يا أسمر اللّون / إيمان الدّرع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    يا أسمر اللّون / إيمان الدّرع

    يا أسمر اللّون ...

    باغتْتها نسيماتٌ باردةٌ ، سحبتْ الغطاء تدثّر ولديها ، وبعينٍ نصف مغمضةٍ تنبّهتْ للوقت ..
    ياااااه أوشك الصّبح أن يشرقَ ، قالتْ في سرّها ، وهي تطرد عنها سطوة النوم اللّذيذ .
    رشقتْ وجهها برذاذ الماء ، ثمّ استدارتْ على عجلٍ ،لتنثر بعض الحبّ المجروش في قنّ الدجاج ، لمّا تعالتْ صيحات الدّيك تعلن بدء رحلة يومٍ جديدٍ ، بعد أن خلع اللّيل بردته القديمة ،الملوّثة بالأحلام الواهمةِ،المعطوبة على الغالب.
    واتّجهتْ نحو المطبخ ، ترفع الغطاء النديّ عن المعجن ، تتأكّد من تخمّر الخليط بطرف إصبعها ، أيقنتْ بخبرتها صلاحيتها الآن للشواء، زجّتْ الصينيّة في الفرن ، فاحتْ أنفاس الحلوى في صحن الدّار ، شمّرتْ ثوبها الطويل بزنّارٍ قماشيٍّ ، تقيه من البلل ، وهي ترشّ الماء على الأرض وأحواض الزّرع ، غرّد الحسّون ، فشرعتْ تغنّي لوجه رجلٍ راحلٍ ، إلاّ من أعطافها ..
    تظنّ حدّ اليقين بأنه قربها الآن ، تعدّ له قهوة الصّباح ، وتهيئ له الجلسة الصباحية، برائحة الورد الذي كانت تجدله بين ضفائرها ..
    (يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ..... ، تعباااااااااان يا قلب خيّو ...........هواك رماني ،
    يا بو عيون وساع ...حطّيت بقلبي اوجاع.. بعطيك سبع رباع خيّو من العين رسمالي ..)
    وابتلعت مع دموعها مابقي من الكلمات .
    صينيّة الهريسة باتتْ شهيّة الشّواء كقرص شمس الصّباح ،حملتها على رأسها بعد أن أغرقتها بالقطر ، وقطّعتها .
    اطمأنّتْ إلى باب بيتها بعد أن أرتجته بأمانٍ ، تشقّ الزّحام إلى رأس الشّارع في حارتها ، قرب الشّجرة العتيقة .
    تلقّفتها عيناه بحبّ مزمنٍ : هاتها أحملها عنك ثقيلةٌ هي ..
    _لا شكراً ...لا أريد أن أتعبك ..
    أصرّ مادّاً يده ، يجذب الصينيّة نحو رأسه: هاتها حرامٌ أن يتعب هذا الرّأس الجميل ، ويحمل مالا يطيق ، لو أنّك تعقّلتِ ، وقبلتِ بي زوجاً أمَا ارتحتِ من هذا الشّقاء ..؟؟!!! أم أنك ما زلتِ تحنّين إلى أسمر اللّون الذي سرق قلبي حيّاً ، وميتاً ؟؟
    قطّبتْ حاجبيها ، وكانت قد وصلت إلى المكان المقصود ، ثمّ أمسكتْ بكفّة الميزان ، وبين الحزم والمزاح ، وجهتها نحوه ، لحظة كان يهمّ بفتح الطاولة الصغيرة المغلقة ليثبّت عليها الصينية :
    _اصمتْ وإلاّ ... قالتها ضاحكةً ثمّ أردفت: عمر أنت أخي ، بل كلّ أهلي ، أنت المخلص ،الوفيّ ،الذي ما غيّره الزّمان..
    _ولن أتغيّر ، منذ طفولتي أحبّك ، رغم كلّ محطّات عمري التي عبرتها ، أحبك ، ولكن ...وآاااه من لكن ، بقي الحلم حلماً ، وبقي قلبك رهيناً لفارسك الأسمر..حتى بعد أن صار ظلاً نائماً.
    _ ولداي.. عمر.. ولداي ، وأميّ المشلولة ، هم أمانةٌ في عنقي ، والدّرب طويلٌ .. طويلٌ ، والكسب قليلٌ ..قليلٌ،والقلب المتيّم مأسورٌ لحبّ أوّل يسكن الضلوع ، وليس له خيار.
    قطع حديثهما توافد الصّبية مهرولين نحو المدرسة القريبة من مكانها، امتدّتْ الأيدي تدفع بالقروش القليلة إليها ، تتوافق مع تحيّة الصّباح التي باتتْ كطقوسٍ يوميّةٍ بين صحبةٍ طيّبة ، حميمةٍ تجمعها بهم ، وتغوص في أنسجتهم بودّ ، وتحنانٍ.
    كان يرقبها بطرف عينه ، وهي تقسم لقيمات تطعم بها أفواهاً فقيرةً ، عذبة الأنفاس، لا تمتلك الثّمن ..
    _ لن يتبقّى على هذا الحال إلاّ القليل من الهريسة يا سعديّة ، يقول لها مشفقاً
    _ الرّزق على الله يا عمر ، كلّهم أولادي ، أحسّهم كلّهم أولادي ، صغاراً ، وشباباٌ ، آااه لو يسعهم هذا الحضن !!!.
    تركها مزروعة في قلبه ومضى .
    نال منها التعب ، كم تؤلمها فقراتُ ظهرها ..!!؟؟ اعتدلتْ في جلستها ، تفرك عنقها ، حتى أسفل ظهرها ، تغمض عينيها ، تتحسّس الليرات المعدودات، ترى .. هل تكفي متطلّبات ما يلزمها..؟؟
    اخترقها صوتٌ مزلزلٌ ،لا يشبه الأصوات التي ألفتها ، وتراكض أقدامٍ مضطربةٍ حولها ، عجّتْ الأرصفة بالغبار ، ساد الهرج ، والمرج ، فقطع أصوات الحياة الآمنة.
    هبّتْ مستفسرةً عمّا يدور حولها ، لم تستبن طلاسم ما قيل أمامها من تبرير ..، كلّ فتية الحيّ يحبّونها ، يعرفونها ، ولكنهم لم يسمعوها ، وهي تقف عرض الشارع ، محاولةً الفصل بينهم.
    لعلع الرّصاص كأمطارٍ رماديّةٍ أسالت لونها الأحمر على الإسفلت ، على الرّصيف ، على الجدران ، تؤرّخ لجرحٍ كبيرٍ.
    صرخت: كفاية يا أولادي بالله عليكم ، كفى ...مهما كان الخلاف ،هناك حلول منصفة ، عادلة ،اسمعوني أرجوكم ..
    ضاع صوتها وسط الجموع الهادرة بحنقٍ ، وغضبٍ ، كأمواج نارٍ لاهبةٍ ، تأكل حشاشة الأرض ، وأجساد الحشود المتصارعة.
    اختلّ توازنها ، ارتمتْ على قارعة الطريق ، وتبعثرتْ الحلوى بين الأقدام ،معجونة بالوحل ، وما تنبّهوا إليها.
    وقفتْ من جديدٍ ، تلمّ بعض قوّتها ،المستمدّة من قلبها المرتجف حبّاً، لم تيأس ، راحتْ تجذب هذا ، وذاك :
    _انظروا إليّ ...اسمعوني : أرجوكم : أنتم إخوة ، أبناء هذا الحيّ الطيّب ، وحين تسيل الدّماء ، لا قاتل، ولا مقتول، لا غالب أو مغلوب..من يمتلك القوّة ، أو من لا يمتلك إلاّ صدره الأعزل.
    كلّكم مقتولون ...كلّكم ..
    ازداد الموقف ضراوةً ، وعنفاً ، وتناثرتْ أشلاء قابيل ، وهابيل معاً ، وحطّ الغراب بجناحيه ينعق في الخراب .
    واختفى صوت سعديّة ، وغاب ..وغاب ..حتى تلاشى ، سمعتْ وقع أقدامٍ تتباعد عنها،وارتحل بصرها إلى بقعة ضياء، تحمل معها قطع حلوى ،تلقم بها أفواهاً فقيرةً ،وادعةً ،كأكمام الزّهر ، تعرفها جيدا،وصوتا سكن أذنها ، أحبّها منذ الطفولة ،تميّزه بدرايةٍ يناديها:
    سعديّة ...سعديّة ...أولادك قتلوك يا سعديّة ، أولادك قتلوكِ ، يردّ ثوبها المنحسر عنها ، يضمّ جسداً بارداً إلاّ من بعض دمٍ يدفق بدفء الحبّ ، والخير.
    وهناك ...عند الوادي البعيد ، عانقتْ وجهاً أسمر اشتاقته طويلا ، تهمس له :
    يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ...تعباااان يا قلب خيّو ..هواك رماني ...
    ************************************* ************************ **********************

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    إذن ماتت سعديه تحت أقدام أبنائها..و لحقت بالحبيب أسمر اللون ..
    جميلة القصة إيمان ..جدا.
    قرأتها في عجالة و سوف أعود إليها.
    محبّتي.
    التعديل الأخير تم بواسطة آسيا رحاحليه; الساعة 27-04-2011, 09:56.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • مباركة بشير أحمد
      أديبة وكاتبة
      • 17-03-2011
      • 2034

      #3

      وتفرش حصائر الدهشة أحيانا أمام خطوات الحقائق

      ويقف قطار الأفكار جامدا، لايعرف له وجهة أو محطة ..!!
      ..........

      ألوان من المشاعر المتمازجة مابين حب لأسمر اللون

      وأمومة دافئة، وعطف على الصبية، قد شكلت لوحة

      نادرة من القص الجميل، بأسلوب مشوق ولغة شامخة

      عانقت بمفرداتها اللامعة أفواه الثريا..!

      تقديري لك أيتها الكاتبة المبدعة

      وحفظ الله سوريا من جحيم الفتن ،وألبسها ثوبا من الأمان والعافية.

      تحياتي وتقديري

      تعليق

      • محمد فطومي
        رئيس ملتقى فرعي
        • 05-06-2010
        • 2433

        #4
        حاشاه أن يكون قد بعثرها قلبها الطيّب.سعديّة أمّ الجميع و أختهم.
        و حاشاها أن تكون قد ألمّت بها لعنة الّلحم الأسمر.
        تجمّعت في سعديّة كلّ حواري الشّام الحلوة.
        و أشهد أنّك كنت رائعة هنا و على هذا النّحو.
        مدوّنة

        فلكُ القصّة القصيرة

        تعليق

        • محمد فطومي
          رئيس ملتقى فرعي
          • 05-06-2010
          • 2433

          #5
          أحسنت أستاذة إيمان.
          أنت تنفعين حين تكتبين.
          مدوّنة

          فلكُ القصّة القصيرة

          تعليق

          • فاطمة يوسف عبد الرحيم
            أديب وكاتب
            • 03-02-2011
            • 413

            #6
            الرائعة إيمان الدرع
            قصة ممتعة حملتنا على أجنحة الوفاء حيث وفاء سعدية لا حدود له ،وكذلك إيقاع تعابير أيمان لا حدود لجمالها ، نشكرك لهذه القطعة الفنية الفائفة الجمال
            سلمت يمينك
            فاطمة

            تعليق

            • أمين خيرالدين
              عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
              • 04-04-2008
              • 554

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
              يا أسمر اللّون ...

              باغتْتها نسيماتٌ باردةٌ ، سحبتْ الغطاء تدثّر ولديها ، وبعينٍ نصف مغمضةٍ تنبّهتْ للوقت ..
              ياااااه أوشك الصّبح أن يشرقَ ، قالتْ في سرّها ، وهي تطرد عنها سطوة النوم اللّذيذ .
              رشقتْ وجهها برذاذ الماء ، ثمّ استدارتْ على عجلٍ ،لتنثر بعض الحبّ المجروش في قنّ الدجاج ، لمّا تعالتْ صيحات الدّيك تعلن بدء رحلة يومٍ جديدٍ ، بعد أن خلع اللّيل بردته القديمة ،الملوّثة بالأحلام الواهمةِ،المعطوبة على الغالب.
              واتّجهتْ نحو المطبخ ، ترفع الغطاء النديّ عن المعجن ، تتأكّد من تخمّر الخليط بطرف إصبعها ، أيقنتْ بخبرتها صلاحيتها الآن للشواء، زجّتْ الصينيّة في الفرن ، فاحتْ أنفاس الحلوى في صحن الدّار ، شمّرتْ ثوبها الطويل بزنّارٍ قماشيٍّ ، تقيه من البلل ، وهي ترشّ الماء على الأرض وأحواض الزّرع ، غرّد الحسّون ، فشرعتْ تغنّي لوجه رجلٍ راحلٍ ، إلاّ من أعطافها ..
              تظنّ حدّ اليقين بأنه قربها الآن ، تعدّ له قهوة الصّباح ، وتهيئ له الجلسة الصباحية، برائحة الورد الذي كانت تجدله بين ضفائرها ..
              (يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ..... ، تعباااااااااان يا قلب خيّو ...........هواك رماني ،
              يا بو عيون وساع ...حطّيت بقلبي اوجاع.. بعطيك سبع رباع خيّو من العين رسمالي ..)
              وابتلعت مع دموعها مابقي من الكلمات .
              صينيّة الهريسة باتتْ شهيّة الشّواء كقرص شمس الصّباح ،حملتها على رأسها بعد أن أغرقتها بالقطر ، وقطّعتها .
              اطمأنّتْ إلى باب بيتها بعد أن أرتجته بأمانٍ ، تشقّ الزّحام إلى رأس الشّارع في حارتها ، قرب الشّجرة العتيقة .
              تلقّفتها عيناه بحبّ مزمنٍ : هاتها أحملها عنك ثقيلةٌ هي ..
              _لا شكراً ...لا أريد أن أتعبك ..
              أصرّ مادّاً يده ، يجذب الصينيّة نحو رأسه: هاتها حرامٌ أن يتعب هذا الرّأس الجميل ، ويحمل مالا يطيق ، لو أنّك تعقّلتِ ، وقبلتِ بي زوجاً أمَا ارتحتِ من هذا الشّقاء ..؟؟!!! أم أنك ما زلتِ تحنّين إلى أسمر اللّون الذي سرق قلبي حيّاً ، وميتاً ؟؟
              قطّبتْ حاجبيها ، وكانت قد وصلت إلى المكان المقصود ، ثمّ أمسكتْ بكفّة الميزان ، وبين الحزم والمزاح ، وجهتها نحوه ، لحظة كان يهمّ بفتح الطاولة الصغيرة المغلقة ليثبّت عليها الصينية :
              _اصمتْ وإلاّ ... قالتها ضاحكةً ثمّ أردفت: عمر أنت أخي ، بل كلّ أهلي ، أنت المخلص ،الوفيّ ،الذي ما غيّره الزّمان..
              _ولن أتغيّر ، منذ طفولتي أحبّك ، رغم كلّ محطّات عمري التي عبرتها ، أحبك ، ولكن ...وآاااه من لكن ، بقي الحلم حلماً ، وبقي قلبك رهيناً لفارسك الأسمر..حتى بعد أن صار ظلاً نائماً.
              _ ولداي.. عمر.. ولداي ، وأميّ المشلولة ، هم أمانةٌ في عنقي ، والدّرب طويلٌ .. طويلٌ ، والكسب قليلٌ ..قليلٌ.
              قطع حديثهما توافد الصّبية مهرولين نحو المدرسة القريبة من مكانها، امتدّتْ الأيدي تدفع بالقروش القليلة إليها ، تتوافق مع تحيّة الصّباح التي باتتْ كطقوسٍ يوميّةٍ بين صحبةٍ طيّبة ، حميمةٍ تجمعها بهم ، وتغوص في أنسجتهم بودّ ، وتحنانٍ.
              كان يرقبها بطرف عينه ، وهي تقسم لقيمات تطعم بها أفواهاً فقيرةً ، عذبة الأنفاس، لا تمتلك الثّمن ..
              _ لن يتبقّى على هذا الحال إلاّ القليل من الهريسة يا سعديّة ، يقول لها مشفقاً
              _ الرّزق على الله يا عمر ، كلّهم أولادي ، أحسّهم كلّهم أولادي ، صغاراً ، وشباباٌ ، آااه لو يسعهم هذا الحضن !!!.
              تركها مزروعة في قلبه ومضى .
              نال منها التعب ، كم تؤلمها فقراتُ ظهرها ..!!؟؟ اعتدلتْ في جلستها ، تفرك عنقها ، حتى أسفل ظهرها ، تغمض عينيها ، تتحسّس الليرات المعدودات، ترى .. هل تكفي متطلّبات ما يلزمها..؟؟
              اخترقها صوتٌ مزلزلٌ ،لا يشبه الأصوات التي ألفتها ، وتراكض أقدامٍ مضطربةٍ حولها ، عجّتْ الأرصفة بالغبار ، ساد الهرج ، والمرج ، فقطع أصوات الحياة الآمنة.
              هبّتْ مستفسرةً عمّا يدور حولها ، لم تستبن طلاسم ما قيل أمامها من تبرير ..، كلّ فتية الحيّ يحبّونها ، يعرفونها ، ولكنهم لم يسمعوها ، وهي تقف عرض الشارع ، محاولةً الفصل بينهم.
              لعلع الرّصاص كأمطارٍ رماديّةٍ أسالت لونها الأحمر على الإسفلت ، على الرّصيف ، على الجدران ، تؤرّخ لجرحٍ كبيرٍ.
              صرخت: كفاية يا أولادي بالله عليكم ، كفى ...مهما كان الخلاف ،هناك حلول منصفة ، عادلة ،اسمعوني أرجوكم ..
              ضاع صوتها وسط الجموع الهادرة بحنقٍ ، وغضبٍ ، كأمواج نارٍ لاهبةٍ ، تأكل حشاشة الأرض ، وأجساد الحشود المتصارعة.
              اختلّ توازنها ، ارتمتْ على قارعة الطريق ، وتبعثرتْ الحلوى بين الأقدام ،معجونة بالوحل ، وما تنبّهوا إليها.
              وقفتْ من جديدٍ ، تلمّ بعض قوّتها ،المستمدّة من قلبها المرتجف حبّاً، لم تيأس ، راحتْ تجذب هذا ، وذاك :
              _انظروا إليّ ...اسمعوني : أرجوكم : أنتم إخوة ، أبناء هذا الحيّ الطيّب ، وحين تسيل الدّماء ، لا قاتل، ولا مقتول، لا غالب أو مغلوب..من يمتلك القوّة ، أو من لا يمتلك إلاّ صدره الأعزل.
              كلّكم مقتولون ...كلّكم ..
              ازداد الموقف ضراوةً ، وعنفاً ، وتناثرتْ أشلاء قابيل ، وهابيل معاً ، وحطّ الغراب بجناحيه ينعق في الخراب .
              واختفى صوت سعديّة ، وغاب ..وغاب ..حتى تلاشى ، سمعتْ وقع أقدامٍ تتباعد عنها،وارتحل بصرها إلى بقعة ضياء، تحمل معها قطع حلوى ،تلقم بها أفواهاً فقيرةً حانيةً ، تعرفها جيدا،وصوتا سكن أذنها تميّزه بدرايةٍ يناديها:
              سعديّة ...سعديّة ...أولادك قتلوك يا سعديّة ، أولادك قتلوكِ ، يردّ ثوبها المنحسر عنها ، يضمّ جسداً بارداً إلاّ من بعض دمٍ يدفق بدفء الحبّ ، والخير.
              وهناك ...عند الوادي البعيد ، عانقتْ وجهاً أسمر اشتاقته طويلا ، تهمس له :
              يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ...تعباااان يا قلب خيّو ..هواك رماني ...
              ************************************* ************************ **********************
              الكاتبة القديرة
              ألأخت إيمان الدرع
              وماتت سعدية لتعيش في طيات كلماتك ومنحنيات حروفك
              ماتت سعديه لتولد من جديد من نقاط حروفك وبروح معاني كلماتك
              قصة استوفت فن كتابة القصة حتى سيطرت على حواس قارئها
              عظيمة أنت يا أختاه
              وراقية نصوصك
              ورقيها مستمد من نفسك النقية وأفكارك النبيلة
              إبداع الكاتب ونصوصه مرآة تعكس جوهر الكاتب
              اتدرين بعد تعب يوم كامل مللت القراءة
              لكن قصتك شدتني لقراءتها أكثر من مرة
              هي قطعة موسيقية ولوحة فنية
              منك دائما أتعلم
              الف شكر وود
              التعديل الأخير تم بواسطة أمين خيرالدين; الساعة 28-04-2011, 04:29.
              [frame="11 98"]
              لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

              لكني لم أستطع أن أحب ظالما
              [/frame]

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                لن أفعلها بعد ذلك !!
                كلما كتبت شيئا أو بضع كلمات فى غيبتك ، أسرع إليك ، إيمان قد كتبت جديدا ، أرجوك اقرئي ، أحتاج لرأيك فيه .. و أنتظر حتى تفرغين من القراءة و التعليق ، و أنا فى حال ليس غريبا عليّ على كل حال
                ثم أقرأ ما كتبت متلهفا ، و كأنني أقرأ نفسي لمرة ثانية و بنفس الحالة من الارتباك ، و ربما الترنح من فرط ، ما أثنيت ، و أكدت ، حتى أن شعورا ما بالخجل ينتابني من حلاوة و طلاوة حديثك !!
                الليلة وضعت هذه القصة ، و كنت بعيدا ، و ككل مرة لم تبوحي لى بأسرارك ، و التى تمثلت فى تلك القصة ، و برغم أني مررت عابرا من هنا ، لم أرها ، و عميت عنها .. فقط الآن رأيت و قرأت !!

                سعدية !
                حتى لو كنت قد شاهدت مصرعها ، فإني أجزم لك أني رأيتها الليلة ، و سوف أراها كل يوم ، لأنها ليست للموت ، و النهايات المشابهة ، لأنها لا تشبه أحدا .. نعم رأيتها تقوم بنفس الطقوس ، و هى تنظر لقرص الشمس ، و كأنها تشكي له عن تلك الألآم التى تصطخب فى بدنها ، ثم تنسحب إلى أسفل ، و أمام التنور تفعل ، ثم تحمل صنيتها ، و تأخذ الطريق الذى تعودته دائما ، إلى تلك البقعة .. لتعيش مع من تحب هناك ، لأنها الرابط الدموي الذى يربطها بالأسمر .. تلك البقعة التى لن ينال منها الوقت ، مهما تمثلنا لها من نهايات .. تبقى الجراحات قائمة طالما سعدية ، تكز على أسنانها و لا تصرخ من الألم .. ليتها أخبرتك سيدتي ، كم تتمني .. وتتمني .. كم تشقى بغياب فارسها الأسمر الذى وضعت فيه كل طموحها وآمالها لغد أروع ، و أنقى و أكرم !!

                ما شدني هنا :

                الصراع الذى صور على أنه بين قابيل و هابيل ، و هذا منتهى الذكاء منك سيدتي ، أى أن الصراع كان بين حق و باطل ، بين الطيب الجميل المطيع لربه و عائلته ، و بين آبق يملأ قلبه الغيظ ، و قيظ الضمير
                ذاك الذى يعيش على الرقاب ، و ينام على دوي آلآمهم !!
                أيضا شدتني جملة فى بداية القص ، غريبة الوقع ، أحسست أن الكاتبة هنا تتحدث عن شىء خاص تماما ، و أنها خرجت من بين أكتاف سعدية لتقول :" بعد أن خلع اللّيل بردته القديمة ،الملوّثة بالأحلام الواهمةِ،المعطوبة على الغالب.
                و لكنه لم يكن كذلك ، بل الحلم الذى طال انتظاره ، و لم يأت و أصبح انتظارها معطوبا هو الآخر !
                كانت هنا بعض لمسات ذكية للغاية ، توقفت عندها .. و لكن كان أهمها و أقساها طرا .. هو أن أدخلت فى مخيلة الجميع أن سعدية ماتت .. لكنها لم و لن تموت سيدتي .. لأني كما قلت لك سابقا رأيتها هناك .. فى ذات البقعة ، لكنها مخطوفة الملامح ، تبحث عن شىء ، كما توضح لى أنها الآن ملت الانتظار ، وأسرعت إلى أخذ و نيل ما تريد مبادرة و ثائرة ، لتحقيق أحلامها ، أو الكثير من أحلامها !!



                عندي الكثير لأصرخ به
                و لكن سوف أصرخ كتابة مع نفسي
                ربما ألهمت سعدية بعض الطريق .. و أغلب ظني أنها تعرف طريقها جيدا !!


                يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ..... ، تعباااااااااان يا قلب خيّو ...........هواك رماني ،
                يا بو عيون وساع ...حطّيت بقلبي اوجاع.. بعطيك سبع رباع خيّو من العين رسمالي ..)
                التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 04-05-2011, 12:34.
                sigpic

                تعليق

                • ميساء عباس
                  رئيس ملتقى القصة
                  • 21-09-2009
                  • 4186

                  #9
                  أولادك قتلوك يا سعديّة ، أولادك قتلوكِ ، يردّ ثوبها المنحسر عنها ، يضمّ جسداً بارداً إلاّ من بعض دمٍ يدفق بدفء الحبّ ، والخير.
                  وهناك ...عند الوادي البعيد ، عانقتْ وجهاً أسمر اشتاقته طويلا

                  آآآه إيمانو الغالية
                  لاأدري بما تشبهني قصتك
                  بسردها ؟ّ!
                  أم بصورها الحنونة والشاعرية
                  أم بأسمر اللون ؟ّ
                  أم بتلك المرأة كشجرة حور باسقة
                  جميلة كما عهدتك
                  جميلة الروح والحرف
                  ندية
                  ماهرة
                  في ولوج الألم بكل شاعرية
                  محبتي
                  ميساء

                  مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
                  https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

                  تعليق

                  • إيمان الدرع
                    نائب ملتقى القصة
                    • 09-02-2010
                    • 3576

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                    إذن ماتت سعديه تحت أقدام أبنائها..و لحقت بالحبيب أسمر اللون ..
                    جميلة القصة إيمان ..جدا.
                    قرأتها في عجالة و سوف أعود إليها.
                    محبّتي.
                    دائماً تباشير المطر ..
                    تعطي انتعاشاً لمساحاتٍ كبيرةٍ في الرّوح ..وبواكير خيرٍ
                    هكذا كانتْ كلماتك الحلوة ، المشجّعة ..
                    أشكرك آسية الحبيبة :
                    لأنك سكّنت بعض توتّرٍ ينتابني، عقب إرسال أيّ عملٍ أدبيّ لي ..
                    وفي انتظار عودتك التي لا أملّها ..غاليتي ..
                    ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي ..

                    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                    تعليق

                    • حسن الحسين
                      عضو الملتقى
                      • 20-10-2010
                      • 299

                      #11
                      العزيزة ايمان..
                      تبدو سعدية الوطن الذي أفرط في حب أبنائه لكنهم أردوه صريعا بطيشهم الأحمق
                      وهكذا تمكنت أناملك من اسقاط النص على الواقع الآني
                      آمل أن يكون عبرة قبل فوات الأوان
                      لك مودتي وتقديري

                      تعليق

                      • إيمان الدرع
                        نائب ملتقى القصة
                        • 09-02-2010
                        • 3576

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة

                        وتفرش حصائر الدهشة أحيانا أمام خطوات الحقائق



                        ويقف قطار الأفكار جامدا، لايعرف له وجهة أو محطة ..!!


                        ..........



                        ألوان من المشاعر المتمازجة مابين حب لأسمر اللون



                        وأمومة دافئة، وعطف على الصبية، قد شكلت لوحة



                        نادرة من القص الجميل، بأسلوب مشوق ولغة شامخة



                        عانقت بمفرداتها اللامعة أفواه الثريا..!



                        تقديري لك أيتها الكاتبة المبدعة



                        وحفظ الله سوريا من جحيم الفتن ،وألبسها ثوبا من الأمان والعافية.



                        تحياتي وتقديري


                        مباركة ...
                        كنت معي ...يميناً كنت معي
                        بكلّ خفقةٍ من قلبي وردتْ هنا...
                        وإلاّ لما جاءت مداخلتك مطابقة لكل هواجسي ، وألمي ...وأحلامي
                        أشكرك أديبتنا الرائعة ..
                        على رأيك الذي أفخر به ، وأعلو..
                        وعلى دعائك الصّادق لسورية الحبيبة ـ بلدك الثّاني ـ
                        إليك يا أديبتنا الرّائعة أحلى أمنياتي ...وتحيّاتي

                        تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                        تعليق

                        • إيمان الدرع
                          نائب ملتقى القصة
                          • 09-02-2010
                          • 3576

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
                          حاشاه أن يكون قد بعثرها قلبها الطيّب.سعديّة أمّ الجميع و أختهم.
                          و حاشاها أن تكون قد ألمّت بها لعنة الّلحم الأسمر.
                          تجمّعت في سعديّة كلّ حواري الشّام الحلوة.
                          و أشهد أنّك كنت رائعة هنا و على هذا النّحو.
                          ومن حواري الشّام العتيقة...
                          أهدي تونس الشّقيقة كل الأماني الحلوة ..
                          أشكرك لأنك خفت على قلب سعدية من أن يناله العطب ..
                          لأنه ماقدّم إلاّ الحبّ والخير ..
                          ولأنك رأيت في نصّي المتواضع بعض روعةٍ تستحقّ الثناء ..
                          سعيدة بحضورك ..أخي وزميلي محمد ...لأبعد مدى ..
                          ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي

                          تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                          تعليق

                          • إيمان الدرع
                            نائب ملتقى القصة
                            • 09-02-2010
                            • 3576

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
                            أحسنت أستاذة إيمان.
                            أنت تنفعين حين تكتبين.
                            الأستاذ الرّاقي محمد فطومي :
                            إن كنت تعني أن كتابتي لها وقعها في الوجدان على المدى البعيد ..
                            فهذا غاية ما يبتغيه أيّ أديب ذي رسالة ..
                            وهذا بحدّ ذاته منتهى السعادة ...
                            فكم من نصوصٍ ، تفقد مصداقيّتها ، وتتبخّر من الذاكرة لحظة الانتهاء من قراءتها..
                            لأنها لا تحترم العقل ، ولاتقنعه ،ولا تقدّم غذاء للرّوح والفكر ..
                            أشكر عودتك الكريمة للنصّ ،ورأيك الذي أعتزّ به ...

                            تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                            تعليق

                            • إيمان الدرع
                              نائب ملتقى القصة
                              • 09-02-2010
                              • 3576

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة يوسف عبد الرحيم مشاهدة المشاركة
                              الرائعة إيمان الدرع
                              قصة ممتعة حملتنا على أجنحة الوفاء حيث وفاء سعدية لا حدود له ،وكذلك إيقاع تعابير أيمان لا حدود لجمالها ، نشكرك لهذه القطعة الفنية الفائفة الجمال
                              سلمت يمينك
                              فاطمة
                              أختي الحبيبة فاطمة :
                              لمّا تأتي المعاني الجميلة المشجّعة ...
                              من أديبة مبدعةٍ لها حضورها القويّ مثل الأستاذة فاطمة
                              فهذا غاية المنى والسّعادة..
                              أشكرك غاليتي ...
                              مازال النصّ الذي قرأته لك مؤخّراً / لمَ سفكتَ دمي /يستحوذ على مشاعري
                              لك أحلى أمنياتي ...وتحيّاتي ...

                              تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                              تعليق

                              يعمل...
                              X