خارج الزمن - ادريس الشعراني / محطات نقدية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعاد ميلي
    أديبة وشاعرة
    • 20-11-2008
    • 1391

    خارج الزمن - ادريس الشعراني / محطات نقدية

    قراءة وجدانية خاصة في قصيدة الشاعر القدير إدريس الشعراني* خارج الزمن*

    رحلة الشعر المتناغم


    قبل أن نبدأ وطن رحلتنا في أعماق الشاعر إدريس الشعراني.. من خلال ذاته الشاعرة المتدفقة كنوتــة موسيقيــــة حـانيــــة- دون رتابة- على جسد القصيدة الحالمــــــة * خارج الزمـــــن * نتوقف في باب الروح الغامضة- الذات الغائبة- .. المـُـهدَى إليها.. الرقيقة حد الوجدان.. كما تبين لي من طريقة الإهداء الندي لها من ذات الشاعر.. يقول:
    خارج الزمن (مهداة الى من رفرف لها القلب وابتسم لهاالوجدان)..

    أرى أن لغة الخطاب الشعري تتغير و مـُـستوى لغة المـُـخاطب.. ويبدو لي أن هذه الرقيقة لها صفات لغوية خاصة لا يملك مفتاح رمزيتها غير الشاعر ادريس الشعراني الذي رفرف لها فرحا وابتسم لها وجدانا.. فكان أن أهدانا عبرها هذه المقطوعة الشعرية الراقية.. ذات البوح المعتق بسلاف النغمات..
    .. تعالوا إذن بصحبتنا، على مثن رحلة الشعر المتناغم .. لنكتشف مع الشاعر مسار هذه الصفات الخاصة لبطلة قصيدته المتفردة نغما و المتوازية نسقا و التأملية صورا ندية.. نداوة روحه النقية.. و كي نرى جميعا مدى توحد ذاته مع هذه الذات الغائبة في توازي مع ذات الشاعر الحاضرة..


    اخْتَرِقْنِي

    قالتِ السَّماءُ لِسَهْمِ السَّنا

    اخْتَرِقْني

    فَزُرْقَتي
    مَلَّتِ اللوْنَ
    أَحْلُمُ بالهَنا
    هكذا
    نَحَثَتْني الأَيَّامُ
    هكذا
    رَمَتْني الأَزْلامُ
    هكذا أنا







    على ضفاف الفراشات انسكب قلم الشاعر دهشة .. في حالة هذيان خارج الزمن ..
    و أمام هذه الدعوة المشددة من السماء لذات الشاعر قصد اختراقها بعنف .. يوضحه أمر الاختراق..
    / اخْتَرِقْنِي /
    تحولت ذات الشاعر لسهم ناري كي لا تترك فرصة للانتظار كي يغرقها في بئره مرة أخرى..
    .. إذ نجد أن دلالة هذا الاختراق العميقة ( في هذا النسق الأول ذا الصورة البصرية الباذخة شعرا ) تفيد عذرية الباب الموصد - أي السماء- إلا من مفتاح القلب المرفرف لهذه الرقيقة.. إذ اكتشفتها ذات الشاعر على غفلة من الزمن..
    أما دلالة السماء.. فهي الصفاء الروحي والعمق الوجداني.. وسهم السنا هو ذات الشاعر ما بعد لحظة الذهول و التأهب لاختراق زمن.. خارج المتوقع والمألوف / خارج الزمن/ كما وصفها الشاعر في قصيدته العنوان وداخل نسق النص الشعري..
    .. تكرر السماء دعوتها هذه المرة بطريقة أرق كمناجاة حانية بينها و بين ذات الشاعر.. اذ تشكوه همهـــــا و وحدتهــــــــــــا / ملّت اللون / و افتقادها للراحة والأمان النفسي.. مع استسلام للقدر الذي نحثها هكذا.. متغربة.. حزينة.. وحيدة إلا من أناتها..

    تعالَ

    قالتِ الأَحْضانُ

    لِصَقيعِ السَّجايا

    تعال
    فَقِطارُ الشَّوْقِ
    على رَصِيفِ العُمْرِ رَسَا
    وبُراقُ الصِّدْقِ
    بَيْنَ ُرمُوشِنا حَطَّ الِّرحالَ
    هكذا
    عَجَنَتْنا الأَرْحَامُ
    هكذا
    سَحَرَتْنا الأَقْلاَمُ
    هكذا نَهْزِمُ الضَّنَى








    على أريكة الدلال نادت الأحضان صقيع السجايا.. نبض الريح العذب.. - أي الذات الغائبة- المهدى لها- ليلتحما في دفئ الشوق بعدما أعياهما الانتظار على رصيف النبض..
    فكان معراج الحلم بين الروح والجسد .. كسيمفونية خالدة.. و كقداسة التوحد حد النشوة.. لروح حطت رحالها المسافرة على جسد أنهكه صدق الانتظار..


    مَنْ ذَا الَّذي

    يُهْدينِي خَاتَمَ سُلَيْمانَ

    من ذا الذي

    لِبَسْمَتي يُسَخِّرُ الأَلْوانَ
    منذا الذي
    على شَفتَيَّ يَعْزِفُ الأَلْحانَ
    هكذا
    تَحْلُمُ الأحلامُ
    هكذا
    تسمو الأنغامُ
    هكذا
    يَحلو الغُنى








    عبر نص شعري اعتمد على تماثل وحداته إيقاعيا لغاية هذا النسق.. ارتقت البنية الشعرية مؤكدة لنا تماسك وحدات أنساقها.. و استمرار ذاتها الشعرية في المناجاة الشاعرية بين الذات الحاضرة والذات الغائبة.. و هذه الأخيرة أبانت عن شموخها و عن عمق علاقتها بالذات الحاضرة.. ذلك من خلال ذكرها لخاتم سليمان وكأنها تعرف حب ذات الشاعر لها وقيامه بأي شيء من أجل إرضاءها ولكن هذا لم يكفيها.. وهنا يظهر لنا أن ذات الشاعر مقصرة في حقها في أمر ما؟.. و بالتالي أرادت أن تختبره كأنثى محبة.. وربما أرادت تعجيزه بطلبها خاتم سليمان التي تدرك تماما عدم استطاعته جلبه لها.. و كأني بها تحاول أن ترسل له رسالة رمزية قد يكون فحواها أن حبها له أكبر من أي خاتم حتى لو كان للنبي سليمان..
    وبالنسبة لها قربه منها هو الأهم - عبر ذكرها لدلالة الاختراق أعلاه - وهذا الاعتراف الضمني مفاده أن حبها له منزه عن أي رنين عابر..
    وتستمر الذات الغائبة تباعا في رمزية رسالتها.. لتذكر لنا البسمة واللون .. كأنها تعني أن حزنها أكبر من أي سعادة لحظية قد يرسمها اللون على بسمتها.. ثم تستمر لغتها المراوغة في الخطاب.. فتذكر شفتاها واللحن.. و الدلالة هنا ترمز إلى العطش الكبير الذي لن يرويه عزف لحن.. وفي الأخير تؤكد الذات الغائبة أن كل هذا مجرد حلم / هكذا / تحاول من خلاله أن تعزف لنا لحن الحب وتسمو به نغما حد الشعر.. وكأني بها أي الذات الغائبة ظل للشمس..

    آهٍ

    كَمْ مِن حُلمٍ

    ماتَ جَنيناً

    كم من شُؤْمٍ
    عَمَّرَطَويلًا
    كم من زَفْرَةٍ
    شَقَّتْ سُمْكَ الأَحْزانْ
    آهٍ
    كم من فَرَحٍ
    ازْدَادَ يَتِيماً
    كم من كَمَدٍ
    سَكَنَ سَقيماً
    كم من بَسْمَةٍ
    نَبَتَتْ تحتَ رَمادِ الوِجْدانْ
    ,,,,







    في هذا النسق الشعري الذي تغير إيقاعه عبر تغير لغته الحزينة .. نجد عمقا بصريا في صورته الشعرية و البنيوية كعمق روحه الدفينة.. وهنا بدا لنا جليا ما رأيته من قبل.. إذ هنا الذات الغائبة تعترف عبر آهاتها العميقة.. بموت الحلم قبل ولادته و بخلود الحزن في رواق الزفرات السميكة الراقدة في آهاتها.. لكن تعود الذات الغائبة للأمل من جديد كفرح تجلى من رماد الحزن و رقة تفتحت في قسوة اليتم و إحساس كبر في أرض الوجدان.. وهنا بدأت تتضح صفات الذات الغائبة / المـُــهـْـدى لهــا/ ..



    كَفى

    قالَ الماءُ

    لِقَطْرَةِ النَّدى

    كفى
    فالسُّيولُ
    لا تَرى إلى الخَلْفِ
    وَمَهْما ضَعُفَتْ
    يُقَوِّيها الإِنْحِدارْ
    هَيَّا
    فالبَحْرُ مَآلُكِ
    والشِّعْرُ مَنْفَاكِ
    هَيَّا
    اصْفَعي وَجْهَ الإنْكِسارْ
    ,,,,,







    عندما يجتمع الماء بقطرة الندى يصبح الكون قوس قزح .. هنا الذات الحاضرة - أي الذات الشعرية - تعود من حالة ذهول العاشق إلى إثبات سلطتها على الذات الغائبة / المـُهدى اليها/ فتعاتبها آمرة ناهية بقولها / كفى/ بمعنى أن عليها الائتمار لسلطة العاشق و الخروج من الدائرة السوداء التي تحيط ذاتها بها.. لتنظر إلى جمال الكون الفسيح وسحر الطبيعة الإنسانية.. و الذات الحاضرة تقول للذات الغائبة.. إن لك صفات إنسانية رائعة حد الشعر فلا تترك الضعف يهزمها وهي السيل الجارف.. وكأني بصفات المهدى إليها تظهر أكثر وربما قد تكون شاعرة..
    تتابع الذات الحاضرة نهيها لها قائلة أنه من المحزن أن تكسر تميزها وتغلفه بكون من الحزن.. وكان أن عبرت عن طلبها الآمر للذات الغائبة عبر مفردات طبيعية استخدمتها في صورتها الشعرية الراقية فكرا ووجودية وشعرية..

    مَرْحَى

    قالتْ قَطْرَةُ النَّدى

    لِجَلالَةِ الماءْ

    مَرْحى
    وانْظُرْ هُناكَ
    بَيْنَ الرَّبْوَتَيْنِ
    ,
    تَرَى
    مَنْبَعَ الدَّهْشَةِ
    يَجْري أَحْمَرَاللَّوْنِ
    ومَرْكَزَ الرَّعْشَةِ
    دائِرياً كَالْكَوْنِ
    ,
    تَرَى
    الأَعْدادَ مُسَافِرَةً
    بَيْنَ مَوْلِدَيْنِ
    وَحَوَّاءَ نائِمَةً
    بَيْنَ تُفَّاحَتَيْنِ
    ,
    تَرى
    النُّكْهَةَ رابِضَةً
    بَيْنَ حَلاوَتَيْنِ
    والْأَمْواجَ سَابِحَةً
    بَيْنَ خَصْرَيْنِ
    ,
    تَرى
    الفَرْحَةَ رَقْراقَةً
    في بَريقِ مُقْلَتَيْنِ
    والرَّقْصَةَ مُنْتَشِيَةً
    في رِقَّةِ قَدَمَيْنِ
    ,







    تَرَى

    الشُّرودَ شَارِداً

    بَيْنَ وَمْضَتَيْنِ
    والشِّعْرَ عَريساً
    بَيْنَ قَصيدَتَيْنِ
    ,







    تَرى

    السُّيولَ جَارِفَةً

    بَيْنَ شَهْقَتَيْنِ
    والأَقْمارَ سَاهِرَةً
    بَيْنَ نَهْدَيْنِ
    ,,










    في هذا النسق الشعري الطويل.. تغير الإيقاع بشكل أكثر حيوية ورقة .. كرقة الندى المستسلمة نسبيا لأمر الماء فأبانت عن جماليتها وسحرها كذات غائبة – أنثى - و دعت الذات الحاضرة - الذكر- لرؤية سحرها الفتان المختبئ وراء حزن عظيم.. وضبابية كثيفة.. لتفتح له بعد إلحاحه العاشق الآمر.. جدار المنفى.. وتظهر لذاته الشاعرية كحرية عجيبة تمتلك رقة حواء الساحرة للألباب..
    إنها ذات غائبة تتميز بالمفارقات.. التي لا تلغي طبيعتها الإنسانية المحبة و العاشقة في سيمفونية قداسة التوحد بين الروح والجسد.. الذي يشكله عودها الذي يتراقص ومنتهاه.. وبريق عينيها الجذاب .. ورقصاتها الملائكية وشـِـعـرهــا الشارد.. ونهدها المتناثر في رواق الحب البركاني داخل هذا النسق المشتعل من عمق الرماد..

    مَرْحى

    جَاءَنيِ الجَنَاحُ

    باسِطاً نَعيمَ الرِّيشِ

    سَأَطيرُ مَعَ السِّرْبِ
    المُهاجِرِ نَحْوَ الشَّمْسِ
    ,,







    جَاءَني الحُضْنُ

    حامِلاً دفئَ النَّبْضِ

    سَأَرْتَوي منَ الصَّبِّ
    وأَسْكُنُ حَنَايَا القَلْبِ
    ,,







    جَاءَنيِ النَّهَارُ

    شاهِراً مِفْتاحَ النُّورِ

    سَأَفْتَحُ أَبْوابَ الحَياةِ
    وأَسْبَحُ خارِجَ الزَّمَنِ









    وهكذا عبر سعادة ذات الشاعر الحاضرة- الذكر- بسبب فوزه أخيرا بحضن حبيبته الذات الغائبة
    - الأنثى- تنتهي بنا رحلة الشعر المتناغم ونحن مازلنا في حالة تماهي.. لندخل في النهاية غمار السباحة خارج الزمن.. فهناك ستولد حكاية أخرى ننتظرها أكيد في قصيدة جديدة للشاعر الصوفي حد الأفق إدريس الشعراني..
    إذ لا أظن أنها ستنتهي هذه المقطوعة الشعرية التشكيلية سميائيا.. الرابضة في مخيلتنا عند قراءتنا للقصيدة.. ولا من مخيلة الذات الحاضرة..التي أنمت برقي عشقها وفكرها.. وعميق روحها الندية.. وسحر لغتها الشعرية الموسيقية.. قلب المتلقي المتلهف لكل ما هو رومانسي ووجداني غير متكلف.. بل الصادق الأصيل في روحه الشعرية الندية وعمقه الوجودي..
    ففي هذا النص الشعري الباذخ رقة.. استخدمت الذات الشعرية- الحاضرة- في بنيتها الشعرية.. تقنية التوازي الغير المتطابق المكثف للغة دون حشو.. ضمن وحدة النص المتكاملة والمنسجمة وتنوع ورقة أنساق النص الشعري التشكيلي.. و الذي يتميز أيضا بالاختلاف عبر ثنائية ضدية الذات الغائبة والذات الحاضرة التي تعطي للنص رونقه وبهاءه و تفرده.. ويرقي بالتالي معهما فكر القارئ إلى الخيال المجنح الشفاف رقة وعذوبة كشلال بوح راقي.. ينسكب عبر تمويه المعنى وتكثيف رمزيته واستعاراته حينا وترقيقها حينا آخر..
    فكان النسيج الصوتي للقصيدة له تأثير خفي على ذات المتلقي و الذات الشعرية معا.. اللذان تفاعلا كليهما مع تناغم الإيقاع الخارجي الصادر من- الذات الغائبة- و كذا مع سحر البنية الشعرية العميقة الملامسة بشفافيتها ورمزيتها شغاف القلب والوجدان.. وكأني بالذات الشعرية- الحاضرة- تستمد لحنها المتناغم من - الذات الغائبة- المهدى لها- التي أعادت الدفء والحياة إلى قلب الشاعر..
    مدونة الريح ..
    أوكساليديا
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    #2
    خَارِجَ الزَّمَنْ / ادريس الشعراني
    -------------------------------------------------------------------------------- خارج الزمن (مهداة الى من رفرف لها القلب وابتسم لها الوجدان) خَارِجَ الزَّمَنْ اخْتَرِقْنِي قالتِ السَّماءُ لِسَهْمِ السَّنا اخْتَرِقْني فَزُرْقَتي مَلَّتِ اللوْنَ أَحْلُمُ بالهَنا هكذا نَحَثَتْني الأَيَّامُ هكذا رَمَتْني الأَزْلامُ هكذا أنا ,,,,

    --------------------------------------------------------------------------------

    اخْتَرِقْنِي
    قالتِ السَّماءُ لِسَهْمِ السَّنا
    اخْتَرِقْني
    فَزُرْقَتي
    مَلَّتِ اللوْنَ
    أَحْلُمُ بالهَنا
    هكذا
    نَحَثَتْني الأَيَّامُ
    هكذا
    رَمَتْني الأَزْلامُ
    هكذا أنا
    ,,,,
    تعالَ
    قالتِ الأَحْضانُ
    لِصَقيعِ السَّجايا
    تعال
    فَقِطارُ الشَّوْقِ
    على رَصِيفِ العُمْرِ رَسَا
    وبُراقُ الصِّدْقِ
    بَيْنَ ُرمُوشِنا حَطَّ الِّرحالَ
    هكذا
    عَجَنَتْنا الأَرْحَامُ
    هكذا
    سَحَرَتْنا الأَقْلاَمُ
    هكذا نَهْزِمُ الضَّنَى
    ,,,,
    مَنْ ذَا الَّذي
    يُهْدينِي خَاتَمَ سُلَيْمانَ
    من ذا الذي
    لِبَسْمَتي يُسَخِّرُ الأَلْوانَ
    من ذا الذي
    على شَفتَيَّ يَعْزِفُ الأَلْحانَ
    هكذا
    تَحْلُمُ الأحلامُ
    هكذا
    تسموالأنغامُ
    هكذا
    يَحلو الغُنى
    ,,,,
    آهٍ
    كَمْ مِن حُلمٍ
    ماتَ جَنيناً
    كم من شُؤْمٍ
    عَمَّرَ طَويلًا
    كم من زَفْرَةٍ
    شَقَّتْ سُمْكَ الأَحْزانْ
    آهٍ
    كم من فَرَحٍ
    ازْدَادَ يَتِيماً
    كم من كَمَدٍ
    سَكَنَ سَقيماً
    كم من بَسْمَةٍ
    نَبَتَتْ تحتَ رَمادِ الوِجْدانْ
    ,,,,
    كَفى
    قالَ الماءُ
    لِقَطْرَةِ النَّدى
    كفى
    فالسُّيولُ
    لا تَرى إلى الخَلْفِ
    وَمَهْما ضَعُفَتْ
    يُقَوِّيها الإِنْحِدارْ
    هَيَّا
    فالبَحْرُ مَآلُكِ
    والشِّعْرُ مَنْفَاكِ
    هَيَّا
    اصْفَعي وَجْهَ الإنْكِسارْ
    ,,,,,
    مَرْحَى
    قالتْ قَطْرَةُ النَّدى
    لِجَلالَةِ الماءْ
    مَرْحى
    وانْظُرْ هُناكَ
    بَيْنَ الرَّبْوَتَيْنِ
    ,
    تَرَى
    مَنْبَعَ الدَّهْشَةِ
    يَجْري أَحْمَرَ اللَّوْنِ
    ومَرْكَزَالرَّعْشَةِ
    دائِرياً كَالْكَوْنِ
    ,
    تَرَى
    الأَعْدادَ مُسَافِرَةً
    بَيْنَ مَوْلِدَيْنِ
    وَحَوَّاءَ نائِمَةً
    بَيْنَ تُفَّاحَتَيْنِ
    ,
    تَرى
    النُّكْهَةَ رابِضَةً
    بَيْنَ حَلاوَتَيْنِ
    والْأَمْواجَ سَابِحَةً
    بَيْنَ خَصْرَيْنِ
    ,
    تَرى
    الفَرْحَةَ رَقْراقَةً
    في بَريقِ مُقْلَتَيْنِ
    والرَّقْصَةَ مُنْتَشِيَةً
    في رِقَّةِ قَدَمَيْنِ
    ,
    تَرَى
    الشُّرودَ شَارِداً
    بَيْنَ وَمْضَتَيْنِ
    والشِّعْرَ عَريساً
    بَيْنَ قَصيدَتَيْنِ
    ,
    تَرى
    السُّيولَ جَارِفَةً
    بَيْنَ شَهْقَتَيْنِ
    والأَقْمارَ سَاهِرَةً
    بَيْنَ نَهْدَيْنِ
    ,,
    مَرْحى
    جَاءَنيِ الجَنَاحُ
    باسِطاً نَعيمَ الرِّيشِ
    سَأَطيرُ مَعَ السِّرْبِ
    المُهاجِرِ نَحْوَ الشَّمْسِ
    ,,
    جَاءَني الحُضْنُ
    حامِلاً دفئَ النَّبْضِ
    سَأَرْتَوي منَ الصَّبِّ
    وأَسْكُنُ حَنَايَا القَلْبِ
    ,,
    جَاءَنيِ النَّهَارُ
    شاهِراً مِفْتاحَ النُّورِ
    سَأَفْتَحُ أَبْوابَ الحَياةِ
    وأَسْبَحُ خارِجَ الزَّمَنِ
    ----------------------------

    لقد دأب الإنسان على حمل موروثات اجتماعية وثقافية ونقلها لآلاف السنين عبر أجياله المتوالية حملت أهم تجاربه في الحياة أو ما بقي الأحفاد يعتبرونها التجارب الأهم .. وهذه التجارب بقيت ماثلة في الأذهان تلفها الإسطورة أحيانا .. والحكمة أحيانا والطرفة أحيانا أخرى ولكن في جميع الحالات بقيت هذه الموروثات دليلا قويا يمكن اعتماده في رسم معالم المجتمعات الغابرة .. وتحديد صورة قريبة إلى حد من واقعهم الاجتماعي والثقافي .. وهذا ما عكف على بحثه وتناوله الآن الكثير من الباحثين وظهرت العديد من الدراسات في علم الاجتماع والديموغرافية و غيرها من العلوم تتحرى هذه الموروثات وتوثقها ..
    وكان للطبيعة العقائدية - الدينية لمجتمعاتنا العربية الأثر الكبير في موروثاتنا التي عاشت في وجداننا حتى وإن كان بعضها غير منطقي ولا يتسق مع الحقائق العلمية الحديثة والمحاكمة العقلية والمنطق ..
    في أسطورة شعبية قديمة رويت عن فرعون ذلك الملك العظيم الذي اغتر مدعيا الألوهية بعد أن حقق الكثير من الانتصارات .. حتى قيل له أن إله السماء أقوى منك وعرشه في السماء ..
    فما كان منه إلا أن أمر رجاله برشق السماء بوابل من سهامهم الحادة والملوثة بالدماء والتي حين عادت وسقطت إلى الأرض تلقفها الشعب مندهشا بعد أن أرسل فرعون مناديا في الشعب يقول لقد تمكن فرعون الإله من قتل اله السماء وانظروا إلى السهام الساقطة من السماء والملوثة بالدم .. وكانت هذه حيلة فرعون ليمتلك قلوب رعيته ويفرض ألو هيته عليهم ..

    وهنا ..
    وفي حوار من طرف واحد تبدا القصيدة بأمر صارد عن السماء لسهم السنا ( اخترقني ) إن هذا الأمر الذي يبدو أسطوريا وبما فيه من تشجيع وتحد يستفز قوى وملكات الإنسان وينطلق من فوق من الأعالي
    يفرض الكثير من المعاني المرمزة في طرح الأمر فلنلاحظ :
    1- أن السماء بما لها من مدلولات السمو والرفعة والعلو تمثل هنا صاحب الدعوة للنهوض والوثوب والتسامي للوصول إلى الأعالي ..
    2- إن محاولات تلبية الدعوة والوصول هي ليست أمرا يسيرا مع أنه ممكن وللصعود للسماء تحتاج جهدا وجهادا بليغا وبالغا إنه حرب حامية الوطيس وتلبية الدعوة والوصول هو أشبه بالاختراق بما يحتمل هذا اللفظ من مدلولات لوجستية عسكرية
    3- أن السباق دائما يتم باتجاه القمم العلا وهذا منطقي .. وكان هذا السباق دائما يمثل رغبة وأحلام سكان الوهاد والقيعان .. في حين بدا في هذا النص ما يفيد أن القمم هي التي تبدي الرغبة وتشتهي أبطالا ليمتلكوها .. وهذا يمثل إشارة كبيرة إلى التعبير عن واقع الهوان والتردي والقنوط وتموت الطموح والانكسار و برود الهمة الذي يعاني منه الإنسان سيد معارك الأرض وأحداثها ..
    4- ان انتقال الرغبة التي تسبب الأحداث وتحركها من الحي ( الإنسان ) إلى الميت ( السماء ) يمثل تطرفا شديدا في وصف حالة التردي وهذه مبالغة مقصودة ..
    5- إن السماء بما لها من مدلولات روحية وقدسية تتبنى الدعوة للسمو تمثل أرضية عقائدية تغلف هذه الدعوة وهذا يمثل أقدم فكر عقائدي بشري تبنته جميع الديانات السماوية ومعظم العقائد الدينية الأخرى ..
    فهذا يكاد يكون طرحا ذا بعد إنساني

    اخْتَرِقْنِي
    قالتِ السَّماءُ لِسَهْمِ السَّنا
    اخْتَرِقْني
    فَزُرْقَتي
    مَلَّتِ اللوْنَ
    أَحْلُمُ بالهَنا
    هكذا
    نَحَثَتْني الأَيَّامُ
    هكذا
    رَمَتْني الأَزْلامُ
    هكذا أنا

    هكذا كانت الدعوة الأولى العليا وكانت هذه افتتاحية النص بالبعد الشاقولي .. وتلت تلك الدعوة مباشرة دعوة أخرى أفقية .. مشابهة وانطلقت بأمر جديد ودعوة جديدة " تعال " قالتها الأحضان ونلاحظ في الدعوة الثانية :
    1- إن الداعي " الأحضان " يمثل أولا الإنسان - الكائن الحي وهنا الدعوة كانت عامة من الإنسان بعمومه أو لنقل من الطبيعة الإنسانية
    2- إن الدعوة انطلقت من أعمق أعماق الحقيقة الإنسانية المجردة الخيرة ( الأحضان ) وهنا إشارة كبيرة إلى حالة السلام القصوى انطلاقا من النفس وتواصلا مع الآخر وهذه الحالة بما لها من بياض تمثل موقفا تكتيكيا معاكسا للدعوة الأولى والتي كانت لها طبيعة الحرب والجهاد وليس الهدوء والسكينة
    3- إن هذه الدعوة فندت معالم الفطرة البشرية بميزاتها و بمبررات قصورها والتي ينحو بها الكاتب على العاطفة كمتهم يكاد يكون وحيدا للقصور ..
    4- إن الأحضان بما تمثله من مؤهل واستعداد فطري وحياتي لدى الإنسان للاتحاد مع أخيه الإنسان يضعنا أمام توصيف جديد يطرح الشراكة كحل في معركة السمو بعيدا عن الفردية في الدعوة الأولى ..
    5- من الجدير هنا الإشارة إلى أن دعوة المحبة والاتحاد الثانية قامت على حقيقة الضعف والقصور الفردي البشري ..
    ,,,,
    تعالَ
    قالتِ الأَحْضانُ
    لِصَقيعِ السَّجايا
    تعال
    فَقِطارُ الشَّوْقِ
    على رَصِيفِ العُمْرِ رَسَا
    وبُراقُ الصِّدْقِ
    بَيْنَ ُرمُوشِنا حَطَّ الِّرحالَ
    هكذا
    عَجَنَتْنا الأَرْحَامُ
    هكذا
    سَحَرَتْنا الأَقْلاَمُ
    هكذا نَهْزِمُ الضَّنَى

    بعد تلك الدعوتين المتكاملتين والمتناقضتين بدأ الحراك الأفقي ومحاولات الرد والاستجابة للدعوتين بدأ من
    التساؤل " من ذا الذي " الذي يمثل استجابة أولى للدعوتين الآنفتين من الإنسانية المعذبة ونلاحظ :
    1- الأمنية المعجزية كانت أول الأفكار والحلول كأول ردة فعل على الدعوتين ( خاتم سليمان ) وبعده تقاطرت الأحلام بلا توقف ..
    2- أن العمل بقوة الكلمة هو صفة ألوهية فالله وحده هو من يقل كن فيكون .. وهذا ما تاق إليه الإنسان دائما وبحث عنه وما يزال : أن يعمل بقوة كلمته ( أي أن يكون إلها ) وهذا النص هنا كشف هذه الرغبة الدفينة لدى الإنسان والتي لم تتوقف يوما ..
    3- أن الحلم لدى الإنسان والبحث في إمكانية تحققه مثل صراعا عميقا وحسرة شديدة أبداها منذ نعومة أظفارة وخرجت في النص صريحة جريحة وفي قمة الحسرة " آه كم من حلم , آه كم من فرح "
    4- إذن ظهرت الآن مآسي وآلام الإنسان وحسرته التي انطلقت من المفارقة الشديدة التناقض بين الحلم
    الجميل المطلق والواقع المقيد المعاكس لرغباته .. وتعالت الحسرة والغضب ..
    5- أن ردود الفعل كانت فردية وتحمل خصوصية وجذور الفردية في الإنسان فليس هناك من حلم جماعي ورغبة جماعية وإنما الإنسان يرغب ويحلم بشكل فردي تمام وبخصوصية في كل تصاريف حياته ..

    مَنْ ذَا الَّذي
    يُهْدينِي خَاتَمَ سُلَيْمانَ
    من ذا الذي
    لِبَسْمَتي يُسَخِّرُ الأَلْوانَ
    من ذا الذي
    على شَفتَيَّ يَعْزِفُ الأَلْحانَ
    هكذا
    تَحْلُمُ الأحلامُ
    هكذا
    تسموالأنغامُ
    هكذا
    يَحلو الغُنى
    ,,,,
    آهٍ
    كَمْ مِن حُلمٍ
    ماتَ جَنيناً
    كم من شُؤْمٍ
    عَمَّرَ طَويلًا
    كم من زَفْرَةٍ
    شَقَّتْ سُمْكَ الأَحْزانْ
    آهٍ
    كم من فَرَحٍ
    ازْدَادَ يَتِيماً
    كم من كَمَدٍ
    سَكَنَ سَقيماً
    كم من بَسْمَةٍ
    نَبَتَتْ تحتَ رَمادِ الوِجْدانْ

    ثم يقاطع نوبة الالتأوه والتحسر أمر صارم وذات طبيعة مؤنبة " كفى " قال الماء وهذا تصعيد درامي في المشهد يضعنا أمام بطل جديد في الصورة يقاطع الحوار التفاعلي بين الإنسان وبين ذاته وبين السماء ليدخل بقوة وبعنف فارضا نفسه على الحوار وعلى المحاورين ويمكن أن نلاحظ :
    1- الماء هو أصل كل هذا العالم المادي وفقا لما جاء في العقائد السماوية وأيضا لما أكدته الكثير من الاكتشافات والبحوث فالماء هنا يمثل الطبيعة بكل سطوتها وجبروتها
    2- إن الطبيعة تمتلك قانونها الصارم والقاسي والمستقل عن إي رغبة بشرية أو أمنية والبعيد عن أي محاباة ..
    3- إن الطبيعة هنا برغم ما تتمتع به من جمال تطرح نفسها كطرف أساسي ووحيد في الصراع مع الإنسان وتعلن عصيانها و عدم خضوعها لكلمته وهذا يفتح باب الحرب بوسائل أخرى غير الكلمة المعجزية باتجاه صراع دامي مع البشرية
    4- الطبيعة بدأت استعراض قدراتها بلفظت تشجيع " مرحى " قالتها قطرة الماء الصغيرة جدا والتي تمثل أصغر خلايا الطبيعة في أبهى صور جمالها ( قطرة الندى ) أو في جبروتها ( قطرة المطر ) وتتجمع لتصبح سيولا جارفة لا تبقي ولا تذر .. ثم تعود لتتبخر وتشكل غيوما تجتاح السماء ..
    5- كان استعراض شديد لقوى الطبيعة وضع الإنسان بكامل قدراته وإمكاناته على هامش الإحداث في ميزان القوى
    ,,,,
    كَفى
    قالَ الماءُ
    لِقَطْرَةِ النَّدى
    كفى
    فالسُّيولُ
    لا تَرى إلى الخَلْفِ
    وَمَهْما ضَعُفَتْ
    يُقَوِّيها الإِنْحِدارْ
    هَيَّا
    فالبَحْرُ مَآلُكِ
    والشِّعْرُ مَنْفَاكِ
    هَيَّا
    اصْفَعي وَجْهَ الإنْكِسارْ
    ,,,,,
    مَرْحَى
    قالتْ قَطْرَةُ النَّدى
    لِجَلالَةِ الماءْ
    مَرْحى
    وانْظُرْ هُناكَ
    بَيْنَ الرَّبْوَتَيْنِ
    ,
    تَرَى
    مَنْبَعَ الدَّهْشَةِ
    يَجْري أَحْمَرَ اللَّوْنِ
    ومَرْكَزَالرَّعْشَةِ
    دائِرياً كَالْكَوْنِ
    ,
    تَرَى
    الأَعْدادَ مُسَافِرَةً
    بَيْنَ مَوْلِدَيْنِ
    وَحَوَّاءَ نائِمَةً
    بَيْنَ تُفَّاحَتَيْنِ
    ,
    تَرى
    النُّكْهَةَ رابِضَةً
    بَيْنَ حَلاوَتَيْنِ
    والْأَمْواجَ سَابِحَةً
    بَيْنَ خَصْرَيْنِ
    ,
    تَرى
    الفَرْحَةَ رَقْراقَةً
    في بَريقِ مُقْلَتَيْنِ
    والرَّقْصَةَ مُنْتَشِيَةً
    في رِقَّةِ قَدَمَيْنِ
    ,
    تَرَى
    الشُّرودَ شَارِداً
    بَيْنَ وَمْضَتَيْنِ
    والشِّعْرَ عَريساً
    بَيْنَ قَصيدَتَيْنِ
    ,
    تَرى
    السُّيولَ جَارِفَةً
    بَيْنَ شَهْقَتَيْنِ
    والأَقْمارَ سَاهِرَةً
    بَيْنَ نَهْدَيْنِ
    ,,

    وفي هذه المرحلة يرد الإنسان بلفظة تشجيعية " مرحى " تمثل استجابة للدعوتين وبطريقة أكثر إيجابية وواقعية وتفاعلا جديا وفاعلا مع الحدث شاقوليا وأفقيا ..
    بدأ يمد يده ويرسم طريقه ويحدد أهدافه ( سأطير نحو الشمس ) ( وسأسكن حنايا القلب )
    هو قبل الدعوتين وبدأ يتلمس توليفة توفق بين متطلبات الدعوتين وكانت تمثل تنورا عظيما سماه الكاتب النهار .. الذي يمثل النجاح الحقيقي ويدفع الإنسان فوق الصعوبات متحديا واقعه ليقود حياته بنفسه صانعا هو الحدث متحديا ضواط الطبيعة الزمان والمكان ..

    مَرْحى
    جَاءَنيِ الجَنَاحُ
    باسِطاً نَعيمَ الرِّيشِ
    سَأَطيرُ مَعَ السِّرْبِ
    المُهاجِرِ نَحْوَ الشَّمْسِ
    ,,
    جَاءَني الحُضْنُ
    حامِلاً دفئَ النَّبْضِ
    سَأَرْتَوي منَ الصَّبِّ
    وأَسْكُنُ حَنَايَا القَلْبِ
    ,,
    جَاءَنيِ النَّهَارُ
    شاهِراً مِفْتاحَ النُّورِ
    سَأَفْتَحُ أَبْوابَ الحَياةِ
    وأَسْبَحُ خارِجَ الزَّمَنِ

    كان نصا جميلا يفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من الرؤى والأفكار التي تتعلق بماهية الإنسان
    وموقعه الحقيقي في الكون .. وهذا مشروع فكري كبير قد لا تكفي قصيدة للخوض فيه والإلمام بجوانبه
    تحية كبيرة للشاعر الراقي ادريس الشعراني على هذه المحاولة الجريئة جدا للتصدي لهكذا موضوع كبير جدا بمحاولته الشعرية هذه ..




    تعليق

    يعمل...
    X