كم أحببتك يا مدينتي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله راتب نفاخ
    أديب
    • 23-07-2010
    • 1173

    كم أحببتك يا مدينتي

    كم أحببتك يا مدينتي :
    دمشق ..
    أحببتك كثيراً يا مدينتي ...
    أحببت إطلالتك من قاسيون في أمسيات الصيف ، حين تسترجع أضواؤك معاني الحب الجميل الذي عشته يوماً في ردهات كلية آدابك بعيد مغرب الشمس .
    أحببت الزقاق العتيق الذي كنت أعبره ليلاً فيختلج قلبي تأثراً ، و تتشظى خطواتي على هدأة السكون ، ثم تعيدني إلى الواقع أنوار الشارع الباهتة ، المثبتة مصابيحها على جدران البيوت القديمة .
    أحببت ذلك الجالس دوماً بجانب مدرستنا الثانوية ، وسخ الثياب ، منسياً نفسه مآسيها بزجاجة شرابه التي يمسكها دوماً بيده في صحوه و في نومه ، ذلك الذي كنت كلما مررت به وجدت مشهده مقززاً و منفراً ، لكنه في الوقت نفسه لم يكن يوماً إلا على غاية من السكينة و الوداعة ، كان مشهده ذاك يتكرر أمام ناظريَّ كل يوم ، قبل أن تصعد فوقه سيارة مسرعة لسائق طائش بعيد منتصف إحدى الليالي .
    أحببت في حينا سوقه التراثي ، و مسجد الشيخ محيي الدين الذي يتوسطه ، و أزقته الملتوية التي لا يمل السير فيها من عرفها ، أحببت حتى أولئك الشحاذين و الفقراء و أصحاب العاهات الجالسين عند بوابة جامع الشيخ الأكبر يرجون زائريه العون مما تجود به الأكف .
    أحببت الفتاة التي كانت تخرج من بيتها المقابل لمدرستنا كل يوم ، يزغرد شعرها الأسود الفاحم و هو يتمايل على ظهرها ، و تنحني أوراق شجيرات الحي لنعومتها و عذوبتها ، حتى تكاد تنطق بمغازلتها .
    أحببت بائع الحمص الشعبي الواقف عند باب مدرستنا منذ عقود ، لم تتغير وقفته على أن شكله و لون شاربيه و شعره تغيرا كثيراً ، يبيع الطلاب الداخلين و الخارجين المزدحمين عليه حتى لا يبدو للمارين في الطريق ، و على أن نظافة ما يصنع لم تكن كما ينبغي ، فإنني لم أمنع نفسي يوماً تناول الحمص الحار الذي يهيئه للمشترين .
    أحببت خادمة الجيران التي كانت تطل كل يوم سبت من النافذة المقابلة لغرفة صفنا في الأول الثانوي ، أحببت ملابسها البسيطة ، و بياض جلدها المدهش ، و عملها الدؤوب في التنظيف الذي كان يستغرق الحصتين الثالثة و الرابعة كليهما .
    أحببت كل شبر من حينا المتسع بقلوبنا و ذكرياتنا ، أحببت طرقه و مسالكه و دروبه القديمة منها و الحديثة ، أحببت سكانه و زواره ، أحببت أخياره و شراره ، أحببت كل ما فيه ، و ما أحسب يوماً أن ما عشت من ذكرياته سيخلو منه قلبي ،مهما يكن من أمر هذه الدنيا و ما فيها .
    صحيح أن كثيراً مما كان معلماً راسخاً فيه قد تبدل بشكل أو بآخر ، لكنَّ هواه في قلبي و الأحاسيس المرتبطة به لم تبدلها السنون .
    نعم .. تبقى الصالحية ، و تبقى دمشق ، و تبقى سورية كلها ، و إن تبدلت الأرض و من عليها ، و غدا وجهها مغبراً قبيحاً .
    تبقى راسخة في الأرواح قبل العيون ..
    تبقى لأنها وحدها الحسناء التي عرفناها و ألفناها و أحببناها ، و لم تغادر قلوبنا لحظة من ليل أو نهار .
    و لئن رحل راحلون ، و تغيرت بلدان و سكان ....
    فستبقى يا وطني أنت الوحيد الخالد ، و من سواك يمضون و ينساحون في مساربهم ، فتودي بهم الرياح .
    لأنك أنت دوماً .. الثابت الذي لا يتحول ، و الراسخ الذي لا يزول ، و غيرك المتحولون الذين لا يثبتون ، و الزائلون الذين لا يخلدون .
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

    [align=left]إمام الأدب العربي
    مصطفى صادق الرافعي[/align]
  • سامي العسلي
    عضو الملتقى
    • 20-02-2011
    • 206

    #2
    كان بديناً بعض الشيء يلبس شروالاً وصدرية ويغطّي رأسه بالطربوش ، بصوته الرجولي ووجهه الأبيض البشوش كان أبو كاسم " قاسم " يستقبل ضيوفه كل يوم في بيته القريب من جامع الحنابلة ، ضيوفاً في الغالب لا يعرفهم ، فقد كان وجيهاً في الصالحية يقصده أهالي الحي لحل قضايا مستعصية في الدوائر الحكومية وفض النزاعات الأهلية وعقد المصالحات بين الخصوم ، حتّى أنه كان يكنّي أبناء أصدقائه المقربين بأبو فلان وأبو فلان فينتشر الاسم بين أقران الطفل ويلازمه - ربما- مدى الحياة ، هؤلاء الأشخاص يسكنون ذاكرتك مع ملامح حارتك وحيّك ومدينتك وحبيبتك ومدرستك والترياقي المشهور آنذاك بالفتّة الشامية المنافس الشريف لبوز الجدي . ويحتلّ ركناً - يستعصي على النسيان - من ذاكرتك صديقك يحيى الذي كان يطلّ عليك من شباك غرفته الصغيرة المطلّة على الزقاق الضيّق ليقول لك : أهلين ابن العم .. الشاي جاهز .. تفضّل .

    نحن الآن بحاجة لمن يقول لنا : أهلين أبناء العم . أنا معكم ضد الظلم .

    تحيتي وتقديري لك أستاذ عبد الله .
    [SIZE=6][COLOR=red]ردّدوا على سمعه (( اسم مستعار )) ثلاث مرّات فأصابته نوبة هيستيريّة أفقدته صوابه .[/COLOR][/SIZE]
    [SIZE=6][COLOR=#ff0000][/COLOR][/SIZE]
    [SIZE=6][COLOR=blue] [COLOR=darkgreen]حرائر سوريا[/COLOR][/COLOR][/SIZE]
    [URL]http://www.youtube.com/watch?v=KQxG3mNjX-A[/URL]

    تعليق

    • عبد الله راتب نفاخ
      أديب
      • 23-07-2010
      • 1173

      #3
      [align=center]حياك الله أيها الكريم
      و قد ذكرت للقراء عمي الكريم أبا قاسم رحمه الله و أفعاله الحسنة التي تذكرها دمشق كلها لا الصالحية فحسب
      حياك الله أيها الكريم المفضال
      مرورك كان في منتهى الروعة ...
      سلمك الله و دمت بخير
      [/align]
      الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

      [align=left]إمام الأدب العربي
      مصطفى صادق الرافعي[/align]

      تعليق

      • عبد الله راتب نفاخ
        أديب
        • 23-07-2010
        • 1173

        #4

        كم أحببتك يا مدينتي :
        دمشق ..

        أحببتك كثيراً يا مدينتي ...

        أحببت إطلالتك من قاسيون في أمسيات الصيف ، حين تسترجع أضواؤك معاني الحب الجميل الذي عشته يوماً في ردهات كلية آدابك بعيد مغرب الشمس .

        أحببت الزقاق العتيق الذي كنت أعبره ليلاً فيختلج قلبي تأثراً ، و تتشظى خطواتي على هدأة السكون ، ثم تعيدني إلى الواقع أنوار الشارع الباهتة ، المثبتة مصابيحها على جدران البيوت القديمة .

        أحببت ذلك الجالس دوماً بجانب مدرستنا الثانوية ، وسخ الثياب ، منسياً نفسه مآسيها بزجاجة شرابه التي يمسكها دوماً بيده في صحوه و في نومه ، ذلك الذي كنت كلما مررت به وجدت مشهده مقززاً و منفراً ، لكنه في الوقت نفسه لم يكن يوماً إلا على غاية من السكينة و الوداعة ، كان مشهده ذاك يتكرر أمام ناظريَّ كل يوم ، قبل أن تصعد فوقه سيارة مسرعة لسائق طائش بعيد منتصف إحدى الليالي .

        أحببت في حينا سوقه التراثي ، و مسجد الشيخ محيي الدين الذي يتوسطه ، و أزقته الملتوية التي لا يمل السير فيها من عرفها ، أحببت حتى أولئك الشحاذين و الفقراء و أصحاب العاهات الجالسين عند بوابة جامع الشيخ الأكبر يرجون زائريه العون مما تجود به الأكف .

        أحببت الفتاة التي كانت تخرج من بيتها المقابل لمدرستنا كل يوم ، يزغرد شعرها الأسود الفاحم و هو يتمايل على ظهرها ، و تنحني أوراق شجيرات الحي لنعومتها و عذوبتها ، حتى تكاد تنطق بمغازلتها .

        أحببت بائع الحمص الشعبي الواقف عند باب مدرستنا منذ عقود ، لم تتغير وقفته على أن شكله و لون شاربيه و شعره تغيرا كثيراً ، يبيع الطلاب الداخلين و الخارجين المزدحمين عليه حتى لا يبدو للمارين في الطريق ، و على أن نظافة ما يصنع لم تكن كما ينبغي ، فإنني لم أمنع نفسي يوماً تناول الحمص الحار الذي يهيئه للمشترين .

        أحببت خادمة الجيران التي كانت تطل كل يوم سبت من النافذة المقابلة لغرفة صفنا في الأول الثانوي ، أحببت ملابسها البسيطة ، و بياض جلدها المدهش ، و عملها الدؤوب في التنظيف الذي كان يستغرق الحصتين الثالثة و الرابعة كليهما .

        أحببت كل شبر من حينا المتسع بقلوبنا و ذكرياتنا ، أحببت طرقه و مسالكه و دروبه القديمة منها و الحديثة ، أحببت سكانه و زواره ، أحببت أخياره و شراره ، أحببت كل ما فيه ، و ما أحسب يوماً أن ما عشت من ذكرياته سيخلو منه قلبي ،مهما يكن من أمر هذه الدنيا و ما فيها .

        صحيح أن كثيراً مما كان معلماً راسخاً فيه قد تبدل بشكل أو بآخر ، لكنَّ هواه في قلبي و الأحاسيس المرتبطة به لم تبدلها السنون .

        نعم .. تبقى الصالحية ، و تبقى دمشق ، و تبقى سورية كلها ، و إن تبدلت الأرض و من عليها ، و غدا وجهها مغبراً قبيحاً .

        تبقى راسخة في الأرواح قبل العيون ..

        تبقى لأنها وحدها الحسناء التي عرفناها و ألفناها و أحببناها ، و لم تغادر قلوبنا لحظة من ليل أو نهار .

        و لئن رحل راحلون ، و تغيرت بلدان و سكان ....

        فستبقى يا وطني أنت الوحيد الخالد ، و من سواك يمضون و ينساحون في مساربهم ، فتودي بهم الرياح .

        لأنك أنت دوماً .. الثابت الذي لا يتحول ، و الراسخ الذي لا يزول ، و غيرك المتحولون الذين لا يثبتون ، و الزائلون الذين لا يخلدون .
        الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

        [align=left]إمام الأدب العربي
        مصطفى صادق الرافعي[/align]

        تعليق

        • بلال عبد الناصر
          أديب وكاتب
          • 22-10-2008
          • 2076

          #5
          يقول نِزار :
          هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟

          يَكفي أن تَكون من هناكْ يا عبد الله !
          حَتى تتعَلق روحكَ بِها ...

          تَقديري
          التعديل الأخير تم بواسطة بلال عبد الناصر; الساعة 14-05-2011, 11:08.

          تعليق

          • عبد الله راتب نفاخ
            أديب
            • 23-07-2010
            • 1173

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة سامي العسلي مشاهدة المشاركة
            كان بديناً بعض الشيء يلبس شروالاً وصدرية ويغطّي رأسه بالطربوش ، بصوته الرجولي ووجهه الأبيض البشوش كان أبو كاسم " قاسم " يستقبل ضيوفه كل يوم في بيته القريب من جامع الحنابلة ، ضيوفاً في الغالب لا يعرفهم ، فقد كان وجيهاً في الصالحية يقصده أهالي الحي لحل قضايا مستعصية في الدوائر الحكومية وفض النزاعات الأهلية وعقد المصالحات بين الخصوم ، حتّى أنه كان يكنّي أبناء أصدقائه المقربين بأبو فلان وأبو فلان فينتشر الاسم بين أقران الطفل ويلازمه - ربما- مدى الحياة ، هؤلاء الأشخاص يسكنون ذاكرتك مع ملامح حارتك وحيّك ومدينتك وحبيبتك ومدرستك والترياقي المشهور آنذاك بالفتّة الشامية المنافس الشريف لبوز الجدي . ويحتلّ ركناً - يستعصي على النسيان - من ذاكرتك صديقك يحيى الذي كان يطلّ عليك من شباك غرفته الصغيرة المطلّة على الزقاق الضيّق ليقول لك : أهلين ابن العم .. الشاي جاهز .. تفضّل .

            نحن الآن بحاجة لمن يقول لنا : أهلين أبناء العم . أنا معكم ضد الظلم .

            تحيتي وتقديري لك أستاذ عبد الله .
            حياك الله أيها الكريم
            و قد ذكرت للقراء عمي الكريم أبا قاسم رحمه الله و أفعاله الحسنة التي الصالحية العظيمة حتى اليوم
            حياك الله أيها الكريم المفضال
            مرورك كان في منتهى الروعة ...
            سلمك الله و دمت بخير
            الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

            [align=left]إمام الأدب العربي
            مصطفى صادق الرافعي[/align]

            تعليق

            • عبد الله راتب نفاخ
              أديب
              • 23-07-2010
              • 1173

              #7
              الغالي بلال ..
              مرورك يزين صفحتي دوماً ..
              سلمك الله أيها الكريم ..
              لك كل التحايا
              الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

              [align=left]إمام الأدب العربي
              مصطفى صادق الرافعي[/align]

              تعليق

              • د. محمد أحمد الأسطل
                عضو الملتقى
                • 20-09-2010
                • 3741

                #8
                للشام عبق الياسمين وزهر الليمون لك
                للشام رائحة الزنابق وكل التقدير لك
                للشام أغنية تقاوم وأنت الوفي المرابط
                باقات المحبة لكم جميعا ولي منكم شرف النسب
                رعاكم الله وأسكنكم ثياب العافية وميادين السلامة
                وردي وودي وأكثر وأجمل
                أحبـــكم وأحـنو بوجدي
                التعديل الأخير تم بواسطة د. محمد أحمد الأسطل; الساعة 29-05-2011, 10:46.
                قد أكونُ احتمالاتٍ رطبة
                موقعي على الفيس بوك https://www.facebook.com/doctorastal
                موقع قصيدة النثر العربية https://www.facebook.com/groups/doctorastal/
                Green Moon-مجلة فنون https://www.facebook.com/green.moon.artline

                تعليق

                • عبد الله راتب نفاخ
                  أديب
                  • 23-07-2010
                  • 1173

                  #9
                  أستاذي القدير ..
                  لكم شرفني مروركم و تعليقكم الرائع ..
                  بارك الله بكم ..
                  لكم التحايا
                  الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

                  [align=left]إمام الأدب العربي
                  مصطفى صادق الرافعي[/align]

                  تعليق

                  يعمل...
                  X