جلستُ على شرفةِ الكون وقد أشرقت ألوانهُ كثيراً , أشرب القهوةَ المرّة أنا وغيمتي, حبيبتي كانت والآن هي ظلّي الوحيد,غداً أرحل تاركاً ظلّيَ للشعراء , علماء الميثولوجيا , والمتاحف العامّة

قلتُ : لا أعلم أيُّ لونٍ أنتقي كي احتسي قهوتي على مهل
قالت : دع كل الألوانِ تنتقي منك أنت , الأزرقُ للسفر, الأصفرُ للكسل, الأحمرُ للبطولة , الأزرقُ والأصفرُ يكرهان الغجر, الأسودُلمرارةِ القهوة في عمق التجربة , الأبيضُ سيّدُ الألوان , الألونُ الكثيرةُ تحركات الجهات, والجهاتُ أسرعُ من لمحةِ النظر
قلت: الشعرُ وجع الخاصرة , النثرُ كلام الذاكرة , وقهوتي المرّةُ مجرّدُ لحظةٍ عابرة
قالت: عين الشيء لا شيء فهو ليس لك , والأشياء امتزاجها واختلافها
قلت : أنا أنا , أنا وأنتِ هويتان والصورة خادعة
قالت: الحقيقة صورة الحقيقة ,عين النظرِ في النظر , والعمى جهل المتعلمِ وضلالة المُعلم
قلت: اختلف الفلاسفة
قالت : أنت الوجع ,الذاكرة , وأنت الفلاسفة
قلت : طفلٌ أنا , والكونُ ملامحهُ شاسعة
قالت : تعلّم رسم الحياة بالحياة , لا سكون , الوَحدةُ قاتلة , والحياة ُ (( من كلِّ زوجٍ بهيج))
سألت : تلك صورة الشيء أم عينهُ ؟
قالت: الأشياء امتزاجها واختلافها , عيون الأشياء علاقاتها ,
وأنت مبتدع الألوان ورسّامها ,لا منتقيها ولاهدّمها ,
احتسي على مهلٍ مرّ قهوتك َ في صحةِ الكون ,
لو ...تمعن النظر

هيثم الريماوي

وقفت بين أساتذتي النقّاد ، وهم يشرّحون جثث الكلام ، بعد أن اصطادوا ما استطاعوا على ضوء الفَراش
صحتُ : هذا كلامي!
لم ينظروا إليّ حتى ، وكأن الأمر لا يعنيهم واستمروا في الخصام
صحتُ : هذا كلامي الذي قتلتموه ، وذاك الفَراشُ فَراشي ، مُتنفس الكون وطريقي إليّ أو إليه
نظروا إليّ بعصبية المتمرس بالتعالي ،والكمّامات على أفواههم تحبس أنفاسهم في صدورهم وتصادر ما يمكن ان يُصاد من الكلامِ
نظر كبيرهم - الذي علمهم النقد- إلى الأعلى كثيراً كي يراني
قال في هدوء الواثق: هذا الكون ليس لك ، وما في الكون ليس لك ، والكلام صلاحية العيش و هويته، وأنا القرارُ
سألت : و ما أريد؟!
قال والكمّامة مازالت تحمي الهواء من تلوث أنفاسهِ : لا أعلم (خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
قلت : الحرف ورقصة الحرف معاً ما أريد ، هكذا علمنا أسخيليوس
قال : أنا القرار
قلت : رقصةٌ الحرف ، حرفٌ ، ومعاً ما أريدُ ، هكذا علمنا آخر طفلٍ يولد الآن
قال : أنا القرار
قلت : الحرفُ رقصي أنا ،وأنا ما أريدُ ، هكذا علمتنا الطبيعة
قال: أنا ال...
صحتُ : بل أنا ما أريد ، بيني وبيني هزائمٌ كثيرةٌ وانتصار ، بين أمواج البحرعذوبةٌ و ملحٌ كثير، بين الحياة الموتِ تنبهي لصرخةِ العيش ، بين ثنايا الطبيعة أنا ، متبرعمٌ هنالك
قال والكمّامة ترسم بسمةً ساخرة على وجهه القاتم : من أنا إذاً ، لو كنت أنت؟!
همستُ –وأنا عائد إلى صومعتي - : أنت ظلّي لو أردت أن تراني .

هيثم الريماوي