بعد طول غياب ظهر على مهرته السحابيه ، وقد أشرق وجهه ، واكتسى
بنفيس الثياب . تراقصت عيناه بفرح فازدادت حيرتي ؛ فلم أعهد صديقي أبدا على هذه الحال ، وقد اتكأ في اختيال على جدار بيتنا الفقير، يحكى لي ما حدث له فى الفترة الأخيرة .. يحكى عن مدينة عجيبة فى قلب الصحراء التي يعشقها ، ويجوب أرجائها . مدينة ترابها من ياقوت ، صخرها من ذهب ، ماؤها سحر ، هوائها مسك . وأردف صديقي يصف تلك المدينة:
ظنت أنني وقعت على كنزي الأسطوري ، الذي أمضيت حياتي أجوب
الفضاء بحثا عنه ، فتركت مهرة السحاب ؛ لأجوب شوارع المدينة
المترفة ، أفرك عيني غير مصدق ، لكن دهشتي كانت عارمة ، وفزعي كان شديد ؛ لرقة حال أهلها وفقرهم المدفع تارة ، ووجوههم المذعورة من مجرد الهمس تارة أخرى ، حتى تحدث طفل صغير بصوت البراءة :
عن حاكم يسكن قصر مخيف ، وحديقة أشجار سوداء شوكية ، تتوسطها بحيرة كبيرة ، تسكنها تماسيح الوغى الشبحية . ثم همس فى أذني:
هناك فى قلب القصر الأسود .. تقبع مفرمة البشر ، صنعها رجال الحاكم ، وأنها دارت على جسد أبيه ، وأطعم الحاكم لحمه لكلاب السوء ، التي تحرس القصر المرعب . و قبل أن يكمل الصغير بجسده الضئيل المرتعش بقية الحكاية ، لطمه أحدهم بقسوة ، ثم احتواه بين ذراعيه . ونظر لي بحدة ...أخذه واختبأ في جحره الأثير ، وتبعه الآخرون في جحورهم ، ينظرون لي بعيون وجله ، وقد صار الخوف جزءا من تراثهم .
صرخت فيهم :
" جبناء..! ".
لم يحرك هذا شيئا فيهم..بل أداروا ظهورهم ؛ لتسد فتحات الجحور والقبور العارمة..أغاظني هوانهم ، ورفعت إصبعا فى الهواء ، ورسمت علامة ( لا )
ارتعشت المدينة في ذهول . طار الخبر إلى قصر الحاكم ؛عبر كلاب السوء الذين تنصتوا فى خبث . كنت أتوقع أن يكون مصيري المفرمة ولم أبال ؛ لكن سأكنى الجحور والقبور ، وقد هزهم زلزال الـ لا قليلاً ، أخفوني من بيت لبيت ، ومن زقاق لزقاق ، ومن شارع لشارع ، ومن زنقة لزنقة ، ومن حارة لحارة .
دارت المفرمة على أجساد الكثير ، وهم يحافظون على كالكنز الثمين ، حتى تاقت نفسي للموت خجلا من هؤلاء الضعفاء الكرماء .
ثم أردف هو يغمض عينيه في نشوة الأحداث:
نسى الحاكم أمري ، في غمرة انشغاله الجنوني بآلة أخرى ، تمتص الدماء من البشر . ازداد طغيانه ، وكدت أرسم ( لا ) مرة أخرى ؛ لكنى جبنت وتذكرت المفرمة. حينما يئست ، قررت الرحيل ، إلا أن السحاب اختفى ، وهرب خوفا من الاختناق . قبعت في جحري الأثير ؛ أرقب جنون الحاكم وقد أعلن نفسه رباً للمدينة ، وروى أشجار حديقته السوداء بالدماء الفتية ، التي امتصتها آلته الجديدة .
فجأة وسط هذا الزخم الفاسد ، صرخت امرأة فانية عجوز ، ورسمت
علامة ، فاقتنصها الحاكم الماكر بنفسه ، وفرم لحمها ، وامتص دماءها ؛ ليروى حديقته الشيطانية ، التى التمعت أغصانها ، وتقوست أشواكها كمخالب شرسة ؛ استعدت لقنص كل عابر سبيل .وفى نهار عادى من تلك النهاريات المملة ...لا صيفية ولا شتوية ...لا أشجار تتحرك ، ولا مياه تتماوج ، ولا صوت يهمس وكأن الزمن توقف هناك ؛ إذا بالسماء تربد وتظلم ، تغضب وتبرق ، تعصف . تتساقط سيول من الأمطار الحمراء القانية تارة ، والحمراء الفاتحة تارة أخرى . يجمع بينها السخونة والحدة وشهقات الألم الأخير قبل المفرمة ، وقد لطمت الأمطار الغاضبة قصر الحاكم ، ورسمت فوقه علامة ( لا ) حمراء نارية تتراقص في جنون العاصفة ، وتساقط االمطر غزيرا عزيزا على وجوه الناس . كان لقاء حميم بين الموتى والأحياء ، تعرف كل أب وأم وأخ على دماء حبيبه وفقيده ، وارتفعت أصابع اليد العشر للشعب كله صوب القصر الجهنمي ، بينما خفت صوت مفرمة البشر إلى الصفر ، وتساقطت كلاب السوء و السم ، يربد من بين أنيابها جراء لعق الدماء الثائرة ، وانسعرت الأشجار المفترسة ، التهمت تماسيح الوغى الشبيحة ، ثم رقبت فى سكون . حاكمها يلوذ بحديقته الشيطانية ...تكالبت عليه الأشجار الجامحة ، وتقلصت حوله..تحورت لأبدان سوداء شائهة وأوراق حادة كالسيوف غرست فى جسد الظالم ..حتى إذا أبصرته ، امتزج بها ، ولم يبق من بين الفروع الشائكة السوداء الحالكة سوى عينين شلهم الفزع والذهول ، وتقلصت
حديقته كلها حول جسده ، فى مساحة ضئيلة ، مكان قصره المندثر..أبقاها الأحرار ذكرى ، وقد صنع أحدهم للسخرية على أحد جوانبها مبولة...وفى الجانب الآخر مبصقة .
هتفت في ذهول:
يا له من انتقام شعب من حاكمه !
لكن عابر الصحراء لكزني قبل أن يعاود الرحيل ، ويغوص فى أحضان
السحاب الفضي ، وصوته يدوى خلفه:
إنهم يستحقون!!!!!!!!!!!
إنهم يستحقون!!!!!!!!!!!
بنفيس الثياب . تراقصت عيناه بفرح فازدادت حيرتي ؛ فلم أعهد صديقي أبدا على هذه الحال ، وقد اتكأ في اختيال على جدار بيتنا الفقير، يحكى لي ما حدث له فى الفترة الأخيرة .. يحكى عن مدينة عجيبة فى قلب الصحراء التي يعشقها ، ويجوب أرجائها . مدينة ترابها من ياقوت ، صخرها من ذهب ، ماؤها سحر ، هوائها مسك . وأردف صديقي يصف تلك المدينة:
ظنت أنني وقعت على كنزي الأسطوري ، الذي أمضيت حياتي أجوب
الفضاء بحثا عنه ، فتركت مهرة السحاب ؛ لأجوب شوارع المدينة
المترفة ، أفرك عيني غير مصدق ، لكن دهشتي كانت عارمة ، وفزعي كان شديد ؛ لرقة حال أهلها وفقرهم المدفع تارة ، ووجوههم المذعورة من مجرد الهمس تارة أخرى ، حتى تحدث طفل صغير بصوت البراءة :
عن حاكم يسكن قصر مخيف ، وحديقة أشجار سوداء شوكية ، تتوسطها بحيرة كبيرة ، تسكنها تماسيح الوغى الشبحية . ثم همس فى أذني:
هناك فى قلب القصر الأسود .. تقبع مفرمة البشر ، صنعها رجال الحاكم ، وأنها دارت على جسد أبيه ، وأطعم الحاكم لحمه لكلاب السوء ، التي تحرس القصر المرعب . و قبل أن يكمل الصغير بجسده الضئيل المرتعش بقية الحكاية ، لطمه أحدهم بقسوة ، ثم احتواه بين ذراعيه . ونظر لي بحدة ...أخذه واختبأ في جحره الأثير ، وتبعه الآخرون في جحورهم ، ينظرون لي بعيون وجله ، وقد صار الخوف جزءا من تراثهم .
صرخت فيهم :
" جبناء..! ".
لم يحرك هذا شيئا فيهم..بل أداروا ظهورهم ؛ لتسد فتحات الجحور والقبور العارمة..أغاظني هوانهم ، ورفعت إصبعا فى الهواء ، ورسمت علامة ( لا )
ارتعشت المدينة في ذهول . طار الخبر إلى قصر الحاكم ؛عبر كلاب السوء الذين تنصتوا فى خبث . كنت أتوقع أن يكون مصيري المفرمة ولم أبال ؛ لكن سأكنى الجحور والقبور ، وقد هزهم زلزال الـ لا قليلاً ، أخفوني من بيت لبيت ، ومن زقاق لزقاق ، ومن شارع لشارع ، ومن زنقة لزنقة ، ومن حارة لحارة .
دارت المفرمة على أجساد الكثير ، وهم يحافظون على كالكنز الثمين ، حتى تاقت نفسي للموت خجلا من هؤلاء الضعفاء الكرماء .
ثم أردف هو يغمض عينيه في نشوة الأحداث:
نسى الحاكم أمري ، في غمرة انشغاله الجنوني بآلة أخرى ، تمتص الدماء من البشر . ازداد طغيانه ، وكدت أرسم ( لا ) مرة أخرى ؛ لكنى جبنت وتذكرت المفرمة. حينما يئست ، قررت الرحيل ، إلا أن السحاب اختفى ، وهرب خوفا من الاختناق . قبعت في جحري الأثير ؛ أرقب جنون الحاكم وقد أعلن نفسه رباً للمدينة ، وروى أشجار حديقته السوداء بالدماء الفتية ، التي امتصتها آلته الجديدة .
فجأة وسط هذا الزخم الفاسد ، صرخت امرأة فانية عجوز ، ورسمت
علامة ، فاقتنصها الحاكم الماكر بنفسه ، وفرم لحمها ، وامتص دماءها ؛ ليروى حديقته الشيطانية ، التى التمعت أغصانها ، وتقوست أشواكها كمخالب شرسة ؛ استعدت لقنص كل عابر سبيل .وفى نهار عادى من تلك النهاريات المملة ...لا صيفية ولا شتوية ...لا أشجار تتحرك ، ولا مياه تتماوج ، ولا صوت يهمس وكأن الزمن توقف هناك ؛ إذا بالسماء تربد وتظلم ، تغضب وتبرق ، تعصف . تتساقط سيول من الأمطار الحمراء القانية تارة ، والحمراء الفاتحة تارة أخرى . يجمع بينها السخونة والحدة وشهقات الألم الأخير قبل المفرمة ، وقد لطمت الأمطار الغاضبة قصر الحاكم ، ورسمت فوقه علامة ( لا ) حمراء نارية تتراقص في جنون العاصفة ، وتساقط االمطر غزيرا عزيزا على وجوه الناس . كان لقاء حميم بين الموتى والأحياء ، تعرف كل أب وأم وأخ على دماء حبيبه وفقيده ، وارتفعت أصابع اليد العشر للشعب كله صوب القصر الجهنمي ، بينما خفت صوت مفرمة البشر إلى الصفر ، وتساقطت كلاب السوء و السم ، يربد من بين أنيابها جراء لعق الدماء الثائرة ، وانسعرت الأشجار المفترسة ، التهمت تماسيح الوغى الشبيحة ، ثم رقبت فى سكون . حاكمها يلوذ بحديقته الشيطانية ...تكالبت عليه الأشجار الجامحة ، وتقلصت حوله..تحورت لأبدان سوداء شائهة وأوراق حادة كالسيوف غرست فى جسد الظالم ..حتى إذا أبصرته ، امتزج بها ، ولم يبق من بين الفروع الشائكة السوداء الحالكة سوى عينين شلهم الفزع والذهول ، وتقلصت
حديقته كلها حول جسده ، فى مساحة ضئيلة ، مكان قصره المندثر..أبقاها الأحرار ذكرى ، وقد صنع أحدهم للسخرية على أحد جوانبها مبولة...وفى الجانب الآخر مبصقة .
هتفت في ذهول:
يا له من انتقام شعب من حاكمه !
لكن عابر الصحراء لكزني قبل أن يعاود الرحيل ، ويغوص فى أحضان
السحاب الفضي ، وصوته يدوى خلفه:
إنهم يستحقون!!!!!!!!!!!
إنهم يستحقون!!!!!!!!!!!
تعليق