غريب أنا ..... محمد الخضور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    غريب أنا ..... محمد الخضور

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    غريب أنا......

    الشاعر محمد الخضور


    غريبٌ أنا ، ، ،
    أشْبِهُ هذي التلالَ
    التي تُطلّ
    على فرحتي القادمة



    أحب الضبابَ الذي
    يصعدُ من آخرِ الأرضِ
    حتى النوافذ



    يقول لشرفتي الذابلة
    أكثري منَ الوردِ
    سأسقط ماءً
    لو راودتْني الزهورْ



    غريبٌ أنا ،، ،
    أشْبِهُ هذي النجومَ
    التي تُدركُ النورَ
    عندَ الغروبْ



    في الحلمِ
    أفرحُ حدّ البكاءْ
    تكونُ الدروبُ بعيدةً
    كالسماءْ



    أسيرُ على أيدربٍ
    لا فرقَ في الحلمِ
    بين الدروبْ



    أغني وألعبُ
    مثل الفراشاتِ
    أسافرُ كالنسمةِ التائهة
    أدندنُ كالنحلِ
    أشربُ كل الهواءِ
    المحاصرِ
    بيني وبين التلالْ



    وأنسى ، ، ،
    بأني سأصحو
    إذا ما لمستُ جدارًا
    أو إذا ، ، ،
    أذهلتني السماءُ
    بزخ المطرْ



    غريبٌ أنا ،، ،
    كهذا الخريفِ المؤقتِ



    يبعثر ما أنشأ الغصنُ
    من أمنياتْ
    كي يعيدَ الوريقاتِ
    إلى أمها الأرضِ
    سمادا جديدا



    غريبٌ ، ،،
    أنامُ مع الليلِ
    بنفسِ الإناءْ

    لا تسعفني المرايا
    حين تضيعُ ملامحي
    في الطريقِ



    ولا أعرفُ كيف
    تعثرُ عقاربُ الساعةِ
    على الفجرِ
    في دورانِها
    حولَ نفسِ الفراغْ



    غريبة مثلي
    مواسمُ الشتاءْ
    تحط فوقَ كاهل الترابْ



    تُتلفُ الأشجارَ
    في المناقلْ

    وتمنحُ البذورَ
    جرعة من ماءْ



    غريبةٌ
    هي الأمنياتُ
    تظل بعيدةً كالمسافاتِ
    تصدّو تُبدي
    تحلقُ فوق التلالِ



    فَتُنسى ، ،،
    وتُنسى ، ، ،
    وتَحضرُ بعد الأوانِ
    تؤبنُ ما ضاعَ خلفَها
    من الوقتِ
    والذكرياتْ



    غريبُ أنا ،، ،
    أشْبِهُ هذي التلالَ
    التي تحجزُ
    عن أعينِ العابرينَ
    ما خلفها
    من بلادٍ
    وما تحتها من جمارْ



    وحيدٌ ، ،،
    وأمتعتي قليلة
    فوق ظهري



    جاهزٌ للذهابِ
    طليقٌ
    أسيرُ بأي اتجاهٍ
    لا أعرفُ - مثل القطارات -
    طريقَا وحيدًا



    لا طوقَ يأسُرُني
    ليحميني من الغرقِ



    لا تمتلكُني المدينة
    لا أسمعُ ما يقولُ الضجيجُ
    هناكَ
    تحتَ لوحاتِ الشوارعْ



    وحيدٌ ، ، ،
    على الشرفة القاحلة
    أجالسُ نفسي
    وفنجانَ قهوتي
    والقصيدة



    غريبٌ أنا ،، ،
    وكل الشوارعِ
    حولي ، ، ،
    غريبة . . !

  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2
    قـــــــــراءة لقصيــــــــدة


    غريــــــب أنــــــا ……
    للشـــــــاعر
    محمـــــد الخضــــــــور


    الصمت فينا يتكلم و يفصح عن مخزون الذاكرة و الحواس التي تختزل كل ما في الوجود من جمال منعش أو ألم محزن .تتوقف الكلمة على الشفاه من خوفها علينا أو ربما من خوفنا منها و ما يمكن أن تفصح عنه من ألم ووجع يسكن أعماقنا و تحركه الأحداث, الأزمات الاجتماعية أو النفسية التي نمر بها . نسبح في بحر الحياة بكل مكوناتها الثقافية و السياسية و الوجدانية و التي هي عالمنا الداخلى ,يتجاوز إدراكنا الواعي ليكون له خصوصيته الذاتية , يستعصي علينا التوصل إلى كنهها و إدراك تفاصيلها و لكننا نعيش إرهاصاتها . ما نشاهده هو قمة جبل الجليد وهو ما يطفوا على ملامحنا أو ما تختزله الكلمات و هي الحمالة للألم و الأمل للحزن و السعادة .تكون حياتنا مليئة بالمتناقضات في ظاهرها لكنها في باطنها تتكامل . يعجز الوعي على إدراك هذه المنظومة التكاملية داخلنا نعبر عن وجودها بكلمة , بدمعة , ببسمة , بفرحة أو بصمت مطبق يجعلنا نغوص فيه في محاولة منا لسبر أغواره و التواصل معه بكل ما يكمن فينا من مشاعر لها شفافية الروح و مداد القلم ,و كأنها تكتبنا و تحدثنا بلغة الصمت والذي له أجمل بوح و أرقه و أعذبه رغم الألم أو الحزن الذي يلف وجوده , له أصدق كلمة و أروعها , تتجلى لنا في عالم خال من كل رياء أو كبر ,لأننا وحدنا من يطلع على جمالها و بهائها المطلق في عالم الوجود الإنساني الداخلي , و الذي لا نريد التعرف عليه لأننا نخاف منه أو نستوحش وجودنا فيه, ربما لأنه يذكرنا بالموت أو بفراغ تنعدم فيه الجاذبية الأرضية و مكوناتها و التي هي مناط الفكر المادي و العقل الإنساني و الذي يتبدى فيه قسوره لتظهر محدوديته لإدراك حقيقة وجود الإنسان و صدق مشاعره و التي هي بحره الداخلي الزاخر بالحياة و بالأمل المشرقة شمسه على سطحه الساكن تارة و الهائج أخرى .
    هكذا يكتب الشعراء قصائدهم .في لحظة صفاء, ينطلقون فيها إلى داخلهم و الذي هو ليس مفصولا عن الإنسانية بصفة عامة, ليتكلم الصمت فيهم يحاورهم ويكون البوح بالكلمة و المشاعر و الأحاسيس و المعاني التي تمتلك وجدانك و كيانك في نفس اللحظة لتعيش في عالم الصمت عالم الكلمة الناطقة فيك بلغة أخرى ربما هي لغة الملائكة أو لغة الكون الذي نراه صامت لكنه زاخر بالحياة و الحركة و التي لا نفقه وجودها لكننا نعيش جمالها و في كثير من الأحيان لا نستطيع التعبير عنها .
    هم الشعراء أحاسيس و مشاعر تأخذك على متن الكلمة و جناح المعنى لتحلق في عالم صمت المشاعر و لتبحر في سكونبحر الشاعر, تتأمل جمال سطحه و روعة الحياة في أعماقه تعيش لحظة حقيقة و صدق, لتتواصل مع عمقه و سطحه في نفس الوقت , تكون القصيدة حقيقة صارخة تعبر عن البعد الإنساني بكل أمله و ألمه, طموحه القاصر, و تطلعاته التي تكسرت أمام حواجز لغة الكلام و فقد التواصل و الإتصال مع الآخر, ليعيش الشاعر حالة من البحث عن النفس وهي في الحقيقة بحث عن الذات و الهوية و حقيقة الوجود في محاولة لإدراك سر الحياة فيه و أسرار الجغرافية و التي تتداخل مع الطبيعة الإنسانية في محاولة تواصل رائعة بين كونين منفصلين و لكنهما في حقيقة الأمر متواصلان متداخلان .
    هكذا وجدت نفسي أغوص في قصيدة غريب أنا..... للشاعر القدير محمد الخضور لأتواجد أمام الكلمة الشاعرة بوجودها, فللبوح صدق و للصمت لغة بليغة تختزلها الكلمات وهي الوجه الآخر للمفردة أو هو معناها و مداه الذي ربما يكون روحها يشف و يرف حولنا دون أن نستطيع التعرف عليه بسهولة لأن له تجل و إشراق على عالم الإدراك في لحظة صفاء يعيشها الشاعر كما القارئ و التي تجعله يتواصل مع نفس اللحظة و نفس التجليات التي انعكست على أرض القصيد و يقول لنا الشاعر وهو يعرف بنفسه :

    غريبٌ أنا ، ، ،

    أشْبِهُ هذي التلالَ
    التي تُطلّ
    على فرحتي القادمة
    غريب أنا .... هكذا تبدأ القصيدة لتطرح الغربة التي يعيشها الشاعر و التي ليست خاصة به كفرد فهو يطرح موضوعا وجوديا من خلال نفسه التي تعيش لحظة الغربة في القصيد و التي لا تشمل جنسه فقط بل هي تشمل التلال على الأرض أيضا لتتشابه معها في غربتها .هناك تواصل بديع يستشعره الشاعر بحساسيته المرهفة بين طبيعة الإنسان و طبيعة الأرض أو ربما هذه الأخيرة تفوقه إدراكا و استشرافا للمستقبل لأنها تطل على فرحته القادمة و التي هي في عالم الغيب ليمني الشاعر النفس بغد أفضل و بأمل له مجيء ليقول لنا:

    أحب الضبابَ الذي

    يصعدُ من آخرِ الأرضِ

    حتى النوافذ
    يقول لشرفتي الذابلة

    أكثري منَ الوردِ
    سأسقط ماءً
    لو راودتْني الزهورْ
    يراود الشاعر الجمال الكامن في الطبيعة و كأنه يريد أن يختزله ليمحو غربته و تأنس به وحدته .حبه للضباب يذكره بضباب داخله يجعله يعيش نفس هذا الإحساس بالغربة و كأنه يريد أن يخترقه أو أن يستمطر مائه حتى يروي عطشه لمعرفة الحالة التي تكتنف وجوده الحائر ليكون لهذا القادم من بعيد جمالا و قطر ندى تراوده الزهور ليحتضنه أريجها . ما يتوق إليه الشاعر من ارتواء للمعرفة و الجمال يراه بخيال الواقع كمشهد طبيعي ترسمه ريشة كلماته لنتعرف على مصدر هذه الغربة و التي هي ليست غربة مكان بقدر ما هي غربة زمان و غربة مشاعر تختزل داخلها منظومة جمالية تستعصي على الشاعر في التعايش معها فتراه يحاول استلهام أسبابها من الطبيعة باستعمال الكلمة ليعبر عن لغة الصمت التي لها معنى و ليس لها مبنى.
    يتعامل الشاعر مع عالم المحسوس ليعبر عن عالم غير مرئي تدركه الروح ولا يدرك مداه العقل لأنه لا يخضع لحيز زماني و لا مكاني و يقول الشاعر:

    غريبٌ أنا ،، ،

    أشْبِهُ هذي النجومَ
    التي تُدركُ النورَ
    عندَ الغروبْ
    تتلاقى غربة الشاعر مع غربة النجوم في السماء فهي تحاكي غربته و كأنه يريد أن يستعير منها بريقها ليضيء عتمة نفسه هكذا يستطيع أن يدرك الأشياء على ضوئها ليروي عطشه لمعرفة سر غربته التي تسكن وجوده الإنساني و تكبل حريته و توقه للإنطلاق.
    النجوم تدرك النور عند الغروب صورة شعرية تعبر عما تتوق إليه نفس الشاعر و كأنه يختزل نفس هذا النور ليشرق على غروب يخيم داخله يرسخ فيه وحشة الغربة
    و ينتقل الشاعر من الغربة إلى ليل الحلم و يقول :

    في الحلمِ

    أفرحُ حدّ البكاءْ
    تكونُ الدروبُ بعيدةً
    كالسماءْ

    أسيرُ على أي دربٍ

    لا فرقَ في الحلمِ
    بين الدروبْ
    يغادر الشاعر ضيق أفق الغربة ليلوذ بالحلم و يتمدد في دروب مداه فيكون في حزنه فرح و خشوع بكاء يحتضنه فراغ حالم أسقط الألم و الحزن من معادلته ليتحرر من هموم أثقلت كاهله و لغت وجود الحركة المقاومة فيه لتسكنه غربة تدفعه للبحث عن هوية الإنسان. يستعير الشاعر من نفسه القيمة و من الطبيعة المفردة المعبرة عن مشاعر ترسم نفسها على لوحة خياله ليكون لها وجود و حس مرهف بالطبيعة الجغرافية و كأنها جزء غير منفصل عن طبيعة الإنسان فللفرح بكاء و للحلم دروب و يقول الشاعر:

    أغني وألعبُ

    مثل الفراشاتِ
    أسافرُ كالنسمةِ التائهة
    أدندنُ كالنحلِ
    أشربُ كل الهواءِ
    المحاصرِ
    بيني وبين التلالْ
    يسترسل الشاعر في الحديث عن حلم يعيشه في طبيعة نفسه و تتفاعل معه مشاعره و حركته على الأرض ليلعب و يلهو و يغني كالفراشات يستعمل الجمع حتى يستطيع أن يقوم بنفس أعمال المجموعة في نفس اللحظة .شعوره بضيق الغربة يجعله يشرب الهواء ليصبح له فضاء داخلي أرحب و كأنه يفك حصارا نفذه إحساسه بالغربة في عالم الكثرة و الذي جعله يلوذ بداخله لتترقبه غربة أخرى تضيق عليه يهرب منها إلى عالم الحلم ليجوب مداه و يتعلق بمفرداته و يسترسل مع همس صمته ليقول:

    وأنسى ، ، ،

    بأني سأصحو
    إذا ما لمستُ جدارًا
    أو إذا ، ، ،
    أذهلتني السماءُ
    بزخ المطرْ
    لا يريد الشاعر أن يستيقظ من هذا الحلم حتى و إن أستوقفه جدار أو غمرته زخات المطر يلزم نفسه بالنسيان حتى تطول لحظات السعادة و إن كانت حلما فهو من هرب إليه و أستحدث وجوده فيه لأنه يعرف بالفطرة أن السعادة موجودة فيه لكن العقل الواعي لم يستوعب وجودها بعد أو ربما هو الذي يجعله يعيشها حتى يعرف حلاوة الأنس بالطبيعة و بما وراءها من أحلام وردية تتوق إليها روحهلكن سرعان ما يتذكر الشاعر حاله و يقول :

    غريبٌ أنا ،، ،

    كهذا الخريفِ المؤقتِ
    يبعثر ماأنشأ الغصنُ

    من أمنياتْ
    كي يعيدَ الوريقاتِ
    إلى أمهاالأرضِ
    سمادا جديدا
    و تظلل سماء الكاتب سحابة خريفية تخرجه من الحلم إلى حال آخر أكثر واقعية و أكثر حزنا فتتبعثر أمنياته كأوراق أشجار الخريف ليقول أنه مؤقت و كأنه يمني النفس بزواله في لحظة ما ليعيش أخرى تشرق فيها شمسه على ليله فللغصن أمنيات مورقة في نفس الشاعر تسقط على أرضه لتكون سمادا يعطي حياة جديدة للشجرة .
    للشاعر وعي بدورة الوجود تمتد من أعماقه لتتواصل مع الطبيعة و كأنه أرض و أشجار أفكار و أمنيات تولد فيه, تورق و تخضر, لتسقط و تحتويها الأرض من جديد وتعود لها الحياة لتتجدد فيه الأمنيات و الأفكار. رحلة وجود اختزلتها ريشة الشاعر و رسمتها يد فنان الكلمة على أرض القصيد لتجسد لنا حقيقة طمس معالمها خيال الهوى ليئدها و يستمر الوعي بوجود الإنسان الفاعل غاف فينا .
    حلم و يقظة يجيد الشاعر التعامل معهما بحرفية عالية و كأنه يتدارك أمره بالخيال و الصورة ليتعرف على حقيقته و يتواصل مع هويته الإنسانية الوجودية و يقول الشاعر:

    غريبٌ ، ،،

    أنامُ مع الليلِ
    بنفسِ الإناءْ

    لا تسعفني المرايا

    حين تضيعُ ملامحي
    في الطريقِ

    ولا أعرفُ كيف

    تعثرُ عقاربُ الساعةِ
    على الفجرِ
    في دورانِها
    حولَ نفسِ الفراغْ
    القصيدة تشعرنا و كأننا في دائرة تنغلق على الشاعر لتنفتح و تتمدد في فضاء أرحب لكن سرعان ما تضيق حلاقاتها لتطبق عليه حصارها من جديد ليكون كبحر يعيش المد و الجزر, سكون أمواج و حراك هائج ,هي أحوال تعتري الشاعر لتجعله على أرجوحة الحرف و الكلمة , تارة يكون فضاءه سماء , و أخرى بساطه أرض و ضيق أفق , فللغربة أحكامها و مفرداتها التي يتعامل معها الشاعر ليفصح عن ما يختلج في بحر مشاعر تنتفض لضيق يخنقها لتتجدد فيها الحياة و تستلهم وجودها من كلمات أخرى لها آفاق أوسع .
    غربة الشاعر و الليل , يحتضنهما نفس الإناء ليكونا كخليلين جمعهما فقد شمس النهار المشرقة على الوجود و الفكر, فللظلمة أحكامها الطامسة للملامح الإنسانية بكل تفاصيلها المادية و المعنوية . تتجلى لخيال الشاعر حيرة ليطرح سؤال: كيف تعثر عقارب الساعة على الفجر؟ صورة رائعة لنظرة فلسفية لدورة الزمان و كأن الساعة هي التي تحدد زمان الإنسان و ليس الفجر وشروقه و غياب شمسه هما اللذان يحددان وقع زمان الأرض حتى يستطيع العقل أن يحدد مكان التاريخ على أرض الجغرافيا .
    يتطرق الشاعر للحديث عن الفراغ الأزلي و الذي ليس له حد و لا مدى بل هو إمتداد لا يخضع لضوابط و ليس له حيز ثم يخرج من العالم المعقول و المحدود إلى آخر غير محدود لا يستوعبه العقل الواعي ..... فهل الفراغ هو حقا فراغ ؟ سؤال يطرحه القصيد بإيحاء من الشاعر ليقول:

    غريبة مثلي

    مواسمُ الشتاءْ
    تحط فوقَ كاهل الترابْ

    تُتلفُ الأشجارَ

    في المناقلْ
    وتمنحُ البذورَ

    جرعة من ماءْ
    يتنقل الشاعر بين فصول السنة في الطبيعة و كأنها تعيش داخله لتختزل مشاعره تتقلب فيه كأحواله التي لا تستقر تسكن لتعود إليها الحركة و كأنها تنجز دورة الليل و النهار و دورة الفصول فيه لتحكي لنا تقلب طبيعته الحائرة بين سؤال و آخر بين معنى و نقيضه و كلمة و رديفتها .تكون لمواسم الشتاء غربة كغربة الشاعر و ماء تمنحه لبذور تتوق للحياة..... فمن يقدم لهذه الغربة جرعة فرات تروي عطشه ؟ فللشتاء ثقل يتعب كاهل الأرض كما للشاعر حزن و غربة تثقل كاهله وهو المسافر في رحاب الكلمة يبحث عن هوية تفك حصارا أضنى مشاعره و يقول :

    غريبةٌ

    هي الأمنياتُ
    تظل بعيدةً كالمسافاتِ
    تصدّ وتُبدي
    تحلقُ فوق التلالِ

    فَتُنسى ، ،،

    وتُنسى ، ، ،
    وتَحضرُ بعدالأوانِ
    تؤبنُ ما ضاعَ خلفَها
    من الوقتِ
    والذكرياتْ
    يعود الشاعر إلى أمنيات غربته و كأنها فقدت توازنها فضاع منها الطريق و يتيه معها الشاعر وهو الذي نسج مفرداتها , أراد تحقيقها على أرضه التواقة للترحال من حال إلى آخر و من وجود غريب إلى آخر أكثر أنسا بالطبيعة و التي تصبح خليلته التي يتخلل حبها وجدانه ليتشبه بها حد التطابق . تغادر الأمنيات الشاعر لتحلق في سمائه ويكتشف أنه نسيها و أنها رجعت لتؤبن ما ضاع منها في زحمة مفردات الذكريات و يسترسل الشاعر في وصف غربته:

    غريبُ أنا ،، ،

    أشْبِهُ هذي التلالَ
    التي تحجزُ
    عن أعينِ العابرينَ
    ما خلفها
    من بلادٍ
    وما تحتها من جمارْ
    يعود الشاعر ليقف على تلال و كأنها حاجز نفسه , تخفي ورائها ما تخفيه من عابري سبيل لهم مشارب شتى و أهواء متداخلة و هي التي تحتها جمار توقد جذوة انفعالها و تفاعلها مع الأحداث التي تضبط إيقاع وتوازن حال الشاعر. تصطحب غربته وحدة يثقل وزنها ليخف وزن أمتعته قبل الرحيل و يقول :

    وحيدٌ ، ،،

    وأمتعتي قليلة
    فوق ظهري

    جاهزٌ للذهابِ

    طليقٌ
    أسيرُ بأي اتجاهٍ
    لا أعرفُ - مثل القطارات -
    طريقَا وحيدًا

    لا طوقَ يأسُرُني

    ليحميني من الغرقِ
    غربة الشاعر تنتهي بحلول أوان الرحيل إلى أي إتجاه يسير ؟ لا يعرف أين سيكون المستقر و لا أي قطار يركب يعرف أن له إتجاها وحيدا . غربته تجعله يعيش الحرية و الأسر أضداد لا يقبلها العقل لكن تتقبل وجودها القصيدة و التي تلوح لنا بكل مفردات اللغة لتكون مسافرة مع الشاعر في كل الاتجاهات وتعبر لنا عن شتات فكره في محاولة منه للتعرف على مصدر غربته و سبب رسوخها فيه و عدم مفارقتها إياه .تراه يتحرر ليبحث عن أسر جديد يكون طوق نجاة يحميه من الغرق و يقول الشاعر في محاولاته المتكررة للهروب من الغربة :

    لا تمتلكُني المدينة

    لا أسمعُ ما يقولُ الضجيجُ
    هناكَ
    تحتَ لوحاتِ الشوارعْ

    وحيدٌ ، ، ،

    على الشرفة القاحلة
    أجالسُ نفسي
    وفنجانَ قهوتي
    والقصيدة
    يفصح الشاعر عن مكانه في مدينة لا تمتلك وجوده رغم اكتظاظها و صخبها فضجيجها لا يعنيه وهو الذي يعيش الوحدة أمام نافذة فراغ نفسه القاحلة إلا من وجوده أمام فنجان قهوة و شرفة يحملها غربته ووحدة تسكنه ليرسمها كلمات تتمدد معانيها على أرض قصيدة و يقول الشاعر :

    غريبٌ أنا ،، ،

    وكل الشوارعِ
    حولي ، ، ،
    غريبة . . !


    هي الأنا الغريبة و التي تسكن الشاعر و كأنها تبحث عن هوية عن ذات تتعلق بها و تأنس إليها .رغم وجود الشاعر في صخب المدينة تأوي إليه الغربة ليسكنها يفصح عن وجودها لعله يستطيع تجاوزها أو إدراك كنهها فيه يعالجها تارة بالصمت و الكلمة و أخرى بمحاولة للرحيل و البحث في ثنايا نفسه لعله يجد ما يروي عطش معرفته على أرض الطبيعة . يسترسل الشاعر في التشبه بمظاهر الكون المتغيرة أحواله حسب الفصول و دوران الأرض لتكون المعرفة شمسه و النهار ليله, فهو يعيش تقلباته المتعبة لنفسه التي تعاني غربة ليس لها زمان و لا مكان لكن مشاعر حزينة و شوارع مكتظة و مدينة صاخبة يكون فيها وحيدا مع مفارقات يبرع الشاعر في صياغتها و حياكة نسيجها لتكون مساحة تلف وجوده الحائر و ترتق فتوق حيرته .
    كانت قصيدة غريب أنا .. للشاعر محمد الخضور رغم تشعب مفرداتها و التي تشعرك بالتناقض بينها إلا أنك تصل في النهاية إلى التعرف إلى هوية الإنسان المتكامل الذي يعيش فيك كل زخم هذه المفردات و التي نستقيها من الطبيعة لتَعبر بنا إلى بحر مشاعرنا و تغوص في أعماقه ونتعلم بعدها السباحة لتجعلنا نطمح إلى اصطياد درر أصدافها و التي تغلق على نفسها مخافة اقتناصها أو وضعها في غير الموضع اللائق بها .
    هكذا أبدع الشاعر في التنقل بين طبيعتين و بين كونين حذق مفرداتهما و تقلباتهما التي تحكي و تحاكي مظاهر نعيشها و أخرى ألفنا وجودها فينا و خارجنا لتتجلى لنا حقيقة الوجود بكل مكوناتها المتاحة للإدراك و الغير متاحة أيضا, لتفصح لنا عن أسرار أكتشفنا بعضها و لم نكتشف الآخر وتكون القصيدة محاولة للتعرف على الذات الإنسانية و ارتباطها بالكون و بالوجود .....و أقول أنها بحث عن هوية وانتماء في زمن تعيشنا فيه الغربة و تنفصم عرى التواصل لعجز كلماتنا على التعبير عن نفسها في خضم بحور مشاعرنا المتلاطمة و المتقلبة, كأحداث أيامنا و ليالينا على أرض واقع لم يستطع الإنسان التواصل معه بالكلمة فأعمل فيه السلاح ,أثمر غربة زمان و مكان تَحيى داخلنا.....تتقد فينا الحيرة ليكون الإنسان رحالة و عابر سبيل على أرض طبيعة وجوده الظمآن للمعرفة و التواصل البناء بالبيان والمنطق و الكلمة التي ترسخ هويته على أرض الوجود الإنساني و الطبيعي .
    كنت معكم و قصيدة غريب أنا ....للشاعر محمد الخضور في لحظة صفاء نخترق معا عباب بحر الوجود ليكون التواصل محاولة للإجابة على سؤال و حال و حيرة وجودية .

    تعليق

    • محمد مثقال الخضور
      مشرف
      مستشار قصيدة النثر
      • 24-08-2010
      • 5517

      #3
      الأستاذة الفاضلة
      الأديبة الناقدة
      منجية بن صالح

      وددت أن أعرب عن تقديري العميق وشكري الجزيل لهذا الجهد ولهذه الدقة في رصد حالة الكتابة النفسية والمعنوية. والحقيقة أن قوة التحليل ومتانة القراءة جعلاني أقرأ النص كقارئ وليس ككاتب، فأنظر من حيث تنظرين لأرى ما ترين فيه فيبهرني أسلوبك ويعجبني تناولك ويشد انتباهي كثيرا ذلك البعد النفسي الذي يبدو أنك تحيطين به إحاطتك بالنقد كمفهوم وكرسالة.

      لقد تعلمت من قراءتك أن النص قد وحّد - أو على الأقل - جمع بين مصدري "غريب" : (الغربة والغرابة) وكل منهما يؤدي إلى الآخر. فغربة بطل القصيدة في المدينة كغربة التلال على أرض منبسطة كغرابة الخريف الذي يقتل أمنيات الغصن كي يمنحه السماد.

      رأيت أيضا في قراءتك تشتت مشاعر بطل القصيدة وعدم تماسك انفعالاته، فمرة يعلن غربته ووحشتها ومرة يهرب إلى الحلم الأجمل من الواقع ومرة يدخل سجن شرفته القاحلة وتارة يعرب عن اعتزازه بحريته وقدرته على تحديد المسار.

      انفعالات فوضوية وشيء يشبه الضياع يغمر حواريات القلب والعقل، هي الغربة الحقيقية والغرابة الحقيقية تفرضان أجواء العزلة بينما يحاول عقل البطل أن يقفز خارج الحدود فمرة ينجح ومرة يفشل.

      هذا التخبط في المسار النفسي للبطل الغريب يذكرني بقول إيليا أبو ماضي: -

      " كفارسٍ تحت القتام ------------- لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار"

      ففي مثل هذه اللحظات، يجد الوحيد نفسه أمام الخيار الصعب الذي لا ثاني له، خيارٌ يفرضه الواقع وترفضه الذات المقاومة فينكسر شيء ما في نفس الغريب، شيء يشبه مجيء الأمنيات بعد فوات الأوان، تلك التي تحضر فقط كي تؤبن ما ضاع خلفها من الوقت والذكريات.

      سيدتي الفاضلة،
      ما كنت لأرى كل هذا قبل أن أقرأ ما خطت يداك هنا وما قالت ذائقتك الأدبية الرفيعة وحسك النقدي العالي وعلمك النفسي المتقدم.
      فألف شكر لك على ما قدمت
      ولك مودتي وتقديري واحترامي

      تعليق

      • منيره الفهري
        مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
        • 21-12-2010
        • 9870

        #4
        [align=center]أختي الغالية منجية بن صالح

        ليس "غريب" عليك أن تقرئي نصا بمثل هذا العمق...

        و تحلليه كأروع ما يكون التحليل...و لكن هذه روعة فاتت الخيال بصراحة...

        فأنت قرأت القصيد بروح الشاعرمحمد مثقال الخضور ...

        هذا الشاعر الكبير الراقي الذي عودنا بنصوصه الجميلة جدا...

        و أعتقد أن جمال القصيد منحك هذه القدرة الخارقة في الروعة سيدتي

        ...قراءة و لا أرقى لقصيد أقل ما نقول فيه أنه يسكن القارئ و يحلق في سماء الإبداع

        فشكرا سيدتي الراقية جدا منجية بن صالح على هذه القراءة العميقة...

        و شكرا أستاذنا الكبير محمد مثقال الخضور على قلمك النازف روعة
        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة منيره الفهري; الساعة 28-03-2011, 15:25.

        تعليق

        • منيره الفهري
          مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
          • 21-12-2010
          • 9870

          #5
          أختي الغالية والقديرة منجية بن صالح


          ما هذا الجمال و ما هذه الروعة في القراءة؟
          أعيد و أقول سيدتي أن هذه

          قراءة عميقة جدا غاصت في أعماق أعماق القصيد...
          لا عفوا...بل اجتثت كل أحاسيس الشاعر لتشرحها هنا أمامنا كأحسن ما يكون التشريح
          بوركت أختي الغالية على هذا العمل العملاق و لن أذيع سرا
          إن قلت أنني لم أر أبدا في حياتي الأدبية هكذا قراءة...
          فالكل بات يعرف قراءات الرائعة منجية و يترقبها في موعدها الأسبوعي و أستسمحك سيدتي أن أقول كلمة في حق هذا القصيد الرائع...


          هذا القصيد الذي كتبني و أشجاني...قصيد للشاعر القدير محمد مثقال الخضور...انتجع روحي ...فترجمت جماله في كلمات قد لا تعبر عما أحسست به من ضياع و أنا أقرأه...عما انتجعني من سعادة و أنا ألامس حرفه الشجي...تخونني الكلمات لأغوص في أعماقه كما فعلتِ أنتِ سيدتي القديرة جدا منجية ..غير أني كتبت مداخلة بسيطة و يعذرني الشاعر إن أنا لم أوف له حقه وحتما حتما لن أوفي مهما كتبت...
          و أقول : في هذا القصيد الجميل : غريب أنا... للشاعر الكبير الرائع محمد مثقال الخضور
          غريب...و غرباء نحن...عن العالم و الوجود...غريب أنا...
          يخال للشاعر أنه يتحدث عن نفسه و لكنه يروي هنا قصة الإنسان في الوجود...و قد يكون المرء منا غريب في بيته...في بلده...غريب في هذا العالم بعديد تموجاته و أزمنته و المكان...
          "غريب أنا أشبه هذي التلال"...و التلال هنا هي تلال العمر...و تضاريسه... مختلف مراحل تكوين الكون...
          هذي التلال التي تبدو بعيدةفي ما يشبه الهمس أو الأنين الذي هو أقرب لترنيمة شجية ، تتعالى نبرةً توحي لنا أننا أمام بوح مثقل بالأسى ومناجاة مثخنة بالجراح .. لتعلن لنا عن إحساس بالغربة ..
          هما بوح ومناجاة يتداعيان كما تتداعى الأمواج على الشاطئ لتعانقه كسيرة حزينة .أما أولى هذه الأمواج فتأتي على شكل تلال موغلة في الضباب حيث لا تتضح الرؤيا إلا لمن صابر وعاند هذه الغربة المثقلة باليأس و القنوط .وحين نذكر الغربة لا بد أن نذكر الحنين الذي يملأ حنايا النفس و يؤجج الشوق في القلب .. بل و يبدأ وميض خافت من الأمل يتحسس الطريق ليعانق النفس شعاع الشمس فتنطلق سابحة في سماء الرجاء .. هي ترنيمة تتعالى مع تنامي هذا الشعور بالغربة .. والنزوع نحو الطبيعة له دلالة واضحة .. وما ذكر التلال والضباب إلا جزء من هذا النزوع العفوي لأحضان الطبيعة حيث يعيش كل شيء بالغريزة و الفطرة .. لا تكلف و لا تصنع .. بل وتنطلق الترنيمة نحو الملكوت لتعانق السماء بكل ما فيها من نجوم وأقمار .. هي ترنيمة اقرب منها لصلاة خاشعة... فنحن أمام إحساس بالغربة يرافقه تأمل عميق في الكون .. وإذا كانت نفسية الشاعر و طبيعته تفرض عليه أن يلتزم بشاعريته و-لم لا- برومانسيته ، فإن هذه المناجاة تعكس مدى هذا الصدى المتردد في أنحاء النفس .. صدى تلك الصرخة المدوية ، المعلنة عن أن القلب قد ضاق بما لا يطيق .. المتشبثة بالفرح وإن آجلا ..الغربة تدفع بالشاعر ليلتمس رفيقا له يشاركه إياها .. فلا شيء أقسى من غربة ترافقها وحدة .. وفي محاولة للتخلص من هذه الوحدة المطبقة بكل شراسة على نفسه ، يلتجئ الشاعر بكل طمأنينة إلى التلال ، ليتشبه بها .. بل و يعطي لنفسه الحق في التشبه بالنجوم و هو يعلم أنها هناك تنتشي بالقرب و المؤانسة مع نجوم أخرى ..
          غريب أنا...
          أشبه هذي النجوم
          التي تدرك النور
          عند الغروب
          ثم تتوالى الرفقة .. فمن الفراشات في لهوها إلى النسمة في سفرها و تيهها ، مرورا بالنحل في دندنته . ينام مع الليل و يحضن الخريف ..إذن ، تتلاشى الوحدة فيخف عبء الغربة. ورغم ذلك يبقى ذلك الإحساس العميق بمرارة البعد وقساوة الفراق و وطأة الشوق .وحين يتحدث الشاعر عن الغربة فإنه لا يجسد نفسه فقط..بل هو يجسد الآخر .. يتحدث بلسانه .. يعيش مأساته .. لأن الغربة ليست حكرا عليه و إنما هي شعور كوني لا يمكن للشاعرإلا أن يحتفظ به في حنايا القلب و النفس ..إنه في معاناته ينسى حتى ملامحه ، بل إنه يغفل عن كونه صاحيا ، ويسهو عما يتساقط عليه من زخات المطروكأني بالشاعر و هو يطلق صرخته محاولا كسر أغلال الصمت المطبق على الشوارع الملتفة حوله في سكون كسكون الموت ، يترنم :فناديت في الحي يا غربتي ///// فقالوا قريب قريب قريبقبل أن تتوهج صيحته أملا و رجاء :فهل يجمع الله ما بيننا ///// فقالوا قريب قريب قريب ..هذا هو حال الشاعر .. حين يبوح ، فإنه يبوح بمكنونات الآخرين قبل أن يكشف عن لواعج قلبه .. وحين يناجي ، فإنه يناجي من أجل غيره قبل أن يسر بما يقضّ مضجَعه ..إنه الشاعر .. مرآة ما يرى وما يسمع .. رجع الصدى لكل الأنات و لكل المعاناة .وأجدد شكري لك أختي الغالية منجية و أستاذنا الكبير الرائع محمد الخضور...و قد اتفقتما على الجمال و الروعة و الإبداع.
          التعديل الأخير تم بواسطة منيره الفهري; الساعة 30-03-2011, 15:34.

          تعليق

          • منجية بن صالح
            عضو الملتقى
            • 03-11-2009
            • 2119

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة محمد مثقال الخضور مشاهدة المشاركة
            الأستاذة الفاضلة
            الأديبة الناقدة
            منجية بن صالح

            وددت أن أعرب عن تقديري العميق وشكري الجزيل لهذا الجهد ولهذه الدقة في رصد حالة الكتابة النفسية والمعنوية. والحقيقة أن قوة التحليل ومتانة القراءة جعلاني أقرأ النص كقارئ وليس ككاتب، فأنظر من حيث تنظرين لأرى ما ترين فيه فيبهرني أسلوبك ويعجبني تناولك ويشد انتباهي كثيرا ذلك البعد النفسي الذي يبدو أنك تحيطين به إحاطتك بالنقد كمفهوم وكرسالة.

            لقد تعلمت من قراءتك أن النص قد وحّد - أو على الأقل - جمع بين مصدري "غريب" : (الغربة والغرابة) وكل منهما يؤدي إلى الآخر. فغربة بطل القصيدة في المدينة كغربة التلال على أرض منبسطة كغرابة الخريف الذي يقتل أمنيات الغصن كي يمنحه السماد.

            رأيت أيضا في قراءتك تشتت مشاعر بطل القصيدة وعدم تماسك انفعالاته، فمرة يعلن غربته ووحشتها ومرة يهرب إلى الحلم الأجمل من الواقع ومرة يدخل سجن شرفته القاحلة وتارة يعرب عن اعتزازه بحريته وقدرته على تحديد المسار.

            انفعالات فوضوية وشيء يشبه الضياع يغمر حواريات القلب والعقل، هي الغربة الحقيقية والغرابة الحقيقية تفرضان أجواء العزلة بينما يحاول عقل البطل أن يقفز خارج الحدود فمرة ينجح ومرة يفشل.

            هذا التخبط في المسار النفسي للبطل الغريب يذكرني بقول إيليا أبو ماضي: -

            " كفارسٍ تحت القتام ------------- لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار"

            ففي مثل هذه اللحظات، يجد الوحيد نفسه أمام الخيار الصعب الذي لا ثاني له، خيارٌ يفرضه الواقع وترفضه الذات المقاومة فينكسر شيء ما في نفس الغريب، شيء يشبه مجيء الأمنيات بعد فوات الأوان، تلك التي تحضر فقط كي تؤبن ما ضاع خلفها من الوقت والذكريات.

            سيدتي الفاضلة،
            ما كنت لأرى كل هذا قبل أن أقرأ ما خطت يداك هنا وما قالت ذائقتك الأدبية الرفيعة وحسك النقدي العالي وعلمك النفسي المتقدم.
            فألف شكر لك على ما قدمت
            ولك مودتي وتقديري واحترامي

            الشاعر القدير محمد الخضور

            سعيدة بهذا التعليق على القراءة لقد كان المقال مرآة لقراءة قصيدة غريب و كان ردك مرآة عاكسة لما أدركه إحساسك الشفاف من المقال و هذا يثري النقاش حول ما يتضمنه النص من مشاعر إنسانية تسكننا و تفصح عن نفسها عبر الكلمة و الكتابة .
            للغربة أحكام علينا و هي تنبع من مخزون الذاكرة و تتفاعل مع أحداث نمر بها ليكون في بعض الأحيان او كثيرها التعبير عنها غريب و هذه هي روعة الكلمة و الكتابة التي تحمل في طياتها هذا المخزون الإنساني و ما الكتابة إلا رذاذ امواج تتلاطم على ضخور وجودنا.
            كل التحية و التقدير لشاعر له جمال ريشة و قلم

            تعليق

            • منجية بن صالح
              عضو الملتقى
              • 03-11-2009
              • 2119

              #7
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              الأخت الغالية منيرة الفهري

              تعليقك على القراءة كان مرآة عاكسة لروحك الجميلة و الرائعة روعة كلماتك
              ما قمت به هو أداء لحق كل كاتب مبدع صادق كرمنا حرفه بدعوة منه صريحة الى عالم الجمال قبل أن أقوم بتكريم نصه و هذا هو واجب الضيف إتجاه المضيف

              روعة النص و صدقه هو من يفرض و يضفي جماله على القراءة
              لك كل التحية أيتها الأديبة الرائعة و القلم الراقي

              تعليق

              • د.نجلاء نصير
                رئيس تحرير صحيفة مواجهات
                • 16-07-2010
                • 4931

                #8
                الراقية:منجية بن صالح
                لقد تغلغلت بقراءتك إلى وريد النص
                فليس بغريب على مبدعة مثلك هذه القراءة المتقنة
                تقبلي تحياتي
                sigpic

                تعليق

                • منجية بن صالح
                  عضو الملتقى
                  • 03-11-2009
                  • 2119

                  #9
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  الأخت العزيزة نجلاء

                  أكون سعيدة بتصفحك للموضوع و يشرفني دائما أن أكون
                  عند حسن ظنك بي و حسن ظن الجميع
                  لك كل التحية و الود و التقدير

                  تعليق

                  • عبير هلال
                    أميرة الرومانسية
                    • 23-06-2007
                    • 6758

                    #10
                    تحليل مميز غاليتي منجية

                    لقصيدة مذهلة

                    لشاعرنا القدير

                    محمد الخضور

                    أيتها الرائعة

                    محبتي لك وورودي
                    sigpic

                    تعليق

                    • منجية بن صالح
                      عضو الملتقى
                      • 03-11-2009
                      • 2119

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
                      تحليل مميز غاليتي منجية

                      لقصيدة مذهلة

                      لشاعرنا القدير

                      محمد الخضور

                      أيتها الرائعة

                      محبتي لك وورودي
                      العزيزة أميرة

                      سعيدة بزيارتك للموضوع و برأيك الذي أعتز به
                      و لشاعرنا محمد الخضور قلم مميز له رقي و إبداع
                      كل التحية و التقدير

                      تعليق

                      يعمل...
                      X