حُجيل / سالم الجابري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #31
    بدأنا نخترق السديم الأسود ، إعتقدت أنه مجرد حاجز وسنعبر بعده إلى فضاء صافي، لم يكن الأمر كذلك بل كان السواد ممتداً إلى أعالي وارتفاعات كبيرة، بعض البقع يتكاثف فيها بشدة وبعضها يكون خفيفاً مهلهلاً، المكان الوحيد الخالي من السديم الأسود هو المنطقة المنخفضة عن رؤوس الجبال حيث اكتشفت أن تلك السحب القاتمة تخرج منها ومع هذا فإن الظل الأسود يخيم أيضاً على تلك المنخفضات.

    أول انخفاض لنا تحت السديم الأسود فوجئت بكتلة سوداء كثيفة تتجه نحونا كأنها تريد أن تبلعنا ، كنت على وشك أن أنحرف إلى اليمين لتحاشيها لولا أن صديقتي الجنية أمرتني بالاستمرار وعدم الخوف.........وهي على وشك أن تصطدم بنا انفتحت تلك السحابة من الوسط ومررنا خلالها.

    -ألم أقل لك أن لا تخاف، هذا كان شيطان يريدك أن تنحرف لعلك ترتطم بجبل من الجبال فيقضى عليك، هو لا يستطيع أن يلامسنا فلا تخف وتيقظ.

    قد لا يكون ذلك الشيطان قد تمكن من خداعنا لكنه استطاع بشكل من الأشكال تشتيت الأثر الذي كنا نتبعه، وقفنا للحظات، كنت أنتظر من الجنية أن تقرر ماذا يمكن أن نفعل، نظرت حوي فإذا كل شيء مكسو بالسواد، حتى الأشجار ، أشجار شديدة الضخامة نرى قممها ولا نرى أصلها الذي يذهب بعيداً في أسفل الأودية السحيقة، جذوعها كأنها محروقة، أوراقها كالأشواك العريضة، ثمارها سوداء مشققة يسيل منها شيء كالدبس.

    -اسمع أيها البشري، هنا فقدنا أثر حجيل ، لكن خبر وجودها هنا لابد أنه انتشر وعلمته كل الشياطين، هناك البعض منهم شديدي الغباء والخوف ممن يعيشون في الوديان السفلية، وإن كنا محظوظين سنقبذ على أحدهم ونهدده بأن نجمده بالقماش إن لم يخبرنا أين هي حجيل، يبقى أن نزول هذه الأودية شديد الخطورة بسبب تساقط الحجارة النارية من الأعلى، فبالرغم من أن العباءة تحمينا إلا أن الحجر الناري قد يلتصق بك ويهوي بك إلى مالا نهاية.

    للقصة بقية...

    تعليق

    • سالم الجابري
      أديب وكاتب
      • 01-04-2011
      • 473

      #32
      -كيف تعرفين كل هذا ؟
      -لقد دخلت هذا العالم منذ مئة عام، كنت أحاول إنقاذ أبي.
      -لهذا السبب حاولت منع زواجنا أنا وحجيل ثم أرسلتي ابنك ليأتي بي إلى الكوخ لأرى أبيك الميّت.
      -نعم، لكن أنت وحجيل أعماكما الحب عن الحقيقة الأزلية التي لا تقبل التغيير.
      -وماهي هذه الحقيقة.
      -الحقيقة الثابتة أن لكل منّا عالمه الذي خلق ليعيش فيه، وإذا انتقل ليعيش ي عالم آخر فإنه يرتكب ظلماً لكلا العالمي، إنه يتخلى عن واجباته في عالمه ويأخذ حقوق غيره في العالم الذي انتقل له.

      أشرفنا على وادي سحيق تتراكم في أسفلة سحب سوداء يصعد بعضها ببطء شديد بمحاذاة الجرف ، استوقفتني الجنية ودارت على ضفتي الوادي محاولة استكشاف إن كان الوادي به أي كهوف، نزلنا عميقاً بين الجرفين حتى أصبحنا نطير بشكل أفقي فوق السحب السوداء....طرنا مطولاً والجنية لا تتكلم وتبطء في بعض الأماكن ثم تعود لسرعتها المعتادة.
      وصلنا لمكان توقفت فيه الجنية لفترة تراقب امرتني بالسكون واقتربت هي أكثر من كتل الدخان حتى انغمس جزء منها في السواد وخفت أن تغيب عن عيني..........عادت لترتفع ببطء ، طلبت مني أن أمسك أحد طرفي القماش الذي أتت به.
      -اسمع، هناك تحت هذه الكتل الدخانية كهف صغير به شيطان من شياطين الأودية المنخفضة، إنه منشغل بالأكل، سننطلق بسرعة ونحن ممسكين بطرفي القماش ونمده على طرفي فتحة الكهف...يجب أن نفعل هذا بسرعة وإلا هرب الشيطان.

      للقصة بقية....

      تعليق

      • سالم الجابري
        أديب وكاتب
        • 01-04-2011
        • 473

        #33
        انطلقنا ممسكين بطرفي القماش متجهين بشكل مائل إلى جرف الجبل، لم أكن أرى شيئاً من كثافة الدخان لكني حاولت أن أساير الجنية في الوقت الذي يبقى فيه القماش مشدوداً، لحظات ووجدت أني في مواجهة الجبل على أحد طرفي فتحة الكهف الصغيرة وفي الجانب الآخر الجنية ممسكة بطرف القماش التي غطّت أكثر من نصف الفتحة.

        -لقد نجحنا، إنه في الداخل ولن يخاطر بالخروج من هذه الفتحة الضيقة خوفاً من ملامسة القماش.

        -هل سنبقى هكذا؟

        -بالطبع لا، حاول تثبيت طرف القماش بحجر وتعال أمسك الطرف الذي عندي لأتمكن من الدخول عليه.

        كومت طرف القماش وحشرته في شقّ صغير بين الصخور، انتقلت إلى الجانب الآخر لأمسك بالطرف الذي عند الجنيّة، أثناء مروري نظرت إلى داخل الكهف.......رأيت خلقة قبيحة كأبشع ما يكون القبح، رأسه يشبه تلك الثمار المتشققة التي يسيل منا الدبس، ولولا التجويفان الغائران في مقدمة الرأس لما عرفت أين وجهه، كان يجلس القرفصاء على شيء يشبه الجيفة ويسيل من دبره شيء يشبه القطران الأسود ......المنظر شلّ عقلي ولم يوقظني إلا مناداة الجنية.
        -ماذا تفعل، تعال بسرعة أمسك القماش.

        للقصة بقية.....
        التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 20-04-2011, 14:38.

        تعليق

        • سالم الجابري
          أديب وكاتب
          • 01-04-2011
          • 473

          #34
          انتقلت لجانبها وأمسكت طرف القماش واتخذت زاوية أرى منها داخل الكهف دون أن أكون في الواجهة خشية أن يصيبني شيء إذا قرر ذلك الشيطان الخروج، كانت الجنية تتصرف كما لو أنها اصطادت طريدة وليس شيطاناً....أما هو فكان يمكن ملاحظة فزعه من نظراته وتقهقره إلى آخر تجويف الكهف، دخلت الجنية من فوق القماش إلى الداخل بكل هدوء وكأنها لا تريد إفزاعه أكثر......ما إن استقامت واقفة داخل الكهف حتى حدثت فرقعة شديدة وكأن انفجاراً حصل في ذلك الشيطان وتحول إلى دخان التصق في سقف الكهف، فاجأني الصوت وارتعدت يدي وأشحت بوجهي لكني بقيت ممسكاً بالقماش، عدت أنظر إلى الداخل وإذا بالجنية مازالت واقفة تنظر إلى كومة السواد الملتصقة بالسقف وقالت تخاطبها "لن يفيدك هذا......لن تخيفني ولن تخدعني، انزل إلى تحت وإلا جمدتك".

          صدر عنه أنين غريب عاد إلى خلقته الكريهة وسقط أمامها ثم تقهقر وتكور على نفسه حتى بدا كأنه رأس بلا جسم، تكلم بصوت أقرب إلى الصدى وقال-ماذا تريدين
          -لن نؤذيك فقط أخبرنا من أخذ اليوم جنية وجاء بها إلى هنا؟
          -أخذها هازل وألقاها في الجبل الميّت.
          -عند من في الجبل الميّت؟
          -عند مارد اسمه طمر.
          -أين يقع الجبل الميّت؟
          -تحت نجم الصعود.

          تراجعت الجنية بكل هدوء وبدا أنها اكتفت من سؤال الشيطان، خرجت من حيث دخلت وانتزعت طرف القماش من الشق وصعدنا لأعلى.

          -يبدو أن طمر أصبح له شأن كبير مع الشياطين ولهذا أصبح صاحب الجبل الميت.
          -وماذا تعرفين عن الجبل الميت؟
          -إنه بركان ضخم لكنه خامد منذ زمن بعيد ولذلك يسمونه الجبل ميت وهو أبرد مكان في هذا العالم ولذلك يستخدمونه كسجن لمن يختطفونهم من الجن ليستعبدوهم بعد ذلك أو يقتلوهم، ومن يولونه على ذلك الجبل يكون محل ثقتهم.
          -وما هو نجم الصعود الذي قال عنه الشيطان؟
          -إنه النجم الذي تصعد من تحته الشياطين على أكتاف بعضها البعض نحو الآفاق العالية لتستمع لحديث الملائكة وتحدث به السحرة من الجن والإنس، أمامنا طريق طويل فأسرع.
          -هل تعتقدين أن بإمكاننا أن نخلصها من سجن طمر؟
          -إجابة هذا السؤال لا تغير شيئاً، لا أظنك سترجع الآن لو قلت لك لا.

          للقصة بقية.....

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #35
            بعد كل الوقت الذي قضيته مع الجن أدركت أنهم بالرغم من امتلاكهم لقدرات بدنية تفوق البشر بمراحل كثيرة، وحتى إن تمتع بعضهم بالذكاء كطائفة الحكام، إلا أن ذكائهم لحظي وغير قادرين على التخطيط والعمل وفق مخطط معين وتغلب عليهم العاطفة، صديقتي الجنيّة التي نصفها بشري بالطبع هي استثناء وقد برهنت على هذا خلال إمساكنا بالشيطان.
            تلك الجنية أبدت تصميماً كبيراً على مساعدتي لإنقاذ حجيل وهذا ما دفعني لسؤالها، وكانت قد أخبرتني أنها حاولت إنقاذ أبيها من قبل من هذا العالم وهذا ما دفعني لسؤالها عن قصة أبيها.

            -ماذا حدث مع أبيك؟

            -قصة أبي تختلف عن قصتك وأرجو أن لا تنتهي بنفس النهاية، أبي في شبابه كان يحاول تعلم السحر، وقد وضع الشيطان الذي كان يعلمه أحد المردة في خدمته ، ذلك المارد كان قد اختطف أمي واستعبدها ، في أحد المرات كلفها بمساعدة أبي في أمر ما لكن أبي أحبها ثم هرب معها إلى عالم الجن حيث عاشا لمدة طويلة سعيدين، لكن ذلك المارد الذي عاقبته الشياطين على عدم حرصه لم ينسى ما حصل له بسبب أبي وأمي فكان يتحين الفرص للانتقام، في أحد الأيام أصر أبي أن يجعل أمه تراني في منامها وذهب بي إلى ذلك الأفق حيث تكون في أرواح النائمين، كانت فرصة لا تعوض بالنسبة للشياطين وللمارد الذي كان يتربص به.

            ما إن دخلت أنا لمخالطة روح أم أبي حتى فاجأتنا سحابة شيطانية سوداء اختطفته ، عدت بعد ذلك إلى أمي لأخبرها وليتني لم أفعل، تركتني وجائت إلى هنا باحثة عن أبي.......بعدها قررت أنا أيضاً أن أبحث عنهما مستعينة بعباءة وبر الغزلان، ودامت مطاردتي لذلك الشيطان وقتاً طويلا من وادي إلى آخر ومن جبل إلى آخر، ثم يبدو أنه قرر التخلي عن أبي والاحتفاظ بأمي فألقاه لي ولففته بقطعة القماش تلك آملة أن ينجو من الحرارة، بعدها انطلق ذلك الشيطان بعيداً بأمي ولم أستطع تتبع أثره......بعد مضي وقت طويل يئست من العثور على أمي وبقي أبي على تلك الحالة التي رأيته عليها حتى يومنا هذا.

            للقصة بقية.....

            تعليق

            • سالم الجابري
              أديب وكاتب
              • 01-04-2011
              • 473

              #36
              طرنا لمدة طويلة في أرض الشياطين، كل شيء هنا بالمقاييس الشيطانية ، فصلت على قدر حركتهم فيها، بحيرات واسعة ينتشر على شواطئها الزبد الأسود، فوهات البراكين لا تتوقف عن قذف الدخان الأسود والحجارة النارية بكتل ضخمة تتهاوى في الأودية السحيقة فيسمع لها صوت يصم الآذان، طفنا بمجموعة من شياطين الأودية السحيقة يتسلقون أحد تلك الأشجار العملاقة يقطفون من ثمارها، شاهدنا حيوانات تشبه الضباع تحيط بإحدى الفوهات التي تصعد منها كائنات زاحفة غريبة كالجلد المحترق فإذا بلغت رأس الفوهة نهشت تلك الضباع منها قطعة فتتراجع وتسقط في الفوهة.....أفضع شيء رأيته هو مقبرة الشياطين، أرض واسعة تتكوم فيها قطع سوداء مائعة على امتداد البصر، يخرج منها وادي عظيم يسيل ماءً أسود لزج.

              صديقتي الجنية بقيت ساكتة لفترة حتى شككت أنها قد أضاعت طريقها.

              -هل نسير في الاتجاه المناسب؟
              -نعم......وسنتأكد من ذلك عندما نرى الشهب في السماء.
              -وما علاقة الشهب ، اعتقدت أننا نسير نحو نجم الصعود!.
              -نعم، لكن الشهب تقذف على الشياطين الصاعدة وإذا رأيناها تأكدنا أننا في الاتجاه الصحيح، يستحسن أن تراقب.

              كانت الرؤية من أسفل تلك الكتل السوداء من الدخان صعبة ومع ذلك كانت تبرز كل بين الفينة والأخرى فجوة تمكننا من رؤية الأفق، تغير الحال عندما صرنا نطير فوق ما يشبه البحر، خف الدخان الأسود كثيراً، فقد كان يتصاعد فقط من الجزر المنتشرة على مساحات ليست صغيرة، ونحن مستغرقان في الطيران ومراقبة الأفق بحثاً عن الشهب المتساقطة كدنا أن نلقى حتفنا لو لا أني تيقظت في اللحظة الأخيرة.

              كنا نطير قريباً من سطح البحر، فجأة إذا بالماء الأسود ينفجر أمامنا ويخرج منه شيء يشبه النخلة العظيمة الطول، كدنا أن نصطدم بذلك الشيطان البحري لولا أني استطعت الانحراف وجر صديقتي معي في آخر لحظة.

              تعلمنا بعدها أن نطير على ارتفاع عالي لتحاشي مفاجئات البحر، رأينا أول شهاب في الأفق وانفرجت أسارير الجنية وقالت "إننا على الطريق الصحيح وقريبون أيضاً"

              للقصة بقية......
              التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 21-04-2011, 12:26.

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #37
                اقتربنا أكثر وهذاه المرة رأينا الشهاب بشكل واضح ينطلق من السماء ثم يتلاشى، دوت في الفضاء صرخة مرعبة، التفتت الجنية إليّ وقالت "لا تخف ، هذه صرخة الشيطان الذي أصابه الشهاب.....إن كانت اصابته بسيطة سيغمس نفسه في إحدى الفوهات النارية وإلا سيموت وستلقيه الشياطين في المقبرة ليتحول إلى ذلك الشيء الأسود فيسيل في الوادي".

                قليلاً ولاحت قمة الجبل الميت وتوقفنا للتشاور في كيفية الدخول.

                -الأمر هنا مختلف أيها البشري، من يحرس الجبل هم من الجن والمردة أعوان طمر وعبيده ولا تجدي معهم عباءة وبر الغزلان، ما رأيك؟
                -كيف يمكن الدخول للجبل؟
                -ما أعرفه عن الجبل هو أنه سجن كبير، وإن كان شبيهاً بكل الجبال التي مررنا بها فستكون الفوهة هي المدخل والمخرج ولاشك أنها ستكون محروسة جيداً.
                -إذن لن يجدي نفعاً محاولة الدخول من الفوهة ولنحاول إيجاد ممر آخر.
                -وإن لم يوجد ذلك الممر الآخر؟!؟!
                -عندها لكل حادث حديث.

                كنت أتوقع وجود ممر آخر، إنه الحدس الذي يتميز به البشر عن غيرهم، اتفقنا أن نستدير خلف الجبل إلى الجهة البعيدة عن مكان صعود الشياطين، لما وصلنا الجبل اكتشفت أنه أكبر كثيراً مما توقعت ولم يكن مخروطياً كباقي الجبال ، بل كان أحد طرفيه مخروطياً ثم يمتد بعد ذلك لمسافة كأنه دودة.

                اتجهنا إلى الطرف الأبعد عن الفوهة أو ذيل الجبل، تفحصناه جيداً، في البداية لم نلاحظ أي شيء ثم تمكنت من تحسس تيار هواء بارد ينبعث من بين الصخور الحارة، عرفت أن في باطن تلك الصخور تجويف يسمح بمرور الهواء، حاولت وضع يدي في الشق وتحريك الحجارة فتحركت، واصلت تحريك الحجارة حتى انكشف لنا ممر ضيق يذهب عميقاً داخل الجبل.

                للقصة بقية......

                تعليق

                • سالم الجابري
                  أديب وكاتب
                  • 01-04-2011
                  • 473

                  #38
                  حاولت أن أرى ماذا آخر النفق ، كان هناك إلتواء في النفق بعد مسافة قصيرة من المدخل، شيء ما دفع الجنية لمزاحمتي على مدخل النفق بلهفة شديدة، انحنت وأخرجت ما بدا لي كأنه عظم.

                  -هل تعرف ما هذا؟
                  -إنه عظم......ماذا يعني؟
                  -هذا عظم أكله إنسي قبل أن يأتي به أحد إلى هنا، وهذا يعني أننا بالقرب من نقطة اتصال مع عالم الإنس.
                  -دعيني أستخلص شيئاً آخر أيتها الجنية، هذا المدخل للجبل هو مدخل سري يستخدمه بعض الجن سراً للحصول على الطعام من عالم الإنس والعودة دون أن يعلم حراس الجبل.

                  تقدمت لدخول النفق بتفاؤل كبير بعد العلامة التي وجدناها على المدخل، وصلنا انحناءة النفق وبعدها بدأ النفق يميل إلى الأسفل مع التفاف خفيف إلى اليمين، مررنا بفجوات حفرت في جانب النفق وعلى مسافات متساوية تقريباً وفي بعضها بعض بقايا عظام من طعام الإنس اعتقدت أنها تستخدم كمخازن للطعام ويمكن أن تكون لها فائدة مهمة وهي أنه بسبب ضيق النفق الشديد لا يمكن يتسع لاثنين، فكان يمكن للواحد أن ينحشر في أحد تلك الفجوات حتى يمر الآخر.

                  أخيراً تناهت إلى أسماعنا بعض الأصوات التي تشبه الصرخات، تخيلتها قريبة في البداية ولكننا قطعنا مسافة طويلة دون أن نبلغ مصدر الصوت، ثم بدأت الأصوات تتلاشى مع تقدمنا أكثر في النفق.
                  تفسيري كان أننا بلغنا مخروط الجبل حيث يقع سجن طمر وأننا كنا ندور في النفق حول المخروط، الآن يأخذنا النفق إلى أبعد من المخروط وإلى عمق أكبر.

                  للقصة بقية.....

                  تعليق

                  • سالم الجابري
                    أديب وكاتب
                    • 01-04-2011
                    • 473

                    #39
                    كدنا أن لا نلاحظه ، جني كان يختبئ عنا في أحد تلك الفجوات الصخرية على جانب النفق، بالكاد كنت قد تجاوزت الفجوة إلا أني لمحته بطرف عيني فتوقفت، كان شديد الخوف ويدفع نفسه إلى الوراء في زاوية الفجوة.

                    حاولت طمأنته بأننا لا ننوي أذيته لكنه بقي صامتاً ولم يزد على توزيع نظراته بيني وبين الجنية، حاولت الجنية هي الأخرى معه دون جدوى......لم أستطع تركه والمضي في النفق كما أشارت علي الجنية بسبب خوفي من أن يدفعه خوفه للهروب إلى خارج النفق ويراه أحد حراس الجبل ويكشف أمرنا.

                    ونحن نتجادل أنا والجنية حول ما يجب فعله وقد أدخلنا رؤسنا في الفجوة ننظر إلى ذلك الجني إذا بصوت من خلفنا يقول "إنه صغير وخائف"، التفتنا فإذا بإحدى نساء تقف على مقربة منا، رثيت لحالها من شدة الهزال والضعف، حاول الجني الصغير عند سماعه لصوتها الخروج والذهاب اليها لكنه رجع إلى مكانه حين اكتشف أن عليه أن يمر بقربي ليصل إليها.

                    رجعت إلى الوراء لأفسح له الطريق فخرج وألقى نفسه في أحضانها، من أنتم-قالت الجنية المسكينة
                    -نحن جئنا نبحث عن حجيل ، اختطفها أحد الشياطين وعلمنا أنها في هذا السجن عند طمر.
                    -حجيل بنت ملك الجبال الشمالية، علمنا أنهم أتوا بها إلى هنا.
                    -ماذا تقصدين؟ من أنتم وكيف علمتم؟

                    -اتبعوني وستعرفون.

                    للقصة بقية....

                    تعليق

                    • سالم الجابري
                      أديب وكاتب
                      • 01-04-2011
                      • 473

                      #40
                      سارت تلك المسكينة أمامنا وتبعناها بصمت، مع تقدمنا في السير أصبح النفق مستوياً بعد أن كان مائلاً لأسفل، واجهتنا انحناءة للنفق وقفت عندها وما إن وقفنا بعدها حتى أشرفنا على مساحة واسعة منخفضة عن مستوى النفق، نزلت قبلنا الجنية حاملة ولدها وما إن وطئت قدمها الأرض حتى تقاطر إليها من زوايا الكهف جن كثيرون، رجال ونساء واطفال وكلهم بدت عليهم مظاهر الجوع...يسألونها عن الطعام وهل استطاعت الخروج أم لا.
                      كان منظرهم يبعث على الأسى خصوصاً الصغار الذين كانوا يتعلقون بها، حتى تلك اللحظة لم يكونوا قد رأونا من فرط لهفتهم على السؤال عن الطعام، نظرت الجنية إلينا ودعتنا للاقتراب فنزلنا، التفّ الآخرون خلفها في خوف وهم ينظرون الينا من ورائها بريبة.
                      هنا سمعنا الأصوات التي كنا قد سمعناها في النفق والمنبعثة من سجن طمر بشكل أوضح، رفعت بصري لأعلى فإذا على مسافة شاهقة بصيص نور متشتت ورجحت أن تلك الفتحة تطل على سجن طمر.
                      لم تستطع صديقتي الجنية أن تقاوم عاطفتها فبدأت تبكي ثم انضمت لهم تعانقهم وبدأ الجميع بالبكاء بصوت عالي، "هكذا هم الجن، في لحظة عاطفية ينسون كل شيء" قلت لنفسي.
                      كنت أخشى أن يثير بكائهم انتباه من هم في الأعلى فحاولت اسكاتهم بسؤالي بإلحاح تلك الجنية المسكينة عن سبب وجودهم هنا، لمّا بدأت الكلام سكت الجميع للاستماع لها.

                      للقصة بقية......

                      تعليق

                      • سالم الجابري
                        أديب وكاتب
                        • 01-04-2011
                        • 473

                        #41
                        قالت تلك المسكينة- كل من يغضب عليه طمر أو يصبح غير ذي فائدة بالنسبة له يأمر بإلقائه في هذا المكان ليموت من الجوع ، أنا وطفلي كنت آخر من ألقي بهم هنا، رفعوا تلك الصخرة التي ترونها في الأعلى وألقوا بي وأغلقوها.

                        -كيف استطعتم البقاء على قيد الحياة؟
                        -عند سماعنا لصرخات الشياطين التي تصاب بالشهب نعرف أنهم يسترقون السمع للملائكة وأنهم سيوكلون مردة الجن لنقل الأخبار التي سمعوها للسحرة من الأنس فينشغل المردة عن مراقبة المكان فيخاطر أحدنا بالخروج من النفق والدخول إلى عالم الإنس من منفذ قريب ليأتي بالطعام.
                        - من الذي حفر النفق بهذا الشكل المتقن؟
                        - حفر هذا النفق إنسي لديه قدرة عجيبة على تسخير المردة منذ زمن بعيد لينقذ زوجته الجنية التي كانت محبوسة في الأعلى لكن الشياطين عادت واختطفت الجنية وقتلت الإنسي، لمّا جاء طمر ولم يكن يعرف عن النفق ألقى بها هنا وهي التي دلتنا على النفق.

                        قفزت صديقتي الجنية وقد فهمت من تكون تلك الجنية زوجة الإنسي، إنها أمها، قفزت وأمسكت بكتفي تلك المسكينة تهزهما وهي تقول " أين هي الآن ...هل ماتت أم هي ما تزال حية"
                        أجابتها-إنها حية ولكنها ضعيفة بسبب الجوع......تعالي لأريك إياها.

                        تقدمتنا بين ركام الصخور إلى إحدى الزوايا وإذا بها شديدة الهزال ومع ذلك تمكنت من رفع رأسها..........ما إن رأتها صديقتي حتى صرخت بصوت يقطعه النشيج والبكاء "أمي....أمي..." ثم انكبت عليها تقبلها في كل مكان.

                        للقصة بقية.....
                        التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 24-04-2011, 10:50.

                        تعليق

                        • سالم الجابري
                          أديب وكاتب
                          • 01-04-2011
                          • 473

                          #42
                          كان موقفاً امتزج الفرح بالمفاجأة .......وقفت بصمت أنظر إلى الأم والبنت وهما في عناق وبكاء.....كانت الأم تتمتم بكلمات لم أستطع تبينها في البداية من شدة بكائها ثم بدأت تتضح....كانت تردد "ليتكم لم تأتوا..ليتكم لم تأتوا"
                          يبدوا أن ابنتها لم تكن تستمع ومازالت في غمرة الفرح بلقائها ثم توقفت عن عناقها ونظرت إلى وجهها لتتأكد مما تسمع.....سألتها " لماذا ليتنا لم نأتي؟".
                          -إنه فخ نصبه الشيطان الذي اختطفني للإمساك بأبيك.....لقد أبقاني حية وألقاني في هذا المكان لعلمه أن أباك سيحاول إنقاذي.
                          -لماذا لم تهربي من النفق؟ سألتها
                          -لم يتركني حتى تأكد أني ضعيفة للغاية بحيث لا أستطيع أن أبتعد، ولما عجزت عن المشي ألقى لي بهؤلاء لعلمه أنهم سيساعدونني للبقاء على قيد الحياة، كان يراقبنا باستمرار ولا شك أنه أيضاً يعرف بوجودكم هنا.....
                          -ولماذا كل هذا الإصرار على الإمساك بأبي كل هذه السنين ؟ سألتها ابنتها
                          -أبوك كان خبيرا بالطلاسم وقد استطاع أن يقيد كثيراً من قوة هذا الشيطان بطلاسمه التي لم يستطع أحد غيره أن يفكها ...... كان هذا عندما أنقذني في المرة السابقة.
                          -لكن أبي قد مات في ذات اليوم الذي اختطفه في الشيطان.
                          -لا يا ابنتي، لو كان أبوك قد مات لانفكت الطلاسم عن الشيطان ولم يجد سبباً لإبقائي حية.
                          -يا أمي إن أبي ميت وجثته معي في الكوخ منذ اليوم الذي رماه فيه الشيطان وطار بك......ذلك اليوم حملته وعدت به إلى الكوخ ولففته في وبر الغزلان خوفاً على جثته من أن تخطفها الشياطين وتأكلها.
                          -ذاك هو السبب يا ابنتي إذن......وبر الغزلان...... وبر الغزلان عزل جسمه فلم تخرج الحرارة التي بثّها الشيطان في جوفه وإنما تجمدت فيه فأبقته كالميت ولو أنك لم تلفيه لقام.
                          -لقد أزلت عنه اللفافة قبل أن آتي إلى هنا......

                          للقصة بقية..........
                          التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 24-04-2011, 10:48.

                          تعليق

                          • سالم الجابري
                            أديب وكاتب
                            • 01-04-2011
                            • 473

                            #43
                            أضاء المكان تدريجياً وبسرعة....رفعت رأسي لمصدر الضوء فرأيت آخر جزء من ذلك الحجر الضخم الذي كان يسد الفتحة العلوية يتوارى، أصوات السجناء الموجودون بالأعلى واضحة الآن.....فكرة أن حجيل بالأعلى كادت تدفعني للصعود والنفاذ من تلك الفتحة لرؤيتها.

                            قالت الجنية المسكينة "لابد أنهم سيلقون أحداً الآن"
                            لم يتم إلقاء أحد وفجأة صمتت الأصوات التي كانت تصلنا عبر الفتحة...أظلمت الفتحة ثم امتد منها شيء ضخم يتلوى حتى تدلى إلى نصف المسافة بين السقف والأرض.....وجهه شديد القبح وشعره يتدلى كحبال الليف وقد تعلقت بها أشياء تشبه القراد والخنافس..... مرّة يتدلى كأنه خرقة ملفوفة ومرّة ينتفخ كأنه قربة طويلة.

                            كل الجن الفوا حول بعضهم في رعب وفزع، أم صديقتي كانت تصرخ "هذا هو ....هذا هو"

                            بسرعة كبيرة انسحب ذلك الشيطان إلى أعلى ودخل النور مرّة أخرى ثم بدأء سائل كثيف أسود ينسكب من الفتحة على أرضية المكان....لم يكن ذلك السائل ينساح بل كان يتجمد ويتراكم على بعضه ليزداد طولاً بسرعة كبيرة.......هكذا حتى دخل الشيطان كاملاً ووقف منتصباً أمامنا......بدأ لونه الأسود يخف حتى صار شفافاً واختفى عن الأنظار، بدأت الريح تعصف ورأيت فتحة النفق التي دخلنا منها وقد بدأت تتهدم.....كلما ازدادت قوة الريح كلما ازدادت صرخات الجن المساكين، أنا وصديقتي لم نكن نحس بالريح على أجسادنا وذلك بسبب عدم قدرته على ملامسة عباءة الوبر.

                            هدأت الريح وعاد ذلك الشيطان للتشكل ، كان كالنخلة العظيمة، بدأ بالإنحناء في اتجاهنا.....لم أتوقع ذلك التصرف الشجاع من صديقتي الجنية، فردت قطعة القماش التي بحوزتها وبدأت تلوح بها في وجهه فتراجع.....تغير لونه من الأسود إلى الأسود المائل للحمرة.


                            للقصة بقية....

                            تعليق

                            • سالم الجابري
                              أديب وكاتب
                              • 01-04-2011
                              • 473

                              #44
                              ارتفع من قعره إلى الوراء وبقي رأسه ثابتاً ينظر إلينا...في الواقع شعرت أنه ينظر إلي بالتحديد....ارتفع ذيله متجهاً إلى الفتحة حتى إذا استوى متدلياً تتابع بكامل طوله ليخرج من الفتحة....كدت أشعر بنشوة النصر ولم أدري أن الأسوأ قادم، عند وصول رأسه إلى الفتحة حنى رأسه إلى الأسفل فتدلى شعره الذي كان كحبال الليف وتطايرت منه تلك الخنافس ومجموعات القراد، أخرج هو رأسه وظلت تلك الحشرات تتطاير في التجويف الصخري.....زاغت عيوننا ونحن نتابعها تطير حولنا في كل مكان، قالت صديقتي الجنية أن هؤلاء هم عبيده من الجن والمردة....كنت أستمع لها وأنا أتابع أكبر خنفسة فيها ...فجأة اختفت تلك الخنفسة وفجأة أيضاً أحسست كأن شيئاً بحجمي تماماً ارتطم بي بشدة يحاول المرور من خلالي دون أن أرى شيئاً......كأنه استطاع أن يدخل في جسمي قليلاً ثم توقف، لم أشك حينها أنه طمر اللعين، رائحة الحرارة التي تشبه رائحة الشعر المحترق لم أنسها منذ أول لقاء لي به.......أحسست حينها بغضب شديد تجاهه فبسببه حكم علي أن أبقى في عالم الجن.....أحسست كأني أعصر نفسي إلى الداخل بشدة ....أحسست أني أعتصره بقوة كبيرة....بدأ يتهاوى تحت قوتي ثم انفصل عني مدفوعاً إلى الوراء وسقط أمامي مرئياً ورأيت شكله الحقيقي وهو يرتطم بالحجارة المتناثرة على الأرض كقطعة من المطاط.

                              قام منتصباً وهو زائغ العينين وصرخ على باقي حشراته ليهجموا علي، جاءتني من كل مكان، تكالبوا على كالضباع، كانت الحشرة منها تحط على جسمي فتتحول إلى جني ضخم، سقطت على الأرض، آخر شيء سمعته هو صراخ صديقتي الجنية.

                              للقصة بقية......

                              تعليق

                              • سالم الجابري
                                أديب وكاتب
                                • 01-04-2011
                                • 473

                                #45
                                فتحت عيني وأول شيء رأيته هو سحابة سوداء تعبر من فوقي على ارتفاع كبير، نظرت من حولي فأدركت أني في سجن طمر، مساحة الفوهة كبيرة جداً وأكبر مما تخيلت، صديقتي الجنية أيضاً كانت ملقاة إلى جانبي، في أماكن متفرقة من تلك المساحة المحاطة بجدران الفوهة الصاعدة تنتشر مجموعات من الجن، بعضها أشكالها غريبة لم أرى مثلها من قبل، كانوا قصار القامة بشكل لافت وآذانهم كبيرة وأقدامهم منفرشة ولهم عيون حزينة، لم أتأكد أهي خلقت حزينة هكذا أم هي أفعال طمر.

                                همي الأول الآن هو حجيل، أين يمكن أن تكون؟ سألت نفسي.

                                على حافة الفوهة ورغم المسافة البعيدة استطعت رؤية بعض الأكواخ، خطر لي أن طمر سيحبس حجيل في إحداها ليغريها.....تلفت يميناً ويساراً...لا حراس على الإطلاق، لا أثر لتل الأعداد المهولة من الجن الذين تراكموا علي وعلى رفيقتي.

                                قررت إيقاظ رفيقتي، مددت يدي وضغطت على ذراعها ثم هززت كتفها حتى استيقظت، أول شيء قالته بعد أن فتحت عينيها هو "لقد جردونا من عباءات الوبر".

                                - فعلاً، لم أنتبه لذلك.
                                - لكنك فكرت بحجيل....أليس كذلك؟
                                - هل تضعين كل اللوم على حبنا أنا وحجيل، مثل ما تفعلين مع حب أمك وأبيك؟
                                - ليس هذا وقت مثل هذا النقاش........فكر بأي شيء مفيد.

                                سكت عنها وابتعدت قليلاً حيث جلست أفكر، كان أحد أولائك الجن غريبي المنظر لا يكف عن النظر إلي، أشرت له بأن يأتي، جاء مسرعاً حتى وقف أمامي، حتى وهو واقف كان رأسه الضخم بالنسبة لجسمه بالكاد يعادل صدري وأنا جالس.
                                سألته "منذ متى وأنت هنا"
                                لم يفتح فمه ولكني سمعت صوته في رأسي يقول "منذ زمن طويل"
                                قالت رفيقتي "هؤلاء نوع من الجن تجبرهم الشياطين على الوسوسة للبشر والجن على السواء".
                                -هل تعنين أنه يستطيع أن يوسوس لحجيل برسالة مني؟

                                نظرت إلي رفيقتي وقد بدت عليها ملامح الضيق أولاً ثم لم تستطع أن تقاوم ابتسامتها وقالت "وهل أوردنا المهالك إلا أنت وحجيل"

                                للقصة بقية.....

                                تعليق

                                يعمل...
                                X