مع سبق الإصرار و الترصد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جلال داود
    نائب ملتقى فنون النثر
    • 06-02-2011
    • 3893

    مع سبق الإصرار و الترصد

    أختي العزيزة :
    قبلاتي لك و لكل أفراد الأسرة.
    أكتب إليك و أنا لا زلت ألزم السرير ، أداعب أصابع فلذة كبدي ( فواز ) ،، ثم أعود للكتابة مرة أخرى و كأنه يلهمني الكتابة.
    يشبهني كثيراً ،، هكذا يقولون.
    أعذريني أختي العزيزة.
    أعرف أنك غاضبة مني لأسباب كثيرة ، فأعذريني أولا لأني لم أكتب لك منذ سفري مع زوجي .
    و أظنك تعرفين السبب.
    و أعذريني لأنني أسْمَعْتك كلاماً جارحاً عند زواجي.
    أعرف طيبة قلبك و حبك لي و أعرف أن قلبك لا يحمل حقداً على أحد.
    أختي الحبيبة :
    تعلمين تماماً أنه عندما أصر الوالد على أن أتزوج من هذا الشاب الذي إختاره هو ، جن جنوني
    و قاومت بكل وسيلة متاحة لي ، تذكرين تماماً الوقائع و الأحداث و لا داعي لذكرها هنا.
    فأبي أراده صاحب وظيفة مرموقة و من أسرة عريقة و أن يكون على خلق.
    تنطبق عليه كثير من هذه المواصفات ،، و لكنني بكل بساطة لم أحبه ،، لأنه يختلف تماماً عن ما رسمته في مخيلتي.
    مقاومتي كانت كبيرة و شرسة ،، أليس كذلك ؟
    لذا فقد إستعمل أبي ذلك السلاح الذي قطع به كل حبالي التي أتشبث بها ،،
    و أغلق أمامي كل طريق ، و سد كل المنافذ حين قال :
    (على الطلاق تتزوجيه .. و لو ما تزوجتيه لا إنت بنتي و لا أعرفك ).
    ماذا أقول بعدها ، متاهة لا قرار لها.
    وافقته أمي كعادتها و لكن بصمت مطبق ، محتارة بيننا.
    أختي العزيزة :
    لقد أسمعتك كلاما جارحاً لأنك وقفت مع أبي ضدي و جاريت أبي في إصراره، لذا قلت لك : لم لا تتزوجيه أنت ؟
    و أنا أعلم أنك وقتها كنت مخطوبة لآخر ،، أعذريني أختي ،، كلمة جارحة خرجت من قلب مجروح.
    ثم ماذا ؟؟ هل تريدين أن أخبرك كيف سارت حياتي بعد وصولي إلى مكان عمله هنا بالغربة ؟؟
    أعلم أن زوجي كان يعرف رفضي القاطع له ،، فلماذا أَصَرَّ إذن على الإقتران بي؟؟
    هل هو مجرد إمتلاك أنثى ؟
    يريد فتاة جميلة تلد له الأطفال ؟ اذن لم لا يختار أي أنثى ولودة ودودة والسلام؟
    تساءلت كثيراً عن هذا و تزاحمتْ الأسئلة في رأسي و لكنني لم أجد الإجابة الشافية لأي منها ،،
    هل هو من النوع الذي لا يعترف برأى الفتاة ؟
    هل هو من ذلك الطراز العتيق في لبوس رجل متمدن متعلم ؟
    خفت كثيراً من إنتقامه مني بعد الزواج ،،
    و لكنني فوجئت بمعاملة كريمة لدرجة أنني شككت في أمره ،، فقلت ربما يريدني أن أركن إلى الإطمئنان قبل ذبحي بمعاملة إنتقامية لاحقة تجعلني أهرب أو أنتحر أو يصيبني الجنون في هذه الغربة.
    و لكنه كان يوماً بعد يوم يزداد رقة و ينساب لسانه بكلام يذيب الحجر .
    طلباتي أوامر .
    لا يغضب مهما فعلت أو قلت .
    يتحاشى إزعاجي فيتسلل إلى الفراش بهدوء يدب كدبيب النمل إن تناومتُ .
    يصمت إن تجاهلت الرد عليه .
    يأتي محملاً بأكل المطاعم إن عرف أنني لم أطبخ بسبب أو دون سبب .
    يهرول بملابسنا للمغسلة .
    أتمارض ، فيقوم بأعمال البيت دون كلل أو ملل.
    خفت يا أختي من هذه المعاملة.
    خوف لا مبرر له أليس كذلك ؟ و لكنني خفت.
    قلت ربما هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ،، أو التنويم في العسل ثم تبدأ لسعات النحل.
    فقررت يا أختي أن أختبر تصرفاته ، أو بالأصح أختبر غيرته.
    لبينا دعوة عرس ، و في الحفل تعمدتُ أن أتحدث مطولاً مع شباب لا أعرفهم و أضحك بأعلى صوتي ، رآني أكثر من مرة ، و لكنه لم يطرف له جفن ولم يقطب جبيناً.
    رجعنا للبيت و أنا جاهزة لمعركة حتمية تنتهي بالضرب أو الطلاق و لكنه لم يسألني حتى عن هؤلاء الشباب.
    إنتابتني فورة غضب ،، قلت له :
    ألم تلاحظ شيئاً في الحفل ؟
    قال بهدوءه القاتل : نعم لاحظت.
    فغرت فمي من الدهشة ،، إذن رأى كل شيء و لكنه لا يهتم؟
    إذن هو في سبيل الإحتفاظ بي لا يبالي ؟
    و لكنه فاجأني بهدوء ، و قال بكل ثقة :
    رأيتك تحادثين شباباً و أنا واثق أنك لا تعرفينهم و أنا لا أعرفهم ،، كل مافي الأمـر أنني أعـرف أنني أثق بزوجتي و أعرف أنها يهمها كرامتها وشـرفها لذا لن أخاف عليها و لو كانت وسط غابة من الرجال.
    صـفعني بهذه الكـلمات ،،
    كنت أريده أن يثور و يركـلني و يسحبني من شعري إلى خارج البيت.
    و لكن اللئيم ربما عرف مناورتي ،، فجرّعني دواءاً من جنس الداء.
    توالت الأيام أختي العزيزة و أنا أتفنن في تجاهله ،، و هو يزداد في إكرامي بإفراط لا يصدق.
    أتحدث في الهاتف بالساعات ، فلا يسألني عن سبب إنشغال الهاتف.
    أتعطر و أتهندم و أخرج لزيارة جاراتي ، فيعود للبيت ، فيدخل إلى المطبخ و يعد طعامه و يأكل ، و أعود فيسألني إن كنت قد أمضيت وقتاً ممتعاً.
    فأصاب بخيبة أمل كبيرة.
    كل ما حدثتك عنه شيء ، و ما حدث بعد الحمل شيء آخر.
    عندما أحسست بالحمل و بدأتْ متاعبه ، جن جنونه يومها و إقتادني مترفقاً ولهاناً كأن التي معه تحفة غالية من الكريستال ، كاد أن يحملني من على الأرض حملاً.
    و عندما عرف من الطبيب خبر الحمل ، كاد أن يقبلني أمام الطبيب والممرضات لولا أن أشحت بوجهي المحمر خجلاً.
    طوال أشهر الحمل ، و هو يتغيب عن عمله أكثر من مرة في اليوم .
    و يسألني عن ما تشتهيه نفسي ، فأكابر و أقول : لا شيء. لا أريد شيئاً.
    كنت لا أطيق سماع صوته ،، فحبست نفسي في غرفتي لا أخرج إلا لحاجة ضرورية أو إن عضني الجوع ،،
    و المسـكين يروح و يجيء طوال الليل بين غرفتي و الصالون حيث ينام.
    يأتي يومياً محملاً بما لذ و طاب ،، أناكفه فأقول لا أريد شيئا ،، و ما أن يخرج حتى ألتهم بسرعة ما تشتهيه نفسي.
    أعترف أنني كنت رعناء ،، و تصرفت بغباء ،، و لكنه العناد ضد إصرار أبي.
    يوم الـولادة ،، كان كأم العروس ، يدخل و يخرج ثم يـجلس و يقف ،،
    منذ إحساسي بالطلق و حتى ذهابنا للمستشفى ،، كان مذعورا يمسح جبيني بيده و يضغط على يدي و يبتسم لي من خلف قلب وَجِل و خائف و يسألني سؤالاً واحدا :
    إنت كويسة ؟؟ طمنيني أرجوك.
    كنت خائفة ،، تمر من أمام عيني صورة أمي و أبي و إخوتي ،، مرتْ حياتي معه كشريط سينمائي ، وقتها ..
    طغتْ على روحي سحابة من ندم عظيمة ..
    ندمتُ يا أختي ،،
    و الله ندمت ،
    وددت لو قلت له سامحني ،،
    وددت أن أطوقه بكلتا يدى و أطلب منه السماح ،،
    إمتلأتْ عيناى بالدموع حتى حجبته عني ،،،،
    و لكنني لأول مرة أشعر بأن بجانبي رجل يمكن أن أستند عليه و أن أعتمد عليه.
    رجل يخاف علي خوفاً حقيقياً يعادل خوف الوالدين.
    رجل يحيطني بظلال من الطمأنينة دون أن ينتظر حتى إبتسامة مجاملة.
    لم يجد مني غير الإذلال ،، حتى سـخـر منه كل معـارفنا و جيراننا.
    عرفت الآن يا أختي أنه كان متشــبثاً بحبه متين الأركان ،،
    و أصدقك القول ،، أنني ناديته بأســمه لأول مرة منذ زواجنا و أنا أدخل غرفة الولادة ،،
    فأسرع نحوي و كأنه وجد كنزاً ،، متهلل الوجه تعلوه إبتسامة رضا كبيرة ،،
    و أحاط يدي بكلتا يديه و لثم جبيني أحسســت بحرارتها تقتل الألم الذي أحس به و تذيب خوفي و تحيطني بطمأنينة وارفة.
    و عـندما أفقتُ ،، وجدته يجلس بـجانبي ينظر إلي بحنان ،، و قال :
    يشبهك كثيراً فواز
    لم أعترض على الإسم ،، فقد إختار إسما ينطبق على حالته ،، فقد فاز بي ،، فاز بحبي.
    فواز ملأ على حياتي.
    أحادثه الى أن يعود زوجي.
    أختي العزيزة :
    هناك أمر يقلقني الآن.
    أحس إحساساً غريباً بدأ يدب في كياني ،، فأرتعش رعباً.
    أحس و كأن مشاعره قد فترتْ.
    لم يعد متلهفاً.
    شيء ما إنكسر في نفسه و في دواخله.
    لا يتحدث معي ،، يتحرك بآلية ،، و يرد فقط على أسئلتي.
    لم يعد ذلك المملوء شغفاً و شوقاً.
    يا خوفي أختي العزيزة أن أفقد حبه حينما دخل قلبي.
    هل تُراني واهمة ؟
    أم أتراه أدمن تمردي و جموحي و صدودي ؟
    أنا خائفة أختي العزيزة ،، أرجوك أكتبي لي

    أختك : أم فواز

    ***
    جلال داود ( ابو جهينة ) الرياض
  • جلال داود
    نائب ملتقى فنون النثر
    • 06-02-2011
    • 3893

    #2
    هناك أمر يقلقني الآن.
    أحس إحساساً غريباً بدأ يدب في كياني ،، فأرتعش رعباً.

    أحس و كأن مشاعره قد فترتْ.
    لم يعد متلهفاً.
    شيء ما إنكسر في نفسه و في دواخله.
    لا يتحدث معي ،، يتحرك بآلية ،، و يرد فقط على أسئلتي.
    لم يعد ذلك المملوء شغفاً و شوقاً.
    يا خوفي أختي العزيزة أن أفقد حبه حينما دخل قلبي.
    هل تُراني واهمة ؟
    أم أتراه أدمن تمردي و جموحي و صدودي ؟

    تعليق

    يعمل...
    X