لحظة غضب...
اجتاح غضبه المنزل كله. صرخ، صفع، كسر، مزق، حطم...صرخ في وجه زوجته، صفع طفله الوحيد، كسر إبريق الماء الخاص به ، مزق الشهادات التي زينت جدران بيته ، كسر الصحون والكاسات المرمية في مغسلة المطبخ، وحتى الأثاث لم يسلم حطم مقعده المفضل ...
جلس على أنقاض الكرسي المحطم, متأملا آثار التدمير.. أشعل سيجارة ،نظر في وجه زوجه،و طفله المذهولين، المصعوقين، الخائفين، كأنهما على ظهر سفينة، وسط بحر الرعب، تواجه إعصارا ينذر بالفناء.. وكمن فاق من سكرة، سأل نفسه ماذا الذي فعله ؟ أيُّ صباح صبّح أهله..؟ رمى السيجارة وقد حرقها بشربة واحدة. نهض بهدوء ، دنا من طفله الذي التصق بأمه كالتصاق الحلزون بالأرض، ودفن رأسه خلفها، فامسك به ورفعه إلى الأعلى وقد همّ على تقبيله فأحس برطوبة فاترة تلسع رسغه، أدرك بأن طفله بال في بنطاله ، لحظتئذ ..يمكننا القول الغارة انتهت.. و كطفل فقد لعبته بكى .. حتى إن بكاؤه طغى على بكاء طفله المذعور..ترك الطفل وارتدى طقمه البني المخصص للعطلة والأعياد ..صفق الباب وخرج...
***
إلى أين يذهب؟
سأل نفسه ، نظر إلى ساعته ماركة "سايكو 5" أرسلها لهه عماد المستقر في السعودية منذ عام 1983 بعد عام من سفره إلى جدة. انقطعت أخباره من وقتها ..كان يتذكره كلما نظر إلى الساعة ويتذكر أيام المعهد معه ..ويضحك أحيانا متذكرا مغامراتهما، تخرجا عام 73 ، وبعد عشرة أعوام سافر عماد ،وبقي هو في وظيفته كمحاسب ، ثم أمين صندوق لشركة الغزل والنسيج الحكومية..
الساعة الثامنة صباحا . إلى أين يتجه ؟ البارحة كان يتمنى النوم حتى الظهر واليوم ينهض قبل موعد استيقاظه بساعة وبدل أن يحدث زوجه، ويداعب طفله حوّل صباحهما لجهنّم حرقتهم وحرقته..ودون شعور كانت خطواته تقوده إلى مقهى (الخيزران) احد المقاهي الشهيرة حول قلعة حلب، تحضن السياح في الصباح وتلهي أهل المدنية في المساء حتى الصباح .
احس بمتعة وهو يسير نحو المقهى عبر (ساحة الملح) الشارع المؤدي للقلعة من (دوار باب الحديد) القريب من حارة النحاسين حيث يسكن ..تلك الحارة التي اشتهرت بمهن انقرضت، أو تقاعدت، أو تحولت لمهنة أخرى، مثل مبيض الأواني النحاسية، والسرّاج، ومشحّذ السكاكين، وصانع براميل الغسيل من الصاج المز يبق ..
خمس عشرة دقيقة تكفي الوصول إلى المقهى، حفظها كل شهر، وقد اعتاد صيفا ارتياد المقهى مع بعض الأصدقاء..وهو المكان الوحيد الذي يعرفه بعد بيته، ووظيفته، وشقة صديقه فريد السرية في غرب المدنية، والتي تركها بعد زواجه.
يشربون النارجيلة ويحتسون القهوة . متأملين النساء العابرات للمقهى ، ويستمتع بمبارزة خصمه التقليدي في طاولة الزهر عبد الوهاب صاحب مخزن للخردة في جادة( الخندق) أشهر شارع في حلب لبيع الخردوات والمتصل باب الحديد.. و ينزعج عندما يُظهر النرد أرقاما صغيرة لحظة حاجته للأرقام الكبيرة فيعلّق عبد الوهاب "هذه فلسفة الحياة "..
***
كدفتر تُمزّق صفحاته وترميه كان حاله ، وأحس بان أثقاله تخف في كل خطوة كأنه عاد الشاب ابن العشرين ، يركض حول (أميرة)، الطالبة التي أحبها ولم يعرف اسمها، فأطلق عليها اسم أميرة.
كان يرى ظهرها، وهي تسرع نحو المدرسة الشرعية القريبة من القلعة . لم يرى وجهها سوى مرة واحدة .رفعت الحجاب ورمقته بعد سنتين من المتابعة .لم يرها بعد ذلك، ولم يستطع البوح حتى لعماد أعز أصدقائه بأن وجهها كان يشبه وجه نجاة الصغيرة المطربة المشهورة.ولعل هذا سر عشقه لاغاني نجاة القديمة . توقف عن سماعها بعد زواجه المتأخر..
خاليا كان المقهى ، لم يرتاده السياح بعد. مع أن أيلول من أجمل الشهور في حلب . حيث تخف حرارة الطقس ولم تبدأ قساوة الشتاء..جلس على أقرب طاولة، متأملا القلعة التي لم يزرها ولا مرة ، والتي أصبحت بعيدة عنه كبعد شاشة السينما عن أول مقعد في الصالة ، يفصله الشارع الملبس حدثيا بالحجارة السوداء عن رصيف القلعة، وحين تلتف نحو اليمين سترى مدخل القلعة بوضوح، وتراقب الزوار كمسقط جانبي.. تلك رؤية يحبذها فريد صديقه الآخر المغترب في المانيا، وحين يسأله فريد "الم تزر القلعة بعد؟" ..كان يجيب إجابته المشهورة "القلعة كأميرة أفضّل رؤيتها من الخارج فقط ".. ويضحك فريد الذي اعتاد كل عامين زيارة أهله" لن تدرك أهميتها إلا بعد أن تتغرب..ولكن معك حق إنها أميرة".. كانت كل شلته القديمة تعرف قصة حبه لأميرة ..ومع انه تحول إلى زير نساء بعد التوظف إلا أن أميرة كانت رمزا كبيرا له. أدرك متأخرا، بأن كل النساء اللواتي عرفهن وعاشرهن قبل زوجه، تشبهن أميرة في ناحية واحدة على الأقل. فسهام كانت تمشي مثل أميرة، وغالية كتفها ككتف أميرة..أما عزيزة التي دوخته كان أنفها مثل انف نجاة الصغيرة.وكادت امتثال تجننه لعشقها لاغاني نجاة ..إلا انه لم يقل لأحد بان أميرة تشبه نجاة...ولا احد من أصدقائه يعرف أن عيني زوجته تشبهان عيني نجاة ...
توقف قلبه قبل حلقه, قبل أن يرشف من فنجان القهوة الذي قدمه النادل..تسألني لما ؟ لأنه لمح امرأة ترجّلت من سيارة مرسيدس (شبح)، وبمساعدة شاب توجهت نحو القلعة ..نعم إنها أميرة..مستحيل إلا أن تكون أميرة ..انه يحفظ قوامها وهل يعرف غير قوامها وخاصة ظهرها ورقبتها والاهم مشيتها..نهض من الكرسي يراقب لوحة المرسيدس فتأكد بأنها لوحة دولة عربية . ..ومرت السيارة بسرعة فلم يميز الدولة .. وجلس ثانية ..يراقب المرأة المستندة على ظهر الشاب وسارت نحو مدخل القلعة بعد أن توقفت مستقبلة القلعة كمحراب . حين سارت نحو مدخل القلعة بدى عليها التعب ، فاختلط عليه الأمر واستبعد أن تكون أميرة ...
***
لماذا غضب؟
سأل نفسه وقد رحل الغضب عنه ، هو مشهور بروحه المرحة، والتي جذبت النساء رغم قصر طوله وصلعته، ودائرية وجه .لسانه (الصنارة)، وضحكته (الطعم) لالتقاط النساء ،وبيت فريد (السفينة) التي يبحر فيها ليكتشف عالمهن، وذلك قبل أن يتقاعد عن النساء بعد زواجه..تقاعد ..نعم تذكر انه اليوم الاول من تقاعده ..لعل هذا سبب غضبه ..صحيح انه أعلن انه ارتاح من الروتين ولكنه اكتشف انه انتهى لا دور له..كان كأمين صندوق ..كأب يوزع المصروف لأولاده وكان يدهشه تمسّح الموظفين به، ولعل هذه الميزة ساعدته كثيرا مع النساء. وان كان ينكر ذلك.. كان أمينا ولكنه مسايرا يقدم القروض القصيرة وأحيانا الطويلة واستطاع إدارة الصندوق ربع قرن من الزمن وجاء اليوم أخيرا.يوم التقاعد..
رشف من فنجانه الذي برد، وأشعل سيجارة مراقبا المرأة المستندة على الشاب والتي توقفت عند المدخل، راقب الشاب يصعد درجات المدخل، يبدو انه سيسأل عن ساعة الدخول، وهز رأسه محدثا نفسه " الوقفة وقفة أميرة إلا إن مشيتها..!؟ هل تعاني من الديسك ؟ ثم إنها أكثر بدانة؟ ..أربعون عاما زمن طويل"..
تعجب لغضبه، وسأل نفسه هل السبب تقاعده أم الحقيقة التي كشفها مديره..
كان على علم بأنه يمضي أيامه الأخيرة في الوظيفة ..ولكن الحوار الأخير مع مديره الجديد الشاب أشعره بالتعب والغضب وطفق يتذكر نهاية الحوار:
- كم يبلغ عمر المحروس؟
- سبعة.
- الله يعينك ،مازال صغيرا ..يبدو انك تأخرت في الزواج!
توقف عقله لما رأى المرأة ترجع مع الشاب، يبدو أن القلعة لم تفتح بعد، اخرج نظارته، مسح العدستين وارتدى النظارة محدقا بالمرأة، التي كانت تقترب منه على رصيف القلعة. لن يستطيع الجزم بأنها أميرة، فهو لم يرها ولا مرة وجها لوجه..وهجمت عليه عدة أسئلة ..كصور الفيديو كليب ..هل ستقطع الشارع ؟ هل ستدخل المقهى ؟ أيمكن أن تراه ، هل ستجلس بجانبه ، ستكشف عن وجهها وهي تحتسى الشاي .. إلا إن المفاجأة حصلت عند عودة سيارة المرسيدس وتوقفها ومن ثم اختفاء المرأة والشاب ...
باردة جدا كانت أخر قطرة من الفنجان ذكّرته بما فعله صباح اليوم وقبل أن يطلب فنجانا أخر وجد صديقه عبد الوهاب أمامه وقد بدى عليه القلق:
- توقعت أن أجدك هنا
- من أخبرك؟
- أنسيت؟ أنا خال زوجك..هيا
- إلى أين ؟
- الا تعرف باني بحاجة لمحاسب ممتاز
نهض صاحبنا وتوجه نحو سيارة عبد الوهاب ركب بجانبه وقال:
- أظن باني رأيت أميرة؟
تجاهل عبد الوهاب كلام صديقه وسأله:
- ماذا فعلت اليوم؟
ابتسم صاحبنا وهمس:
- لحظة غضب..
&
اجتاح غضبه المنزل كله. صرخ، صفع، كسر، مزق، حطم...صرخ في وجه زوجته، صفع طفله الوحيد، كسر إبريق الماء الخاص به ، مزق الشهادات التي زينت جدران بيته ، كسر الصحون والكاسات المرمية في مغسلة المطبخ، وحتى الأثاث لم يسلم حطم مقعده المفضل ...
جلس على أنقاض الكرسي المحطم, متأملا آثار التدمير.. أشعل سيجارة ،نظر في وجه زوجه،و طفله المذهولين، المصعوقين، الخائفين، كأنهما على ظهر سفينة، وسط بحر الرعب، تواجه إعصارا ينذر بالفناء.. وكمن فاق من سكرة، سأل نفسه ماذا الذي فعله ؟ أيُّ صباح صبّح أهله..؟ رمى السيجارة وقد حرقها بشربة واحدة. نهض بهدوء ، دنا من طفله الذي التصق بأمه كالتصاق الحلزون بالأرض، ودفن رأسه خلفها، فامسك به ورفعه إلى الأعلى وقد همّ على تقبيله فأحس برطوبة فاترة تلسع رسغه، أدرك بأن طفله بال في بنطاله ، لحظتئذ ..يمكننا القول الغارة انتهت.. و كطفل فقد لعبته بكى .. حتى إن بكاؤه طغى على بكاء طفله المذعور..ترك الطفل وارتدى طقمه البني المخصص للعطلة والأعياد ..صفق الباب وخرج...
***
إلى أين يذهب؟
سأل نفسه ، نظر إلى ساعته ماركة "سايكو 5" أرسلها لهه عماد المستقر في السعودية منذ عام 1983 بعد عام من سفره إلى جدة. انقطعت أخباره من وقتها ..كان يتذكره كلما نظر إلى الساعة ويتذكر أيام المعهد معه ..ويضحك أحيانا متذكرا مغامراتهما، تخرجا عام 73 ، وبعد عشرة أعوام سافر عماد ،وبقي هو في وظيفته كمحاسب ، ثم أمين صندوق لشركة الغزل والنسيج الحكومية..
الساعة الثامنة صباحا . إلى أين يتجه ؟ البارحة كان يتمنى النوم حتى الظهر واليوم ينهض قبل موعد استيقاظه بساعة وبدل أن يحدث زوجه، ويداعب طفله حوّل صباحهما لجهنّم حرقتهم وحرقته..ودون شعور كانت خطواته تقوده إلى مقهى (الخيزران) احد المقاهي الشهيرة حول قلعة حلب، تحضن السياح في الصباح وتلهي أهل المدنية في المساء حتى الصباح .
احس بمتعة وهو يسير نحو المقهى عبر (ساحة الملح) الشارع المؤدي للقلعة من (دوار باب الحديد) القريب من حارة النحاسين حيث يسكن ..تلك الحارة التي اشتهرت بمهن انقرضت، أو تقاعدت، أو تحولت لمهنة أخرى، مثل مبيض الأواني النحاسية، والسرّاج، ومشحّذ السكاكين، وصانع براميل الغسيل من الصاج المز يبق ..
خمس عشرة دقيقة تكفي الوصول إلى المقهى، حفظها كل شهر، وقد اعتاد صيفا ارتياد المقهى مع بعض الأصدقاء..وهو المكان الوحيد الذي يعرفه بعد بيته، ووظيفته، وشقة صديقه فريد السرية في غرب المدنية، والتي تركها بعد زواجه.
يشربون النارجيلة ويحتسون القهوة . متأملين النساء العابرات للمقهى ، ويستمتع بمبارزة خصمه التقليدي في طاولة الزهر عبد الوهاب صاحب مخزن للخردة في جادة( الخندق) أشهر شارع في حلب لبيع الخردوات والمتصل باب الحديد.. و ينزعج عندما يُظهر النرد أرقاما صغيرة لحظة حاجته للأرقام الكبيرة فيعلّق عبد الوهاب "هذه فلسفة الحياة "..
***
كدفتر تُمزّق صفحاته وترميه كان حاله ، وأحس بان أثقاله تخف في كل خطوة كأنه عاد الشاب ابن العشرين ، يركض حول (أميرة)، الطالبة التي أحبها ولم يعرف اسمها، فأطلق عليها اسم أميرة.
كان يرى ظهرها، وهي تسرع نحو المدرسة الشرعية القريبة من القلعة . لم يرى وجهها سوى مرة واحدة .رفعت الحجاب ورمقته بعد سنتين من المتابعة .لم يرها بعد ذلك، ولم يستطع البوح حتى لعماد أعز أصدقائه بأن وجهها كان يشبه وجه نجاة الصغيرة المطربة المشهورة.ولعل هذا سر عشقه لاغاني نجاة القديمة . توقف عن سماعها بعد زواجه المتأخر..
خاليا كان المقهى ، لم يرتاده السياح بعد. مع أن أيلول من أجمل الشهور في حلب . حيث تخف حرارة الطقس ولم تبدأ قساوة الشتاء..جلس على أقرب طاولة، متأملا القلعة التي لم يزرها ولا مرة ، والتي أصبحت بعيدة عنه كبعد شاشة السينما عن أول مقعد في الصالة ، يفصله الشارع الملبس حدثيا بالحجارة السوداء عن رصيف القلعة، وحين تلتف نحو اليمين سترى مدخل القلعة بوضوح، وتراقب الزوار كمسقط جانبي.. تلك رؤية يحبذها فريد صديقه الآخر المغترب في المانيا، وحين يسأله فريد "الم تزر القلعة بعد؟" ..كان يجيب إجابته المشهورة "القلعة كأميرة أفضّل رؤيتها من الخارج فقط ".. ويضحك فريد الذي اعتاد كل عامين زيارة أهله" لن تدرك أهميتها إلا بعد أن تتغرب..ولكن معك حق إنها أميرة".. كانت كل شلته القديمة تعرف قصة حبه لأميرة ..ومع انه تحول إلى زير نساء بعد التوظف إلا أن أميرة كانت رمزا كبيرا له. أدرك متأخرا، بأن كل النساء اللواتي عرفهن وعاشرهن قبل زوجه، تشبهن أميرة في ناحية واحدة على الأقل. فسهام كانت تمشي مثل أميرة، وغالية كتفها ككتف أميرة..أما عزيزة التي دوخته كان أنفها مثل انف نجاة الصغيرة.وكادت امتثال تجننه لعشقها لاغاني نجاة ..إلا انه لم يقل لأحد بان أميرة تشبه نجاة...ولا احد من أصدقائه يعرف أن عيني زوجته تشبهان عيني نجاة ...
توقف قلبه قبل حلقه, قبل أن يرشف من فنجان القهوة الذي قدمه النادل..تسألني لما ؟ لأنه لمح امرأة ترجّلت من سيارة مرسيدس (شبح)، وبمساعدة شاب توجهت نحو القلعة ..نعم إنها أميرة..مستحيل إلا أن تكون أميرة ..انه يحفظ قوامها وهل يعرف غير قوامها وخاصة ظهرها ورقبتها والاهم مشيتها..نهض من الكرسي يراقب لوحة المرسيدس فتأكد بأنها لوحة دولة عربية . ..ومرت السيارة بسرعة فلم يميز الدولة .. وجلس ثانية ..يراقب المرأة المستندة على ظهر الشاب وسارت نحو مدخل القلعة بعد أن توقفت مستقبلة القلعة كمحراب . حين سارت نحو مدخل القلعة بدى عليها التعب ، فاختلط عليه الأمر واستبعد أن تكون أميرة ...
***
لماذا غضب؟
سأل نفسه وقد رحل الغضب عنه ، هو مشهور بروحه المرحة، والتي جذبت النساء رغم قصر طوله وصلعته، ودائرية وجه .لسانه (الصنارة)، وضحكته (الطعم) لالتقاط النساء ،وبيت فريد (السفينة) التي يبحر فيها ليكتشف عالمهن، وذلك قبل أن يتقاعد عن النساء بعد زواجه..تقاعد ..نعم تذكر انه اليوم الاول من تقاعده ..لعل هذا سبب غضبه ..صحيح انه أعلن انه ارتاح من الروتين ولكنه اكتشف انه انتهى لا دور له..كان كأمين صندوق ..كأب يوزع المصروف لأولاده وكان يدهشه تمسّح الموظفين به، ولعل هذه الميزة ساعدته كثيرا مع النساء. وان كان ينكر ذلك.. كان أمينا ولكنه مسايرا يقدم القروض القصيرة وأحيانا الطويلة واستطاع إدارة الصندوق ربع قرن من الزمن وجاء اليوم أخيرا.يوم التقاعد..
رشف من فنجانه الذي برد، وأشعل سيجارة مراقبا المرأة المستندة على الشاب والتي توقفت عند المدخل، راقب الشاب يصعد درجات المدخل، يبدو انه سيسأل عن ساعة الدخول، وهز رأسه محدثا نفسه " الوقفة وقفة أميرة إلا إن مشيتها..!؟ هل تعاني من الديسك ؟ ثم إنها أكثر بدانة؟ ..أربعون عاما زمن طويل"..
تعجب لغضبه، وسأل نفسه هل السبب تقاعده أم الحقيقة التي كشفها مديره..
كان على علم بأنه يمضي أيامه الأخيرة في الوظيفة ..ولكن الحوار الأخير مع مديره الجديد الشاب أشعره بالتعب والغضب وطفق يتذكر نهاية الحوار:
- كم يبلغ عمر المحروس؟
- سبعة.
- الله يعينك ،مازال صغيرا ..يبدو انك تأخرت في الزواج!
توقف عقله لما رأى المرأة ترجع مع الشاب، يبدو أن القلعة لم تفتح بعد، اخرج نظارته، مسح العدستين وارتدى النظارة محدقا بالمرأة، التي كانت تقترب منه على رصيف القلعة. لن يستطيع الجزم بأنها أميرة، فهو لم يرها ولا مرة وجها لوجه..وهجمت عليه عدة أسئلة ..كصور الفيديو كليب ..هل ستقطع الشارع ؟ هل ستدخل المقهى ؟ أيمكن أن تراه ، هل ستجلس بجانبه ، ستكشف عن وجهها وهي تحتسى الشاي .. إلا إن المفاجأة حصلت عند عودة سيارة المرسيدس وتوقفها ومن ثم اختفاء المرأة والشاب ...
باردة جدا كانت أخر قطرة من الفنجان ذكّرته بما فعله صباح اليوم وقبل أن يطلب فنجانا أخر وجد صديقه عبد الوهاب أمامه وقد بدى عليه القلق:
- توقعت أن أجدك هنا
- من أخبرك؟
- أنسيت؟ أنا خال زوجك..هيا
- إلى أين ؟
- الا تعرف باني بحاجة لمحاسب ممتاز
نهض صاحبنا وتوجه نحو سيارة عبد الوهاب ركب بجانبه وقال:
- أظن باني رأيت أميرة؟
تجاهل عبد الوهاب كلام صديقه وسأله:
- ماذا فعلت اليوم؟
ابتسم صاحبنا وهمس:
- لحظة غضب..
&
تعليق