ثم نرتدي قميص الفراشة - شكري بوترعة / محطات نقدية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    ثم نرتدي قميص الفراشة - شكري بوترعة / محطات نقدية

    ثم نرتدي قميص الفراشة / شكري بوترعة

    يقول الغريب الى ظله:

    غدا نحتمي بالمدن
    التي وهبت وقتها للشائعات
    و ينزف معدن غيمها بخواتم الدساتير ...
    غدا يكتب البحر
    نصه الأخير حول حدادين يصنعون السماء
    ثم يدقون بالمطارق غيمها فتصيح من لذة الطرق ...
    وتغسل قدميك السادرتين بتفاهة الماء
    في جسد الشجر الميت
    غيضا من الأقفاص و التوابيت ..
    ستدرك بعدها ان البحيرة لا تخون
    لكنها تعلق عاشقها بدبابيس من الضوء
    .. و تشرب من كفه ...
    حتى يجف نبع التوتر في حواف توثبه
    غدا
    تحتمي بالأزهار و التهاويل من رعدة الروح...
    و نسأل المدن
    عن ضيق الخرافة قرب موقد الجدة
    .............................................
    أو نسأل عن ضيق المسافة
    بين النجمة و قاع البئر .....
    ثم نرتدي قميص الفراشة

    و ليكن ...
    نهيئ الأرض لنافورة تغسل اليوم مني...
    و لتكن الريح طلقتي الصائبة ....
    مطر على زغاريد العائدات من المرايا ..
    مطر على هلاكي في بخار الأودية..
    و الكلام توابيت الأسبيرين
    في ذاكرة من خلعوا نعالهم و لم يقتلوا العقرب ...
    و لأكن منشفة للبكاء
    على ظلك المنحني في الفراغ..
    و منشفة للضحك ....
    سأكون ما اريد ..
    شرفة للصداع
    او شوكة في نخاع الملك...
    و هذي البلاد مسبحة من سجون
    للفقمات التي أينعت في ضفاف يدي
    اختلال الموازين
    بين
    قلب يطل من خلف الزجاج الملون على دربه في المراثي
    و قلب يدرب نفسه على النوم و الحلم فوق سياج المنافي .....

    ..............

    عندما يقترب الإنسان من نفسه ليجد نفسه بعيدا جدا , أبعد ما يكون عن نفسه .. يحاول أن يكتب لنفسه وعن نفسه .. يحاول أن يتصالح مع نفسه ولكن تبقى له هذه الرحلة الطويلة ليخوض غمارها أنها رحلة باتجاه معاكس .. رحلة إلى داخل نفسه بعد أن استنفذ كل محاولات الترحال الخارجي دون جدوى .. فيتوقف مقتربا من حالة السكون ويعتكف ويعتزل العالم .. استعدادا لرحلته الأصعب والأكثر مشاق للبحث عن نفسه .. إنها رحلة إلى الداخل وربما تكون أطول رحلات العمر ..
    هذه حالة تبتدئ عادة بالشعور بالاغتراب والغربة عن المحيط والبيئة .. هذا نتيجة لابتعاد كل ما يؤمن به ويتبناه ويتمسك به المرء عن مبادئ وسلوك البيئة المحيطة ولحظة الفشل الذريع في محاولة التواؤم والتأقلم والانسجام مع هذا المحيط تتعمق الغربة ويبدأ الاعتكاف استعدادا لرحلة قد تطول نحو الداخل .. إلى داخل النفس ..
    يبدأ الشاعرحديثا مرسلا بعبارة شديدة التكثيف وبالغة الدلالة منطلقا من وضع الاستعداد وحالة الحاضر المستمر في رصد حيادي للنفس يبتدأ بالقول " يقول الغريب إلى نفسه " جملة ثاقبة الذكاء فيها الكثير المضمر خلف كلمات ثلاثة وحرف ..
    إن الابتداء بالقول هو تعبير عن الأنا الآمر وصاحب السلطة في الفعل .. وهو الفعل الأهم هنا .. القول المثبت في حالة الحاضر المستمر الذي بقي يحمل صولجان الحكم حتى آخر القصيدة-الرحلة
    ويظهر هذا الفاعل بجلاء فادح ومنذ اللحظة الأولى تحت الضوء .. إنه الغريب صاحب الرحلة وقائدها والآمر فيها يتحدث انطلاقا
    من حالة غربة وبعد في رحلة يبدؤها برسالة إلى نفسه الباحث عنها والمسافر إليها .. وكانت الجملة اللفظية في منتهى الذكاء حيث تم حذف الحال " متحدثا " من الجملة الأصلية " يقول الغريب متحدثا إلى نفسه " لخلق جو فيه الكثير من الشدة والضيق والاختصار والثبات في القول ولإظهار معالم الإرسال والرسولية فيما بعد القول ليظهر وكأنه رسالة موجهة إلى النفس .. وهذا يعطي اللآمر أو القائل صفات المرسِل بما يكاد يقترب من مصاف النبوة في التعامل والتعاطي مع المرسل إليه .. وطبعا إذا كانت الرسالة موجهة إلى الظل فهذا الظل بعيدا جدا كما يراه الشاعر ..
    ويبدأ فحوى الرسالة بوعد قاطع محدد بزمن .. " غدا نحتمي .. " وهذه الصيغة التي يتحدث يها بثقة عن المستقبل الذي يعرفه تماما , يحاول بها أن يكون نبيا مرسلا إلى نفسه .. أنه يظهر الآن معالم الخطيئة الفاضحة في أساس المحيط والبيئة الحيوية التي يعيش فيها .. أنه الكذب الأكثر انتشارا والأكثر حضورا في وسط يتبناه يتبنى الشائعات .. !!
    هذا في غياب الشرع والدستور الحي الذي صار دساتيرا حجرية تدعي مرجعية سماوية .. في حين أنها لم تبعد عن محفزاتها ومبرراتها الأرضية أبدا ..

    يقول الغريب الى ظله:
    غدا نحتمي بالمدن
    التي وهبت وقتها للشائعات
    و ينزف معدن غيمها بخواتم الدساتير ...
    غدا يكتب البحر
    نصه الأخير حول حدادين يصنعون السماء
    ثم يدقون بالمطارق غيمها فتصيح من لذة الطرق ...

    ثم يتابع الرسول رسالته القاطعة .. أنطلاقا من الغسل وهذه حالة الحاضر المستمر الأولى بعد القول .. إنه الغسل أو التطهر
    كلها مظاهر نبوية يتحلى بها الرسول في رسالته .. " وتغسل قدميك " أن القدم هي أداة السير والمسؤولة عن مشوار الحياة لا بد أن ها أول من أصيب بالتلوث ولا بد أن تتطهر ولا بد من الغسل ..
    إن الماء كان دائما شعارا للنظافة يسعى إليه المغتسلون ترى لماذا ,..؟؟؟ ألأنه لديه خصائص التنظيف أهو منظف قوي . ؟؟
    ويجيب الرسول . بل لأنه تافه أي بلا لون فلا يحمل أي موقف بعد من الأشياء والقضايا والعقائد المطروحة لم يتلون أو ربما يتلوث بأي منها بعد .. ليس هذا فقط بل أنه هذا الطقس الذي يشملك استعدادا لموتك ولهذا لابد أن يكون تافها كجسدك المعد للفناء .. في حين أنه يتعامل مع نفسك الحية بكثير من التبجيل حتى أنه أي الماء يستمد من نفسك معنا للطهارة يتبناه لنفسه " ويشرب من كفك " باستمرار تلك العقيدة .. حتى تفارق النفس الجسد ..
    ثم ينطق الرسول بتحديد زمني آخر .. " غدا " إنه الوعد الحتمي .. أنه نهاية المطاف إنه الموت هذا الذي يهزأ بنا لأننا لا نصدق مجيئه .. كما نهزأ بخرافات الجدة ..

    وتغسل قدميك السادرتين بتفاهة الماء
    في جسد الشجر الميت
    غيضا من الأقفاص و التوابيت ..
    ستدرك بعدها ان البحيرة لا تخون
    لكنها تعلق عاشقها بدبابيس من الضوء
    .. و تشرب من كفه ...
    حتى يجف نبع التوتر في حواف توثبه
    غدا
    تحتمي بالأزهار و التهاويل من رعدة الروح...
    و نسأل المدن
    عن ضيق الخرافة قرب موقد الجدة

    الموت هو هذا الرائد لجميع مخاوفنا ودافعنا الوحيد نحو الفضيلة والبحث عن الصلاح .. والبحث عن الحقيقة وهو خطوتنا الأولى نحو السماء وهنا تبدأ حالة ما بعد الغسل .. إنها حالة السؤال في صيغة المستقبل المتوقع .. ..!! " أو نسأل عن ضيق المسافة "
    هنا تبدأ رحلة التحقق من الأشياء ومن الأفكار ومن العقائد ومن كل ما آمنا به .. يطرح الرسول هنا كل شيء تحت أسنان البحث والتحقق .. حيث تصغر كل الأشياء والمسافات بعد أن تتحرر من الجسد وضوابطه ( الزمان والمكان ) .." ثم نرتدي قميص الفراشة .."
    وهنا تخرج صرخة مدوية من هذا الظل المأسور كأول رد فعل في مواجهة قول الرسول .. " وليكن " إنها حالة ثبات محير
    يدعيه هذا الإنسان رغم كل حديث الموت هذا ..
    هل هي لامبالاة ..؟؟
    أم هي استسلام لمصير ربما كان خير أمرين ,..؟؟
    أهو يأس من معاقرة حياة كلها تمثيل وغش وزيف ..؟؟
    أنه يبدي استعدادا لاستقبال الموت وبحفاوة غريبة " نهيئ الأرض لنافورة تغسل .. " والريح تنشف ..
    إنه يعود إلى الغسل بملء رغبته أمر لا يصدق فعلا .. ولكن سيزول كل هذا لاستغراب عندما يبدأ الظل بالاعتراف بما يضايقه
    ويهرب منه في هذه الحياة ..
    أولا إنها المرأة وزواج فاشل بقي مجرد صورة في مرآة ..
    وكذلك المرض الذي بات يحمل شبح الموت قريبا في كل لحظات العمر
    وكذلك كل ما بقي من ذكريات مؤلمة سجلها هذا العمر المنهك بسقوط الأحبة وخروجهم من حياته ..

    أو نسأل عن ضيق المسافة
    بين النجمة و قاع البئر .....
    ثم نرتدي قميص الفراشة
    و ليكن ...
    نهيئ الأرض لنافورة تغسل اليوم مني...
    و لتكن الريح طلقتي الصائبة ....
    طر على زغاريد العائدات من المرايا ..
    مطر على هلاكي في بخار الأودية..
    و الكلام توابيت الأسبيرين
    في ذاكرة من خلعوا نعالهم و لم يقتلوا العقرب ...

    وتخرج الآن الصرخة الأكثر قربا وتحديدا .. واعترافا بالموت " ولأكن منشفة للبكاء " أن موت كسبب يحتاجه الأحياء محرضا على البكاء هو صورة في غاية الجمال طرحها الشاعر - الرسول كوصف دقيق لحالة الحزن المزيف التي يحملها الباكون , فإنما الباكون على الميت هم حزانى على أنفسهم أو أنهم مجرد متظاهرين بالحزن لكسب المزيد من التأييد المزيف ..
    ثم يتصدر الظل الحوار قولا قاطعا موازنا لقول الرسول في الثقة والثبات والمظاهر الرسولية " سأكون ما أريد " فعل مستقبلي
    يرسم البناء القادم للنفس بكل ثقة وتوازن شديد الإيمان ..

    و لأكن منشفة للبكاء
    على ظلك المنحني في الفراغ..
    و منشفة للضحك ....
    سأكون ما اريد ..

    الآن تبدا حالة الاحتمال أو الممكن المستقبلي .. في بناء النفس - الفراشة
    إنها آمال وأحلام الظل مجسدة ومعلنة بكل جرأة ترسم معالم مصلح ثائر وربما نبي أكثر تماديا وتدخلا وتاثيرا في المحيط
    والبيئة المزيفة الخاطئة .. " سأكون شرفة للصداع " أنه هذا الطارق في الرؤوس حتى تستفيق ..
    أنه الضاغط على أفكار الحاكم المتحكم و ممسك بمقاليد التشريع والأحكام ..
    إنه المخلص لهذا الشعب المحاصر والمقيد والمهزوم
    إنه المخلص الذي سيعيد اختلال التوازن الداخلي للإنسان ليقفز فوق حقيقة موته المحتوم ويعيش بالأمل والحلم حتى في البعيد المنفي ..

    شرفة للصداع
    او شوكة في نخاع الملك...
    و هذي البلاد مسبحة من سجون
    للفقمات التي أينعت في ضفاف يدي
    اختلال الموازين
    بين
    قلب يطل من خلف الزجاج الملون على دربه في المراثي
    و قلب يدرب نفسه على النوم و الحلم فوق سياج المنافي .....

    .. ..
    كان هذا نصا فذا وجريئا مثل حوارا وجدانيا قاد فيه الكاتب ثورة حقيقية في النفس ضد كل ما هو مفروض في هذا الواقع المزيف وخرج بموقف إيجابي أكثر جرأة من نفسه ومن قدره الذي سينتهي بالموت ..
    شكري بوترعة شكرا لك أيها الشاعر على هذه الإطلالة الرائعة من داخل نفسك ..!




  • سعاد ميلي
    أديبة وشاعرة
    • 20-11-2008
    • 1391

    #2
    قراءة وجدانية في قصيدة الشاعر الكبير شكري بوترعة - ثم نرتدي قميص الفراشة..........


    سعاد ميلي


    يقول الغريب إلى ظله:

    غدا نحتمي بالمدن
    التي وهبت وقتها للشائعات
    و ينزف معدن غيمها بخواتم الدساتير...




    .......
    لغة شعرية تعلن منذ أول الغيث الشعري عن تفرد الذات الشاعرة في قصيدة النثـــــــر المتفـــــردة هذه:
    * ثم نرتدي قميص الفراشة* للشاعر التونسي الكبير شكري بوترعــــة..
    لغة باذخة شعرا نثريا وفكرا راقيا مكثفا وعميقا حد الغيــــــــــــــــــــاب..
    تبدأ بزفرة حارة عنوانها يؤدي إلى القـــــــــــرار الأخيــــــــــــــــــــــــر..
    تحمل بين ثناياها خيالا مجنحا ومجازا عميقا حد الدهشة مع دلالات قوية كشلالات الروح المنفية..
    دلالات قد لا نحيط بها جميعها ولكن قد نقترب ولو جزئيا من عالمها الروحي الوجداني الأصيل..
    الذات الشاعرة في هذا النسق أعلاه.. يحيط بها صقيع الحقيقة المرة من جدار الوقت الفارغ من الشيء...
    حيث لا تجد بدا من ارتداء قميص الاحتراق/ الشعر..
    لتقيم شعريا على ارض الفراشات.. و هذا كي توقظ الموتى الأحياء من سباتهم الطويل...
    الذات الشاعرة هنا.. تحتمي بالنار من النار..
    بعيدا عن الماء الزائف و قسوة العالم الجامد والرديء رداءة الدساتير التي تدين بدين أصحابها..
    هي لغة تشكلها غربة تؤثث بيتها على ساحل غيمة شفافة.. تكرر صداها في غياهب الروح المصاحبة لها كظلها أينما حلت وارتحلت.. بعيدا عن الجامد / معدن غيمها/.. الذي تقبره بفوضى الشعر العميقة عمق المطر.. الراقية حد الفكر..
    لغة تهدم وتبني لنا من جديد عالما لا تسكنه غير فراشات الألم العتيق..


    غدا يكتب البحر

    نصه الأخير حول حدادين يصنعون السماء
    ثم يدقون بالمطارق غيمها فتصيح من لذة الطرق ...



    وتغسل قدميك السادرتين بتفاهة الماء

    في جسد الشجر الميت
    غيضا من الأقفاص و التوابيت ..
    ستدرك بعدها ان البحيرة لا تخون
    لكنها تعلق عاشقها بدبابيس من الضوء
    .. و تشرب من كفه ...
    حتى يجف نبع التوتر في حواف توثبه




    كأني بها لغة بصرية تنسكب من حروف شعرية.. تنتظر مع الذات الشاعرة الغد كي يخلد ذكرها العامر بالخيبات من قسوة و جمود العلاقات الإنسانية البعيدة عن الإحساس الإنساني الحقيقي فهي أي هذه الذوات البشرية القاسية لا هم لها غير رنين فاتر ولذة رخيصة تتلاشى في الهباء.. وتمتهن الخيانة وكل الموبقات..


    و قد أحسسنا بمعاناة الذات الشاعرة من واقعها وعزلتها الرهيبة المتمردة و المتحسرة عبر ذكرها للحدادين / الأناس الذين تخيلت أنهم كل عالمها فاكتشفت أنهم مجرد مطرقة في يد الحداد و الدلالة هنا تشير الى القسوة والجبروت عكس مطرقة " تور " في الأسطورة الذي يطرق بمطرقته فينهمر المطر لينمو معه كل شيء..


    / غيضا من الأقفاص و التوابيت/ تلوذ الذات الشاعرة بعيدا إلى ذاتها وعن الطبيعة الميتة في واقعها كالماء التافه كما وصفت الذات الشاعرة.. وهو ماء غير الماء المنسكب من عين الشاعر وهو يتحسر على موت الشجر/ قلب الطبيعة/ اي قلب الإنسان..


    و يصف نفسه في آخر النسق.. كضوء معلق في سماء بحيرة لا تخونه.. مع دمعته النازفة


    وتوتره المتأهب للذهاب..



    غدا

    تحتمي بالأزهار و التهاويل من رعدة الروح...
    و نسأل المدن
    عن ضيق الخرافة قرب موقد الجدة.........
    .............................................
    أو نسأل عن ضيق المسافة
    بين النجمة و قاع البئر .....
    ثم نرتدي قميص الفراشة
    و ليكن ...
    نهيئ الأرض لنافورة تغسل اليوم مني...


    و لتكن الريح طلقتي الصائبة




    عبر صور بيانية غاية في الروعة وعميقة الخيال ورقيقة التكثيف.. كتب لنا الشاعر هذا النسق السامق شعرا وخيالا بروحه المتألمة والرافضة لكل شيء عدى الشعر..


    عودة الذات الشاعرة إلى ذكريات الطفولة ودفء الأسرة الحقيقي.. التي افتقدها ولم يجد لها شبيها في واقعه..


    الاحتماء برقة الزهرة ورعشة الروح المنحنية لتقبيله كقبلة الندى الرقيقة..


    وبحثه في ذاته عن المسافة الفاصلة بين الحياة والموت.. النجمة والبئر.. ليرتدي لظى الشعر.. هربا من نار الواقع.. الى حضن الريح الخالدة..


    ....


    مطر على زغاريد العائدات من المرايا ..
    مطر على هلاكي في بخار الأودية..
    و الكلام توابيت الأسبيرين
    في ذاكرة من خلعوا نعالهم و لم يقتلوا العقرب ...
    و لأكن منشفة للبكاء
    على ظلك المنحني في الفراغ..
    و منشفة للضحك ....
    سأكون ما اريد




    ..

    إحساس رقيق وندي يتجلى في هذا النسق المطري للذات الشاعرة الراقية..



    هو إحساس متدفق بالحنان و الصوفية الروحية المنسكبة من جروح الروح ..


    والهاربة من صداع الزمن و شبح الأسبرين..


    بكاء الشاعر هنا .. شفاء لذاته وتطهيرا له من رداءة العابرين في طريقه ..


    وبعيدا عن لدغة العقرب/ الأنثى المدمرة لحياته..


    و لا يبدوا لي أنه سيتراجع فقد اختار مسار حياته وحيدا كما يريد فقط..


    واختار معه ظله الوفي ليكون صدره مهدا للبكاء وبحرا للشعر..



    شرفة للصداع

    اوشوكة في نخاع الملك...
    و هذي البلاد مسبحة من سجون



    للفقمات التي أينعت في ضفاف يدي
    اختلال الموازين
    بين
    قلب يطل من خلف الزجاج الملون على دربه في المراثي
    و قلب يدرب نفسه على النوم و الحلم فوق سياج المنافي .....





    تعداد الذات الشعرية للخسائر الإنسانية المنكمشة على نفسها في مسبحة السجون المتلاصقة ببعضها البعض.. انتصارا على الملك..


    وبحثا عن ملاذ آخر تجلى للذات الشاعرة على ضفاف قلب مريض.. وعلى هيئة الفقمات الذين يسارعون الموت من اجل الحياة التي يمدونها للبيضة المرتعشة صقيعا..


    في سيمفونية أسطورية.. كأسطورة الحياة والموت.. يحيون ويتعايشون مع الموت من أجل من يحبون..


    وكأني بالشاعر شبه نفسه بهم لان الموت يلازمه في دائرة صقيع الواقع الفسيح..


    هو قلب مريض يصارع الموت من أجل ان يمهله حتى يكسر جدار المنفى


    ويؤسس لغربته وطنا في مملكة الشعر الخالدة


    الشاعر شكري بوترعة رمز للشعر الرابض في قلوبنا حد العدم..


    وهنا ميزة قصيدة النثر في كفه الشعرية..أعتبرها حسب راي الوجداني.. تتبنى النص اللقيط من الدرجة صفر من الكتابة.. وهي درجة للفوضى ولحنا للشعر..

    كما أنها انقلاب بحد ذاته على كل المعروف والسائد.. وثورة داخلية من الذات إلى الذات.. تهدم وتبني في نفس الوقت مفاهيم جديدة.. و قد تضم في نبضها روح الصوفية وروح الفلسفة الوجودية.. إنها بكل صدق واقع لا وجه له غير الروح والوجدان..
    مدونة الريح ..
    أوكساليديا

    تعليق

    • زهور بن السيد
      رئيس ملتقى النقد الأدبي
      • 15-09-2010
      • 578

      #3
      قراءة في قصيدة "ثم نرتدي قميص الفراشة" للشاعر التونسي شكري بوترعة
      إن أول ما يستوقفنا في قصيدة "ثم نرتدي قميص الفراشة" للشاعر شكري بوترعة هي لغتها التي تتصف بكثرة انزياحاتها الدلالية وكثافة صورها الشعرية..
      إنها لغة الشاعر الحديث, لغة غامضة لا تهب نفسها للقارئ بسهولة, هي غامضة بحجم غموض الحياة وتضاربها, تعكس حجم القلق والتوتر والانهيار والوجع الذي يعيشه الإنسان العربي.
      في ظل التحولات التي عرفها مسار الشعر العربي نتيجة عوامل موضوعية وفكرية ثقافية وأخرى ذاتية, حققت القصيدة العربية تطورا جدريا وعنيفا, من مظاهره تكسير بنية القصيدة العمودية, حيث تحرر الشاعر العربي الحديث من وحدة الوزن والقافية والروي... ووجد أن اللغة العادية تعانده ولا تسعفه في نقل تجربته والتعبير عن رؤاه وحجم المكابدة والوجع والتمزق والاضطراب واليأس والإحباط الذي أحدثته الهزائم والنكسات التي توالت على العالم العربي, فقام الشاعر الحديث بصهر اللغة المألوفة وأعاد تشكيلها وخلق لنفسه لغة خاصة به, أبرز سماتها هو الغموض, لغة توخى منها القدرة على استيعاب قضاياه الكبيرة التي تتجاوز هموم الذات الفردية إلى قضايا الذات الجماعية, وتترجم سنمفونية الضياع والتيه والاغتراب والمرارة والانهيار النفسي والقلق الوجودي بسبب القيم الزائفة والهزائم المتكررة.
      وتستمد لغة الشعر الحديث مقوماتها من معين الثقافة والفكر والآداب العالمية والإنسانية, فقد انفتح الشاعر العربي على مختلف مصادر المعرفة الإنسانية من ديانات سماوية وغير سماوية وفكر وفلسفة وآداب عالمية (شعر ومسرح ورواية...) وأساطير وسير وحكايات شعبية........
      وهكذا يمكن القول إن "الشعر الحديث هو ثورة على اللغة", فقد وجد الشاعر الحديث في هذه اللغة وسيلته لاكتشاف الإنسان والعالم, وأداة لتفسيره وتغييره وفق رؤيا جديدة تقف على مواطن القلق والتوتر فيه.
      إن لغة قصيدة "ثم نرتدي قميص الفراشة" للشاعر شكري بوترعة تتسم بكثافة صورها وتعدد رموزها, لقد قرأت القصيدة مرات عديدة محاولة فك رمزيتها والنفاذ إلى عمق معناها ومقاصدها وأكاد أقول إن كل المفردات تحولت فيها إلى رموز......
      استمد الشاعر عناصر التصوير الرمزي من عناصر الطبيعة, بشكل يبرز رؤيته للكينونة ويعبر عن الواقع المرير والتجربة الذاتية, الشيء الذي "يضفي على القصيدة نوعا من الخصوصية والتفرد". ومن الرموز التي وظفها في قصيدته رمز الفراشة والبحر الريح والمطر...
      ومنذ العتبة الأول اختار الشاعر لقصيدته عنوانا يخلق ارتباكا وتوترا لدى القارئ, بتوظيفه رمز "الفراشة" والفراشة حشرة صغيرة ذات أجنحة وألوان زاهية, ارتبط اسمها بالجمال والرقة والخفة والطيش أيضا لأنها تحوم حول الضوء أو النار فتحترق حولها.
      وهي من الرموز الطبيعة التي استثمرها الشاعر الحديث بكثرة في بناء عدد من صوره الشعرية للتعبير عن معاني كثيرة.
      ونتساءل عن الدلالة التي وظف بها رمز الفراشة في القصيدة, هل بدلالة الاحتراق أي أن ارتداء قميص الفراشة استعدادا للتضحية من أجل هدف سام؟ أم بدلالة الشفافية المطلوبة في كثير من أمور الحياة؟ أم غير ذلك؟
      يطل علينا الشاعر متخذا موقع الراوي الذي يسرد علينا مجموعة من الأحداث التي تتأطر زمنيا بين الحاضر (الواقع) والمستقبل (غدا), ومكانيا بالمدينة (الوطن).
      يبدأ قصيدته برصد صورة الواقع واستشراف المستقبل, وهو محمل بالقلق والكآبة والتعبير عن الإحساس بالغربة على لسان شخصياته, الواقع الذي يعيش فيه غربته ومن "صفات الغريب أنه لا يأبه به" وما يتركه ذلك في النفس من ألم واضطراب ومعاناة إنها تجربة غربة وضياع, اغتراب الإنسان في واقعه الحضاري المزيف (المدينة), يقول:
      يقول الغريب إلى ظله:
      غدا نحتمي بالمدن
      التي وهبت وقتها للشائعات
      وينزف معدن غيمها بخواتم الدساتير
      والشاعر إذ يستعمل رمز البحر فهو يوظفه بدلالة جديدة ويصبغ عليه من ذاته ومن أفكاره ما يجعله كلمة بدلالات غير التي يحملها أصلا.
      البحر يوظف في الغالب في صورته الرمزية بدلالة القوة والعظمة, ولكنه ورد باستعمال مخالف, حيث يروم الشاعر صورة تخييلية للبحر ترمز للتحول في إطار السيرورة التاريخية, وهو ما تحيلنا إليه الاستعارة المكنية (غدا يكتب البحر).
      فتحول البحر إلى كاتب وشاهد على الآلام والفواجع, يسجلها في وثيقة للتأريخ, يقول:
      غدا يكتب البحر
      نصه الأخير حول حدادين يصنعون السماء
      ثم يدقون بالمطارق غيمها فتصيح من لذة الطرق
      فالذات الشاعرة تشخص الواقع المأساوي بصور استعارية وأسلوب مجازي, فترى السماء تكتب وتدون التاريخ, والسماء يصنعها الحدادون ويدقون غيمها فتصيح من لذة الطرق, حيث تتألم حد الإحساس باللذة.
      ويتابع الراوي/الشاعر السرد حيث يستمر الغريب في مخاطبة ظله ويقول:
      وتغسل قدميك السادرتين بتفاهة الماء
      في جسد الشجر الميت
      غيظا من الأقفاص والتوابيت
      ستدرك بعدها أن البحيرة لا تخون
      لكنها تعلق عاشقها بدبابيس الضوء وتشرب من كفه
      حتى يجف نبع التوتر في حواف توثبه
      يمكن للقارئ أن يقف عند هذه الصورة العميقة الدلالات والتي تثير انفعالاته (المتلقي) لما تصفه من تيه وحيرة و ضياع من جهة, يعبر عنها مجازيا (تغسل قدميك السادرتين) و(جسد الشجر الميت من الغيظ...) ومن جهة أخرى نجد حسا وطنيا في توظيفه لكلمة البحيرة التي تتجاوز دلالتها القريبة وتتحول إلى رمز للوطن الذي لا يخون أبناءه, ويظل يربطهم بالأمل هذا الأمل الذي يمتص توترهم وغيظهم باستمرار.
      ويتوارى صوت الراوي ليظهر صوت الشاعر الذي يقتحم الأحداث ويصبح مشاركا فيها نلمس ذلك في استعمال ضمير المتكلم الدال على الجماعة أوالمفرد, بدل ضمير المخاطب (نسأل المدن ـ نسأل ـ نرتدي ـ نهيئ ـ هلاكي ...)
      وبأسلوب متدفق يستند إلى المجاز الخصب, يتقاطع رمز الفراشة مع رموز أخرى هي الريح (بدلالة التغيير) والمطر والمرايا (رمز الحقيقة والكشف) ليعلن البطل/الشاعر استعداده الكامل للتضحية من أجل الوطن.
      كما أن الأفعال التي ينطوي عليها هذا المقطع الأخير من القصيدة (وليكن ـ ولتكن) مقترنة بلام الأمر التي يطلب بها حصول الفعل, في مجملها تشير إلى معاني الحركة والانطلاق والفعل.
      ويضعنا الشاعر في عالم يفسح منافذ لا حدود لها لاشتغال الرمز: نهيئ الأرض لنافورة تغسل مني... والريح طلقتي الأخيرة... ومطر على هلاكي... شرفة للصداع... تشير إلى معاني اتخاذ القرار الثورة والتضحية التي باتت الخيار الوحيد أمام الشاعر.
      لقد تضافرت عناصر الصورة برمزيتها لتوحي بدلالة الموت من أجل التغيير وإعادة التوازن.

      تعليق

      يعمل...
      X