الغردقــــة د. محمد الأكسر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    الغردقــــة د. محمد الأكسر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الـــــــغردقـــــــة
    الدكتـــــور محمــــد الأكــــسر

    إنَّهُ البحرُ

    يغسل’ فيه الترابُ مآسيه

    تَنْبِضُ بالحلمِ شُطْآنُه المُشرقةْ

    *********

    إنَّهُ البحرُ

    في جوفِه نَبْضِ عِشْقٍ قديمٍ

    لمحبوبةٍ لن تزول

    ولازالَ يحْكِيهِ في فَرَحٍ للرمالِ

    لِكُلِ العَرَائِسِ تَحْتَ الشماسي

    وحين تداعب أجسادَهُنَّ المياه

    ليَحْكِي لَهُنَّ حِكَايَتَه العاشقةْ

    *********

    إنَّهُ البحرُ

    يمضي إليه المُحَبُون

    كَي يُطُفِئوا في مَرَاياهِ ألآمَهم

    كي يَرْجِعوا

    لليالي الجديدةِ بَينَ الزِّحَامِ

    وأرْوَاحُهم بالهوى ناطقةْ

    ********

    قد نَسوا لُغَةَ الطَيْن

    واللغَةَ اليابِسَةْ

    أتقنوا لغَةَ الماءِ

    ما بَيْنَ أرْوَاحِهم والمياهِ

    وطيفِ الحياةِ

    اتصالٌ

    وَمُفْتَتَحٌ للحوارِ

    وللغةِ المُطْلَقَةْ

    ********

    رٌبَّمَا كُنْتِ يوما

    لَمَنْ جَاءَ مُنْتَحِرا بالجَوى بَلْسَمَهْ

    ربَّما شاعرٌ

    جاءَ يَومَاً إليكِ

    قدْ عَدَا الدَّهرُ دوماً عَليه

    فَأَهْدَرَ ألوانَه الزَّاهِياتِ

    وحَطَّمَ فُرْشَاتَهُ في يَدَيهِ

    فأَرْجَعْتِ مَا سَلَبَ الدَّهْرُ مِنْهُ

    وَرَمَّمْتِ في جَوْفِهِ مَرْسَمَهْ

    ************

    المحيطاتُ تَسْمَعُ عنكِ

    فَتٌوفِدُ أَمْوَاجَها

    عبْرَ ثُقْبِ الزمانِ

    وثُقْبِ المكانِ

    تَحُجُّ إلي الغْرْدَقَةْ

    مُحْرِمَاتٍ بِزُرْقَتِهنَّ

    من مَواقِيِتِهُنَّ

    من قناةِ السويسِ

    وبَوَّابَةِ المَنْدَبِ الضَّيِقَةْ

    يَسُقْنَّ قَرَابِينَهُنَّ

    من الدِّفءِ

    واللهفةِ الدَّافِقَةْ

    **********

    فاهنئي يا عروسَ الجمال

    لأن الجمالَ لهُ فيك مُعْتَكَفٌ لا يزول

    ولا زالَ يَمْنَحُ غَيْرَكِ طَرْفَ الصُّدُودِ

    ويَمْنَحُكِ النَّظْرَةَ الصادقةْ



  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    الـــــــغردقـــــــة
    الدكتـــــور محمــــد الأكــــسر
    قـــراءة منجيـــــة بـــن صالــــح

    الأبجدية بحر جمال و روعة كلمات ,تُعَبِّر عن نفسها ووجودها, على صفحاتنا الناصعة و تَرسم بروحها المتدفقة مشاعر و حياة أجمل المناظر الكونية السابحة في الملكوت, هي آيات خَلق و حُسن تَدبير خالق, يحيطنا بعنايته الفائقة, لنَستخرج أجْمل ما فينا من كَلمات و مَشاعر, تَعيشُ داخلنا لنَحيا بها و فيها ,تَكون عَالما في حَدّ ذاته, له فَضَاء يَتَّسع و يَضِيق حسب آفاقنا, مَشَاغِلنا, تَطَلعاتنا, أَمَانِينَا أو احْبَاطاتنا, التي تكون نَتيجة أَحداث مُؤلمة عِشناها, أو رَسَمت نفسها على واقعنا المَشْبَع بالخَيال الرَّاكض فينا و حولنا .

    نَتفاعل مع الكلمة نُحمِّلها مَشاعرنا, هُمومنا, أَحزاننا, فَرحنا و سَعادتنا, تَتَحمَّلنا و تَتَحَمَّلَ ما فينا مِن قُبح و جَمال, لتَرسُمنا على صَفَحاتنا... نَخال أننا نَكتبها , لكنها تَكتبنا بكل تَفاصيلنا الغائرة في الوجدان و التي نَعِيها و الأخرى الغَافيَّة فينا مُنذ عُقود.... تُثيرها الأَحْداث و المَشاهد التي تَتَخلَّلُ الحَواس فتَطفو على السَّطح لنُصبح البَحْر الهادئ أو المتلاطمة أمواجه, يخضع لقوة الهوى العاصف بنا و بها, أو نكون بحرا ساهرا على ضوء قمر شُهُورنا المُتتالية لنَخضع لنوره المُنعكس على أديمه و يَمتد فينا المَدُّ و يَنقبض الجزر لنَتَّبِع حركته و نعيش القبض و البسط, السعادة و التعاسة, الحزن و الفرح ,الألم و الأمل .
    حياتنا كلمة, و مشاعرنا كلمة, نقولها لنسعد بها أو لنشقى تكون لها روح محلقة سابحة في الملكوت أو لها موات نُلقيها كَجُثة هَامدة على صَفحاتنا و الواقع لتكون الفَاعِل أو المَفعول به أو مَصدر سَعادة أو صِفة لِمشهد تَخللنا جَماله .

    هكذا يَكتب الشُّعراء أو بالأَحرى تَكتُبهم كَلماتُهم لتُعَبِّر عن شوق أو حُبٍّ جارف مَلكهم فأمتلك مُفرداتهم السَّابحة في سَماء الأبْجدية , و المُحلقة في فضاء القارئ, تأتي لنا من آفاق بعيدة نسعد بها و تجعلنا نعيش لحظة الكتابة و حال الكاتب, هي روعة الكلمة الحية, و التي يخترقك جمالها, و يُوحي لك بحياة أخرى تَنقلك من عالم ضيق المكان إلى آخر أرْحَب يَسبيك جَمَاله و يَفتح أبواب الفِكر و المشاعر , لتكون المُتلقي بامتياز لكمٍّ هائل من الإيحاءات الجمالية و الحَامِلة لأفكار تَحيا ما بين السُّطور و كأنها درر تَعيش في محَّار أعمَاق البحار, تفصح لك عن وجودها , لِيُغريك جَمالها فتَتَبناها, هكذا تشعر بدفء يحتضن وجدانك و فكرك, تصبح جزءا منك , لأنك جُزءٌ منها و من حقيقة أنت تَناسَيتها لأن الجَمال و الحُب هما أصل وُجود الإنسان.
    وجدت نفسي أتحدث عن الجمال و الحب, و أنا أمام قصيد يُبحر بنا في بحر الطبيعة, لنتذكر أن الإنسان, نشأ في بحر أرض الأمومة و الذي يولد معنا ليصاحبنا إلى يوم تَرجع فيه الأرض إلى الأرض.

    هكذا وجدتني على شاطئ بحر "الغردقة" على أرض قصيد الدكتور محمد الأكسر أتأمَّل روعة الكلمات الشاعرة و المُحَلِّقة كنوارس تُراقص السَّعادة و الفرح في سماء بحر اختزل قصة الإنسان و الوجود, تسحبنا إليه الأمواج في مدِّها و جَزْرِها لنعيش أنغَامه الحالمة الحاملة لألوان ترسُم نفسها على أرض الوجدان و المكان, تُعيد تشكيل الكلمات في كل لحظة لتكون الأحلى تفصح لنا عن جمال نفتقده داخلنا و حولنا , و كأنها تُذكرنا بروعة الخلق و بآياته التي تحاول طمسها أَحْداث أثقلت كاهلنا.... يُقدِّم لنا الشاعر القصيد و يقول:
    إنَّهُ البحرُ
    يغسل’ فيه الترابُ مآسيه
    تَنْبِضُ بالحلمِ شُطْآنُه المُشرقةْ
    إنه البحر هكذا يبدأ الشاعر في تقديم آية من آيات الخالق في الكون, هذا الفضاء المائي المُمْتدِّ على سطح الأرض, و الزاخر بحياة أخرى تُشبهنا و ليست مِثلنا لها سكينة و هُدوء, غضب و ثورة, مد و جزر, نتشابه معها لنتأمل جمالها و نتخلص من ألم يسكننا, من تعب أثقل الجسد و الفكر .هو الماء المفعم بالحياة و النقاء ,و الذي يُطهِّر الأرض مما علق بها من قبح و خبث, و مآسي أَغرقتها و أضنت وجودها . الماء يُعطي حياة أخرى للأرض بعد مَوات أفقدها الحركة الفاعلة في الكون فللبحر حلم و اشراقة يستنير لها الوجود, ينبض الحب في أعماقه يحتضن الجمال ,و ينثره من حوله ,ليعطر به الواقع و يزيل عنه بعض ما علق به من قبح.
    هكذا تشرق شطآنه على نفس جلاسه و مرتاديه و يقول الشاعر:
    إنَّهُ البحرُ
    في جوفِه نَبْضِ عِشْقٍ قديمٍ
    لمحبوبةٍ لن تزول
    ولازالَ يحْكِيهِ في فَرَحٍ للرمالِ
    لِكُلِ العَرَائِسِ تَحْتَ الشماسي
    وحين تداعب أجسادَهُنَّ المياه
    ليَحْكِي لَهُنَّ حِكَايَتَه العاشقةْ
    للبحر حياة عاشقة تنبض فيه و به تُجسِّد عِشقا قديما لمحبوبة تَمْتد جذورها في القدم يتواصل مع حاضر له مستقبل ,ليكون الحب في أجمل صورة لا يزول و لا يحول, يتجلى على صفحة البحر والذي يختزله في ثناياه عشقا أزليا سرمديا, خلق قبل الكون ليكون بعده, له حكايا تحتضِنها الرمال , تعيشَها لتُبقيها رسوما فرح , لها إشراقة سعادة على جلاس الشواطئ و عرائس الشماسي, بعد أن انتعشت أجسادهن بروعة التواصل مع بحر عاشقة مياهه, تراقص الحَكايا و تَنثر مَخزون ذاكرة الزمان, و كأنها كنوز أخرجتها الأمواج على الشطآن....
    تواصل جميل يُبدع فيه الكاتب و يجعل من الكلمة الحَالمة وجود سابح في بحر الكون, و الوجدان الإنساني هناك تداخل رائع ,نستشعر حلاوته و نتذوق طعم الفرح فيه, لنعيش لحظة سعادة خلق فيها الكون لتُخَلِقَنا من جديد و يقول الشاعر:
    إنَّهُ البحرُ
    يمضي إليه المُحَبُون
    كَي يُطُفِئوا في مَرَاياهِ ألآمَهم
    كي يَرْجِعوا
    لليالي الجديدةِ بَينَ الزِّحَامِ
    وأرْوَاحُهم بالهوى ناطقة
    يقول الشاعر إنه البحر, الذي يَمْسح مآسي الرِّمال و بنفس الطريقة يطفئ آلام المحبين في مائه, و كأنها نار حارقة يُخلِّصُهم منها لتكون بردا و سلاما, ينعش الروح كما الجسد .
    للوجع حرقة ,و للحزن نار تشعلها النفس لتتقد فينا و حولنا , يخلصنا منها البحر ليقول لنا أن فيكم الماء و الحياة, و النار و ما أنا إلا جزء منكم , أعلِّمكم كيف تتجدد الحياة فيكم, لتنطق الروح بأحلى مفردات الهوى ......هو تواصل روح البيان الإنساني بروح البحر الكوني الساكن الصامت وجوده داخلنا..... هو انسجام بديع بين عالم الشهادة و الغيب, لتترسخ آيات الخلق, و تفصح عن وجودها لكل من ألقى السمع وهو شهيد و يقول الكاتب:
    قد نَسوا لُغَةَ الطَيْن
    واللغَةَ اليابِسَةْ
    أتقنوا لغَةَ الماءِ
    ما بَيْنَ أرْوَاحِهم والمياهِ
    وطيفِ الحياةِ
    اتصالٌ
    وَمُفْتَتَحٌ للحوارِ
    وللغةِ المُطْلَقَةْ
    للغة الطين مفردات واقع و نسيج خيال, تشعله مشاعرنا السلبية المتقدة فينا و حولنا ,نعيش بها تُحَمِّلنا آلامها و أوجاعها, تثقل كاهلنا و لا نستطيع في كثير من الأحيان التخلص منها بجهد فردي, ليقول لنا الشاعر أن أمام البحر, ينسى العشاق هذه اللغة اليابسة ,و التي سكنتنا حد التكسر و أثقل حطبها كاهلنا, و كأنها تُسقط أسلحتها أمام روعة الحياة و جمالها, لنفقه أخرى تتخلل المحب و تعلمه فنون البيان و الفصاحة و كأن للماء حياة و لغة نابضة فينا نراها على مرايا الكون لنتذكر وجودها و نحاول استعمالها لنكون الأجمل و الأنقى.... كماء زلال يحمله الموج ليَحملنا في طياته و يُعلمنا الحَركة على أرض البيان ....هكذا ينطق الإنسان بأجمل لغة و أحلى أبجدية.... تشكل مفرداتا تقطر حبا و عشقا و تَنبع من قلب الإنسان لأخيه الإنسان لأنه آية خلق و بحر كون و نبض حياة ....

    يقول لنا البحر أننا شواطئ تدوسها الأقدام كلما ملكنا الخوف و الجهل و أحجمنا على خوض غمار فضاء الحياة و تجاهلنا المعرفة التي تحتويها الطبيعة الناطقة حولنا بلغة الصمت الجميل و الذي له حكايا يعجز عن الإفصاح عنها اللسان فللقلب حياة في عمق بحر الوجود الإنساني, و للماء حياة في أعماق البحر و على أرض الكون, له تواصل حي يفتقده الأموات الأحياء....

    الروح وحدها تستطيع التعرف على العالم النوراني المشرق على الطبيعة و التواصل معه بلغة مطلقة تسكن عالم الصمت الجميل و الذي لا نعترف بوجوده لكن البحر يحذق هذه اللغة يتواصل بها مع الكون ليحيينا جماله و ما علينا إلا أن نتعرف على هذه المفردات و نحذق التعامل معها لنعيش أروع اللحظات ....الحياة قصيرة لكنها يمكن أن تكون مفعمة بالحب و الأمل و السعادة الأبدية و يقول الشاعر:

    تعليق

    • منجية بن صالح
      عضو الملتقى
      • 03-11-2009
      • 2119

      #3
      رٌبَّمَا كُنْتِ يوما
      لَمَنْ جَاءَ مُنْتَحِرا بالجَوى بَلْسَمَهْ
      ربَّما شاعرٌ
      جاءَ يَومَاً إليكِ
      قدْ عَدَا الدَّهرُ دوماً عَليه
      فَأَهْدَرَ ألوانَه الزَّاهِياتِ
      وحَطَّمَ فُرْشَاتَهُ في يَدَيهِ
      فأَرْجَعْتِ مَا سَلَبَ الدَّهْرُ مِنْهُ
      وَرَمَّمْتِ في جَوْفِهِ مَرْسَمَهْ
      يكون البحر ملاذا للشاعر, يحتمي به من ألم أضناه ,و من وجع حياة ألم به و أقض مضجعه , ليكون الرسام بالكلمة الناطقة على بياض صفحاته, ينثرها لتفقد وجودها في لحظة ..... تبهت ألوانها, فتراه يتألم لبريق خبا و لإشراقة كلمة غادرت بيانه, و للغة حياة تحيى و تموت فينا ,تنفعل و تتفاعل مع مشاعرنا الهادرة تارة, الساكنة أخرى, تشكل كلمات القصيد , يقعدها الألم و يستهويها الانتحار البطيء, أمام وجع إنسانية يسكنها و يُحَمِّلُها الشاعر إياه ليتخلص مما ألم به من حزن و ظلمة واقع ....

      يمتلكنا الجوى ,لينتحر البلسم و يعوذ الشاعر بالبحر, يجالسه ليحكي له مخزون ذاكرة و ألم حَدث , يبحث عن مكان يواري فيه دمعة تكفكفها رمال الشاطئ...... ليتواصل الماء بالماء و يتواصل الموت بالحياة . للكلمات ألوان تبهت و رسوم تتكسر ريشتها في يد صاحب الكلمات ... ولِلُغة الصمت قدرة, و لحَكيها بيان ,يعلم الوجع النُطق, و الألم الفرح, تُرمِّم رسوم المفردات ,لتَحتَضنها روح الحياة ,و تحلق كنوارس طبيعة فوق أمواج البحر.... هو الجمال الذي يُلغي أثر و جود مُفردات الألم على رِمال الشُطآن.... يُرمِّمُ البحر لغة الصَّمت المُطلقة ليكون للأبجدية مَرسم , و للقلم ريشة..... و يقول الشاعر مخاطبا بحر الغردقة:
      المحيطاتُ تَسْمَعُ عنكِ
      فَتٌوفِدُ أَمْوَاجَها
      عبْرَ ثُقْبِ الزمانِ
      وثُقْبِ المكانِ
      تَحُجُّ إلي الغْرْدَقَةْ
      مُحْرِمَاتٍ بِزُرْقَتِهنَّ
      من مَواقِيِتِهُنَّ
      من قناةِ السويسِ
      وبَوَّابَةِ المَنْدَبِ الضَّيِقَةْ
      يَسُقْنَّ قَرَابِينَهُنَّ
      من الدِّفءِ
      واللهفةِ الدَّافِقَةْ
      البحر و المحيطات و الزمان و المكان , يكون الكاتب بين يديهم يستنطقهم, و يتأمل حركة أمواج المحيط الذي يسمع عن جمال بحر الغردقة فتكون له وفود عبر الزمان و المكان تشُدُّ الرحال لتلقي بنفسها بين أحضانه.... لها مواقيت و إحرام و حج, يلتحفن الزرقة و يحدوهم الشوق إلى فضاء يراقص الجمال ,على إيقاع الأمل و سعادة اللحظات المتتالية ,تحمل هذه الوفود في طياتها قرابين الدفء و اللهفة الدافقة, إلى فضاء يتوق إلى وجود يزدان بها..
      هكذا يجعل الكاتب للبحر حياة و حركة و تواصل ,و كأنه يتحدث عن عالم ناطق يتحرك فينا و بنا, له مشاعر و جمال يسكنه, ليفصح عنه و يباهي به, اللغة الناطقة في الإنسان و بيانه, ليتماهى معه و يقول الشاعر في نهاية المطاف:
      فاهنئي يا عروسَ الجمال
      لأن الجمالَ لهُ فيك مُعْتَكَفٌ لا يزول
      ولا زالَ يَمْنَحُ غَيْرَكِ طَرْفَ الصُّدُودِ
      ويَمْنَحُكِ النَّظْرَةَ الصادقةْ
      للغردقة جمال معتكف فيها ,لا يزول و لا يحول ,لأنها تحتضن وجوده, ليغفو فيها عند كل غروب, لتشرق شمسه عند كل فجر..... هو اعتكاف زاهد متعبد في محراب الحب الإلهي و الذي يُسَبِّح كل الوجود باسمه تعالى... هو للغردقة بها و لها يكون.... يُسَطِّر جغرافيا وجودها, لتكون عروسا يحتل جمالها الشاطئ ,الذي يُصبح مزارا ’يلقي عليه المسافر تَعَب حياة أثْقلت كاهله, لتنطلق روحه الأسيرة في فضاء ليس له مَدى ...... يُغمض جفونه على زرقة بحر و شفافية ماء ,لتغتسل روحه و تتخلص مما علق بها من حزن الأيام و أَرَق اللَّيالي....

      وجود البحر في حياتنا ,هو جمال يحتوينا و يأخذنا إلى فضاء أرحب, و آفاق تَمتَدُّ في المدى , لنخرج من ضيق حياة الواقع المُقيد لحرية الإنسان, إلى إدراك معنى الوجود, نخرج من عالم الحِسِّ الناطق, إلى آخر صامت, لكنه متكلم فينا ,بلغة ليس لها كلمات نحن من يُعَبر عنها بالكلمة ,لأن الجسد الطيني, في حاجة إليها وهو المتكلم فينا بها, فهي التي تعطينا حياة أخرى تعيش على مدار الروح و التي هي غير ناطقة لكنها تلهمنا معنى وجودها المتواصل مع روح وجود الكون .... فللجسد حس و عالم من جنسه و للروح كيان نوراني جمالي يعيش فينا و خارجنا.... في بحر صمتها نسبح لنتأمل روعة الخلق و الوجود و هو ليس متاح للكل, فله قبول و صدود ...فالجمال الذي أعتكف في الغردقة ,منع نفسه عن غيرها و كأن الشاعر يريد أن يقول لنا أن رؤية الجمال و معايشته ليست أمرا متاحا للكل, فهناك من له من الشفافية التي تجعله يختزل الجمال ليعيش فيه و به, و هناك من لا يقدر لأن ذلك له متطلبات ,يجب تنفيذ شروطها و منها صدق خالص, يعيش به و له ليفصح عنه و يكرسه كسلوك إنساني يُفعِّله و يتفاعل معه .


      من خلال هذا النص الجميل و الذي هو معايشة لواقع التقطته عين ,حذقت قراءة مفردات الجمال ,و عبَّرت عنه كلمة شاعر, حوت جمال و روح الأبجدية الناطقة ببيانها المُفصح عن وجود الإنسان, في آخرٍ كَوني يَتماهى معه ليكون فيه و به....هو تداخل جميل نعيشه لحظة الكتابة ,التي تعطينا سعادة لها امتداد و مدى, لا ينقطع ,إذا استطعنا أن نتواصل مع الجمال الكوني بآخر انطوى فينا وجوده.... للإنسان أرض و للبحر أخرى بل نفسها لأننا خلقنا منها , وعلى هذا الفضاء الرحب و المتداخل أستطاع الشاعر أن ينجز تواصلا بديعا بين بحر الأبجدية النابضة فيه, مع بحر جمال يسكنه و آخر يمتد على شواطيء الغردقة. ....عروس ترفل في زينتها لتكون قبلة و ميقاتا و حجا, لوفود ترسلها المحيطات لتشاهد روعة الجمال و تتعبد في محرابه....صورة ألتقطها الشاعر بحسه المرهف عندما التقى البحر مع بحور شعره.

      أين يكمن الجمال فينا ؟ و كيف نتعرف على مفرداته ؟
      سؤال يُطرح لأقول ,أن الجمال هو قَوامنا, و الحُب شعور جمالي رَاق ,تَخَلَّقنا به ليُصبح أساس خَلق, و إبداع الإنسان, فكلما استشعرنا هذا الوجود داخلنا, كلما احتوتنا مناطق توحي لنا بروعتها الحسِّية و المعنوية........... وجودنا أمامها يُنَمي فينا فضاء له جَمالية مُشرقة على وجود داخلنا طَمست معالمه سَلبياتنا الشعورية السلوكية و الإجتماعية ...يكون لهذا الفضاء هيمنة على الإبداع ليصبح القلم ريشة تَرسم أروع المناظر و أرَقها على صفحات الأَبجدية لتكون لها روح ناطقة بين السطور و في فكر و ذاكرة المُتلقِّي ...
      الشعراء هم أكثر الناس حساسية لمناطق الجمال في الإنسان و الكون ,هكذا نراهم يهيمون في عالم الملكوت, يكون لهم تحليق على جناح الكلمة الشفافة السابحة في عالم الصمت, أين يكون المعنى الجمالي هو المسيطر على عالم الحس, يجرده من خشونة و سلبية تقتل مفرداته ,التي تشف و ترف كروح لها حال و ليس لها مقال....
      هم الشعراء بحسهم الراقي, من يعيد للحياة جمالها و روعتها ,في الإنسان و الذي هو صورة مصغرة من الكون الكبير, نتأمل مفرداته الناطقة بلغتها لتحاكي الوجود و نتماهى معه, نستخرج أجمل ما فينا من مشاعر تجعلنا نعيش سعادة لحظة, و لحظة سعادة, نبحث عنها لنروي بها لهفة و عطش سني عمر, حاصرته رداءة الواقع و أحداثه المؤلمة ....فإلى الطبيعة نهرب و على ضفاف بحور الجمال نلتقي.... يتجلى لنا فرح كطيور تأخذنا على جناحها إلى عالمها, أين ننسى أننا وجود طيني له مستلزمات حسية تشبهنا و ليست نحن, لأننا أيضا روح لها غذاءَها و رحيقَها ....الذي يغذيها و يجعلها تحيى بعد موت....

      هكذا كنت معكم في رحلة إلى الغردقة على ساحل بحر ليس كالبحور ,لأنه شكل كلمات قصيدة جميلة للدكتور محمد الأكسر, فكانت لنا إطلالة على عالمه الداخلي المميز, و الذي تواصل مع آخر خارجي, ليلتقي الجمال بالجمال, و يبدع الإبداع إبداعا ,يحتوينا لنعيش أجمل لحظات شاعرة على شواطئ بحر ليس كالبحور أين تتواصل فيه بحور الشاعر الوجدانية مع الأبجدية و بحورها الشعرية, لتكون لنا فيها و بها سعادة غامرة تتمدَّدُ في أحضان و على شاطئ بحر..... الغردقة .....

      منجية بن صالح في قراءة لقصيدة الغردقة للشاعر الدكتور محمد الأكسر

      تعليق

      • منتظر السوادي
        تلميذ
        • 23-12-2010
        • 732

        #4
        ملاحظات حول القراءة


        ملاحظات حول قراءة منجية بنت صالح
        قراءة المتلقي مفتوحة , فربما يفهم اليوم دلالة , ويأتي بعد فترة ويرى ان النص يحمل دلالة مغايرة لما راه مسبقاً , ولكل قارئ نظرته , ينطلق من ثقافته وخلفياته ليفهم النص , والدلالة التي يتوصل لها المتلقي بالتأكيد منطلقها من النص , ومن ثمة فالقراءت مختلفة , وكلما كثرة القراءات دلّ على رفعة النص في سلم الابداع والتميز , ويشحن النص بمصل الخلود , والنص الذي يحتمل هذه القراءات هو النص الثري والابداعي .
        بعد قراءة النص مرات , والقراءة النقدية مرات اخرى , فغرقت في ثراء لغوي كالبحر , وتهت بين اللؤلؤ , والمرجان , وناجيت ربي علَّ حوت يونس يبتلعني , وما انقذني سوى التلمذة الاكاديمية , والتشجيع من الأساتذة بإبداء اراء جديدة , ورأي مختلف , فبحثت ونقرت في القراءة عن ما يمكن ان ينفعني, فوجدت بعض الهنات في البحر اللجي , و احببت الان أن انبه المبدعة منجية بها :
        1- تدعو الناقدة الى موت المؤلف ( مصطلح نقدي ) , والاكثر من هذا تدعو الى لا أرادية الكتابة , ومن ثمة فلا مبدع اذا كان النص هو الذي يكتب نفسه , هذا في العبارة """لكنها تَكتبنا بكل تَفاصيلنا الغائرة في الوجدان و التي نَعِيها و الأخرى الغَافيَّة فينا مُنذ عُقود " والعبارة "" هكذا يَكتب الشُّعراء أو بالأَحرى تَكتُبهم كَلماتُهم لتُعَبِّر عن شوق أو حُبٍّ جارف مَلكهم """ .
        2- يبدو أنَّ الناقدة قد غلقت جميع القراءات اللاحقة , فلم تترك مجالا لقارئ آخر , اذ جعلت النص كله في وصف البحر , فربما يأتي قارئ ويقول : انه ليس البحر . لو قالت : نرى انه البحر الحقيقي مثلا , لكان أفضل , كي يبقى النص مفتوحا , ثم لم توجد قراءة في عالم الأدب مطلقة .
        3- العنوان اهملته اهمالا عجيباً , ومن الاولى ان تبدأ به , ربما هو من البديهيات عندها , لكن لم استطع معرفته , ووجدت في لسان العرب , وتاج العروس ما ياتي : ""الغَرْدَقَة : إلْباسُ الغُبارِ النّاسَ , أو إلباسُ اللّيْلِ يُلبِس كُلَّ شيءٍ . وهو أيضاً : إرسالُ السِّتْرِ ونحْوِه . يُقال : غردَقَتِ المرأةُ سِتْرَها إِذا أَرسلته , والغَردقةُ ضرب من الشجر"....
        4 - هناك بعض الاخطاء الطباعية " في جوفِه نَبْضِ عِشْقٍ قديمٍ "" نبضُ " .
        وعبارة " هكذا وجدتني على شاطئ بحر "الغردقة" على أرض قصيد الدكتور محمد الأكسر " قصيدة , ويتكرر هذا الخطأ .
        وعبارة " تَحُجُّإلي الغْرْدَقَةْ " الغَرْدقة .
        و " يخلصنا منها البحر ليقول لنا أن فيكم الماء و الحياة " والأصح إِن .
        و " يقول لنا البحر أننا شواطئ تدوسها الأقدام كلما ملكنا الخوف و الجهل و أحجمنا على خوض غمار فضاء الحياة " إننا .
        و بحثت في النص عن عبارة أو لفظة تشير إلى هذا المعنى , فلم اجد , فيا ترى أهناك فقرة سقطت من النص ؟
        رغم هذه الهفوات البسيطة التي تعبر عن وجهة نظر , وربما الخطأ اليّ اقرب , لكن يبقى نص نقدي ممتع , قرأته أكثر من مرة , ويبدو لنا أنَّ النص النقدي نصاً ابداعيا , ومن ثمة فهو يحتمل النقد , ويبقى النص بعد نشره من حق القارئ , ومع ايماننا ان القراءة النقدية للنص الادبي تبقى مفتوحة بعدد المتلقين , وكل قارئ يضفي المعنى الذي يراه .
        الناقدة منجية ....
        لك مني كل الاحترام والتقدير .
        التعديل الأخير تم بواسطة منتظر السوادي; الساعة 06-05-2011, 22:50.
        الدمع أصدق أنباء من الضحك

        تعليق

        • محمد الأكسر
          عضو الملتقى
          • 09-10-2009
          • 30

          #5
          عزيزتي الأستاذة منجية بن صالح
          كل الوفاء والشكر والتقدير لهذا الجهد وهذه الروعة
          أرجو أن تكون كلماتي البسيطة على قدر ظنكم سيدتي
          تقبلي خالص الشكر
          وهو موصول لكل من تداخل ليلتها في الصالون

          تعليق

          • منجية بن صالح
            عضو الملتقى
            • 03-11-2009
            • 2119

            #6
            الغردقة مدينة مصرية على ساحل البحر الأحمر وعاصمة محافظة البحر الأحمر. فيها ميناء تجاري ويقصدها السياح لشواطئها والأنشطة البحرية.
            اكتسبت الغردقة اسمها من شجرة الغردق، كما هي عادة تسمية الأماكن (و خصوصا الصحراوية) بأسماء النباتات المنتشرة فيها أو الأشجار الميزة.
            نشأت الغردقة في أوائل القرن العشريــن كعباره عن وديان صحراويه ، يسكنها بدو مصرييـن يعملون في الصيد والبداوة من عرب الرشنديه وجهينه القادمين من الجزيره العربيه والعبابده على ساحل البحر الاحمر وبـدأ نموهـا باكتشــاف النفط في تلك المنطقة سنة 1913 إلا أن طفرة حدثت في أوائل ثمانينيات ثمانينيات القرن عندما بدأت تُعرف كمنطقة جاذبة لهواة الغطس، وتسارع نموها في العقدين التاليين لتصبح أحد أهم المدن السياحية في مصر. وكانت مدينة الغردقة تنقسم إلى ثلاثة أحياء رئيسية: حي السقالة (الميناء) جنوب المحافظة وهو الذي كان يضم أغلب السكان العاملين بالصيد ؛ وحي الدهار وهو الذي كان يضم مبنى المحافظة والجهات الحكومية الأخرى والسوق التجاري ؛ وحي الأحياء شمالا وهي منطقة منعزلة يقطنها السكان الذين كان يعمل معظمهم في المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد الذي تم إنشاؤه في 1930 أو مركز الشباب المجاور للمعهد.

            الأستاذ الكريم منتظر السوادي

            شكرا على المداخلة الجميلة
            مهما يكتب النقاد عن نص معين يبقى هذا الأخير مفتوحا للتأويل فالكلمة لا ينقطع عطائها
            يبقى دائما للناقد سبق الغوص الأول في اعماق النص و يبقى للقاريء حرية التواصل بطريقته مع الإبداع
            كل الشكر على ملاحظاتك القيمة

            تعليق

            • منجية بن صالح
              عضو الملتقى
              • 03-11-2009
              • 2119

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة محمد الأكسر مشاهدة المشاركة
              عزيزتي الأستاذة منجية بن صالح
              كل الوفاء والشكر والتقدير لهذا الجهد وهذه الروعة
              أرجو أن تكون كلماتي البسيطة على قدر ظنكم سيدتي
              تقبلي خالص الشكر
              وهو موصول لكل من تداخل ليلتها في الصالون
              السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

              أخي الكريم الدكتور محمد الأكسر

              كل الشكر لحضرتك لأنك أعطيتني فرصة قراءة هكذا عمل سعدت بالغوص في اعماقه ليكون بحر القصيدة يتماهى مع بحر الغردقة
              لحضرتك كل التحية و التقدير

              تعليق

              • سليمى السرايري
                مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                • 08-01-2010
                • 13572

                #8
                الدكتـــــور محمــــد الأكــــسر
                دائما نتغنى بالاشياء التي تسكننا ، الاشياء التي تنبع منا
                والشاعر هنا يسكنه البحر وتنبض شطئانه بالجمال
                دقّة في الوصف وجماليّة في الإحساس الرقيق بهذا الجمال لحظة مريحة اخذنا فيها على امواج بحر ورمال عسجديّة
                تغنّى بها فغنّت معه اعماقنا لعذوبة المشاهد المتوالية في القصيدة فاحسسنا بعذوبة الاشياء المرئيّة عذوبة الاشياء التي تراها العيون وتسمعها كل الحواس انه الحسن الذي خلقه الله لنا
                ابداع اخذنا فيه الشاعر الأكسر،على زورق ورديّ في لوحة خلابة وقد علّمنا كيف تعشق اعيننا الجمال وكيف نعرف المرفأ الذي ترسو في خلجاته قواربنا
                شاعر جعلنا نؤمن بان الانسان طليق هو الثورة وان الاعجاز ياتي من هذا الانسان كما ياتي الفجر الصادق من كبد السماء
                الأكسر والبحر
                شاعر بعمق البحر
                وبحر بعمق روعة هذا الشاعر
                في عذوبة الرحلة ، رحلة الوصف لمسنا اغواره الرائعة
                ربما قلبه
                هذا القلب كوكب من ماء مثلج بعد عناء السفر
                ربما حواسّه
                ربما مشاعره الراقية والرقيقة
                التي رسمت الحكايات العاشقة
                حكايات الماء
                شاعر جاء يبحث عن فراشاته الملوّنة
                عال هذاالشعور ، شعور يهمس لنا أن البحر على الابواب
                ان البحرَ ملاذنا، حين نفتح شباكا لدموعنا.
                إنَّهُ البحرُ
                يغسل’ فيه الترابُ مآسيه
                ونغسل فيه همومنا حين نبدا الرحلة القادمة
                سنمضي اذن أيّها الشاعر وهذه مرافئنا هناك، تنتظر .
                نفس السؤال نعيده دائما في كل رحلة:
                تَنْبِضُ بالحلمِ شُطْآنُه المُشرقةْ
                لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                تعليق

                • محمد بن عبدالله السلمان
                  أديب وكاتب
                  • 06-02-2011
                  • 140

                  #9
                  لك كل تحية وتقدير
                  أسعدني أن أقرأ لك نصك الزاخر بالجمال
                  كما أسعدني ان أرى مداخلات رئيسة ملتقى صيد الخواطر
                  لكما كل التحية
                  حفظكم الله

                  تعليق

                  يعمل...
                  X