
الساعة تدق التاسعة بتوقيتي أنا الآن
ولا اعرف كم ستكون بتوقيتكِ أنتِ
مع أني متأكد بأنها نفس الساعة التي أمطرت بها الذاكرة علي
في نفس الوقت من السنة الماضية
امطرينى الآن زخاتُ في سماءك
فانا أعشق الوقوف عند رصيف الحب وفوق جسر الانتظار
امطرينى ياوجه فلسطين بقبلاتٍ حارة بذكرى من رائحتكِ العذبة
بعناقٍ ملغم استعمريني
اغسليني يا شفاه الأرض
فأنا أعشق المطر
بزوايا الليل الحزين

هاهي الذاكرة تزخ الآن على جسدكِ بعض زخات
أنظري إلى تلك القطرات التي تنساب من
الوجه الحنون مع قطرات المطر..!!
لم أكن اعرف يارفيقي ماهو سر الأنجداب بيننا حتى ألان
كنتٌ احسبه بسر الدموع المنسابة على وجوهنا
ولكني كنتٌ مخطئ والآن أيقنت بان التشابه يمكن
في إننا تغذينا من نفس المشيمة ونفس الحبل السري الذي يربطنا بالأرض
الآن أصبحت على يقين أكثر من أي وقت مضى بأن هذه الأرض حملتنا طوال أعوام وأرضعتنا
من نفس الحليب المغمس بكرامتها وعزة تينها وزيتونها وكرامة أبنائها
يضيقٌ علي الزمن وكأني أصبحتٌ اكبر سناً من عمري, تلك الصور العالقة على حبال الذاكرة
تتأرجح أمامي ..صورة تلك الطفلة التي يحملها والدها يهرول بها يبحثُ عن مكان عن مأوى
يلتجئ إليه هاهي الإمطار الغزيرة من ويلات الرصاص تتساقط عليه .ياترى أين يذهب
ُ
مع إن في الحرب لا يوجد مكان أمن كل شيء محظور وكأن الحرب أنزلت لعنتها هنا
لم اعد أدرى يا رفيقتي كيف ترديني بان أحبكِ وأهديكِ ورد احمر بعدما أختلط لون الورد بالدماء
لا أعرف يا رفيقتي هل تسعفني هذه المرة المسافة الفاصلة بين عينيكِ وأرضى
أم تخونني كما حدث في المرات السابقة, ها أنا أمد يدي إلى رزمة الأوراق لأعدُ كم رسالة
أرسلتها لكِ حتى الآن وكم كلمة حفرتها على أوراق الشجر وكم همسة أخبرتها للطير عبر السفر
تلك السطور الداميات في رحلة عشقي ,تلك الحروف المغمسة بالحبر الأحمر .وتلك النقاط
السوداء وعلامات الاستفهام ,ياترى هل تشفعٌ لي تلك الرسائل ..؟؟
أتعلق بتلك الكلمات الممزوجة بطين أرضى ورائحة خبز أمي أنبشٌ عن الحقيقة الموءودة
في بنادق هؤلاء الجنود القابعين في بيتي, كل شيء أصبح بلا لون بلا رائحة بلا حب
أخنقُ أحلامي ,أهرب من يأس أيامي ,أشتم رائحة الزيت المحترق من الرصاص المسكوب على
اوراقى ,وكأنني إنا من قطعتُ بالأمس خيوط الدم التي تربطني بهذه الأرض
صمتي ينفجر خلف الأسوار الملغمة وهواجس عشقكِ المدفون بقلبي عادت للخروج
اهتز جسدي كشجرة سنديان توشك على السقوط ,مرت لحظات أمامي وكأن العالم بات يوشك
على الانكسار ,هاهي غزة أمامي ألان باردةٌ الأطراف ممزقة الثياب محمومة الشفاه تمر
بلحظات أحتظار ترتدي ثوب الحداد ,تذرف الدموع على ذكرى كل من رحلوا وسير حلوا
هاهي غزة اليوم كم تشبهكِ أكثر من أي وقتٍ مضى, تلبس الموت في النهاية شيئاً عادياً
كضحكات الصبايا على نبع الماء وخطى الأطفال في ليلة الميلاد كالحب والمرض والحزن
والفرح كل شيء فيها يشبهكِ اليوم لمعان عينيكِ حين البكاء..ضحكاتكِ حين الفرح ..حنانكِ
حين المرض..قوتكِ حين الكبرياء,هاهو صوتكِ العذب يتعانق مع مآذنها يعلن أذان جديد ليوم
جديد , هاهو الصباح أشرق على شوارعها ليحفر في التاريخ سطرٌ أخر, أحياناً كثيرة أتصفح
كتاب تعاستنا لأري أين نحن اليوم منها هل نحنٌ في حالة مرض أم في حالة جنون
أم في حالة حزن أم في حالة كآبة ,أشياء كثير تحيط بنا لنجد أنفسنا واقفين أمامها الآن دون
رجعة لروايتنا الأولي وحبنا الأول ..لا أعرف اليوم جلستٌ أتصفح وريقات روايتي الأولي معكِ
ياترى هل هي رواية محكومة بالفشل منذ البداية لأن التجربة كانت فاشلة
أم أنها رواية ناجحة لأني اخترت عنواناً لها قريبُ جداً من عنوان بيتي وكأني سمحتٌ للكلمات
بان تطاردني ,سافرتٌ مع ذاكرتي أحيان كثيرة عبر الزمن وسئلتٌ نفسي لماذا هي من أختارها
قلبي دون النساء مع أنى لم أراها حتى الآن..كنتٌ أعجب من قلبي كيف وقع في عشقكِ
يا رفيقتي مع انكِ رفيقة وحبكِ محرمُ علي لكنني كنت على يقين بان أمي أرضعتن ذالك الحب
يوم ولدت,هاهي الذاكرة تمطر كل التفاصيل التي حفرت بحاراً من الحزن العميق في روحي
كنتُ معلقاً بين الحياة والموت ألتمس من الحاجز الذي يفصلنا خيط واحد كي أنجو من عذاب
الأيام ,أنظري هناك يا رفيقتي في المرافئ القريبة مازال متسعٌ لليتامى وبيتٌ لنا
مازال هناك مكانٌ نذهبٌ إليه بعدما أصبحنا لاجئين في كل أرض هاهي جميع الطيور الغريبة
تسكن هنا وتبنى أعشاشها هنا وتنشد تراتيلها أيضاً هنا لأنها تخافٌ على صغارها من الموت
في أرضٍ غريبة , عشتُ لاجئاً في أرضاً ليست أرضي وسأموت لاجئاً في وطن أصبح في لحظة
غريبُ عني ,أنثري رمادي هنا يا رفيقتي على هذه المرافئ الغريبة واتركي الرياح تحملها لكِ
هدية فانا منذ زمن لم أقدم لكِ أي هدية ,أجعلي الرماد يهدى بأسماءِ كل من هجروني وكل من
خانوني فانا حالمٌ بالرحيل , وها إنا مقبلُ صوب عشكِّ غريباً فاهو بيتي الوحيد ومملكتي وممر
العبور إلى الشوارع .الآن يا رفيقتي لا يهم إذ أكتشف أمرنا وافتضح السر الذي بيننا ,هيئ
جسدكِ الحر ليسافر عبر جسدي ,وهيئ نهديكِ ليغزوان الجيوش وأشهدي عري جسدي فانا
وطنٌ عابرٌ في الفناء أجوب البيوت وأهدهد أحجارها وأرسم على العتباتِ صورتكِ الغريبة
أخلعي الموت عن جسدي وعاودي قتلي ,فالقاتل ليشعر بالام القتيل أحياناً
صلي هنا ركعتان على قبري وأقرئ أورادُ كنتٌ قد كتبتها من قطراتِ دمي العالقة علي جسدكِ
وأنشديها لكيلا تموتي بها. وانظري صوب بيتي فما زال صوت ًقلبي يرنو اشتياقا إلى القدسِ
وواحة الرسول ,مازلت عيوني مشتاقة لرؤية وطني حراً من جديد بأحجاره القديمة المستكينة
ودماء الشهداء ودمع العذراء وهي تصلي في معراجها القديم, مازالت أنفاسي ترفض الموت
بخضوع, هاهي فلسطين تستقبل الصاعدين إلى المجدِ يوردا وأعلاماً وأكاليل غار
هذا إنا يا حبيبتي سأطل عليكِ كل يوم من فوق بحر الشتات وقلاع عكا المستباحة وسماء
القدس الحزينة وشوارع غزة لأقدم لكِ إكليل غار حاملاً رائحة هذه الأرض اليتيمة...
هذه الأرض التي لن تتواني بأن نحفر أول حرفين من أسمائنا على رمالها..
هذه الأرض التي طالما حاملتنا فوق ربيعها الأخضر,وفوق زهور الورد والنرجس
لن تتردد للحظات بأن نكون نحن أبنائها وليس سوانا..