لفت انتباهى بانحناءة ظهره وعصاه التى يتوكأ عليها ، ونظرات ثاقبة ملؤها العناد والامل تشع من عينيه .. ولقد صادفته اكثر من مرة على مدار زياراتى المتباعدة للمكان.. ووددت كثيرا لو اتحدث اليه ، ولقد حاولت مراراً ، لكنه فى كل مرة كان يرمقنى بنظراته الحادة..ثم يولينى ظهره تاركنى فى دهشة وحيرة .. !!
فى زيارة قريبة تصادفنا مجددا .، الا انه فى هذه المرة رد علىّ السلام مما شجعنى على التحدث اليه ..وقد بادلنى حديثا قصيرا ..ربما بعد قراءات لشخصيتى ..ودراسة لنفسيتى ..قرر اننى استحق منه هذه التكرمة..و قال لى ::
( لقد حملت روحى المنهكة اليائسة ..ولملمت بقايا عمرى ..وتركت خلفى الدنيا بما رحبت ..وفضلت العيش هنا ..حيث لا خيانة ...ولا جحود ..ولا نفاق ..ولا ظلم ..ولا قهر.. !
اننى سعيد هنا ولا يكدر صفو سعادتى الاكم معشر الزائرين لغيرى تستعيد دموعكم ماض تودون لو يعود اصحابه ..وتتحدثون احيانا الى من لا يسمعكم..!
وابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول لى :( اننى ادعوكم للعيش معى هنا ..ففى المكان متسع ..، ودائما هناك اماكن خالية..)!!
فى زيارتى الأخيرة لم اجده .. جاء الىّ صبى .. سألنى عن اسمى ..واخذنى ببطء من يدى حيث توقفنا امام احد القبور .. ورفع يديه يقرأ الفاتحة ففعلت مثله دون تفكير..وما كدت انتهى حتى ناولنى العصا التى كان الرجل يتوكأ عليها ..وتركنى امام القبر ومضى ..!!!