في معتقل رقان لاأحد يراسلني ياأمي...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هارون زنانرة
    عضو الملتقى
    • 29-03-2011
    • 17

    في معتقل رقان لاأحد يراسلني ياأمي...

    حين انتزعوني من الفراش الدافىء الى سلاسلهم الباردة ،لم تستطع ذاكرتي المفجوعة حمل أي وجه أو صورة تتعدى العيون المعصوبة بعناية..
    وحدها صورة أمي اختزنتها مع الصراخ والصفعات المتتالية.
    الليل والمطر واللفظ الفاحش ثالوث نزف بعنف وغزارة فوق رأسي تلك الليلة،صفعات الجلاد تنهال على الخد المستسلم فتحول لونه إلى لاشيء في عالم الألوان...التهمة واضحة الغموض:العفو عن اللحية والانتماء للحزب المحظور..شهر واحد من الصلاة بانتظام خلف الإمام في مسجد الحي ألبسني هذه التهمة.
    يوم بارد من أيام السنة العاصفة..1992..الوجهة..رقان،صفراء فاقع لونها تشتهي التيه والضياع في كثبان تتمايل في تعال..رمال تصارع الريح والعواصف دون منتصر..الخيم تتواضع خجلة أمام هذا الصراع والإصفرار والتعالي..يوم الحشر دون إنذار ،الجوع والبرد والخوف..والجلاد حارس خبيث في سجن لاباب له ولافرصة للهروب.
    تتجلى أمامي صورة أمي،كما لم تتجلى يوما..بكل تفاصيلها بانتظام،دون انتظام تباغتني..وداخل الجسدالمنهك تبكيني دون دموع..
    ماذا تفعلين في غيبتي ياأمي؟الحرقة والنبض القابض على الصدر.. سامحيني ياأمي..أنت المفجوعة بي منذ ولادتي سامحيني إن رميتك بين أنياب القلق والحسرة..إن قدر لي أن أعود إليك سأعود طفلا وديعا لأحضانك متنازلا عن الشارب واللحية والرجولة وأشياءأخرى..أعود فقط.
    رقان والجلادوالسوط والأنين ..ليلة واحدة في المعتقل صفعة واحدة كادت تذخلني عالم النحيب الأبدي..ماذاأفعل هاهنا؟؟..القوم حولي،أقراني في التهمة تتملكهم الحماسة والشعور بتاريخية الإعتقال..وسام يثرون به مستقبلهم النضالي..يتضاحكون ويبادلون الجلاد التحدي والصمود.
    الجلاد ،الأخرون غيري..عالمان متنافران ،عالم أسود وآخر أبيض وأنا وسطهم ضبابي مغيب التفاصيل بشكل غريب..تسكنني الحرقة ،يقتلني القرف والسأم.
    ماذا أفعل في رقان؟.. بدأت الصلاة منذ شهر ،لما بلغت العشرين تحديدا
    واضبت على أدائها في المسجد لم تهمني خطب الإمام النارية..كنت شغوفا بلحيتي ..أعجبني منظري ثوري الملامح بمقاس تشي غيفارافي سكونه الأبدي.
    عفوت عنها،أتحسسها بافتخار وأحسب كل من يرمقني بنظرة معجب يحسدني عليها.
    حولي مناضلون وجلاد ما انتهى الجلاد وماانتهى المناضلون..وحدها صورة أمي تنتشلي من عالم الذهول الطويل..الليل في رقان ستون ساعة، والنهار ثمانون أويزيد..كذب علماء الفلك أو من حدد هذه الخزعبلات..
    ماذاأفعل في هذا الوقت المتمدد في استرخاء..أكتب؟ لاأجد ماأكتب ياأمي إذا كتبت لاأجد من يقرألي..أقرأ؟ ماذا أقرأ..لاأحد يراسلني هنايا أمي حتى أنت غابت رسائلك..المعتقل عا لم ورقان عالم آخر فكيف إن ارتبطت رقان بالمعتقل أو ارتبط المعتقل برقان لا يهم الترتيب ..في عالمهما المتحد لا وجود للكاتب أو القارىء أو الساعي بينهما..اختزلوا كل شيء في السوط
    ومحسناته من فاحش اللفظ وسب الملة من أول جد..رقان ياأمي لاأحد يكاتبني.......
    __________________

    رقان: معتقل في الصحراء الجزائرية.
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #2
    جزيت الجنة أخي هارون........كأني جلست معك وأنت متقرفص ورأسك بين ركبتيك تملي علي هذه الكلمات فأكتبها، فقط ما شوش علي هو تكرار كلمة "أمي" لأني تصورتك تنشج بعدها فتتوقف عن الكلام....وهنا فقدت بعض حماسي وإندفاعي للقراءة.

    شكرا لك

    تعليق

    • مباركة بشير أحمد
      أديبة وكاتبة
      • 17-03-2011
      • 2034

      #3
      إن كان سجن رقان يلهم مساجينه الأدباء بقصص مشابهة لقصتك الجميلة هذه، فأنعم به من سجن ..!!
      وهنيئا لأمك الحبيبة بقلبك المرهف، الذي يحمل لها بين شرايينه النابضة كل هذا القدر من الحب...!!
      ..........
      تقبل مروري ،شكري وإعجابي بقلمك الساحر
      أيها الكاتب الجزائري القدير.

      تعليق

      • هارون زنانرة
        عضو الملتقى
        • 29-03-2011
        • 17

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة سالم الجابري مشاهدة المشاركة
        جزيت الجنة أخي هارون........كأني جلست معك وأنت متقرفص ورأسك بين ركبتيك تملي علي هذه الكلمات فأكتبها، فقط ما شوش علي هو تكرار كلمة "أمي" لأني تصورتك تنشج بعدها فتتوقف عن الكلام....وهنا فقدت بعض حماسي وإندفاعي للقراءة.

        شكرا لك
        أخي سالم

        راق لي مرورك جدا..

        الأم رسم أخر للوطن الموؤود خلف تلك الرما ل.. ومأساة لم تغلق تفاصيلها..


        شكرا على المرور العطر

        تقديري

        تعليق

        • هارون زنانرة
          عضو الملتقى
          • 29-03-2011
          • 17

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة
          إن كان سجن رقان يلهم مساجينه الأدباء بقصص مشابهة لقصتك الجميلة هذه، فأنعم به من سجن ..!!

          وهنيئا لأمك الحبيبة بقلبك المرهف، الذي يحمل لها بين شرايينه النابضة كل هذا القدر من الحب...!!
          ..........
          تقبل مروري ،شكري وإعجابي بقلمك الساحر
          أيها الكاتب الجزائري القدير.
          مباركة بشير أحمد..

          السجن ..رقان ..قطعة أخرى من قطع الجحيم لم تسقط عليها مقصلة النسيان... ومايزال النزيف مستمر..

          تقديري لمرورك البهي

          تعليق

          يعمل...
          X