الهديـــة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد الميموني
    مشرف في ملتقى القصة
    • 14-09-2008
    • 1533

    الهديـــة

    الهديـــــــة
    [align=justify]
    تم الأمر وكأن شيئا لم يكن ، واختزلت سنة من الإعداد و التهييء المضني وتوتر الأعصاب في ليلة واحدة . ليلة حبلت بالفرح والحزن والضحك والنحيب. تعانق الجميع كما تبادلوا أقذع الشتائم والسباب. وعند الفجر كان كل شيء قد انتهى ، فلم يعد أي أحد يحتمل لا كلاما ولا حديثا ولا بكاء. فالقوى قد أنهكت وصار لزاما عليها أن تستجمع لتلقي تهاني من لم تسعفه ظروفه لحضور الحفل ، أو لتبادل العتاب واللوم مع من لم توجه له الدعوة ، إما عمدا، عملا بمبدإ رد الصاع صاعين ، أو سهوا.
    فرح الحسين بكلمات التبريك كما امتعض لعبارات التلميح . لكنه أصم أذنيه عن كل ما يقال له . شخص واحد أثار انتباهه إلى شيء لم يكن يلقي له بالا من قبل . وبقدر ما تبددت مخاوفه من مشاكل الزواج وتبعاته ، استيقظ فضوله ، ووجد فيه تسلية لما يعتريه في بعض الأحيان من ملل.
    حين يدركه القنوط ، يلجأ إلى الشاطئ .. ويختلي بنفسه بعيدا عن كل من يعرفه . هو لا يحب المقاهي ، ويمقت رائحة السجائر وصخب الرواد المصاحب لنقرات النرد . لكنه هذه المرة لم ينعم بالوحدة التي كان ينشدها . انبعث جنبه أحد زملائه في العمل كأن الأرض انشقت عنه..
    - ماذا تفعل هنا وحيدا ؟
    - كما ترى...
    - هل سئمت من...
    - مماذا ؟
    - من الحياة الجديدة... هذا طبيعي ..
    - أبدا.. لكني أرتاح لرؤية البحر .
    قال ذلك وتنهد ، فعقب الآخر بحماس :
    Cœur qui soupire n’a pas ce qu’il désire. -
    هكذا هو دائما هذا الفيلسوف . يحاول نبش كل شيء ليؤوله ويحلله نفسيا.. لم يعقب على قوله وساد الصمت . موج البحر يرغي ويزبد عند قدميه . رفع نظره إلى الآخر فوجده يرمق معتوها يتجرد من ملابسه . أطرق برأسه وتنهد من جديد .
    - ليس عيبا أن تصاهر معتوها.
    - أنا لم أشتك من هذا .
    - تنهدك ينم عن ذلك .
    - أوف ... تحليل نفسي جديد ؟
    - قل لي .. ألم يكن الأخ الأكبر كذلك ؟
    لم يعد يطيق البقاء . نهض ونفض الرمل عن سرواله من الخلف وقال بحدة :
    - أجل ..كان كذلك ... لقد بدأ الجو يبرد .. علي بالعودة..
    أحس بالراحة وهو يستلقي على السرير، لكن أعصابه ظلت متوترة . يثيره تتبع الناس لسيرة الآخرين وكأن لا شغل لهم إلا ذلك .. ماذا يهم إن كان للزوجة أخ أو أخوان معتوهان ؟ لقد تزوج سكينة وقد ألم بكل حياتها وعرف كل فرد من أفراد عائلتها ، الأحياء منهم والأموات .. لم تخف عنه شيئا وحكت له عن كل التفاصيل ، بل ولم تتردد في ذكر حادثة قتل خالتها لزوجها بعد أيام من الزفاف بسبب حالة هستيريا كانت تصيبها عند كل طمث .
    اقشعر بدنه رغما عنه وهو يتمثل منظر الفأس وهي تهوي على الرأس تشقه نصفين . لكنه هدأ قليلا ونظر إلى ساعته اليدوية . لقد تأخرت سكينة عند أمها . سمح لها بالمبيت عندها ، لكنها أبت . فهي تعلم تقاعسه عن طبخ الطعام واكتفاءه بقلي البيض مع استعماله دزينة من الصحون و الأواني. هل يمكن أن تأتي وقد سجى الليل ؟ .. لا بد أن يرافقها أحد.. أو.. ليذهب بنفسه كي يأتي بها…ستفرح بالمفاجأة التي أعدها لها ، ويعودان ليتسامرا معا . سيبادر بهديته قبل أن تناوله هديتها التي حدثته عنها في الصباح… مسكينة.. لم تطق صبرا حتى تفاجئه بها وظل السر يؤرقها حتى نفذ صبرها وباحت له بكل شيء . ليتها بقيت ليستأنس بها وتذهب عنه هذا الشعور الغامض من القلق . حقا لقد أذن لها على مضض بقضاء الليل هناك رغم شعوره بالوحدة بعيدا عنها ، لكنه يريد أن تشعر بالراحة حتى تمر أيام الطمث دون معاناة ..
    اعتراه فجأة رعب شديد .. حدق في الظلام والتفت إلى الباب حيث سمع حركة خفيفة .
    - من هناك ؟.. سكينة ؟.. هل عدت ؟
    لكن الباب فتح على مصراعيه محدثا دويا وهو يرتطم بالصوان ، واندفع نحوه شيح منفوش الشعر ، يعوي كالكلاب، وقد أشهر فأسا يلمع نصلها على ضوء الفناء الباهت ..

    Cœur qui soupire n’a pas ce qu’il désire.
    مثل فرنسي بالحرف : القلب المتنهد ليس له ما يتمنى ..
    ومعناه أن المتنهد ينقصه شيء ما .


    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 07-04-2013, 16:22.
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    السلام عليكم
    قصة جمعت عناصرها بعناية لغوية وسردية موفقة جدا
    سررت بالتعريج على نصك اديبنا الكريم.
    الف تحية

    تعليق

    • رشيد الميموني
      مشرف في ملتقى القصة
      • 14-09-2008
      • 1533

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
      السلام عليكم
      قصة جمعت عناصرها بعناية لغوية وسردية موفقة جدا
      سررت بالتعريج على نصك اديبنا الكريم.
      الف تحية
      أختي الغالية ريمة ..
      سأكون مقصرا في حقك لو اكتفيت بكلمات قليلة كي أشكرك .
      لكني عاجز عن إيجاد التعبير التي تفيك حقك من هذا الشكر و الامتنان على هذا المرور و هذا الثناء الذي سيكون حافزا لي على المزيد من العطاء ..
      شرفني مرورك سيدتي الكريمة و أسعدني تواجدك هنا ببصمتك المتألقة .
      وسأكون ممتنا بك حين تكررين الزيارة لمتصفحي المتواضع .
      شكرا لك من القلب .
      ولك كل مودتي .

      تعليق

      • ريما ريماوي
        عضو الملتقى
        • 07-05-2011
        • 8501

        #4
        النص عميق، بقفلة مذهلة تقشعر لها الأبدان...

        مسرورة لتهيئة الظروف لي للاطلاع عليه..

        بورك القلم أديبنا المميز... والله يسعدك ويحفظك.

        شكرا لك/ تحيتي وتقديري.


        أنين ناي
        يبث الحنين لأصله
        غصن مورّق صغير.

        تعليق

        • رشيد الميموني
          مشرف في ملتقى القصة
          • 14-09-2008
          • 1533

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
          النص عميق، بقفلة مذهلة تقشعر لها الأبدان...

          مسرورة لتهيئة الظروف لي للاطلاع عليه..

          بورك القلم أديبنا المميز... والله يسعدك ويحفظك.

          شكرا لك/ تحيتي وتقديري.

          لا أدري كيف أعبر لك عن عميق شكري وامتناني أختي ريما ..
          مرورك من هنا زاد قصتي وهجا وثناؤك أجج حماسي للمزيد من العطاء .
          باقة ورد تليق بك مع احترامي وتقديري .

          تعليق

          • عبير هلال
            أميرة الرومانسية
            • 23-06-2007
            • 6758

            #6
            قصة مرعبة

            أتساءل هل بالفعل دخل عليه شخص بيده جريمة القتل أم هي توهماته ..!!


            قصة رائعة للغاية شدتني من البداية للنهاية


            لك أرق تحياتي وتقديري الكبير
            sigpic

            تعليق

            • رشيد الميموني
              مشرف في ملتقى القصة
              • 14-09-2008
              • 1533

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة عبير هلال مشاهدة المشاركة
              قصة مرعبة

              أتساءل هل بالفعل دخل عليه شخص بيده جريمة القتل أم هي توهماته ..!!


              قصة رائعة للغاية شدتني من البداية للنهاية


              لك أرق تحياتي وتقديري الكبير
              الكريمة عبير ..
              سعدت جدا بمرورك على متصفحي واهتمامك بقصتي .
              أتمنى أن أبقى عند حسن ظنك وتنال كل قصصي إعجابك وثناءك
              ودي وورودي

              تعليق

              يعمل...
              X