عابر الصحراء وقصته العجيبة / اهداء للثورات العربية-روان عبد الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • روان عبد الكريم
    أديب وكاتب
    • 21-03-2010
    • 185

    عابر الصحراء وقصته العجيبة / اهداء للثورات العربية-روان عبد الكريم

    بعد طول غياب ظهر على مهرته السحابيه ، وقد أشرق وجهه ، واكتسى

    بنفيس الثياب . تراقصت عيناه بفرح فازدادت حيرتي ؛ فلم أعهد صديقي أبدا على هذه الحال ، وقد اتكأ في اختيال على جدار بيتنا الفقير، يحكى لي ما حدث له فى الفترة الأخيرة .. يحكى عن مدينة عجيبة فى قلب الصحراء التي يعشقها ، ويجوب أرجائها . مدينة ترابها من ياقوت ، صخرها من ذهب ، ماؤها سحر ، هوائها مسك . وأردف صديقي يصف تلك المدينة:
    ظنت أنني وقعت على كنزي الأسطوري ، الذي أمضيت حياتي أجوب
    الفضاء بحثا عنه ، فتركت مهرة السحاب ؛ لأجوب شوارع المدينة
    المترفة ، أفرك عيني غير مصدق ، لكن دهشتي كانت عارمة ، وفزعي كان شديد ؛ لرقة حال أهلها وفقرهم المدفع تارة ، ووجوههم المذعورة من مجرد الهمس تارة أخرى ، حتى تحدث طفل صغير بصوت البراءة :
    عن حاكم يسكن قصر مخيف ، وحديقة أشجار سوداء شوكية ، تتوسطها بحيرة كبيرة ، تسكنها تماسيح الوغى الشبحية . ثم همس فى أذني:
    هناك فى قلب القصر الأسود .. تقبع مفرمة البشر ، صنعها رجال الحاكم ، وأنها دارت على جسد أبيه ، وأطعم الحاكم لحمه لكلاب السوء ، التي تحرس القصر المرعب . و قبل أن يكمل الصغير بجسده الضئيل المرتعش بقية الحكاية ، لطمه أحدهم بقسوة ، ثم احتواه بين ذراعيه . ونظر لي بحدة ...أخذه واختبأ في جحره الأثير ، وتبعه الآخرون في جحورهم ، ينظرون لي بعيون وجله ، وقد صار الخوف جزءا من تراثهم .
    صرخت فيهم :
    " جبناء..! ".
    لم يحرك هذا شيئا فيهم..بل أداروا ظهورهم ؛ لتسد فتحات الجحور والقبور العارمة..أغاظني هوانهم ، ورفعت إصبعا فى الهواء ، ورسمت علامة ( لا )
    ارتعشت المدينة في ذهول . طار الخبر إلى قصر الحاكم ؛عبر كلاب السوء الذين تنصتوا فى خبث . كنت أتوقع أن يكون مصيري المفرمة ولم أبال ؛ لكن سأكنى الجحور والقبور ، وقد هزهم زلزال الـ لا قليلاً ، أخفوني من بيت لبيت ، ومن زقاق لزقاق ، ومن شارع لشارع ، ومن زنقة لزنقة ، ومن حارة لحارة .
    دارت المفرمة على أجساد الكثير ، وهم يحافظون على كالكنز الثمين ، حتى تاقت نفسي للموت خجلا من هؤلاء الضعفاء الكرماء .
    ثم أردف هو يغمض عينيه في نشوة الأحداث:

    نسى الحاكم أمري ، في غمرة انشغاله الجنوني بآلة أخرى ، تمتص الدماء من البشر . ازداد طغيانه ، وكدت أرسم ( لا ) مرة أخرى ؛ لكنى جبنت وتذكرت المفرمة. حينما يئست ، قررت الرحيل ، إلا أن السحاب اختفى ، وهرب خوفا من الاختناق . قبعت في جحري الأثير ؛ أرقب جنون الحاكم وقد أعلن نفسه رباً للمدينة ، وروى أشجار حديقته السوداء بالدماء الفتية ، التي امتصتها آلته الجديدة .
    فجأة وسط هذا الزخم الفاسد ، صرخت امرأة فانية عجوز ، ورسمت
    علامة ، فاقتنصها الحاكم الماكر بنفسه ، وفرم لحمها ، وامتص دماءها ؛ ليروى حديقته الشيطانية ، التى التمعت أغصانها ، وتقوست أشواكها كمخالب شرسة ؛ استعدت لقنص كل عابر سبيل .وفى نهار عادى من تلك النهاريات المملة ...لا صيفية ولا شتوية ...لا أشجار تتحرك ، ولا مياه تتماوج ، ولا صوت يهمس وكأن الزمن توقف هناك ؛ إذا بالسماء تربد وتظلم ، تغضب وتبرق ، تعصف . تتساقط سيول من الأمطار الحمراء القانية تارة ، والحمراء الفاتحة تارة أخرى . يجمع بينها السخونة والحدة وشهقات الألم الأخير قبل المفرمة ، وقد لطمت الأمطار الغاضبة قصر الحاكم ، ورسمت فوقه علامة ( لا ) حمراء نارية تتراقص في جنون العاصفة ، وتساقط االمطر غزيرا عزيزا على وجوه الناس . كان لقاء حميم بين الموتى والأحياء ، تعرف كل أب وأم وأخ على دماء حبيبه وفقيده ، وارتفعت أصابع اليد العشر للشعب كله صوب القصر الجهنمي ، بينما خفت صوت مفرمة البشر إلى الصفر ، وتساقطت كلاب السوء و السم ، يربد من بين أنيابها جراء لعق الدماء الثائرة ، وانسعرت الأشجار المفترسة ، التهمت تماسيح الوغى الشبيحة ، ثم رقبت فى سكون . حاكمها يلوذ بحديقته الشيطانية ...تكالبت عليه الأشجار الجامحة ، وتقلصت حوله..تحورت لأبدان سوداء شائهة وأوراق حادة كالسيوف غرست فى جسد الظالم ..حتى إذا أبصرته ، امتزج بها ، ولم يبق من بين الفروع الشائكة السوداء الحالكة سوى عينين شلهم الفزع والذهول ، وتقلصت
    حديقته كلها حول جسده ، فى مساحة ضئيلة ، مكان قصره المندثر..أبقاها الأحرار ذكرى ، وقد صنع أحدهم للسخرية على أحد جوانبها مبولة...وفى الجانب الآخر مبصقة .
    هتفت في ذهول:
    يا له من انتقام شعب من حاكمه !

    لكن عابر الصحراء لكزني قبل أن يعاود الرحيل ، ويغوص فى أحضان
    السحاب الفضي ، وصوته يدوى خلفه:
    إنهم يستحقون!!!!!!!!!!!
    إنهم يستحقون!!!!!!!!!!!
    التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 28-04-2011, 21:34.
  • روان عبد الكريم
    أديب وكاتب
    • 21-03-2010
    • 185

    #2
    اهداء لكل ثائر عربى

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      نعم يستحقون و أكثر
      إذا كانوا من هذه العينة
      المدشنة بأمراض عصية على العلاج
      و ما من حاكم عربي أو ملوك
      إلا و كان قريب شيه من هذا الطاغية و كلابه السمان !


      مساء جميل أستاذة روان
      sigpic

      تعليق

      • ماهر اسماعيل طلبة
        عضو الملتقى
        • 21-05-2009
        • 176

        #4
        روان العزيزة .. واضح ان الثورات العربية حولت قصص الفزع عندك لنوع تانى خالص من القصص .. قصة جميلة كالعادة ... مزيدا من التألق
        تحياتى
        [B][FONT=Arial][SIZE=6][COLOR=DarkRed][CENTER]وقفت بين شطين علي قنطــــــــــــــــــرة
        الكدب فين و الصدق فيـــــــــــن يا تري
        محتار ح اموت .. الحوت خرج لي وقالي
        هو الكلام يتقــــــــــــاس بالمســـــــــــطرة
        عجبي !!![/CENTER]
        [/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=6][COLOR=DarkRed]
        [/COLOR][/SIZE][/FONT][URL="http://mahertolba.maktoobblog.com"][FONT=Arial][SIZE=6][COLOR=DarkRed]مدونتى حكايات [/COLOR][/SIZE][/FONT][/URL][/B]

        تعليق

        يعمل...
        X