المقامة الثالثة من سلسلة الأربعين القذافية
وما طربي لما رأيتك بدعة لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب، غير أنه تلحقه السوداء، ويتغير عليه الماء، فتضطرب جوانحه والطب عاجز، فيقول ما ترويه عنه العجائز، ويختلط عليه المجرد والمحسوس، فيفهم عن هَبَنَّقَةَ وماني الموسُوس. فكيف لا أُعْمِلُ الرحلة إلى مثله؟، وأكتب عنه في ترحاله وحِلِّه؟ وكيف تُعْرَفُ التخاليط إذا لم تُكْتَبْ عن معمر؟ ملكِ الملوك وقاهرِ بني الأصفر؟.
وما زالت البيد تلقيني إلى البيد، في أخبار يشيب بذكرها الوليد، إلى أن وصلت إلى بلاد الرجل الذميم، وتوضأت من النهر الصناعي العظيم، وقيل لي هو يقول: من شرب منه صبحا، ولم يطو عنه كشحا، أمن الأفول، وشُفي من البلغم، ومن داء شلقم، وعرف فضل الفاتح، وأَسقط من السور الفواتح، وأكرم أهل التمريض، وأجل أحفاد الغريض، وخطب في الأفارقة ، بخبر بيبسي والسارقة، ورد الأسماء إلى أصولها، وتوقع الآفات قبل حلولها، وعرف أن الشيخ زبيرا من هذي الديار، وأن أبا عمامة منها استنار، وأن هذا في الساقط من عجائب الآثار، فرحم الله الجبرتي إذ ظُلِم، وإن كان هذا الأمر قد عُلِم، والأمر بعد هذا معلوم، إذا انقدح له زند أبي الفهوم، فإنه به تظهر الأسرار، وتحل المعضلات الكبار ..."
قال الحارث بن هشام : "فعزمت على أصحابي أن لا نشرب إلا من المزادة، وأن نرفض الرفادة، حتى أتانا بعض أهل البلاد من أباة الضيم، وقال : إنما الماء من الغيم، فاشربوا آمنين، وانظروا إلى هذا الجبين، واقرؤوا تاريخ المختار، وقروا عينا في هذه الديار، ولتشملكم البشائر، وتنقلوا بين العمائر، فإن فيها من فيها، ودعوا عنكم الحماقة، فقد أعيت من يداويها ..."
تعليق