم تتغير ، لم يختل نظره فى الدوران معها ، فيبتلع ريقه غير مصدق ، ثم يعلو صوته مناديا ولده مجيد ، الذى أقبل مترنحا ، وهو مستسلم لغفوة آنية : خذ اقرأ هذه .. خذ .. ".
تهالك مجيد ، وحط بجانبه : اقرأ جورنال يا أبي .. لم أتعلم هذا !!".
زغدة فى جنبه بغيظ :" ستقرأ .. هيا لا تناكفني .. خذ ".
تأتأ مجيد ، أكل بعض الحروف ، وربما الكلمات ، لكنها وصلت بنفس المعنى . و حين كان يلقي بالجريدة ، ويزحف هربا ، لم يكن سعد فى موضعه ، بله كان هناك ، يلف و يدور حول صهريج المدينة : يعنى لو اشترى كل سنة بذلة ، لأصبح عنده ثلاثين ، أى بمعدل ثلاثين بيتا أو ربما أكثر ، هذا لو افترضنا أن البيت بمقدار ست و تسعين ألفا .. لا .. لا علينا أن نضرب فى اثنتين ، فيصبح الرئيس مالكا لستين بيتا ، يضعها فى دولاب ملابسه أو جناحه ".
يلف و يدور ، ثم يبدأ بتسلق الصهريج ببطء :" ستون عائلة مشردة فى علب الصفيح ، كل عائلة على الأقل أربعة أفراد .. أربعة آدميين بلا ماض ، و لا حاضر ، و لا مستقبل ".
أصبح على قمة الصهريج ، ذاك القلب الذى يضخ المدينة ، يغذيها بالرى .
نال منه غثيان ، تقايأ ، غرق وجهه فى دموع ، و عرق غزير ، ترنح ، حط طائره مهيضا :" أى فى الوقت الذى عجزت فيه عن دفع رسوم المدرسة الحكومي لمجيد كان الرئيس المخلوع يدفع ست و تسعين ألف جنيه لتلك الشركة فى أوربا ثمنا لبذلة قد يرتديها مرة ، ثم يلقى بها للنار أو للعفن ".
قهقه بلا توقف ، حتى سمع صوته فى كل الميدان ، بل هناك فى علب الصفيح المجاورة للمقابر ، ثم رقص كابرع راقص عرفته البلاد ، و حين ارتفعت الأصوات تناديه بالتوقف ، و النزول فورا اختفى .. اختفى تماما
كأنه ما كان سوى شبح أو عفريت ، فانسحب الناس عائدين إلى دورهم ، و البائعون إلى بضاعتهم ، و هم يلطمون الكفوف ، و يضحكون على غفلتهم !
فى الصباح كان سعد ببسمة لم تمر بثغره يوما ، معلقا على مشنقة ، تتدلى من أعلى الصهريج ، مخلفا جملة هناك خفتت حروفها ، ولم تنل ما تستحق من اهتمام :" لأجل بذلة الرئيس مت لثلاثين سنة فى علبة من الصفيح البارد !! ".
تعليق