طفولتي ( 5 )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله راتب نفاخ
    أديب
    • 23-07-2010
    • 1173

    طفولتي ( 5 )




    تقول أمي إنها قبيل وفاة جدتي رأت معلمتها الدينية ( شيختها ) ذات الصلاح و التقوى و القدم الراسخة في الدعوة إلى الله في حلمها متشحة بالسواد ، و وراءها ثلاث نسوة عليهن مثل ما عليها من اللباس ، تلتفت إليها فتقول : اذهبي إلى أمك فأقيمي عندها أسبوعاً ، ثم تشيح بوجهها لتنخرط في بكاء شديد .
    بعد أسبوع تماماً ، كانت وفاة جدتي التي أصابت أمي بتشتت نفسي رهيب لم ينلها مثله قبلها و لا بعدها كما غدت تقول .
    و في إحدى أمسيات تعزية جدتي ، شهدت ما لم أشهد قبل ذلك ، شهدت ما كنت أرى بعض الأطفال يعيشونه كل يوم ، فيما أنا محروم منه كل الحرمان .
    ذلك لم يكن شيئاً صعباً أو مستحيلاً ، بل في غاية البساطة ، لكن ظروف حياتنا جعلت منه عسراً علينا ، لم يكن إلا أن أسير في الطريق بين أمي و أبي ، أسير و هما بجانبي معاً ، فكلما خرجت من البيت كنت أخرج مع أحدهما دون الآخر ، لأنهما لم يتفقا على موعد يمضيان إليه يوماً ، و ما ذلك إلا لأن أبي لم يكن يخرج إلا إلى مجمع اللغة العربية أو إلى السوق أحياناً ، و ذانك مكانان لم يكن خروج أمي معه مناسباً إليهما .
    يومها سار أبي و أمي معاً و أنا بينهما قريباً من خمسمئة متر أو أكثر ، كانت كل خطوة يخطوانها فأخطو معهما تجعلني أحس أنني أطير و أحلق في العلياء ، و أرقى درجات سلم فرح يربطني بالسماء ، فما ملأني حينها لم يملأني يوماً حتى كدت أصرخ للمارة : ها أنذا مثل بقية الأطفال أيها الناس .... مثلهم ... هذا أبي عن يميني و أمي عن شمالي و أنا بينهما ، كل منهما يمسك بإحدى يديًَّ .
    يومها تذوقت طعم العائلة فأحسسته بمنتهى الحلاوة ، بل لم أحس بلذته يوماً من قبل و لا من بعد ، لا لشيء إلا أني افتقدت معنى هذه الكلمة في حياتي كلها بعدئذ بوقت قصير فقداً تاماً .
    يومها تمنيت أن يطول الطريق بين بيت جدي في شارع خالد بن الوليد و بين سوق الحميدية ليغدو بطول سور الصين العظيم ، بل بطول ما بين المشرقين و المغربين ، و كانت السعادة التي غمرتني أول سعادة لمستها في حياتي ، بل لعلي لم أعش سعادة مثلها حتى اليوم ، لأن ذلك الحدث لم يتكرر من بعد أبداً .
    و لست أدري أكان ذلك السير الذي ساراه و أنا بينهما إرهاصاً بالنهاية ، بخاتمة حياتهما معاً التي اقتربت كثيراً ؟؟؟ ...
    فلقد أثبتت الأيام فيما بعد أن تفسير النساء الثلاث المتشحات بالسواد في حلم والدتي هو الأشهر الثلاثة الفاصلة بين وفاة أمها و وفاة زوجها ... أبي رحمه الله .
    و للحديث تتمة
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

    [align=left]إمام الأدب العربي
    مصطفى صادق الرافعي[/align]
  • طالبة العلم و العمل
    عضو الملتقى
    • 22-09-2007
    • 163

    #2
    يسعدني تواجدي و يسعدني أكثر قراءتي لمثل هاته الأحاسيس سيدي "عبد الله"
    الطفولة كتاب مفتوح ،لا يعرف قراءته إلا المحروم من طعم حب البراءة...
    هنيئا لك سيدي المحترم بهذا الإحساس الذي حرم منه ملايين الأطفال خاصة في فلسطين الحبيبة ...
    تحياتي............
    أم هبة
    خيرة زنودة
    رئيسة الجمعية الثقافية لشهيد
    الواجب الوطني "سليم زنودة"
    أولاد جلال -بسكرة -

    تعليق

    • نور العبدالعزيز
      أديب وكاتب
      • 28-05-2010
      • 59

      #3
      قلب طفل خط البراءة هنا

      أستاذي الفاضل عبدالله راتب
      أكاد أقسم أني رأيت كل ما ذكرته هنا وأعجز عن وصفه للإسف
      فلحرفك أثر كبير على نفس قارئه
      تقبل فائق احترامي وتقديري
      ضوءالأدب

      تعليق

      • شيماءعبدالله
        أديب وكاتب
        • 06-08-2010
        • 7583

        #4
        [align=center]رحم الله الوالد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته
        الروابط الأسرية لاشيء أجمل منها ولا أروع
        ولكن هي الأقدار ودوام الحال من المحال
        قلم رزين متزن رائع رغم نبرات الألم إلا أنه يشع إشراقا
        ومعك نقول يتبع .........
        احترامي وتقديري
        [/align]

        تعليق

        يعمل...
        X