تموجات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العربي الثابت
    أديب وكاتب
    • 19-09-2009
    • 815

    تموجات


    يخترق أزقة المدينة العتيقة هاربا من روائح البطاطا المقلية والحلويات ودخان السجائر..
    يسرع نحو مسكنه..
    هواء المدينة القديمة فاسد مقزز، دورها جاثمة على برك من مياه الصرف ،تنفجر قنواتها فتبعث في هواء المدينة روائح كريهة...تستفزه ..تحتقر وجوده.
    وحين تنتهي به خطوته الأخيرة عند حافة سريره يستلقي في صمت يحاول دوما أن يكرسه رغم ضجيج الجيران والأطفال الذين يملأ ون الطرقات ..يحكم إغلاق النوافذ ليصنع لحظة من ظلام ، ينير مصباحا جانبيا خافت الشعلة،
    ويترك لنصف عينيه حرية الحركة بين ألوان جدران الغرفة التي اختارها بحرص شديد ومددها بفرشاته، فصارت بهذا الشكل المتموج الذي يترك في النفس قبسا من أمل وباقة من فرح...
    كان يحب النوافذ فصار يكرهها ، يطل من شبابيكها على قاذورات الحي ونفاياته التي لم يتعلم السكان بعد كيفية التخلص منها،
    يرعبه القهر الذي يشع من عيون الواقفين دوما على الرصيف ،والجالسين على بلاطاته يستجدون...
    روائح الدجاج المشوي تحت نظرات الجياع، تتسلق الفضاء لتجتاح شباكه ...لذلك ولأشياء أخرى قرر أن يبقي الشباك مغلقا هروبا من لوحات وألوان لا يحب أن يراها ...
    هذه لحظته في اليوم كله..
    يتملص من ملابسه الرسمية ...ينشر جسده الضخم على السريرليحادث ألوان الجدران..
    بعض رسوماته كانت لنبتات طبيعية..
    كان يجردها من شكلها الطبيعي حتى لا تعطي إحساسا بالذبول والفناء ..
    يحورها في أشكال هندسية يبتدعها فتعطي الشعور بالبقاء والخلود..
    ينطلق بروحه نحو أفاق يرسمها فتتسع له ،
    لا شيء له من زمانه غير هذه الغفوة بالضبط ،ينخرط بعدها في يوم جديد بملفات قديمة..
    وهذا ما يحزنه على الدوام..
    موجة الألوان التي أحبها تنسكب بعذوبة يستسلم لها فتأخذه نحوشاطيء السعادة التي سعى وراءها
    فيتم كل شيء في هداة السكون
    فيرى نفسه بين الذين يمشون في النور ويرون النور ،يتأكد من أن حالهم أفضل...
    تأكد من ذلك حد اليقين،
    هم ليسوا كهؤلاء العميان الذين يسوقهم أعمى
    يتحركون ويسقطون دون أن تحس بهم الأرض،
    ثم يتصايحون: صبرا .. صبرا
    يتمالكون أنفسهم ،وينفضون بعض التراب عن ملابسهم وينهضون
    ..يواصلون مسيرتهم في الظلام،وهم يدركون أنهم ليسوا في حاجة لأعين في الظلام.
    يستلقي..يعيش لحظات انتظار عذبة مفعمة بإيحاءات وإلهامات يمتزج فيها الشعر واللون..يندمج مع ذاته.. وعلى الجدران الملونة تنفجر فقاقيع الضوء وتتشكل وعلا قويا يتراجع إلى الوراء رافعا رأسه لينطح أغرابا يقفون في طريقه..
    تتجمع الألوان في عينيه ثانية تتماوج ..تتشكل في صورة عينين يعرفهما تماما لا تتحولان عنه ،تتلاصق النظرات فلا يمكنه أن يحول عينيه عن عينيها، يسري في وجدانه خدر خفيف يشتت انتباهه إلى الابتسامة التي تشكلت على الجدار الغربي وهو لا يدري هل ستفتر هذه البسمة عن حب أم قسوة؟هل هي ابتسامة أنثاه الخالدة التي تجذبه إليها، أم هي ابتسامة نمرة متربصة تعشق الأشلاء والدم..
    ..
    بشفتين ترتسم عليهما بسمة الشهيد...يغمض عينيه ،يغيب قليلا في تلافيف حلمه الجميل.
    لكنه استيقظ فجأة.. أحس بشيء يولد في دواخله..صار أكثر نشاطا وخفة وتجرأ أن يفتح الشباك فصفعته ريح باردة وغريبة،
    أطل برأسه، فتح عينيه على اتساعهما،باغتته الحارة التي سرقت ألوان غرفته..وتوهجت بها ،ففاضت نبضات الحياة وتوتراتها الخلاقة على جنباتها ،
    تفاعل فيهاالوهج الساطع في الفضاء الذي بدا أكثر نقاء عن ذي قبل...
    وحين عاد لفنجان قهوته الذي نسيه على النار،كان الهدير قد بلغ مسمعه،

    ترك كل الأشياء، القهوة والألوان وبذلة العمل ونزل حافيا إلى ساحة الحارة ،سبقته أحلامه التي تمردت على الجدار وطارت كحمائم أتعبها الأسرفي غابة ليست لها،
    انضم إلى الجموع...فصار صوته أقوى:
    - الشعب يريد....

    التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 27-03-2011, 13:49.
    اذا كان العبور الزاميا ....
    فمن الاجمل ان تعبر باسما....
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    كانت ثورة على الذّات في أجلّ معانيها،هذه الذّات المنطفئة المنكفئة على أحزانها و التي فقدت الأمل في الانفلات من الأسر و من أغلال الحالة الخانقة الواحدة.
    لم يختر الانزواء ،الخيارات هي التي كانت منعدمة تماما،و سيق للغربة ظنّا منه بأنّه فضّل ذلك.
    ثمّ بعد ذلك ثار مع الثّائرين و غطّى صوته أصواتهم،سأما و حبّا في تغيير المصير الواحد و تخليدا لزهوره بالفعل لا بالشّكل هذه المرّة.

    و أراني حقيقة لم أقل شيئا بشأن النصّ أستاذي الأديب العربي الثّابت.
    شكرا لك على على ما قدّمته هنا من أجنحة.
    مودّتي و تقديري لك.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • عبد المجيد التباع
      أديب وكاتب
      • 23-03-2011
      • 839

      #3
      قصة تناولت تلك اللحظة المظلمة التي كان المثقف/الساخط المتألم، يعيشها وتخنق أنفاسه، وتلك اللحظة المنيرة التي أتت بغثة لتصنع طفرة تاريخية.
      في نص خصيب..
      دمت قلما يشع نورا وإبداعا .أستاذ العربي التابت.

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        تموجات أحببت لو أتت غير منفصلة
        بل متلاحمة مع الحدث ، لنرى الموضوعي
        من خلال الطرح ، و الهاجس أو الثورة داخل الصدرور
        قبل أن تكون فى الميدان !!

        نعم كان .. و ظل يغلق الشباك لنيف من عمر
        حتى ترددت الأصوات ، دون أن يوميء لنا
        بثورة داخلية ، و إن ظهرت بوادرها
        ثم تشرق الشمس .. ربما على غفلة ،
        و هذا غير مقبول ، لأن لكل حدث شواهد
        و روائح تظهر قبل أن تتأكد حقيقته .. منها
        ما هو معلن .. ومنها ما هو موجود بحكم التراكم
        و منها ما أصبح نتيجة لذلك !!

        منذ وقت طويل لم تصافح عينى كلماتك الحبيبة
        ألا بك أخي الجميل
        و عود أحمد مع ثورة الياسمين
        و ثورة التحرير
        و مجمل ثورات العرب التى تبحث عن وجودها
        عن الحرية التى خلق الله !

        محبتي
        sigpic

        تعليق

        • العربي الثابت
          أديب وكاتب
          • 19-09-2009
          • 815

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
          كانت ثورة على الذّات في أجلّ معانيها،هذه الذّات المنطفئة المنكفئة على أحزانها و التي فقدت الأمل في الانفلات من الأسر و من أغلال الحالة الخانقة الواحدة.
          لم يختر الانزواء ،الخيارات هي التي كانت منعدمة تماما،و سيق للغربة ظنّا منه بأنّه فضّل ذلك.
          ثمّ بعد ذلك ثار مع الثّائرين و غطّى صوته أصواتهم،سأما و حبّا في تغيير المصير الواحد و تخليدا لزهوره بالفعل لا بالشّكل هذه المرّة.

          و أراني حقيقة لم أقل شيئا بشأن النصّ أستاذي الأديب العربي الثّابت.
          شكرا لك على على ما قدّمته هنا من أجنحة.
          مودّتي و تقديري لك.
          أخي الطيب محمد فطومي...
          أسعدني كثيرا انك هنابكل هذه الرقة واللطف.
          قراءتك أستاذي كانت في عمق الحدث ،تلمست الجرح وتفاصيله الدقيقة ،
          أشكرك أستاذي الجميل..
          محبتي وتقديري الأكيدين...
          اذا كان العبور الزاميا ....
          فمن الاجمل ان تعبر باسما....

          تعليق

          • العربي الثابت
            أديب وكاتب
            • 19-09-2009
            • 815

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عبد المجيد التباع مشاهدة المشاركة
            قصة تناولت تلك اللحظة المظلمة التي كان المثقف/الساخط المتألم، يعيشها وتخنق أنفاسه، وتلك اللحظة المنيرة التي أتت بغثة لتصنع طفرة تاريخية.
            في نص خصيب..
            دمت قلما يشع نورا وإبداعا .أستاذ العربي التابت.
            أستاذي الطيب عبد المجيد التباع..
            أسعد لكوني أصافحك هنا ربما للمرة الأولى،
            فعلا كان النص عبارة عن مخاض لحدث طال انتظاره، ومع تراكم اليأس والقهر نسيناه أو تناسيناه حتى باغتنا في صبيحة ذلك اليوم الجميل...
            كل المحبة والتقدير لك أخي العزيز...
            اذا كان العبور الزاميا ....
            فمن الاجمل ان تعبر باسما....

            تعليق

            • العربي الثابت
              أديب وكاتب
              • 19-09-2009
              • 815

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
              تموجات أحببت لو أتت غير منفصلة
              بل متلاحمة مع الحدث ، لنرى الموضوعي
              من خلال الطرح ، و الهاجس أو الثورة داخل الصدرور
              قبل أن تكون فى الميدان !!

              نعم كان .. و ظل يغلق الشباك لنيف من عمر
              حتى ترددت الأصوات ، دون أن يوميء لنا
              بثورة داخلية ، و إن ظهرت بوادرها
              ثم تشرق الشمس .. ربما على غفلة ،
              و هذا غير مقبول ، لأن لكل حدث شواهد
              و روائح تظهر قبل أن تتأكد حقيقته .. منها
              ما هو معلن .. ومنها ما هو موجود بحكم التراكم
              و منها ما أصبح نتيجة لذلك !!

              منذ وقت طويل لم تصافح عينى كلماتك الحبيبة
              ألا بك أخي الجميل
              و عود أحمد مع ثورة الياسمين
              و ثورة التحرير
              و مجمل ثورات العرب التى تبحث عن وجودها
              عن الحرية التى خلق الله !

              محبتي
              ا


              أخي الفاضل ربيع ...
              تأخرت في الرد على مداخلتك لأسباب تقنية...كتبتها اكثر من مرة لكنها لا تجد طريقا الى النشر.
              فصلت النص عن مجرياته لأصور واقعا من التردي والإحباط والتقوقع وهو الذي كان سائدا قبل الثورة العظيمة في مصر...لكونها باغتت أعتى المحللين شرقا وغربا وأصابت العالم كله با رتباك شديد...وهي تمحو عن الوجه العربي ملامح الدونية والخنوع والتخلف..ليظهر اكثر اشراقا وجاذبية..
              قبل الثورة كانت احلامنا مندسة في ثنايا الروح كل يعايشها في سأم ويأس قاتل...دون ان يظهر في الأفق بصيص من أمل...
              والحقيقة ان ثورة 25 يناير أعجزت كل اللغات الإبداعية عن الإحاطة بكل هذا الزخم الذي ولدته من بطن قالوا وقلنا عنها انها عاقر...فكانت المفاجأة باهرة تقترب من ميلاد المسيح لأم لم يمسسها بشر...وتستحق بذلك ان تكون بداية لتاريخ انساني جديد على وجه الأرض....
              تفضل اخي الكريم بقبول آيات المحبة والتقدير...
              وعاشت الثورة...
              اخوك العربي
              التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 04-04-2011, 18:09.
              اذا كان العبور الزاميا ....
              فمن الاجمل ان تعبر باسما....

              تعليق

              يعمل...
              X