زائر الليل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد بنكرارة
    • 12-03-2011
    • 7

    زائر الليل

    زائر الليل



    الجو قائظ والقرية هادئة في ذلك الطرف القصي من الأرض وسط الجبال تبكي حظها التعس،تنذب حظها في صمـــــــت …،الجو رتيب رتابة حياة مواطنيها البسطاء الذين يكابرون بفقرهم، بصبرهم..وبمآسيهم…،أطفال يحمل كل واحد منهم على عاتقه حقيبة من قماش صنعتها امه، يخب فيها حتى تلامس اسفل ركبتيه يقصدون ذلك المكان الواطئ بين القمم الذي يسمونه تجاوزا "مدرسة"، الحياة تسير بتثاقل، لا يحس بحركتها إلا المنسحقون الذين أورثوا من جاء بعدهم ذاكرة تعي ما حدث، وتحدس بما سيحدث..
    ودع الكرى مبكرا القرية، وفسح مكانه لخيوط الفجر الأولى، الأبواب مفتوحة من كل قفر، وفي الردهة الخلفية ظهر ذلك الشيخ الوقور، إضاءة خفيفة تكفي لتمييز ملامحه.. هرب من البرد و استهواه الدفء فولج تلك القرية الهادئة مرة أخرى ليمارس هوايته المعروفة مع مواطنيها البسطاء، جمع أهل البلد وخطب فيهم:"يا أهل بلدي .. واحبة بلدي.. لقد علمنا التاريخ أن الشقاق بيننا وتنافر الفئات يكسر الآمال، ويجعل هذه القرية منسية وراء هذه المساحات الواطئة ، واني إذ أخاطبكم اليوم فإن قلبي ينفطر شوقا لحال هذه المنطقة .." وانتقل الى الحديث بمجدافه اللغوي عن الديمقراطية ومشتقاتها… فبدا أديم الأرض يكتسي بأوراق تساقطت فقفز الصبية من أماكنهم وسارعوا الى جمع اكبر كمية منها، تلكأ وتتأتأ الأطفال في تهجئة الحروف وقراءة الأوراق ونظر السكان كل واحد الى رفيقه وارتسمت علامات الارتباك والحيرة على الوجوه بحثا عن الكلمات التي هربت من الحناجر وتبادلوا إيماءات مستريبة مشوبة بالحذر ومشبعة بالاحتجاج بامتعاض صفيـــــــق عن ســر هذا" الخطاب" الذي وصلهم كلامه مشوها فانتالت في أذهانهم كلمات صامتة دفعتهم الى التظاهر باستغراقهم في قضاء المآرب بل منهم من بالغ في التظاهر لحد القرف، فتطوع "حميد" رفقة بعض أصدقائه وسألوا الشيخ عن سر هذا الغياب طول هذه المدة فاماء لهم بطريقة قطيعة: "أن أعفوني من تساؤلاتكم السخيفة انتم لازلتم أطفال …" فتدخل أحد الأعيان الذي شد على يد الشيخ بضغط محكم لا يدركه الا من تمرس على فك لغة الإيحاء والرموز وانزل الشيخ من منصته واتجها نحو إحدى السهول الى أن تحولا الى خيال باهت، لا حرارة فيه، غاب صوت الشيخ ونفذ صوت أم الخير الى حجرة ابنها كأسلاك الشروق المتوثبة على الليل فاستفاق "حميد" منزعجا من الشيخ وأوراقه وكلماته متسائلا عن حضور هذا النوع من البشر حتى في كوابيس أحلام النوم.


    بقلم : رشيد بنكرارة ( المغرب )
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد بنكرارة; الساعة 11-04-2011, 16:09.
  • رشيد بنكرارة
    • 12-03-2011
    • 7

    #2
    زائر الليل



    الجو قائظ والقرية هادئة في ذلك الطرف القصي من الأرض وسط الجبال تبكي حظها التعس،تنذب حظها في صمـــــــت …،الجو رتيب رتابة حياة مواطنيها البسطاء الذين يكابرون بفقرهم، بصبرهم..وبمآسيهم…،أطفال يحمل كل واحد منهم على عاتقه حقيبة من قماش صنعتها امه، يخب فيها حتى تلامس اسفل ركبتيه يقصدون ذلك المكان الواطئ بين القمم الذي يسمونه تجاوزا "مدرسة"، الحياة تسير بتثاقل، لا يحس بحركتها إلا المنسحقون الذين أورثوا من جاء بعدهم ذاكرة تعي ما حدث، وتحدس بما سيحدث..
    ودع الكرى مبكرا القرية، وفسح مكانه لخيوط الفجر الأولى، الأبواب مفتوحة من كل قفر، وفي الردهة الخلفية ظهر ذلك الشيخ الوقور، إضاءة خفيفة تكفي لتمييز ملامحه.. هرب من البرد و استهواه الدفء فولج تلك القرية الهادئة مرة أخرى ليمارس هوايته المعروفة مع مواطنيها البسطاء، جمع أهل البلد وخطب فيهم:"يا أهل بلدي .. واحبة بلدي.. لقد علمنا التاريخ أن الشقاق بيننا وتنافر الفئات يكسر الآمال، ويجعل هذه القرية منسية وراء هذه المساحات الواطئة ، واني إذ أخاطبكم اليوم فإن قلبي ينفطر شوقا لحال هذه المنطقة .." وانتقل الى الحديث بمجدافه اللغوي عن الديمقراطية ومشتقاتها… فبدا أديم الأرض يكتسي بأوراق تساقطت فقفز الصبية من أماكنهم وسارعوا الى جمع اكبر كمية منها، تلكأ وتتأتأ الأطفال في تهجئة الحروف وقراءة الأوراق ونظر السكان كل واحد الى رفيقه وارتسمت علامات الارتباك والحيرة على الوجوه بحثا عن الكلمات التي هربت من الحناجر وتبادلوا إيماءات مستريبة مشوبة بالحذر ومشبعة بالاحتجاج بامتعاض صفيـــــــق عن ســر هذا" الخطاب" الذي وصلهم كلامه مشوها فانتالت في أذهانهم كلمات صامتة دفعتهم الى التظاهر باستغراقهم في قضاء المآرب بل منهم من بالغ في التظاهر لحد القرف، فتطوع "حميد" رفقة بعض أصدقائه وسألوا الشيخ عن سر هذا الغياب طول هذه المدة فاماء لهم بطريقة قطيعة: "أن أعفوني من تساؤلاتكم السخيفة انتم لازلتم أطفال …" فتدخل أحد الأعيان الذي شد على يد الشيخ بضغط محكم لا يدركه الا من تمرس على فك لغة الإيحاء والرموز وانزل الشيخ من منصته واتجها نحو إحدى السهول الى أن تحولا الى خيال باهت، لا حرارة فيه، غاب صوت الشيخ ونفذ صوت أم الخير الى حجرة ابنها كأسلاك الشروق المتوثبة على الليل فاستفاق "حميد" منزعجا من الشيخ وأوراقه وكلماته متسائلا عن حضور هذا النوع من البشر حتى في كوابيس أحلام النوم.


    بقلم : رشيد بنكرارة ( البروج / المغرب ) ]

    تعليق

    • محمد الصاوى السيد حسين
      أديب وكاتب
      • 25-09-2008
      • 2803

      #3
      لوحة الختام وذكاء التنوير


      ( فتدخل أحد الأعيان الذي شد على يد الشيخ بضغط محكم لا يدركه الا من تمرس على فك لغة الإيحاء والرموز وانزل الشيخ من منصته واتجها نحو إحدى السهول الى أن تحولا الى خيال باهت، لا حرارة فيه، غاب صوت الشيخ ونفذ صوت أم الخير الى حجرة ابنها كأسلاك الشروق المتوثبة على الليل فاستفاق "حميد" منزعجا من الشيخ وأوراقه وكلماته متسائلا عن حضور هذا النوع من البشر حتى في كوابيس أحلام النوم (



      - هذى هى لوحة الختام فى هذا النص السردى والذى يحمل رسالة لاذعة لصنف من البشر احترف بيع الأحلام للفقراء والبسطاء ، يحمل بضاعته المفضوحة ليدور بها متسولا منصبا سياسيا أو مكانة اجتماعية تنال بأصوات هؤلاء البساط

      - ربما تكون الفكرة عادية وسبق للمتلقين أن تلقوا مثل هذى الشخصية التى تتاجر بالزيف والخداع ، لكن الدهشة التى يكنزها النص لا تتمثل فى فكرته التى ربما سبق وتلقيناها بتفاصيل أخرى أو مشابهة ، إن الدهشة التى يملكها السرد هنا تأتى فى ذكاء الإيحاء بحضور هذى الشخصية فى الأحلام

      - أى أن حضور هذى الشخصية الذى نتلقاه حقيقة وواقعا بصورة مباشرة ، يتحول فى لوحة الختام إلى حضور مستدعى من الذاكرة فى هيئة كابوس ، بما يجعل هذا الحضور يستحيل هاجسا فى نفس ( حميد ) الذى يرمز إلى طبقة الشباب وهى التى تملك مفاتيح المستقبل

      - لذا يكون هاجس حضور هذا الشيخ كمنام وليس حقيقة هاجسا موحيا بحالة القلق والترقب الحذر لدى جيل الشباب فى هذى القرية والتى يمثلها ( حميد )

      - لكن هناك تفصيلة رئيسة يجلوها لنا السرد هى أن زوال شخصية الشيخ المزيف هذى لا تزول فى الحلم بيد " حميد " إنها لا تزول وتمحى إلا عبر الجيل القديم الذى يمثله أحد الأعيانوهو الجيلالذى يقدمه السرد كمن يدرى كيف هى لغة الحيلة التى يتقنها هذا المزيف ولنتأمل هذا السياق

      (فتدخل أحد الأعيان الذي شد على يد الشيخبضغط محكم لا يدركه الا من تمرس على فك لغة الإيحاء والرموز )

      - فى هذا السياق تمثل علاقة النعت ( شد على يد الشيخ بضغط محكم وانزل الشيخ من منصته) إيحاءا دالا على حالة الحنق التى تعتمل فى وجدان هؤلاء والتى يمثلها أحد الأعيان فى ضغطته المحكمة على يد هذا الشيخ الذى يعرف جيدا مفردات لغة الشيخ المزيف فتكون ضغطة اليد المحكمة كناية عن التعبير فى أدب جم عن نهاية اللعبة والرغبة فى طرد هذا الدخيل

      - ثم نبدأ فى تلقى تخييل الحلم عبر سياق (واتجها نحو إحدى السهول الى أن تحولا الى خيال باهت، لا حرارة فيه ) وهو السياق الذى تمهد غرائبية أحداثه لتلقى تنوير السرد عبر اكتشافنا لحالة الحلم التى كان يمر بها " حميد " فها هو الشيخ وأحد الأعيان يستحيلان خيالا باهتا يتلاشى ليصحو بطل النص




      - وهنا يتمكن " حميد " من أن يصحو ليبدأ نهاره وقد انجلى عنه طيف هذا الشيخ ، لنتلقى هذا السياق الختامى (فاستفاق "حميد" منزعجا من الشيخ وأوراقه وكلماته متسائلا عن حضور هذا النوع من البشر حتى في كوابيسأحلام النوم (


      - ربما لو تأملنا علاقة الحال المفرد ( فاستفاق حميد منزعجا ) لوجدنا أنها تجلو لنا تحفيزا للمتلقى لمساءلة موقف حميد ، فهل يكفى مجرد انزعاجه كتعبير عن رفضه لحضور هذا الشيخ الهاجسى فى منامه ، ولماذا ليس فاعلا والحلم براح ومن صنعه فى أن يفتك بهذا الشيخ أو أن يطرده هو بنفسه من القرية

      - أن لوحة الختام كما تكشف عن لنا ذكاء التنوير عبر توظيف تيار الحلم الذى يغاير من خبرة تلقى السرد الأولى من وقاع إلى كابوس فى خاطر " حميد " هو أيضا التى تجلو لنا فى أيحاء رهيف أزمة حميد وأزمة جيله وخطورة أن يكون مجرد متفرج حتى فى الأحلام

      تعليق

      يعمل...
      X