ينتظر الحضور أن تُكشفَ الستارة
خلف الكواليس ، هذا يرتب هندامه ..والآخر يقرأ دورهُ لآخر مرة
وتلك تضع اللمسات الأخيرة من مكياجها
الستارة ستفتح بعد خمس دقائق (يصرخ المخرج )
والحضور مازال ينتظر
يهمس أحدهم لصديقتهِ وهو يضع يده على كتِفها ويقترب لتلامس شفتاهُ أذنها
(هل تعلمين أن تلك الممثلة على علاقة مع المخرج ..لقد دفعت ثمن الدور )
تطلق ضحكتها وسرعان ما يكبتها بيديهِ (صديقتي ،اكتفي بمجرد بسمة،نحن بمكانٍ عام )
عند الزاوية المهلمة بآخر الصالة ..يجلس شاب وحيد ربما ينتظر إحداهن مشابهة لحاله
يتململ بكرسيه ..وما إن يصدر صوت ولاعتهِ حتى يسلطُ مشرف الصالة الضوء على وجهه
مشيراً إليهِ (ممنوع التدخين )
يخلع أحدهم معطفهُ ويضعه على قاعدة الكرسي الذي ستجلس عليهِ زوجتهُ
أخاف أن تبردين .للأسف فإن المكيف معطل بهذهِ الجهة
لاتخشى حبيبي ..سيغمرني قربكَ بالدفء
يصدر صوتَ طقطقة كعبٍ عال ..يلتفت عشرون شاب دفعةً واحدة ..
تتدلى حقيبتها أماماً وخلفاً محاذاة طرفِ تنورتها تماماً
قوامها سحروفتنة ..ورائحة عطرها تغمر الصالة المنكوبة بروائح أحذيةٍ عفنة
وتأخذ مكانها بالصف الأول .
يالحظنا التعيس ..بهذهِ الحالة سنشاهد شعرها فقط
(هكذا يهمس عشرون شاب ..دفعة واحدة ..كل واحدٍ منهم بقلبه)
وقبل أن تطفأ الأضواء بلحظات فقط ..تدخل مجموعة مكونة من أربعين رجل وكأنهم من قومِ عاد
ياللغرابة ..حتى ضمن الصالات يضعون تلك النظارات السوداء على أعينهم
يتقدمهم رجلٌ خمسيني ..ربما يقلدوه بهذهِ العادة..من يدري
يجلس قرب الفاتنة ..ليخلو الصف الأول ومايليهِ إلا من سواهما
أما الثالث والرابع فبالكاد يتسعُ لهؤلاء القوم المتشحين بالسواد
تُطفأ الأضواء ..تصدر الموسيقا التصويرية من كل صناديق الصوتِ الموزعة بأرجاء الصالة
ماهذا ؟؟!!! إنه نشيد الوطن ؟؟؟؟
لقد قالو في الإعلان أنها مسرحية كوميدية ..
كيف؟أين؟متى؟لماذا ؟؟!
تساؤلاتٌ تضجّ بعقول الحاضرين ..لكنه تفكير صامتْ ..ودون أن يجرأ أحدهم بتحريكِ شفتيه
الآن عليهم الوقوف فقط والاستعداد للتصفيق .
يقف الجميع ..عدا الصف الأول ومايليهْ
لا أحد يعلم ماذا يدور هناك .فعمالقة عادٍ يغطون المشهد ..
ولولا دخان السيجار الكوبي والغليون لبصم الجميع أن الصف الأمامي خالٍ تماماً
تصفيق حار ،يستمر حتى تبدل النظارات السوداء وجهتها من البحلقة بالحضور لتتجه نحو خشبة المسرح
يخرج أول الممثلين ..لاينحني للحضور كما هيَ العادة ..
بل ينزل للصف الأول ..ويقبل يدَ أطال الله عمره..ويعود أدراجه
كذاك يفعل الثاني ..والثالث ..والعاشر ..حتى تلك التي اشترت الدور ..تقبل يدهُ وتعود
ومازال الحضور ينتظر..
يعود الممثلون للمسرح ..يشبكون أيديهم بأيدي بعض ..هل سيدبكون؟؟لالالا
الدبكة تختلف عن الهتاف بحركة فقط ..فتلك أيدِ متشابكة تحت ..وهذهِ أيدِ متشابكة فوق
ويصرخون بصوتٍ واحد ((بالروح ..بالدم ..بالروح ..بالدم ))
ومازال الحضور ينتظر
تدور خشبة المسرح فجأة ..ليظهر منبر عظيم ..خلفهُ صورة كبيرة لأطال الله بقاءه
يعتلي المخرج هذا المنبر،ويبدأ بالحديث عن إنجازاتِ هذا الصنديد
مواقفه،حزمه،صموده وتصديه
الأضواء كلها تُضاء فوق رؤوس الحضور ..أما الصف الأول ومايليه ظلامٌ دامس
ولولا دخان السيجار الكوبي والغليون ..لبصم الجميع أنهما خاليان تماماً
ويتابع المخرج ويطيل الحديث ..يطيل ..يطيل ويطيل.
لايتوقف إلا عندما يدير عمالقة عادٍ وجوههم نحو الجمهور ليبدأ التصفيق
عندما بدأ المخرج بالحديث عن ثورةِ أطال الله عمرَه وعمرَ أحفادهِ ..يتململ ذلك الشاب الجالس بالزاوية المهملة من الصالة
ويضع يده بجيب سترتهِ ليخرج سيجارة ويده الأخرى تبحث بجيبِ بنطالهِ عن الولاعة
وما إن يصدر صوتها ..حتى تطفأ الأضواء المسلطة على الجماهير فجأة
ويسلط الضوء على الصف الأمامي ليظهر الرجل الخمسيني متوشحاً بعلمِ الوطن فوق كتفيهِ
رافعاً كلتا يديهِ ..فارجاً أصبعيه الوسطى والسبابة ..منادياً
النصر للوطن ..لا للعملاء والخونة ،لا للعملاء والخونة
\\
جهة المكيف المعطل شوهد ذلك المعطف الأسود قد تمرغ بدمِ أحمر قاتم
وعند الزاوية المهملة عشرون جثة أُصيبت جميعها بعياراتٍ جاءت معظمها بالرأس والظهر
وأذنُ يتدلى منها قرطُ يجاوره وجُه شاب لصق فمهُ به
وأشلاء شابٍ مازالت الولاعة بيده
وذاك الصف الأمامي وما يليهِ ..لولادخان السيجار الكوبي والغليون ..لظن الجميع أنهِ خالٍ تماماً
وينتهي العرض .....
__________________
20\3\2011\م
خلف الكواليس ، هذا يرتب هندامه ..والآخر يقرأ دورهُ لآخر مرة
وتلك تضع اللمسات الأخيرة من مكياجها
الستارة ستفتح بعد خمس دقائق (يصرخ المخرج )
والحضور مازال ينتظر
يهمس أحدهم لصديقتهِ وهو يضع يده على كتِفها ويقترب لتلامس شفتاهُ أذنها
(هل تعلمين أن تلك الممثلة على علاقة مع المخرج ..لقد دفعت ثمن الدور )
تطلق ضحكتها وسرعان ما يكبتها بيديهِ (صديقتي ،اكتفي بمجرد بسمة،نحن بمكانٍ عام )
عند الزاوية المهلمة بآخر الصالة ..يجلس شاب وحيد ربما ينتظر إحداهن مشابهة لحاله
يتململ بكرسيه ..وما إن يصدر صوت ولاعتهِ حتى يسلطُ مشرف الصالة الضوء على وجهه
مشيراً إليهِ (ممنوع التدخين )
يخلع أحدهم معطفهُ ويضعه على قاعدة الكرسي الذي ستجلس عليهِ زوجتهُ
أخاف أن تبردين .للأسف فإن المكيف معطل بهذهِ الجهة
لاتخشى حبيبي ..سيغمرني قربكَ بالدفء
يصدر صوتَ طقطقة كعبٍ عال ..يلتفت عشرون شاب دفعةً واحدة ..
تتدلى حقيبتها أماماً وخلفاً محاذاة طرفِ تنورتها تماماً
قوامها سحروفتنة ..ورائحة عطرها تغمر الصالة المنكوبة بروائح أحذيةٍ عفنة
وتأخذ مكانها بالصف الأول .
يالحظنا التعيس ..بهذهِ الحالة سنشاهد شعرها فقط
(هكذا يهمس عشرون شاب ..دفعة واحدة ..كل واحدٍ منهم بقلبه)
وقبل أن تطفأ الأضواء بلحظات فقط ..تدخل مجموعة مكونة من أربعين رجل وكأنهم من قومِ عاد
ياللغرابة ..حتى ضمن الصالات يضعون تلك النظارات السوداء على أعينهم
يتقدمهم رجلٌ خمسيني ..ربما يقلدوه بهذهِ العادة..من يدري
يجلس قرب الفاتنة ..ليخلو الصف الأول ومايليهِ إلا من سواهما
أما الثالث والرابع فبالكاد يتسعُ لهؤلاء القوم المتشحين بالسواد
تُطفأ الأضواء ..تصدر الموسيقا التصويرية من كل صناديق الصوتِ الموزعة بأرجاء الصالة
ماهذا ؟؟!!! إنه نشيد الوطن ؟؟؟؟
لقد قالو في الإعلان أنها مسرحية كوميدية ..
كيف؟أين؟متى؟لماذا ؟؟!
تساؤلاتٌ تضجّ بعقول الحاضرين ..لكنه تفكير صامتْ ..ودون أن يجرأ أحدهم بتحريكِ شفتيه
الآن عليهم الوقوف فقط والاستعداد للتصفيق .
يقف الجميع ..عدا الصف الأول ومايليهْ
لا أحد يعلم ماذا يدور هناك .فعمالقة عادٍ يغطون المشهد ..
ولولا دخان السيجار الكوبي والغليون لبصم الجميع أن الصف الأمامي خالٍ تماماً
تصفيق حار ،يستمر حتى تبدل النظارات السوداء وجهتها من البحلقة بالحضور لتتجه نحو خشبة المسرح
يخرج أول الممثلين ..لاينحني للحضور كما هيَ العادة ..
بل ينزل للصف الأول ..ويقبل يدَ أطال الله عمره..ويعود أدراجه
كذاك يفعل الثاني ..والثالث ..والعاشر ..حتى تلك التي اشترت الدور ..تقبل يدهُ وتعود
ومازال الحضور ينتظر..
يعود الممثلون للمسرح ..يشبكون أيديهم بأيدي بعض ..هل سيدبكون؟؟لالالا
الدبكة تختلف عن الهتاف بحركة فقط ..فتلك أيدِ متشابكة تحت ..وهذهِ أيدِ متشابكة فوق
ويصرخون بصوتٍ واحد ((بالروح ..بالدم ..بالروح ..بالدم ))
ومازال الحضور ينتظر
تدور خشبة المسرح فجأة ..ليظهر منبر عظيم ..خلفهُ صورة كبيرة لأطال الله بقاءه
يعتلي المخرج هذا المنبر،ويبدأ بالحديث عن إنجازاتِ هذا الصنديد
مواقفه،حزمه،صموده وتصديه
الأضواء كلها تُضاء فوق رؤوس الحضور ..أما الصف الأول ومايليه ظلامٌ دامس
ولولا دخان السيجار الكوبي والغليون ..لبصم الجميع أنهما خاليان تماماً
ويتابع المخرج ويطيل الحديث ..يطيل ..يطيل ويطيل.
لايتوقف إلا عندما يدير عمالقة عادٍ وجوههم نحو الجمهور ليبدأ التصفيق
عندما بدأ المخرج بالحديث عن ثورةِ أطال الله عمرَه وعمرَ أحفادهِ ..يتململ ذلك الشاب الجالس بالزاوية المهملة من الصالة
ويضع يده بجيب سترتهِ ليخرج سيجارة ويده الأخرى تبحث بجيبِ بنطالهِ عن الولاعة
وما إن يصدر صوتها ..حتى تطفأ الأضواء المسلطة على الجماهير فجأة
ويسلط الضوء على الصف الأمامي ليظهر الرجل الخمسيني متوشحاً بعلمِ الوطن فوق كتفيهِ
رافعاً كلتا يديهِ ..فارجاً أصبعيه الوسطى والسبابة ..منادياً
النصر للوطن ..لا للعملاء والخونة ،لا للعملاء والخونة
\\
جهة المكيف المعطل شوهد ذلك المعطف الأسود قد تمرغ بدمِ أحمر قاتم
وعند الزاوية المهملة عشرون جثة أُصيبت جميعها بعياراتٍ جاءت معظمها بالرأس والظهر
وأذنُ يتدلى منها قرطُ يجاوره وجُه شاب لصق فمهُ به
وأشلاء شابٍ مازالت الولاعة بيده
وذاك الصف الأمامي وما يليهِ ..لولادخان السيجار الكوبي والغليون ..لظن الجميع أنهِ خالٍ تماماً
وينتهي العرض .....
__________________
20\3\2011\م
تعليق