يدان طوق و أستدارة ...2

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    يدان طوق و أستدارة ...2

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يــــــدان طـــــوق و أستــــــدارة
    عبيـــــــر سنــــــو
    و
    أحمـــــــد زكــــــارنــــــــة
    قـــــــراءة منجيــــــة بـــــن صالــــــح

    يدان و طوق و استدارة كان هذا هو العنوان الأصلي لهذه الحوارية الرائعة بين كاتبين أحمد زكارنة و عبير سنو احترافا صناعة الكلمة المعبرة عن صدق المشاعر و أَرقِّها و أرْقَاهَا لتحلق بك بعيدا في عالمها أو لنقل تبحر بك في صمت بليغ له إيحاء رائع, يجعلك تعيش جماله دون أن تستطيع التعبيرَ عنه بالكلمة و لا بالمنطق فهو مطلق له روعة... ربما لأن لحظة الصفاء التي عاشها كلاهما كانت حاملة لأروع جنين و أجمل طفل ولد على ارض النص لتُطلعنا الكلمات على حقيقة غابت عنا أو لم ننتبه لوجودها لزحمة أحداث واقع مشوه و رديء نتخبط فيه دون الوصول إلى مخرج يكون طوق نجاة و فعل قادر على تغيير واقع أرهقنا.... كرهناه و لم نستطع التخلص منه ....

    هي الحقيقة التي نتوق إليها و لا نطالها لأن منطق الواقع الذي نستعمله و سطوة الأفكار الدخيلة على فطرة الإنسان السليمة هي من تجعلنا أبعد ما نكون عن حقيقة وجودنا و رسالة ضاعت من حاملها في زحمة الحياة المادية, التي أصبحت بالنسبة لنا شبهَ معانات يومية نتكبد مشقتها و نتحمل تَبِعاتها التي لا تخلص حتى تفرض علينا وجودها من جديد .

    أجد نفسي أمام نص للكاتبة عبير سنو وهي تغوص في أعماقها متخليَّة عن واقع يكبلها و يحد من حرية انطلاقاتها على أرض الواقع لتحلق على جناح الكلمة المسافرة عبر فضاء الآخر النصف المُكمِّل لتنصهر فيه و تَنْتَعش بوجوده و كأنها تكتشف حياة أخرى لم تألفها لكنها سمعت عنها من خلال القصص و الروايات لتعيش أجمل اللحظات لتبدع تصويرها بالكلمة و التقاط أروع لحظاتها لتجعلها مستديمة التذوق لسعادة و فرح غادرنا من زمان ربما عند لحظة الخلق الأول عندما كان الإنسان في الجنة, بعدها نزل إلى الأرض ليعيش معانات لا تنتهي إرهاصاتها .
    هكذا وجدت نفسي متطفلة أو متبنية بكل شغف لحظة إبداع الكاتبة عبير سنو وهي تقيِّم أساس تواصل مع آخر تتوق إلى حضن وجوده المعنوي المُكمِّل لها لتَنْسِج لنا حوارية رائعة تتداخل فيها المشاعر على مستوى المعنى و مبنى النص لتكون الأنا و النحن واحدا لا يقدر على فصلهما واقع رديء, فرق بين وجود الإنسان بشقيه الأنثوي و الذكوري و هو الذي خَلقنا تعالى من نفس واحدة ليكون آدم جنس أختزل داخله أنثى ألا وهي حواء .

    هكذا كانت هذه الحوارية الرائعة بين آدم و حواء يناشد كل منهما التواصل مع الآخر فكل يعيش فقدا أرهق كيانه ... نرى الأسئلة تتلو نفسها ليمزقها الكاتب لأنها تُذكِي حيرته و تُشتت فكره تتلقفها الكاتبة, تُسعدها, لتُشقيها تفرح, لتَحزن فهي من تتلقى حيرة السؤال و الذي تصبح هي كعبته ليطوف حولها و بها.... أتراها تجد أجوبة ترد بها على حيرة الآخر؟ أم أنها تتعامل معه بطريقة الأنثى المواربة في لهفتها للمعرفة و السعادة التي تنشدها أرضها القاحلة ؟
    هكذا نرى الكاتبة عبير سنو تواجه هذا الطوفان من الأسئلة بحكمة فائقة فهي تختزلها و تقول :

    وَكَأنّهَا بِي
    تَسَاؤلاتٌ أصابتْ مِنَ الجَسَدِ
    عَصَبَ المَفَارِقْ
    طوفان الحيرة في الكاتب لم يُبقي على أرض هذه الأنثى المتعطشة إلى التواصل و بناء علاقة راقية و فعَّالة على مستوى فكر إنساني فِطري نستشفه من كلمات تُحَمِّلُها الكاتبة أجمل المشاعر و أنقاها ليغمرها و كأنه يريد أن يجد ملاذا لحيرته التي أرهقت الفكر و الجسد .
    تلتقط الكاتبة الإشارة و تجعل من جسدها ملاذا و من أرضها حمى يمتص ماء حيرته و كأنها تَسقي أرضها بها لتجعلها تُنبت أَجمل فِكر و أرقى منطق تواجه به حيرة وجود و حياة واقع يَرزح تحت ثِقله الإنسان و بيانه, لتقول الكاتبة أن هذه التساؤلات أصابت من الجسد عصب المَفَارق... هو اختزال لرحيق حيرة و لقوة انفعال داخلي يكون مستقره باطن أرضِ أنثى تحمل في جسدها كما فكرها خصوبة فطرية قادرة على تخليق جواب يكون جنينا لفكر يُثري الوجود و يعطي للآخر ابتسامة و لحظة سعادة هو في أمسِّ الحاجة إليها و تنتقل الكاتبة من أرض جسدها إلى حواس تفاعلت مع حيرة وجودية لتقول:
    وكأنَّهَا بِي
    تَسَاؤلاتٌ
    تَسَاقَطَتْ أقراطًا شَبَكَتْ مِعْصَمَ السَّمْع
    تقول الكاتبة أن للجسد سمع آخر يختزل الكلمة بطريقته ليكون لها وقع داخل الإنسان يشكل مشاعر متجاوبة أو مواجهة للفكرة و الحيرة الملقاة على أرضه كما أيضا لحاسة السمع. إستجابة تجعل من أقراط مُكبِّلة لها تتساقط لتعي بالفكر و الحس أن للطرف المقابل سؤال و حيرة تنتظر منها أن تتلاشى أمام جواب يروي لهفتها ,لتقول أن تتابع الأسئلة جعل لكلّ منها وَقع خاص على مشاعرها و حواسها لتقول :
    تَضَمَّخَتِ الأنفَاسُ
    بِحِنَّاء سُؤالٍ بِكْرٍ
    وآخَرَ
    أَسْبلَ الجَفْنُ دُونَهُ
    وآخِرُ العُنْقُودِ
    فِي كَرْمِ التَّهَافُتِ
    مَلَكَنِي
    للأنفاس أيضا تعبير عن التلقي فللكلمة وقع ليس بالهين فهي سلاح و بلسم , وهي حسرة و فرح ,حزن و سعادة ,هكذا عبرت الكاتبة عن تلقيها للكلمة لتقول لنا و لمن لا يعرف قيمتها أن لهذه الكلمة وقع مذهل على الجسد و كل الحواس و التي تتفاعل معها كلّ حسب طبيعته و تكوينه لتتضمخ الأنفاس بحناء سؤال بكر, صورة جميلة مُعَبرة عن إحساس الكاتبة بسؤال تتلقاه لأول مرة في حياتها وهي التي لم تعرف لحيرة الآخر جوابا بالكلمة فتترك لجسدها التفاعل معها بشعور داخلي ,يحكمها ,و بحواس تفصح عن استشعارها لمشاعرَ تحاصرها و كأنها تبحث عن حمي, تلتجئ إليه لتعيش استراحة المَقاتل.... هي طبيعة الأُنثى عندما لا تستطيع المواجهة, يلفها حياء جميل أمام مشاعر إنسانية و أسئلة مشروعة, تجعل كَلماتِها تَأبى أن تفصح عن نفسها فيكون للجفن حركة و للمحيا جواب ....
    لا تُخفي الكاتبة إعجابها بعمق السؤال و بحيرة وجودية تجعلُها تتذكر نفسها لتجد أن لها منها .. و أنها تعيش نفس لحظة مُخاطِبها, و من هنا تكتشف عمق هذا التواصل الإنساني المفقود في ظاهره الواعي, الموجود في باطن اللاوعي فللكلمة الصادقة المشاعر الوفية للفطرة الإنسانية, وَقْع يَخترق أعماقنا ليجعلنا أمام حقيقة طمستها رداءة فكر و صلف واقع خبيث.
    يمتلك السؤال الكاتبة لأنه يُذَكرها بأجمل ما فيها ,و عوض أن تجد أجوبة لأسئلة حائرة نراها تبدي غير ذلك لتقول:

    وَكَأنّها بِي
    مَقْدُودَةٌ
    في الصّدرِ
    رَاحَتْ
    تَحْتَكِرُ
    فِي القَلْبِ
    راحَتْ
    تَلْتَصِقُ
    في الصّمتِ
    راحَتْ
    تُشْعِلُنِي
    وَتُشْعِلُ
    قَنَادِيلَ خِلْتُ يَوْمًا
    شُحَّ زَيْتِهَا
    فَأَزْكَتْهَا
    نَيَازِكُ لَهْفَتِكْ
    تسهب الكاتبة في وصف حالها بعد تلقي سيل أسئلة لا تبدي لها جوابا لكنها تعيشُها , ليس كما عاشها الطرف الآخر لكن بطريقة أبدعت في وصفها لتقول لمُخاطبها أن جوابك ليس عندي, لأني أنا الحيرة و السؤال, أنا الجواب و التيه, أنا الفرح و الحزن, أنا, من يتعايش على أرضه السعادة و الشقاء, أنا كل أسئلتك و أجوبتك و لك وحدك الخيار الصعب ....

    كل التساؤلات مقدودة في الصدر تحتكر القلب تلتصق بالصمت تشعل قناديل لهفتها على وجود تتوق إليه ليَخلصها من فقد تعيشه و من وجود هي في أمسِّ الحاجة إليه, لأن لا حياة بدونه, لتصبح هذه الأسئلة نور وجود, و شمس أصيل, تشرق على روحها العطشى للتواصل مع من تشعر بذاتها انه مكمِّل لوجودها الناقص, و الذي يفتقد لأجمل مشاعر و لأحلى عواطف هي في حاجة ماسَّة إليها, لتكتمل معها و بها و تقول الكاتبة مواصِلة في وصف وَقْع حيرة السؤال الباحث عن جواب لتجيب عنه بطريقة جميلة و تقول :
    وَكَأنَّهَا بِي
    لِقَاحُ رُوحٍ
    امْتِدادُ شَمْسٍ
    اخْتِلاجُ
    عُمْرٍ
    طَيُّ وَرِيدِ الرُّؤى
    فَمَاذا عَسَايَ
    وَبِتَّ
    الحَيَاةْ
    ؟؟؟؟
    و من الحديث عن الحواس و الجسد, تنتقل الكاتبة إلى الحديث عن الروح وهو مستوى آخر يجعل لهذا التواصل رُقِي الكلمة و المشاعر لأنها تتعامل مع عالم نوراني لا تطاله الظلمة و لا مفرداتها الرديئة ,التي تفقد وجودها أمام اشراقة الروح ,و تقول الكاتبة أن هذه الأسئلة هي وجود آخر يجعلها تعيشه دون أن تكون قادرة على البحث عن أجوبة .....صورة بليغة و رائعة تعبر عنها الكاتبة بدقة متناهية ,تشعرنا لأول وهلة أنها بعيدة جدا عن الموضوع المطروح وكأنها تأخذك إلى مجال آخر, أبعد ما يكون عن واقع الأسئلة, لكنها في الحقيقة تختزلها مع الأجوبة لتعبر عنها بطريقة فنية تبدع في رسمها بالكلمة الشفافة الراقية, فتكون الأسئلة لقاحَ روح , وامتدادَ شمس ,و اختلاج عمر, وكأن الكاتبة تعيش رؤى حُلم صاحبها سني زَمن انقضى, له ذكرى و امتداد لحظة الخلق الأول, عندما كانت الآدمية الكليَّة تنفصل عن جزء منها لتثمر الحياة خلقا آخر... فللأنثى لهفة إلى آخر يعيش داخلها بكل تفاصيله الوجودية المُتحركةِ على أرض مشاعرها التَّواقة إلى حضور يُشبع لهفة حنينها ,هي منه و هو أصلها لتقول بكل ثقة ....فماذا عسَايَ و بِتَّ الحَياة ؟ سؤال تسترسل في التوغل فيه لتقول:
    وَعُرْوَةٌ اتَّسَعَتْ
    تَحِيكُ دَوَائِرَ
    الأمَلِ
    بِحِبْكَةٍ ما أتْقَنَهَا
    إلاكَ
    أيَا سُؤالِيَ المَوْجُوعْ
    وَتَقُولْ
    ؟؟؟؟
    بِاللهِ ...عليكَ
    أفي حَضْرَةِ
    مِثْلِكَ
    أقتَفِي
    وَقَدْ زَرَعْتَنِي
    مِنْ بَعْدِ قِطَافٍ قَبْلَ الأوانْ
    تطوف الكاتبة حول نفسها لتتسع العروة و كأنها تتخلص من حيرة السؤال لتلقيَ على أرض مُخاطِبها أجوبة أرادتها مواربة لكنها مفصحة عن نفسها بكل تلقائية و التي احتضنت سعادة لحظة وجود, تتوق إليه لتناشدها إشباع لهفة ,تعيشها بكل كيانها فللأمل دوائر تُحِيك نفسها لتلتف على فرح ,على جمال, ينتشى له وجود الكاتبة في حضرة وجود آخر تبحث عنه في ثنايا الذاكرة التي أضناها الفقد .... الحيرة تُذَكِّرُها بوجع سؤال يؤلمها ,لأن الآخر هو سؤالها الذي يثير استفهاما تبحث له عن جواب, و عن وجود حسي و تواصل معنوي يذكي الفكر و يُخْصِبُ الجسد عندها فقط تكون الأرض مثمرة و التي تكون قاحلة عندما يحتضنها تيه السؤال الفَاقد لجواب ....
    تعبر الكاتبة بكل تلقائية لتَسأل أفي حضرة مثلك أقتفي ؟ و كأنها تريد أن تقول هل أنا مؤهلة لأقتفيَ أثر جواب أنا مصدره ؟ و تُعبر بطريقتها لتقول و قد زرعتَنِي من بعد قِطاف قبل الأوان لتقول بعد ذلك :
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2

    أَعَدْتَنِي
    رَوَيْتَنِي
    صَيَّرْتَنِي
    فِي مَهْدِ
    الفَرَحِ
    جَنِينًا
    فَوَلَدْتُكَ وَوَلَدْتَنِي
    وَعُدْتَ بِي
    عُذْتَ بي
    لِنُسْقِطَ عَنَّا بُرْقُعَ
    المَرَايَا
    عُرَاةَ النّوَايَا
    نَلْتَحِفُ الحَيَاةَ
    شَدْوًا أخْضَرَ
    عَلى وَتَرِ
    الفَجْرِ
    يُرَاقِصُ مَلائِكَةَ
    الصّباحِ
    المُنَدَّى
    أعدتني, رويتني, صيرتني, أفعال تستعملها الكاتبة وهي بين يديه ليشكل وجودها من جديد على أرض الواقع , فهو الفاعل وتكون هي المفعولَ به عل مستوى فكر يضع مفرداته من خلال أسئلة تتلو نفسها على وجوديهما ليتشاركا في البحث عن سؤال يبقى دون جواب ....... تتلقى الفعل لتتشكل و تصير جَنين فرح تكونُ بعدها الوالدة و المَولود من صلبه, صورة رائعة برعت الكاتبة من خلالها تجسيد لحظة خلق الإنسان, التي تتكرر دون انقطاع..... يحتضنها المدى لنتوه بين زمن البداية و النهاية و نفقد الوِجْهَة و المُواجهة لرداءة واقع يردينا ....

    للذكر استعاذة بالأنثى و التي يعوذ بها ليكون الوالد و المولود و لتكون هي الجنين و الأمَّ الولادة في نفس الوقت ....تعيدنا هذه الصورة إلى الخلق الأول و ما أروعَها من صورة ليجد الإنسان نفسه أمام مرايا ,عاريا من كل النوايا, إلا من وجوده كإنسان حامل لرسالة هي مناط تكليفه, و لأمانة سكنت صُلبه, ينجزها بإرادة أو بغيرها, ليكون مُسيِّرا إذا أعرض عن الاختيار السَّليم, و الذي يُجَذّر وجوده على أرضه كإنسان له بيان و على أرض الواقع الحامل من خلاله, أمانة عهده الأول.....
    يتخلص الإنسان من نوايا مسبقة, و من واقع متسلط أثقل كاهله ليكون قد تواصل مع عالم صَمْت له بيان, يحلق به في فضاء الروح الملائكية, في بحر وجودها النوراني المشرق على أرض حقيقة الإنسان و الكون.... تَلج الكاتبة هذا العالم المُفعم بالفرح و الذي لا يعرف الحيرة و ثِقل أوزارها, لتكون روحها محلقة على أجنحة كلماتها الجذلى, و كأنها تحررت من ثقل وجود الواقع الذي أثقل كاهلها , و أضنى كيانها المُثخَن بالجراح...... هكذا تتحرر الكاتبة بالكلمة الواعية و المُسْتقات من أعْماق بحر الحقيقة لتنصهر في الآخر وتصبح وجودا كليٍّا يُراقص ملائكة الصَّباح المَندَّى ليكون الفجرَ هو العَازف و المَعْزوفة لتقول لنا الكاتبة :
    أأقولُ لكْ
    ؟؟؟
    نَعَمْ
    أطْرَبْتَنِي... حَدَّ نُخَاعِ الدّهْشَة
    صَهَرْتَنِي
    أيَا طَوْقًا
    يَلُفُّنِي
    أينَ مِنِّي وَمِنْكَ الغَرَقْ
    وَحُبٌّ لنْ يُزَفَّ فِطَامَهُ
    وَالرُّوحُ
    أرضَعَ أجِنَّةَ الحَوَاسِّ
    فِينَا
    فَرْحَةً
    وَطَوْقًا حِينَ زَفَّنِي
    أَوْدَعْتَهُ
    أوْدَعْتَنِي
    طُهْرًا مُبَسْتَرًا
    لِخَالِقٍ
    مِنْ بَعْدِ حِكْمَةِ
    وِصَالِنا
    تَبدع الكاتبة في رسم تواصل وجود, تتوق إليه كأنثى أضناها الفقد و هي تُجيب بلا شعور واع لكن بحدسها الفطري ,عن حيرة وجودية احتضنتها كما هو.... أفقدتهما الهوية و التي استعاداها بالتحام رائع ,على مستوى الكلمة التي كانت من أَحَدِهما كأنها رجع صَدى في الآخر لتكون الأنا نحن, و نحن الأنا, انصهار وجود في جنة يريدانها دائمة أزلية , تُعَاش كلحظة لها سعادة مستديمة, ليبقى مَذاقَها دائم, يستمد إستمراريته من استرجاع ذكريات, و من معايشة كلمات, لها طعم الحقيقة, و روعة الوجود الخلاَّق المُتَخَلقِ فينا.... تُعَبر الكاتبة عن هذه الَّلحظة و تقول أَطْرَبْتَنِي حد نُخاع الدَّهشة.... صَهرتني أيَا طَوقا يَلُفني و كأن هذه الإحاطة ليس لها زمن محدد, فعل مضارع يعيش اللحظة و لا ينقطع مدى وجوده فالكلمة تمتلك الحس الشعوري تستشفها الحواس لتخلد ذكرى الفرح و السعادة كما الحزن و الألم ....هو هروب من واقع مُثخن بالجراح إلى عالم, تتواصل فيه الأرواح لتتكامل ,على مستوى الكلمة و المعني, تعيش الحقيقة, لتتغير ملامح الوجود فينا ,لتقولَ لنا الكاتبة إن الغرق غير مسموح به, في ظل حب ينتشل الوجود من عبثية مشاعر سلبية, سلبت البشرية إنسانيتها, فللحواس أجنة تُخَلّقُهَا الفرحة ,و لحظة سعادة هي حكمة خَالِق ,و طُهْرُ سريرة, و صِدْقُ كلمة تحررت من واقع انحرفت وجهَتُهُ و ساء مآله , و تقول الكاتبة في تداخل بديع بين الأنا و النحن :
    مَا هَمَّكَ
    مَا هَمَّنِي
    وَأنتَ بِي
    كَيْفَمَا اسْتَدَرْتَ أدَرْتَنِي
    تترك الكاتبة كل مشاعر اللحظة وهي المتأملة في أعماقها المُستمتعة بانتباه مُوغل في حضرة حسها الإنساني النابع من فطرتها ,و بعد أن تعرضت لحضور الأنثى فيها الفاقدة لشرعية وجودها و التي تعترف بنقصها الموجع .... وبعد كل هذا التمشِّي على مستوى الفكر و المعنى و الكلمة, تصل إلى نتيجة تَحذِق التَّواصل معها, بحرفية حدس الأنثى المرهفة الحس, لتقول ما همَّك ما همَّني, و لتتجاوز بذلك ذاتها الشاعرة بالكلمة, لتتواصل مع أخرى مُحلِّقة في سماء الجمال و بحر صمت, يجعلها لا تهتم بالحس المادي , بل تعيش لحظة سعادة المعنى الوجودي, لتَتنسم نسائم جنة خُلد ,تكون مقيمة فيها لتعيش سعادة و فرحا دائم لا ينقطع مداه, تكون به و يكون بها ,كيان واحد أينما يَستدير يُديرها.... هو انصهار وجودي رائع على مستوى الكلمة و الذي توصلت إليه الكاتبة في نهاية النص لتعبِّر عنها بطريقة أَبْدعت فيها لتحلق بك تارة..... تضعك على قمم الجمال ....... تلتقط أنفاسها ثم تعيد التحليق من جديد.

    كنت معكم ومع حوارية رائعة استمتعت فعلا بقراءتها أبدع الإعلامي الاَّمع أحمد زكارنة و الأديبة القديرة عبير سنو في تقديم جميل, و راق لحوارية غاصت بنا في أعماق الوجود الإنساني بِشقَّيه, ليعطينا النص صورة متكاملة عن الأدب الإنساني وقد أبدعت الكاتبة في تلقيها للأسئلة و في الجواب عنها بطريقة رائعة تنحو بك منحا آخر, لتكون مواربة, مستجوبة ممانعة, مستجيبة, تفصح عن مشاعر أثارتها الأسئلة, و لا تفصح عن أجوبة ربما ,هي تفتقد وجودها ,أو لا تعتبرها مهمَّة, مقارنة بما يثير فيها السؤال ,من مشاعر رائعة تكون في حدِّ ذاتها أجوبة تَعيشها, و لا تستطيع الإفصاح عنها بالكلمة المباشرة , بل تحاول وصف حالها عند تلقيها.... هو إستفهام يثير فيها أَرَقَّ المَشَاعر التي تأخذها على جناح الحُلم لتعيش على أرض ذاكرة ,تواصلت مع لحظة الخلق الأول ,عندما كان الانصهار و الانفصال, لتعود و تعيش هذا التواصل المُكمِّل لوجودها.

    بعد هذه القراء لنص جميل كان حوارا راق بين جنسين افترقا على مستوى النص ليلتقيا على مستوى الكلمة و تتداخل المعاني لتشكل الوجود الإنساني ....كان لهذا الالتحام و الذي عبرت عنه الكاتبة عبير سنو روعة كتابة المرأة التي تثير جِدالا مستمرا على الساحة الأدبية لنطرح السؤال هل هناك أدب نسائي ؟ أم أن الأدب لا يعترف بالجنس فهو إنساني قبل أي شيء آخر ؟
    سؤال أثارته هذه القراءة لأطرحه على نفسي أولا و عليكم ثانيا لأقول أن الأدب هو إنساني في المقام الأول لأنه يعبر عن لحظة إبداع أو واقع يغرقنا بأحداثه اليومية المتلاحقة في حياتنا .... تختلف الكتابات باختلاف الجنس و هذا واقع لا بد أن نعترف به فللمرأة حسٌّ و مشاعر تختلف فيها و بها عن الرجل و هي الجزء الذي يبحث عن التكامل مع الآخر في علاقة زوجية خُلقت لتكون مثمرة و من دونها تُصبح الحياة عَقيمة و شَاذَّة , و ما أريد قوله عند ذكر العلاقة الزوجية هو أن هذه العلاقة عند الكاتب تَخرج عن المألوف الاجتماعي البيئي الحسي, لتكون لكلّ منا علاقة زوجية مع فكر نتبناه , مع مرجعية لها ديناميكية وجودية خلاقة , تحثنا على الخلق و الإبداع و تبدد حيرة تُنهِك قوَّة الإنسان المثمرة للإبداع, فعندما نَحُطُّ عصا ترحال أوجاعنا نكون قد و صلنا إلى فكرة, إلى تواصل بناء مع آخر لتفتح لنا الكلمة أبواب معرفة بمعنى, نشعر من خلاله بلحظة سعادة دائمة تُسجلها الذَّاكرة لتعيشها عندما يضيق بنا الأُفُقَ .....

    كتابات المرأة هي تعبير عن ذات معنوية جزئية ترى من خلالها وجودا غير مكتمل تبحث فيه عن ذات مكمِّلة عبر الكتابة الحائرة و الباحثة في ثُنايا النفس و مَسالك المُجتمع عن طريق الخلاص من وجع يؤلمنا و يُثقل كاهلنا ...
    كذلك الأدب الرجالي هو إبداع يعبر عن حيرة و فقد لجزء افتقده وهو من إختزل في ذاته كليَّة خُلقَت فيه , يشعر بتوق شديد إلي نصفه الآخر يبحث عنه ليستغرق هذا البحث حياة كاملة تنتهي في كثير من الأحيان على أول طريق البحث .....
    هكذا أقول أن أدب المرأة و الرجل يتكاملان على المستوى الوجودي لأن كلاهما يبحث عن الآخر في نفسه و في أدبه و هذا التواصل بين الإبداعين هو الذي يُشَكِّلُ الأدب في كُلِّيَتِه المُثمرة لفكر رَاق و لإبداع يفرض نفسه على الساحة الأدبية كأدب إنساني متكامل لا يتجزأ ليس له جنس و لا هوية ...

    قــــــراءة نقديـــــة..... منجيــــــة بن صالــــــح

    تعليق

    • د.مازن صافي
      أديب وكاتب
      • 09-12-2007
      • 4468

      #3
      عبير سنو:

      وَكَأنّهَا بِي
      تَسَاؤلاتٌ أصابتْ مِنَ الجَسَدِ
      عَصَبَ المَفَارِقْ

      وكأنَّهَا بِي
      تَسَاؤلاتٌ
      تَسَاقَطَتْ أقراطًا شَبَكَتْ مِعْصَمَ السَّمْع

      تَضَمَّخَتِ الأنفَاسُ
      بِحِنَّاء سُؤالٍ بِكْرٍ
      وآخَرَ
      أَسْبِلَ الجَفْنُ دُونَهُ

      وآخِرُ العُنْقُودِ
      فِي كَرْمِ التَّهَافُتِ
      مَلَكَنِي

      وَكَأنّها بِي
      مَقْدُودَةٌ
      في الصّدرِ
      رَاحَتْ
      تَحْتَكِرُ

      فِي القَلْبِ
      راحَتْ
      تَلْتَصِقُ

      في الصّمتِ
      راحَتْ
      تُشْعِلُنِي
      وَتُشْعِلُ
      قَنَادِيلَ خِلْتُ يَوْمًا
      شُحَّ زَيْتِهَا
      فَأَزْكَتْهَا
      نَيَازِكُ لَهْفَتِكْ

      وَكَأنَّهَا بِي
      لِقَاحُ رُوحٍ
      امْتِدادُ شَمْسٍ
      اخْتِلاجُ
      عُمْرٍ
      طَيُّ وَرِيدِ الرُّؤى

      فَمَاذا عَسَايَ
      وَبِتَّ
      الحَيَاةْ
      ؟؟؟؟
      وَعُرْوَةٌ اتَّسَعَتْ
      تَحِيكُ دَوَائِرَ
      الأمَلِ
      بِحِبْكَةٍ ما أتْقَنَهَا
      إلاكَ

      أيَا سُؤالِيَ المَوْجُوعْ
      وَتَقُولْ
      ؟؟؟؟
      بِاللهِ ...عليكَ
      أفي حَضْرَةِ
      مِثْلِكَ
      أقتَفِي

      وَقَدْ زَرَعْتَنِي
      مِنْ بَعْدِ قِطَافٍ قَبْلَ الأوانْ

      أَعَدْتَنِي
      رَوَيْتَنِي
      صَيَّرْتَنِي
      فِي مَهْدِ
      الفَرَحِ
      جَنِينًا
      فَوَلَدْتُكَ وَوَلَدْتَنِي
      /
      وَعُدْتَ بِي
      عُذْتَ بي
      لِنُسْقِطَ عَنَّا بُرْقُعَ
      المَرَايَا
      عُرَاةَ النّوَايَا
      نَلْتَحِفُ الحَيَاةَ
      شَدْوًا أخْضَرَ
      عَلى وَتَرِ
      الفَجْرِ
      يُرَاقِصُ مَلائِكَةَ
      الصّباحِ
      المُنَدَّى

      أأقولُ لَكْ
      ؟؟؟

      أأقولُ لكْ
      ؟؟؟
      نَعَمْ
      أطْرَبْتَنِي... حَدَّ نُخَاعِ الدّهْشَةِ
      صَهَرْتَنِي
      أيَا طَوْقًا
      يَلُفُّنِي

      أينَ مِنِّي وَمِنْكَ الغَرَقْ
      وَحُبٌّ لنْ يُزَفَّ فِطَامَهُ
      وَالرُّوحُ
      أرضَعَ أجِنَّةَ الحَوَاسِّ
      فِينَا
      فَرْحَةً

      وَطَوْقًا حِينَ زَفَّنِي
      أَوْدَعْتَهُ
      أوْدَعْتَنِي
      طُهْرًا مُبَسْتَرًا
      لِخَالِقٍ
      مِنْ بَعْدِ حِكْمَةِ
      وِصَالِنا

      مَا هَمَّكَ
      مَا هَمَّنِي

      وَأنتَ بِي
      كَيْفَمَا اسْتَدَرْتَ أدَرْتَنِي

      /




      قراءة في نص الشاعرة : عبير سنو

      بدا لي عند قراءتي هذا النص المخملي في هذا الصباح أنني قرأته في مكان ما .. في زمان ما .. بل شعرت بتلك الأنفاس بعينها منذ سنوات بعيدة ... أين .. متى .. كيف .. لا أدري .. وما لبثت أن أفقت لاعاود القراءة من جديد .. وفي الحقيقة كنت أبحث عن شيء ما في ذاك التاريخ البعيد .. قريب مني وإن لم أزره منذ سنوات .. وهالني خصب المعاني هنا .. ومفاجأت المفردات .. أستعيد مقدرتي على قراءة عبير .. قراءة بوح عاشقة .. تراتيل تنهمر ولهاً .. تراتيل ليست بالغزل وليست بالاشتهاء .. وليست بالعادية .. أجد نفسي اليوم في غزل مختلف .. ضوضاء موسيقية .. تعب لذيذ .. أنفاس لاهثة تتوق الى الفكاك من قيد السكون .. هكذا النص .. تراكيب تفاجأك .. تأخذك الى عالم آخر .. سيدة أنيقة وجميلة .. تسرح فيها الى أبعد مدى .. تكتشف أنك لم تشبع بعد من قراءة تفاصيل روحها ..
      تتابع شاعرتنا الجميلة تساؤلات عاشقنا المتيم .. تساؤلات أصابت كل مواطيء الاحساس والمشاعر .. وتتساقط على مسمعيها وكأنها قرط يزينها يبهجها .. وتخضبت أنفاس دهشتها ببوح واسئلة ملونة ما بين الافاقة ونعاس رمشها .. وبين البكورة والنعاس .. وآخر العنقود في كرم التهافت ملك وجدانها .. وكأنها ترسل الى حبيبها الغارق في تساؤلات الهوى رسالة عاطفية رقيقة ومختصرة .. تخبره بأنها تزين تساؤلاته كقلادة في صدرها حسنة القوام منحوتة تلتصق بسويداء القلب .. وتدخل في سكون لياليها لتحيلها الى ضياء ونور بعد أن ظنت أنها في غربة في سماء بلا نجوم ولا نيازك .. فجاء ليبهرها بقناديل تساؤلات وخلجات بوحه وشهوته ولهفته للحياة .. لحياتها .. وكأنها لقاح روح .. امتداد شمس .. تسارع عمر للوصول الى حيث هو .. فماذا تفعل لأجل هذا .. وأي شيء يمكن أن تفعله وقد صار هو الحياة .. فقد وصفها بأنها الشجرة الندية والتي لا يمكن أن يسقط غصنها من قلبه .. فجاءت لتخبره هنا بوحا أنه أرضها الدائمة .. الأشجار المتشابكة لتصنع ظلا والظل يدل على الجسد فكل هذه التساؤلات جسد الروح ،فما أروع المناداة " الاك"
      وتستمر آلية (التقابل) الديالكتيكي ، او تقانة جمع الشيء ونقيضه في صورة واحدة ، تنقل وتترجم الشاعرة عبير سنو احاسيس بطلة نصها العاشقة .. فها هي ايضا تدخلنا في بساتين الإبداع الربيعية حين تناديه زرعتني رويتني صيرتني ..
      وترتفع في عذوبة عشقها وذوبانها معه حتى أنها تتصوره فارسا مغوارا وتناديه طربا ولها .. ( وعدت بي .. عدت بي ) .. وسقط الواو هنا لدلالة الالتصاق والقرب حد سقوط برقع المرايا وتلاحم النوايا والتحاف الحياة .. ويأتي وتر الفجر هنا قبل الصباح المندى.. بينما بطل نص شاعرنا الراقي أحمد زكارنة كان يداعب خيوط الشمس ومن ثم يرتدي ثوب الفجر الجديد ...وهنا توَّحُد داخلي عند كليهما في حتمية الخروج من ليل التساؤلات الى ضوء الحقيقة .. وكأنه اجابة لتساؤلات شاعرنا حين تساءل في نصه " لِم نستخدم المرايا والأقنعة صور تشبهنا في حقيقتنا ..؟! " .
      وبنفس اريحية اللقاء وعذوبة الالتحام الداخلي العاطفي في النص وروح المفردات والوجدان تهفهف بالقول : أقول لك .. اقول لك .. وتعترف .. نعم .. أطربتني .. صهرتني .. طوقتني .. وكأنها تقول أيا معتقلي أعشق البقاء فيه أسيرة لطوقك الذي يلف معصمي ... فأنت المعتقل وأنت البقاء وأنت القيد وانت الطوق .. ألم تقل له ( فماذا عساي وبت الحياة ) .. فأنت حياتي الأبدية وحبي الأبدي وروحي فلن ينقطع يغذي الحواس بالسعادة والفرحة الدائمة .. وهنا وكأنها تهدهد تساؤلاته وقلقه حين يتساءل معها : " لم نقتفي أثر الفرح والفرح نطفة في الألم المتجذر .. مالك الفرح المحفوفة بالحزن و الشجن " ..
      وفي نهاية النص تطلق العناق لبوحها وتنصهر واقعا في عشقها .. وتترك كل حواسها ووجدانها وأفكارها ومفردات عاطفتها الطاهرة الحكيمة طوقا يطوق حبهما .. بل حبه يطوقها .. وهنا تؤنس غربة تساؤلاته .. وما أجملها القفلة الأخيرة التي تترجم عنوان النص : " وانت بي كيفما استدرت أدرتني "
      مجموعتي الادبية على الفيسبوك

      ( نسمات الحروف النثرية )

      http://www.facebook.com/home.php?sk=...98527#!/?sk=nf

      أتشرف بمشاركتكم وصداقتكم

      تعليق

      • أحمد زكارنه
        عضو الملتقى
        • 08-10-2007
        • 16

        #4

        فى اِطلالة سريعة على العنوان أراه قد تكون من ثلاثة أسماء فقط
        و لا يحتوى على فعل أو خبر
        و مع هذا فقد حمل الدلالات و المعانى التى تحملها الجمل الاسمية و الفعلية
        فقد برهن هذا العنوان الحداثى على متعة اِستخدام التراكيب الجديدة فى اللغة
        و أعان دعاة التجديد فيما يسعون اليه من ضرورة استعمال أداء لغوى جديد يتناسب و طبيعة العصرو تقافته .
        يدان
        تشى هذه الكلمة بأننا أمام عمل ما سيتم فاليد هى العضو التنفيذى الرئيسى بالجسم كما و ان المخ/العقل هو العضو التشريعى و الادارى الأول بالجسم .
        اِذاً نحن مقبلون على اِحداث فعل فى هذا النص فما هو ؟
        طوق
        هنا بدأت أولى الخيوط فى الظهور فالكلمة المفردة لا تفيد خبر لكن بعد عطف كلمة أخرى تكونت أولى الشفرات فى النص .
        الطوق إما طوق نجاة أو حصار أو عبودية كلها دلالات للطوق
        اِذاً تجلى المعنى أن ثمة يدٌ ستعمل من أجل النجاة أو ربما ستعمل من أجل فك الحصار أو قهر العبودية .
        اِستدارة
        عودة الى الحياة الطبيعية بعد اِزالة العََرَض السابق .
        اليدان ستحدثان تغييراً فى أمرٍ ما عكر صفو الحياة و بعدها سيعود الانسان الى توازنه و انسجامه .
        تلك كانت أهمية العنوان الحداثى الذى جاء على غير التراكيب الموروثة و التقريرية و جاء محملاً بالدلالات مشتغلاً على الذهن لاِحداث تفاعل بين الكاتب و المتلقى
        فقد أرسل النص شفراته و تلقاها المتلقى ليبدأ فى اِستكمال النص من طرفه منتجاً نصاً جديداً متوافقاً معه هو و ليس بالضرورة متوافقاً مع قصدية الكاتب .
        و هذا ببساطة ما يعرف بالنص الحداثى .
        فى الاستهلال الخاص بأحمد ذكارنة :

        بين يديها
        وَدُونَ أنْ يَسْقُطَ الغُصْنُ
        مِنَ القَلْبِ
        وَقَفَتُ حَدَّ التَّأَمُّلْ
        أحَمْلِقُ فِي مَنَاطِقِ الإدْرَاكْ
        فِي الأَمَلْ
        أحَاوِلُ وَضْعَ حَدٍّ
        بينَ التّوازُنِ والانْسِجَامْ
        كان يحق له أن يستهل بقوله فى حضرتها بدلاً من قوله بين يديها
        لكنه اصر على المجىء بكلمة اليد لتأكيد أن هناك تغييراًً عملياً سيحدث

        الجميل هنا أن التغيير الذى أحدثته (يديها) هو تغيير ذهنى و نفسى مما يعنى أنه استجاب للتغيير عن وعىٍ و إدراك و ليس قهراً و قسراً
        فبعد أن تأمل و نظرو حملق و صمتَ و تكلمَ و أخذ يتلو السؤال تلو السؤال
        قام باتخاذ قراره بعمل الثورة المطلوبة وبملء الارادة قرر أن يقضى على ما يحيره و يعكرصفو نفسه
        اليَومَ أعْلِنُهَا بِمِلْءِ الإرادةْ
        بينَ يَدَيْكِ سَأُمَزِّقُ السّؤالَ تِلْوَ السّؤالْ
        فى الجزء السابق لفت نظرى أن اليد (يديها) احدثت به تغييراً ذهنياً و هذا جديد على عمل اليد و لكن ليس جديداً على لغة الشعر و عمل الصوفية و المتوحدين .

        قبل قراءة الجزء الخاص بعبير سنو كنت مشفقاً عليها و اسأل نفسى كيف ستحافظ على النص فلا يميل منها أو يختل
        فأحمد حين كتب كان حرأ و لا قيداً عليه لكن عبير تكتب و هى مكبلة بالقيود الفنية
        كيف ستحافظ غلى المعنى و النسيج و اللغة و الاسلوبية و المواءمة و الفكرة و كيف ستنهى هى النص بعد كل هذا الطوفان الجامح من المعانى و المشاعر التى ساقها ذكارنة
        فماذا فعلت عبير ؟
        وَكَأنّهَا بِي
        تَسَاؤلاتٌ أصابتْ مِنَ الجَسَدِ
        عَصَبَ المَفَارِقْ

        استهلت عبير مقطوعتها بجملة غاية فى التقنية و الصنعة خطفت بها المتلقى فور نزولها الى ساحة النص فمنعته من المقارنة – و هى غير مطلوبة لكى ينجح النص – و ضمته الى صفها لكى يستعد لاستقبال مقطوعتها بنفس حرارة و عاطفة اِستقباله لنص ذكارنة
        و كأنها بى
        فى غمضة عين نسبت كل ما فات الى نفسها و ألحقته اليها فبات المتلقى مهيئاً للاستقبال بل و استخدامها لــ كأن تحديداً التى تفيد الظن و تمنع التأكيد جعلت المتلقى على قناعة أنه أمام نص موازٍ و ليس تقليد
        بعدها تأخذنا عبير الى عالمها الابداعى فتتبدل المواقع و تصير هى من تتحول و تتغير بفعله هو ليحدث التوحد بين الاثنين و يتم تبادل التأثير و التأثر
        حتى نقف على ذروة التوحد و انصهار الأنا فى الأخر
        فَوَلَدْتُكَ وَوَلَدْتَنِي
        و على الجانب الفنى يظل النسيج محتفظاً بالمواءمة و لا ينحرف النص أو ينجرف
        و تظل الحواس و اليدان فى تبادل للأدوار يتوافق و تبادل الأدوار للكاتبين مما يضفى خيالاً و تصوفاً على العمل و بعداً اِنسانياً شفاف
        نجحت عبير فى التعامل مع القيود الفنية بخبرة الكاتب و حققت هارمونية جميلة و أحسنت الختام بقولها
        وَأنتَ بِي
        كَيْفَمَا اسْتَدَرْتَ أدَرْتَنِي
        فنقلتنا ببراعة من حالة الظن فى الاستهلال و كأنها بى الى حالة اليقين و أنت بى
        نص متخم بالتقنية و الابداع الصافى الراقى نجحا معاً فى انتاجه بكل هذا الجمال
        و ليس من الضرورى أن أقف أمام كل محسن بديعى و مجاز لأشرح و أبين بل أتركه بين يدى القارىء طوقاً يتقذه من غرق الاسفاف الذى طغى و يعيده الى الفن الجاد الهادف
        محبتى للجميع

        عادل عبد القادر
        التعديل الأخير تم بواسطة أحمد زكارنه; الساعة 17-04-2011, 19:51.
        [CENTER][COLOR=navy][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][B]في البدء صمتوا طويلاً[/B][/SIZE][/FONT][/COLOR][/CENTER]
        [CENTER][FONT=Simplified Arabic][COLOR=navy][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][B]هتفوا قليلاً[/B][/SIZE][/FONT][/COLOR][/FONT][/CENTER]
        [CENTER][FONT=Simplified Arabic][COLOR=navy][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][B]هاجوا[/B][/SIZE][/FONT][/COLOR][/FONT][/CENTER]
        [CENTER][FONT=Simplified Arabic][COLOR=navy][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][B]وماجوا[/B][/SIZE][/FONT][/COLOR][/FONT][/CENTER]
        [CENTER][FONT=Simplified Arabic][COLOR=navy][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][B]ثم ناموا[/B][/SIZE][/FONT][/COLOR][/FONT][/CENTER]

        تعليق

        يعمل...
        X