بانوراما نسل آدم بسيناريو مخلوقات الفُلك المشحون
***
( و أن أصنع الفُلك بأعيننا يا نوح )الفُلك الذي سيحمل النبي نوح و قومه و حيواناته المختارة زوجين من كل نوع.
سيكون وطنا مصغرا ينتقل من حالة إلى حالة ، و من مكان إلى مكان.
و بدأ نوح في صنع الفلك من عدة أنواع من خشب الأشجار ( كل أنواع الأشجار المتاحة في زمنه ).
فكان الفلك غاية في الجمال ، يتلألأ تحت أشعة الشمس بعدة ( ألوان ) ، لم تجعله هذه ( التعددية ) في الألوان مشوها أو متنافرا،
بل متماسكا و صلبا و متوازنا ، تتناغم ألوانه رغم ( التباين في درجاته ).
و أمر الله نوحا أن يأخذ من كل زوجين أثنين ( ذكر و أنثى ) ، لحفظ النوع من الانقراض.
فأختار نوح أولا من بني البشر : المؤمنين به ، بصرف النظر عن ألوان بشرتهم وسحناتهم ، و المؤمنين بوحدانية الله ، و المؤمنين بأن ( الفُلك ) هو ( وطنهم ) إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
حملهم الفلك ، و رغم ( كثرتهم ) ، كانوا يحسون بأن هذا الفلك ( أكثر أتساعا ) من قراهم السابقة الواسعة الرحيبة.
و بالرغم من ( تنوعهم ) ، كانوا يتحدثون بلسان واحد مبين، لغة واحدة هي ( لغة المحبة ) و لغة المصير الواحد.
و جاء دور الحيوانات التي كانت تشكل الأكثرية ، و التي كانت تشكل الخطورة على السفينة لما يمكن أن تحدثه من (فوضى و عراك و افتراس) و بالتالي اختلال للأمن بالفلك في عرض هذه الأمواج المتلاطمة من المياه . إنه تلاحم حتمي يفرضه (التجاور) و ( المصالح المشتركة في حيّز معلوم ). و لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث.
سارت الرحلة تنساب بأمر ربها ، و بحكمة ( قائد ) واحد و بإلهام من ربه، رغم أمواج المياه من تحتهم و المطر المنهمر من فوقهم ، و الرعد يزمجر و يكركر و البرق يكاد سناه يخطف الأبصار و تنخلع له القلوب.
و قال لهم نوح ينصحهم بأن الأرض القادمة التي سترسو عليها السفينة ، أرض خير و بركة ، ..
و أنه لا مكان هناك للأنانية و الطمع و الحسد و الحقد.
و عندما وصلوا .................
عرفت الديناصورات أنها لن تستطع العيش في عالمها الجديد ، و أنه عالم لا يصلح للعمالقة من أمثالها ، و أن ( الموجود و المتاح لا يكفيها كطعام )، عندها ، انقرضت الواحد تلو الآخر ، تاركة بصماتها في حيوانات تشبهها ( شكلا و طريقة كسب عيش )، و لكن ليس ( حجما ).
و لحقت بها فصيلة الماموث ، و هي أيضا تركت فصيلة الأفيال التي ( تحاكيها ) شكلا و لكن دون ( فائدة ) تذكر.
و لحق بجيل العمالقة لفيف من الحيتان التي لم تتشرف بأن تعيش عصر ( يونس عليه السلام ) و تفخر بأن أحد أفراد فرع من الفصيل قد أبتلع نبيا بأمر الله.
و لكن كفاها فخرا بأن الحيتان ما زالت ( تجوب ) مياه ( العالم قاطبة ) تسبح بحمد الله بأن قيض لها هذا ( الهواء في الماء و على سطح البحار ) ، يستنشقونه ( دونما مضايقة كما يحدث لبقية خلق الله في البر ).
فقالت الأفيال و هي تدب بأقدامها على اليابسة :
نحن ورثة العمالقة ، و البلد بلدنا و سنسحق كل من يقف في طريقنا.
و لكن الأُسُود لم تضيع وقتا في الحديث ، فقامت بانقلاب دموي ضد الأفيال.
و نصَبوا ( أعلاهم زمجرة ) ملكا عليهم ، و أعطوا اللبوة لقب ( أم الملوك ) بصلاحيات نائب الملك.
و في الانقلاب إياه ، تم قطع عدد من خراطيم الأفيال ، و اقتلاع كمية من الأنياب ( العاجية ) زيادة في إذلالها ، و تم (تحييدها) تماما ،
و منْعِها من الاشتراك في أي قتال ، فاكتفت الأفيال بتلك (الصيحة) التي تمزق طبلة الأذن أيّما ممزق .
و لكن الأسود ، و احتراما (لحجم) الأفيال ، و حفاظا على ( التوازن البيئي و توازن القوى ) ، أطلقوا يد الأفيال في ( الغابات ) تفعل بها ما تشاء ، كما اتفقوا عند (مشارف إحدى البحيرات) على أن تمتلك الأفيال ممرات آمنة لشرب المياه ليلا ، بشرط أن يكون القمر أبن (أربعطاشر) أو في رائعة النهار ، و الويل لمن يستعمل هذه الممرات في أوقات مرورها. ثم حرموها من الاجتماع في قطيع يضم أكثر من ثلاثين فيلا في وقت واحد و في مكان واحد ، و لا بد أن تأخذ إذنا من ( الملك شخصيا ) ، أو (من أم الملوك ) في غيابه. و الويل لهم إن أتوها و هي ( مُرضِع ) أو في أوقات مداعبتها ( لأشبالها ) ، فهذا هو الهلاك المحتوم ، لأن مزاجها حينئذ يكون عدوانيا.
الذئاب و الضباع كانت طابورا خامسا للنمور و الفهود التي كانت تعد العدة لعمل انقلاب مضاد و لكن (الملك ) أكتشف المؤامرة غير أنه غض الطرف عن ( فكرة إعدامهم ) و اكتفى ( بنفيهم ) من ولاياته و تخومها. لذا فإن الطابور الخامس أعلاه ، لا يدور في فَلك الطبقة الحاكمة من ذوات المخلب و الظفر . و رغم أنه محسوب عليها إلا أنه ظل خارج نطاق ( الهيبة ) في كل العصور ، و ظلت تخيف من هم أقل شأنا منها متحججة بانتمائها ( للطبقة الحاكمة ) و أَن لها أيادٍ و أنياب في العرين الملكي.
عليه ، فقد انقسمت فصيلة السباع ( و التي هي من قبيلة السنور الكبيرة ) إلى عدة أقسام حسب (أنيابها و أظافرها) و ( لون جلودها ) وحسب حبها للحوم ( حمراء كانت أم بيضاء، طازجة كانت أو جيفا منتنة ).
و بقيت الفهود و النمور ، تتربص الدوائر بالملك و قبيلته ، و تنافسه فقط في ( الصيد ) و لكن إلى حين.
القرود كانت دائما في محل شك كل الحيوانات ( منذ بدء الخليقة و حتى قبيل ظهور نظرية داروين ) ، فهي لم تنل ثقة أي من بني جلدتها ( الغوريللا و البابون وهلم قِرْدا ) ، ناهيك عن بقية الحيوانات ، لذا ظلتْ ترتاد ( قمم الأشجار ) ، مكتفية (بالمراقبة فقط )، تقدم خدماتها للذي يدفع أكثر أو للذي يؤمِن لها الحماية. و قد عوقبت أكثر من مرة لتقديمها معلومات مضللة ، و لقيامها بعمليات مزدوجة Double Agent
( و أحيانا كالمنشار ).
أما فصيلة الثعابين ( سيدة قبيلة الزواحف ) تعيش حرة منطلقة ، و لا تحتاج إلى مساعدة من أحد ، مكتفية بما منحها الله من قوة ( في السم و بينها و بين فصيلة السباع ( حلف شفاهي و ميثاق غير موقع ) و لكنه ملزم ، أسمه ( الحلف المُنزَلِق)، و يتجدد الحلف كل سنة عند موعد تغيير الثعابين ( لجلودها الناعمة ) بالاحتكاك بالأشجار و الصخور.
الجوارح من الطيور ، أقسمت ألا تعيش إلا ( الخطف) ، معتمدة على النظر الحاد، و أخطر أنواعها نوع أسمه ( صقر الرِّمّة ) ، فهو يستطيع شم رائحة الجيفة ( من على ارتفاع شاهق ) ، و رغم أن فصيله كبير العدد ، إلا أنه بجشعه لا يحدث أحدا بما ينوي أو ما يرى ، لذا تتعارك عند ما تلتقي على ( الجيفة ) مصادفة، و تنشغل بالعراك حتى تأتي الضباع و الذئاب و تفوز بالغنيمة ، فتجتمع و هم يتلاومون و يتعاتبون و من ثم يضعون ميثاق شرف للتعاون و تبادل الخبرات و المعلومات ، و لكن ما أن تلوح في الأفق ( رائحة جثة ) ، تتمزق الوثيقة قبل أن يجف مدادها.
الحيوانات المائية و البرمائية ( هي أكثر المخلوقات حظوظا ) ، و خاصة ( البرمائية ) فهي إن وجدت أن ( الجو ) غير ( ملائم ) برا ، زحفت للماء و غاصت فيه مستمتعة ( بالأوكسجين المذاب في الماء ). تماما كالذي يحمل جنسيتين أو جوازي سفر ، ويعيش في البلد الذي يكون أكثر استقرارا.
زوجة نوح ، كانت من الغابرين ، لم تكن تصلح أن تكون زوجة لنبي صالح كسيدنا نوح و لا أن تنجب له من صلبه أولادا يرثون (حكمة الأنبياء) و حَمْل رسالة الرب الأبدية.
ولدت له أبنا.
لم يكن مؤمنا. رغم أنه من صلب نبي.
من هنا جاءت الأضداد : العسل من تحت إبر النحل.
المسك من تحت إبط حيوان لا زال الغموض يكتنفه.
ورود جميلة بأغصان شائكة.
وجوه ضاحكة مستبشرة و بنفوس كالحة السواد بل مستئذبة.
علامة سيدنا نوح لركوب الفلك ، هو أن ( يفور التنور أو الفرن الذي في منزله و يخرج منه الماء ، إمعانا في الحذر ) ، فيعرف أنها البداية فيتوكل على الله خالقه نحو سفينته مع أتباعه و مخلوقات الله.
زوجته ، رغم أنها رأت فوران التنور ، لم تتعظ ، لم تعرف مغزى ( المعجزة ).
و اختارت أن تقف مع ( الباطل.) ، بهرتها أفعالهم ، و أصنامهم ، و فسقهم وفجورهم ، فانجرفت معهم ، تاركة الرجل الجليل يعفر وجهه ( بنشارة الأخشاب وحده ) ، و نقل الأشجار مع المؤمنين الموحدين ، و وقفت تسخر منه مع الساخرين.
و أبنه ، الغرير ، قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء.
و هو لا يدري أن الغضب الآتي لا توقفه حتى سلاسل من جبال.
و بجزع الأب ، قال نوح : يا رب أبني.
فقال له الرب : إنه عمل غير صالح.
فكان من المغرقين.
يقول العلماء ( مجتهدين في ذلك ) أن سفينة نوح رستْ على جبل الجودي جنوب تركيا ، و يقول آخرون أنها رست شرق آسيا . مجرد اجتهاد.
و لكن في اعتقادي ( الجازم و الحازم )، و مستعملا أدواتا كثيرة في الإجتهاد التاريخي ، أقول بأن السفينة رستْ في مكان ما وسط الأشجار التي دخلتْ في صناعتها ، و هو مكان لا يبعد كثيرا عن مكان غرق القوم الفاسقين ، و لكن السفينة أرادت أن تقول بأنها عادت لجذورها ، عادت لموطن الجذوع التي رسمت جسدها المتين.
تفرق القوم على ظهر تلك البسيطة الطاهرة ، و عاشوا و هم يجترون ذكرى رحلتهم الرهيبة و من ثم تزاوجوا و تكاثروا و فاخروا الأمم ، وصاروا مثلا يحتذي بين الأمم.
ثم ...
و لكن فليعلموا ، أن التنور لن يفور مرة أخرى منذرا بوقوع البلاء و بدء الخلاص.
و أن الأشجار لن تكفي لصنع سفينة لحمل الناس كلهم.
و أن الحيوانات لن ترضى بدخول السفينة إلا مجتمعة و ليس زوجين من كل نوع.
و في النهاية ، لقد انتهى عصر الأنبياء.
***
جلال داود ( ابو جهينة ) الرياض
تعليق