
حينها فغر (الرئيس) فاه وسكت عن منطقٍ وكلام، متعجباً!! أيعقل أن يحاسب (الرئيس) في بلد عرب وأن يَسقُط النظام ، وطفق يصرخ بين أشياعه وزمرة اللئام، "أليس لي ملك مصر" والشعب إما عبد أو أَمة أو غلام؟، ماذا دهاكم أمن بعد قصوري وقبري المرصع بالرخام، ينتهي بنا الحال إلى زنزانة تكون هي الختام؟!! جميع الشعب خونة وزعمائهم المجلس العسكري وعصام، وعمر مكرم شيخهم والإمام، لم يعرفوا بعد ما بيني وبين الكرسي من توأمة ووئام، أم تراهم حسبوا أن يجعلوني عِبرة للخلق والأنام،وأكون أنا أول من يحاكم من رؤساء وملوك وحكام!!! سأنتقم منهم جميعاً وبعد السحور سأضرب عن الطعام، وأغط في ناعم نوم مترف الأحلام، وغداً لناظره قريب .. يوم نَمِيزُ الرؤوس من الأقدام، ومن يضحك أخيراً يطول ضحكه والابتسام..
ونادى على أم العيال أن تعالي يا سوزان، فقامت إليه متثاقلة متسائلة: ما خطبك يا أخيب الأزواج والأقران؟، فرد عليها: أن تباً لك يا أسوأ الزوجات تنامين وأنا أرق سهران؟!، أوليست تلك مشورتك التي أوردتنا في خبر كان، لجاجتك أن ابنك المحروس هو خير الأبناء والولدان، وأني لابد جاعله وريثي ليحفظ القصور والمليارات والغيطان، وأنه الفكر الجديد والأمل الوليد وأعجوبة هذا الزمان، وأن بنات حواء لم يلدن مثله وهو الذُبيان، ونفخت فيه من سم غطرستك.. فهزأ بالشعب والأوطان، يا أم (كل المصريين) لفظتهم و دلَلَت هذا البائس التلفان، ويحك يا عتبة الشؤم ما اهتز لك جفن ولا احمر صدغان، لك الجق فلا كرامة لرب بيت يمشي خلف مشورة النسوان، فزفرت وقالت: لا شأن لي بكم لا زوج لي ولا ولدان، سأذهب إلى أهل أمي وأنعم بالخير اشكال وألوان، كفاني منكم ومن أهل مصر صبرت حتى علت العيون على الحواجب والأجفان، وكأنك يا سبع الرجال حسبت أني سأرضى برفقتك دون مال أو سلطان، إذهب إلى باقي العصابة وقد أرسل لكم خبز وحلاوة في اللِيمان، إذهب فهناك النظيف والشريف وهناك عزمي وسرور والحبيب الثعبان، إذهب فقد سبقك جمال وعلاء من الفجر يا خاسر الميدان، والكل في إنتظار موكبك قد جهزوا المباخر والعيدان، أم تراك تنتظر أن يسبقك سليمان، وتُوكِل إليه إلقاء الخطاب والبيان، ومن قلب (طرة) يخرج النبأ والإعلان، إذهب يا عشرة الندامة فقد جعلتنا مضغة يلوكها كل فم ولسان، أما أنا فبيتي عند أهلي الإنجليز أو أبناء عمي الأمريكان، راهنت (بنت الطرابلسي) بأن لن تٌخلَع وأن الأمر زوبعة في فنجان، وها أنا قد خسرت الرهان، وأجبرتني بخيبتك أن أسدد ديني وأعطيها قرط (نفرتيني) ورأس (توت) وأيضاً طقم (البايركس) والشمعدان، يا ليتني راهنتها على نياشينك العسكرية أو كيس مقرمشات أو علكة أو لبان، لكن صدقت أكاذيب العادلي ونفاق رئيس الديوان، حسبي الله فيكم فقد خِلت أني في منآى وأن بأمان...
ثم هبت إلى الهاتف متصلة بإبنها وهتفت تعال يا جمال، ودعك من لعب "البلاي ستيشن" يا زينة الشباب والرجال، فاسمع هَذي أبيك وقوله الخبال، يقول بأني سبب نكبته ليداري فشله وخيبته ويبرر سوء المآل، يا ويلتي فيما رزئت به من زوج أحمق وعاق عيال، فقال: يا أم لا عليك فالريالات والجنيهات والدولارات في مأمن وخير حال، هوني عليك من تخاريف أبي فهو (مرفوع عنه القلم) لا يعاتب على أقوال، وأنا أتدرب الآن على حكم (أطلانطس) ولا أعبأ بمصر ولا أبال، وقد ناقشت رفيقي أحمد عز الطبال، وأشار علي أن نبني بحديده لك قصراً به غرف نكدس فيها ما نهبناه من آثار وأموال، ولن نحتاج إلى مصارف فنخشى من التجميد أو السؤال، أما (أونكل) صفوت فقد تصرف كعادة أمثاله من الأنذال، وهددني بال(سيديهات) وتسجيلات الأقوال، وتخيلي أنه أخذ مني البرفان والجوال، وقال لي: أنا رئيس العنبر وأنت هنا حارس نعال، لولا تدخل (أونكل) سرور الذي طالب بالتصويت بصوت عال، فعينوني الوريث لحين قدوم (بابا الرئيس) بمجرد أن يبرأ من الاعتلال، سأناول الهاتف لأخي علاء ليطمئنك ويختم المقال.
فتأفف الأخ وترك من يده الدلو والممسحة و بعض اشياء، وتلقف الهاتف قائلاً أهلا يا أمي .. أنا علاء، كيف حالك وحال باقي النساء، فأجابته: أي بني لا تقلق سترجع لتصحبني في رحلة الشتاء، لكن أفعال أبيك عكرت مزاجي والدماء، وخرج علي بعاصفة هوجاء، وكأني ممرضته أو من خدمه الأوفياء، وقد تنكر لي وأنا من فرنجته وعلمته الكلام وطريقة الرداء، آخرتها يتهمني بأنني السبب في الإطاحة بعرشه والكبرياء، فأجابها: يا أم لا عليك فهذا دأبه من يومه يحمل غيره التبعة والأخطاء، ولن أنسى يوم أن رفض أن يعطيني ما بقي من أرض مصر أو ما يعادله في زحل أو السماء، ولا تنزعجي يا أمي فجناحك في سجن القناطر قد قارب على الإنتهاء، وهم يقومون الآن بتجهيز الجاكوزي والعباءة البيضاء، وقد أوصيت أن يستقبلوك استقبال الكبار العظماء، وأن يبعدوا كل القباقيب وأن يحرسك عشرون ضابطاً ولواء، وأن يمنعوا عنك زيارات الثكالى وأمهات الشهداء، ولأنك بريئة لا ذنب لك حتى يقرر القضاء، فساعتها فقط يمكن أن نبكي على ملك نهبناه وأضعناه ونقبل العزاء، ولي عندك طلب يا أمي ورجاء، لا تتصلي بنا ثانية وإلا عاقبني (هشام) بمسح الزنزانة وكنس الفناء، ولا داع يا أمي أن تلبسي تاج الخيلاء، وإن استطعتي فأهربي ولا تطيلي البقاء، ووكلي لنا محامياً فهيماً لا مثل (مرتضى) الببغاء، وإن أكلت الكافيار مع أبي من دوني فإني منكما براء.
ثم عادت إلى زوجها وقالت: أي مبارك، أراك ما عدت تعرف ليلك من نهارك، وبت تطفق في جنونك وخبالك، لكن لابد لي من سؤالك، كيف يا قائد لم تتجهز ليوم كهذا أم أنه لم يدر بخيالك؟، أحسبت أن يغني عنك بلاطجتك ومرتزقة شريتهم بمالك؟ أم تراك ظننت أنك مخلد في صحتك وشبابك؟ الآن تلومني وتريد أن تطفئ غيظك ونارك، مع أنهم قالوا لك كيف تحكم مصر إن عجزت أن تحكم دارك؟!! أطلقت يدي وأيادي عصبتك وصغارك، فبتنا نلملم ما قدرنا وكله كان بعلمك وقرارك، وها نحن جميعاً إلى السجن سابقوك وسنظل في إنتظارك..
واختتم صاحبنا قصته التي لها العجب، بأن قال يا كرام كل بأمر الله مقدر وإن احتجب، هذي قصة عديمي المروءة والحياء ليس عليهم عتب، فهل أغنى عن مبارك وآله المليارات وقناطير الذهب؟، ألم يعلموا بأن هذا مسطور مسجل في الكتب، أن من ظلم سيظل للقصاص مرتقب، ولا حق يضيع ما أتبعه جد الطلب، وأن من جار على العباد آخرته كأم جميل وأبي لهب..
تعليق