آهات الشاعر المجهول ...صلاح سعيد الحديثي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    آهات الشاعر المجهول ...صلاح سعيد الحديثي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    آهـــــات الشاعـــــر المجهــــــول
    للشـــــاعر العراقـــــي
    صــــلاح سعيـــد الحديثـــــي

    ما للقوافي تشظت فـي شرايينـي**** حــرّى مطالعـهـا ، بالـهـمِّ تـغـزونـي
    ساهـرتُ والليـلُ أوجـاعٌ تحاصـرنـي***** كما يحاصر "ليلى" طيـفُ "مجنـونِ"
    يا أنتِ لا تسألي عني وعـن قـدري *****و عـن ديــارٍ بـهـا ضـاعـت تلاحيـنـي
    بـيـنــي وبـيـنــكَ أنــهــارٌ و أوديـــــةٌ******لا خيلـي تعبرهـا ، لا أنــتِ تأتيـنـي
    أودعتُ للغيـبِ بستانـي وساقيتـي ******وعدتُ أبحثُ في الصفصافِ عن تينِ
    قلبـي قبيلـةُ حــبٍ جُــنَّ عاشقـهـا ****خيـامـهـا ظـلـلـتْ كـــلَ المجـانـيـنِ
    قلبـي ملاحـم شعـرٍ تنتـضـي قلـقـاً***** لـو باحـتِ الـروح لاحتـارت دواوينـي
    أشعـلـت روحـــيَ مـيــلاداً لقـافـيـةٍ *****ولم أزل – ويـكِ – مجهـولَ العناويـنِ
    يـا أنـتِ كفـي عـن التسـأل واتئـدي***** فـمــا تـســركِ انـبــاءي فعـوفـيـنـي
    وحـدي أكابـدُ وحـدي ليـلَ عاصـفـةٍ *****واستفـيـقُ عـلـى جـمـر الكـوانـيـن
    هــم حمّلـونـي مــن الأوزارِ قـافـلـةً ****أمــا سمـعـتِ بـــأوزارِ المسـاجـيـن
    دعي عتابكِ والنجوى ففـي وطنـي ****تحرّقَ العطـرُ حتـى فـي البساتيـن
    ( بغدادُ ) شطآنها تغفـو علـى لهـبٍ *****بغدادُ (روما) على أحطـابِ (نيـرون ِ)
    فـمـن يُجـيـرُ دمــاءً فــي شوارعـهـا***** ويمسـحُ النـارَ عــن وجــه القرابـيـن
    ومــن سيـرثـي لـمـحـرابٍ ومـئـذنـةٍ *****ومـــن يَــــردُّ صــــلاةً للمـسـاكـيـن ِ
    ناديـتُ (حطيـنَ) فارتـجّـت مقابـرهـا**** واستنفـرت غيظهـا أمـواتُ حطـيـن ِ
    لـكـنَّ ( باديـتـي ) نيرانـهـا انـطـفـأت**** وحرمّـت ضيفـهـا صــوتَ الفناجـيـن ِ
    يا خائفيـنَ مـن (الأحبـارِ) تسمعهـم ****لا لن أخافَ سوى الدنيا على ديني
    غــداً ستنكـشـفُ الأوراقُ صـارخــةً**** أيـنَ الملاييـنُ مـن هـذي الملايـيـنِ
    وأيــنَ أرضــي وتأريـخـي وساريـتـي**** يا من ركعتم على أقدامِ ( فرعـونِ )
    كـفـى ضــلالاً كـفــى ذلاً ومنـقـصـةً***** كـفــى وعــــوداً بـأعـنــابٍ وزيــتــونِ
    قـد آن للكبـدِ المطعـون مـن غضـبٍ***** يُفجـر الهـولَ فــي أعــراقِ مطـعـونِ
    وأن تـطــيــحَ بـأصــنــام ٍ مـعـابـدهــا***** ويلـعـنُ القـبـرُ أصـنــامَ السـلاطـيـنِ
    الـراقـديـنَ عـلــى أخـبــارِ مـذبـحــةٍ**** مِثـلَ العجـائـزِ فــي أيــام ِ تشـريـن ِ
    وكُـل أحلامـهـم لــو يذبـحـوا مُـدنـي***** يومـاً لعاهـرةٍ فـي ( قصـرِ شيريـنِ )
    حتى العباءات خجلى من مناكبهـم *****ومــن ضـمـائـرَ بـيـعـت بالفسـاتـيـن
    يا أنتِ لا تحزني فالـدارُ مـا احترقـت ****إلا لْــتــحــرِقَ أوكــــــارَ الـثـعـابـيــنِ
    فقد تنفسَ هذا الليلُ عن (شُهـبٍ)**** نيرانهـا أذهـلـت دُنـيـا (الشياطـيـنِ)
    للهِ فـي روحـهـا عـهـدٌ وفــي دمـهـا**** ألاّ يمـسَّ الثـرى ( أجنـادُ شــارونِ )


    ألاّ يمسّ الثرى أجنادُ شارون
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2
    بطـــــــاقــــــة هويـــــــة
    للشاعر العراقي
    صلاح سعيد الحديثي


    تكتب الكلمات نفسها على أرض القصائد لتكون كشلال ماء ينثال من قمة شاعرة و كأنها إكليل يتوج هرم إنسانية ممتدة جذورها في تاريخ الجغرافيا لتكون اختزال مشاعر وجدانية أثارتها أحداث محملة بالألم و الفرح لأشياء يمتلكنا حبها نتحسر بعدها على فقدها يحتلنا الحزن و يذكي شوقنا حب جارف خلقنا به لنعيشه, تتدفق منا المشاعر لتتضمخ الكلمات بمختلف العطور ,تتكامل ,تتمازج, لتحيك نسيجا تَتَمدد على أرضه القصيدة, لتعبر عن سعادة الفرح أو عن وجع , ألم و نزف جراح غائرة ,تُشعل نارها الأحداث التي يعيشها الشاعر والتي تدمي قلبه قبل شعره, لتكون الكلمة عَبرة , بسمة , ألما و مداد كلمات أضناها الوجع فتاقت إلى الانعتاق و التحرر فهي الشاعر و الشعر و نوارس محلقة تجوب البحار و المحيطات تختزل المشاعر و الأحداث فتكون لها حكايا تحاكي واقعنا النازف فينا هو حزن واقع و لحظة ألم تذكرنا بأمجاد و ذكريات نحاول أن نستحضرها لنكفكف دمعة و نضمد جرحا لا يندمل.

    هي الكلمة تاريخ و جغرافيا و نشيج ألم ينسج بهم ومعهم الشاعر أجمل القصائد و أروعها تخليدا لزمن لحظة لوجع حدث لألم أمة ترزح تحت الجهل بقيمتها و قيمها و تحت إحتلال غاصب لفكرها و أرضها و عرضها
    هكذا رسمت الكلمات وجدان شاعر و طوفان ألم أغرق أرض قصائد صلاح سعيد الحديثي هذا الشاعر العراقي المناضل بالكلمة على أرض الوطن و الشعر لتكون لكلماته وقع مدوي و مدمر لكيان كل جبان متخاذل خاضع, لتحتضن القصيدة الوطن بكل مكوناته الحدث و الإنسان النازفة جراحه أين ما يكون تحكي كلماته أوجاع أمة و نضال شعب إلتحف كرامة إفترش إيباء و أنتصبت قامته على أرض الصمود.

    شاعرنا اليوم هو صلاح سعيد الحديثي من مواليد العراق محافظة الأنبار تحديدا من مدينة الحديثة الغافية على ضفاف الفرات أين كانت دراسته الإبتدائية و الثانوية تخرج مدرسا للغة العربية وهو في العشرين من عمره .
    درس في الجزائر لمدة أربعة سنوات في قسنطينة و تيزي وزو .في عام 97 درس في ليبيا لمدة ثلاثة سنوات
    سافر إلى كل الدول العربية و درس في عين شمس و تخرج بعدها من كلية الشريعة في العراق ثم عمل موجها للغة العربية على مدى 27 عاما في مدارس الأنبار الثانوية
    عرف بحبه للشعر منذ طفولته شارك في عدة مهرجانات بالعراق كرم من قبل القيادة و طبعت له (معلقة الوصايا ) بأمر من الوزارة آنذاك صدرت له مليون نسخة وزعت على كل المدارس و الدوائر .
    بعد الاحتلال كتب العشرات من القصائد مجسدا بالكلمة الشاعرة الجرح العراقي النازف
    في سنة 2000 فاز بالترتيب الأول في مسابقة أقيمت على مستوى الشعراء العرب في ليبيا
    أصدر ديوانه الأول "ألحان الصبا" في نهاية الستينيات كما صدر له في السبعينيات ديوان "ما قال المجنون لليلى " له ديوان تحت الطبع بعنوان " عندما قال الدم العراقي لا" كما نشر شعره في أغلب المنتديات العربية
    يقول الشاعر العراقي القدير صلاح سعيد الحديثي وهو يحتضن أمة إقراء في قلبه ووجدانه مختزلآ آلامها في قصيدة بعنوان لعيون غزة و بغداد:
    بـغـداد مــا ركـعـت يـومــاً لسـارقـه****ـالـكــنَّ ( سـارقـهـا) بـالـنـعـلِ يُـلـتـطـمُ
    يـاجـرح غــزةَ يــا نــاراً عـلـى رئـــةٍ*****ويــا صـمـوداً بــه قـدحــارت الأمـــمُ
    عشقه للوطن لا حدود له وهو الذي سكن فِؤاده و تربع على عرشه ليكون السيد و المتحكم في مشاعره يقول في قصيدة بعنوان على ضفاف الوطن.

    ياسيدي يا ابنَ هذا النخلِ يا وطنــي

    ويا سماءاً بهـــــا التـــأريخُ يعتمــــــــرُ
    حزني عليك كحزن ِالارض ظامئة ً

    ومن ينابيعهــــا يُستنـــزلُ المطــرُ!

    يستنهض الشاعر الهمم الغافية و يحثها على التحلي بقيم الإنسان الواعي و المقاتل و الذائد عن أرضه و عرضه ليقول في قصيدة نشيد النار:


    فالنخـلُ لا يحنـي الجـبـاهَ لعـاصـفٍ***** مهـمـا اسـتـفـزتْ ريـحُــه الضـعـفـاءَ
    واللـيـثُ فــي الأصـفـادِ يـهـزأ ثـائـراً**** مــن ساجـنـيِـه ويـــزدري الجـبـنـاءَ

    يتحدث الشاعر عن رداءة الواقع وازدراءه له ليقول في قصيدة أحزان في زمن الغربة.

    فكـم (معـرّي) يعيـشُ العمـرَ مكتئبـاً**** وكــم جـهـولٍ إلـيـهِ العـيـسُ ترتـحـلُ
    وكـم تذمّـر مـن عطـرِ الشـذى رَجـلٌ**** ما كانَ في العامِ و العامين يغتسـلُ
    تقطر كلمات الشاعر ألما يحكي عن وجع دفين و غائر في جسده كما جسد الأمة فهو يعتبر نفسه ووطنه جزء من كل لا تكون له هيبة و ووجود إلا باسترجاع كرامة و حس إنساني قادر عن الدفاع عن حرمة الأرض و الأمة فيقول في قصيدة ألفا حملنا:

    لاالسيفُ أصدقُ إنباءً ولا الكـُتـُب = ضاع العراقُ , فمن للسيفِ يا عربُ ؟!
    قلبي قصـيدةُ حزنٍ مات شاعرها = فيا لقافيـــــةٍ في الروحِ تـَضطــــربُ
    قلبي على آخرِ الأضلاع ٍ متكــــيءٌ = يطيحُ من ولهٍ لو شفـّهَ عـَـــــتــــــبُ
    يا سيدي يا صباحَ الخيرِ يا وطــني = يا كلَّ ما ضمتِ الأجفانُ و الهُـــــدبُ
    أكبرتُ فيكَ احتمالَ الهمِّ منفــــرداً = يا حاملا ً وحدهُ ما ضيَّــــــعَ العربُ

    كنت معكم في رحلة عبر الكلمة الشاعرة بهموم الوطن و الأمة في قصائد الشاعر العراقي المتميز بالكلمة و الحس صلاح سعيد الحديثى استعرضت فيها مقتطفات شعرية تضمنتها أجمل القصائد و التي تستحق دراسة معمقة لما جاء فيها من رصد لأحداث و مشاعر تحكي وجع الإنسانية و الأمة عبر التاريخ و الجغرافيا


    منجية بن صالح من تونس لبرنامج "وجوه و مرايا" إذاعة فلسطين

    تعليق

    • منجية بن صالح
      عضو الملتقى
      • 03-11-2009
      • 2119

      #3

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      قـــراءة منجيــــة بــن صالــح
      لقصـــيدة
      آهـــــات الشـــــاعر المجهــــــول
      للشـــــاعر العــــراقـــي
      صـــــلاح سعــــيد الحديثــــي
      للكلمة إغراء يَستدرج الشَّاعر إلى حَدائق المَعنى الغَناء و الذي يعزف على أوتار مَشاعر الحَّب و العِشق لحبيبة تأخذ شتَّى الصُّور لها مِساحات جمالية ساحرة تستحوذ على وجدان الشَّاعر و تجعله مسلوب الإرادة يَتَّجه إليها بكل كِيانه تُزهر الأبجدية فيه لتُعطِّر قَصَائده بأحلى كَلام و أرقِّه يكون فيه المعنى فُراتا سَلسبيلا يَسكُنك لتَعيش لحظة وِلادة القَصيدة تَحتفي أنتَ بهذا المَولود و الذي تَتواصل معه بكل ما فِيك من مشاعر…. تحْتضِنه ليَصِير جزء منك و يَبُوح لك بسره سِرَّ الكَلمة و مُستويات عُمق بحار الإنسان و البَيان و الذي ليس له حدُّ بل مَدى لا ينقطع عَطَاءُه.

      للكَلمة إغراء آخر يَستدرج الشَّاعر إلى مَناطق أُخرى تَسْكُننا حَامْلة مُحَمَّلة بوجَع الإنسانية مآسيها ,صِراعاتها التي لا تَنتهي, يَخْبُو لهيبُها ليَشْتَعِل من جَديد على أرض الواقع و الذي هو مِرآتنا العَاكِسة لنيران أَهْوائنا المُتقِّدة فينا نُجسِّدُها على الأرض لأنَّها صُورة مِنا نَرسُمها نُحَدِد تفاصيلها أو بالأحْرى هي من يُحَدِّد مَلامحنا القَبِيحة و الطَّاغية على تَصرُفاتنا و على الأرض تُدَمِر أحلى ما فينا من مَشاعر كمَا تُدمر جَمالا يُحيط بنا خُلق في طبيعة الكون لنَسعد بوجُوده.... هو تَداخل بديع و جمال تَواصل خُلقنا به و فيه لنتعرف على هوية الإنسان فهو كَون صغير انْطوى فيه الكبير لنشاهد بنور بصيرة القلب مُنتهى الجمال و أيضا مَنتهى القبح و الذي يَتمخَّض عنه أوْجَاع و آلام نعيشها ليكون لَيلُنَا و نَهَارُنا آخر فتتعَاقَب فينا الظُّلمة و النور لنُجسدهما على أرض الواقع فَلِلبيَان الإنساني صُورة عاكسة لحال نعيشه يُسعدنا و أيضا يُشقينا لنَنِسى أننا خُلقنا بِحُب لنَعيش به و مَعه فلا يبقى فينا و حولنا إلاَّ مشاعر تحيطنا بقَتامة ألوانها نَتفرَّس في مَلامحها و ننتظر متى تَتقشع غُيومُها المُتلبدة ....
      هي الكلمة الحَامل بمعاناتنا, بأفراحنا ,أتراحنا و آمالنا ,التي ننتظر أو بتعاسة نَحسبها انجَلت لنجدها قد تَجلت , و احْتلت مِساحات غير المِساحات على واقع الأرض و الإنسان.
      تنطق الأحَاسيس لتَكتبنا كلمات باكيَّة أو ضاحِكة, زاهِيَّة الألوان أو قاتمة المَعاني, تُسعدنا و تُشقينا , تختزل أجْمل ما فينا و أقبحه تبحث عن وجود الإنسان تغوص في أعماق بحور مشاعرنا, تخرجنا دررا مشرقة بنورها على كلماتنا أو تستأصل وجعا دفينا جَعلته أحْداث واقع أليم يطفو على سَطح البيان, ليكون فينا الشعر صرخة ألم , نداء إنسانية و آهات مجهولة الهوية, لها رجع صدى في الماضي و الحاضر ,يمْتد إلى مُستقبل عَلَّمتنا الحَياة أنَّه آت تَتَجذر أَحْقاد و مَشاعر سَلبتنا أجْمَل ما فينا ,ألا وَهْي مَشاعر الحُب والتي تُألِّفُ و لا تَفرق, تدعو للتواصل و تقول بأعلى صوتها ....لا للتشظي و الإنقسام....
      هي كلماتنا تَصْرخ فينا نَسْتغيث, فَتُجيبنا لعلنا نتعلم أن نَكتبها حُبا و عشقا, لتكون قَطْرَ ندى ورود تتفتح عند فجر تَشُدنا إليه لَهفة الانْتِظار لشُروق على وطن جريح تضرَّج بدماء أحْقادنا .....
      للكلمة الصادقة جمال تُفصح عنه حتى وهي تَتلوى على صَفحاتنا ألَما ووجْدا فللحزن و الآهات نَفَسا يَتَعَطَّر بمِسْك الحُبّ الذي يَتُوق إلى الإفْصَاح عن نفسه بمْفردات هي غيرها تتجلى مُضَمَّخة بجمال له رَوعة بَيان و دِفء مشاعر تَحتضن الإنسان لتُضمِّد جراحه, و كلما كان الحزن شامخا فينا , كلما كان الحُب مُتَجذرا.... هي مفارقات نَعيشها كحقيقة وجود تتجلى على أرض الواقع و على أرض القَصيد ....
      هكذا وجدت نفسي أمام آهات حَارقة تتصدع لها أبيات قصيد الشَّاعر صلاح سعيد الحديثي و أيضا أمام حُب كبير للبشر و الوطن في قصيدة بعنوان "آهات الشاعر المجهول" ليكون الإنسان هو نفسه ,على أرض الزمان والمكان, يخترق التاريخ و الجغرافيا.... صورة تتكرر عبر بيان يُشكل أدَب و تُراث إنسانية ,يُحاكي ويَحكي وجَع أحْتضَنه عُمق أرض ذاكرة الزَّمان و الإنسان منذ أن سال دم البيان على صحراء قاحلة ,سكنها
      الجَدب و غادرهاالحُب

      الذي يُحيي بعد مَوت ..... و تَتَنهَّد فينا آهات الشَّاعر لتقول
      ما للقوافي تشظت في شراييني****حرى مطالعها,بالهمِّ تغزوني
      ساهرت و الليلُ أوجاع تحاصرني****كما يحاصر" ليلى"طيفُ" مجنون

      تختال شظايا القوافي في شرايين الشاعر, تُشكل حياته و مشاعره ,تغزو وجدانه لتصبح جُزءا منه كما يحتل الغَاصب أرْضه, ليختال في أرجائها, و ينشر هموما و أحزانا ,تسكنها لتفسد الحرث و الزرع .
      للقوافي وجود حِسِّي حَارق تُطَالع الشَّاعر لتُفصح عن نَفسها, على أرض القصيد يكون لها بيان هو ثمرة معانات يكابدها الوطن الجريح و الذي يرزح تحت نير الاحتلال الغاصب للأرض و العرض و الفكر .
      وجع يحاصر الإنسان, وآخر يُحاصِر مَشاعر الحُبّ, التي تتوارى أمام قبح أعمال و سرائر مظلمة ,تتقد حِقدا لتحرق الأرض, في محاولة منها لتدمير الإنسان و الذي خلق بحب ليعيشه و ينشره من حوله..... يُشبِّه الشاعر, الحصار الباغي الذي يعيشه بطوق حصار آخر ,يضربه طَيف مجنون, حول ليلى ,صورة رائعة تَحكي لنا جُنونا يسطو على المشاعر, ليجعلها تتساوى في فكر المتلقي, ليكون الحِصار هو نفسه مهما كان سالبا أو موجبا ,يصبح المُحاصر أسير مشاعر الحب ,كما الحقد, فالأسر قاتل لحرية نَتوق إليها ....جنون الحب يمكن أن يقود إلى جنون آخر ,ألا وهو جُنون العظمة التي تجعل من الإنسان إلَها متحكما في العباد و الرقاب, فكل المشاعر التي تزيد عن حدها تفقد توازنها ,و تصبح مردية قاتلة.....
      تحاصر الأوجاع ليلى الشاعر, روحه التي تتألم في سجنها, كما يتألم شعب العراق الأبي من حصار مادي و فكري, ومن احتلال مُدمِّر لكل مقوماته الإنسانية و المعنوية, هو قتل لمعاني سامية تجعل الشاعر يرسل آهات تدوي في أرجاء الوطن الجريح, ليقول مُخاطبا أنثى تسكنه و روحا أسيرة:
      يا أنتِ لا تسألي عني و عن قدري****و عن ديار بها ضاعت تلاحيني
      بيني و بينك أنهار و أودية ****لا خيلي تعبــــــرها, لا أنت تأتينـــــــي
      المخاطَب تضيع هويته ليكون الأنتِ ضَميرا موجودا من غير وجود ,يقول له الشاعر أن السؤال ممنوع ,لأنه مقطوع عن جوابه أو بالأحرى مُبهم ككل ما فيه وحوله , تاه منه كل شيء, لتبقى شظايا أشياء تطوف داخله و في محيطه, ليست لها ملامح و لا هوية ....بُعد مسافات أرضية و وجدانية تَخترق مشاعر الكاتب, فتكون المُأساة خاصة و عامة , حاضرة بكل تفاصيلها تفرِّق بينه و بين من أحب لبعد وجداني, لم يترك له الوجع مكان لانعدام الاستقرار على مستوى المشاعر و التي يتداخل فيها الحب المفرط, و الحقد المتعاظم المتنامي و القاتل للإنسان و بيانه.... تصير المعابر ركاما تحت أقدام سالكيها, لتَتقطَّع السُّبل أمام الحُب و يُفقد التَّواصل البَنَّاء و يقول الشَّاعر:
      أودعت للغيب بستاني و ساقيتي ****و عدت أبحثُ في الصفصاف عن تين
      قلبي قبيلة حب جُنَّ عاشقها****خيامها ظللت كل المجانين
      قلبي ملاحم شعر تنتضي قلقا***لو باحت الروح لاحتارت دواويني
      أشعلت روحي ميلادا لقافية****و لم أزل –ويك- مجهول العناوين
      يحتار الشَّاعر و يَجد نَفسه أمام حاضر يُحاصره بأوجاعه, و ماضي كان حلما بين يديه, و غيب يأمل أن يكون أحسن, يضيء بشروقه بُساتينه و سواقيه الجارية و كأنه يخشى فقدها, لهذا يودعها لغيب يحتفظ له بها وهو الذي لا يُفارقها بخياله و طموحه.
      يعود الشاعر ليستلهم الحب من ليلى, ومن روح عاشق كان له جنون على ارض الجغرافيا, لم يفارق التاريخ و الزمن ليكون دائم الحضور في مِخيال الشاعر, يُسقطه على مشاعر حب تحتويه بجنونها و على روح مشرقة بنورها داخله ,يبحث عنها خارجه فيصطدم بواقع مرير ,نهاره كَليْله, يستحضر مَجنون ليلى ,ليصبح قلبه قبيلة حب جن عاشقها, فللوطن الجريح حضور مكثف وهو الذي أحبه حد الثمالة ..... حالة الشاعر العاشقة ليست خاصة, لكنها تُخيم على أرض الواقع و الإنسان, ليكون الحُب جُنونا يتفاعل معه و به كل محب نال منه الوله فأخذه إلى عالم آخر, أين تكون المَشاعر مُتداخلة فيعيش الحُزن و الفرح, الجنون و التوازن ,الحضور و الغياب .
      تتواصل روح الشاعر بقلبه و كأنها القنديل ,الذي يُضيء عتمة وجوده, ليسير على هَديها, فقبيلة الحب تأسس لملاحم شعر, تنتضي قلقا تعيشه الروح و لا تفصح عنه, حتى لا تحتار الكلمات أمامه و لا تفقد الدواوين شاعريتها ...هو خوف الشاعر من جنون الشعر, حتى لا يتيه منه تناغمه و إبداعه الخلاق ....
      يتَمسَّك الشَّاعر بليلاه, لتكون نبراسا يُشرق على قوافي أبجديته الولادة ,لأرض بيانه و لشعره يشكله وجودا فاقدا لعنوان, يَحتضنه مع روح حبيبة عاشقة .... و يقول الشاعر:

      تعليق

      • منجية بن صالح
        عضو الملتقى
        • 03-11-2009
        • 2119

        #4

        يا أنتِ كفي عن التسأل و أتئدي****فما تسركِ انباءي فعوفيني
        وحدي أكابدُ وحدي ليل عاصفة****و أستفيقُ على جمر الكوانين
        هم حمَّلوني من أوزار قافلة ****أما سمعتِ بأوزار المساجين
        دعي عتابكِ و النجوى ففي وطني****تحرّق العطرُ حتى في البساتين


        يعود الشاعر إلى ضمير المُخَاطَب الموجود المفقود ,ليهرب من أسئلة ليست لها جواب فحزنه يطغى على قدراته الفاعلة, ليكابد وحده ظلمة عاصفة أهوالها الحارقة بجمرها, ليالي نهاره يعيش ليكتوي بنار الظلم و الحقد الطامس لكل منابع الحياة في الإنسان.


        يصبح الشاعر و كأنه قوافلا مُحَمَّلة بأوزار يَحدوها الوجَعُ ليقودها لأرض يكون منها و عليها, يتجرع مرارة أسر يكبل روحه , يجعلها سجينة , وأسر آخر يَحتل أرضه لتُصبح سجنا للفكر و الإنسان .
        الوطن السجين يوقظ ضمير الشاعر, فتراه يدعو روحه المتألمة من وضع لا تتحمل وجوده لتتخلص من عتاب و نجوى ليس لهما مكان لأن الحقد الحارق بناره طال حتى عطر البساتين ,لتصبح رائحة الدمار و القتل و الطغيان ,هي المهيمنة على الهواء و الإنسان تدعوه لممارسة نفس الأعمال, فتكون له ردة فعل مماثلة ,تفقده توازنه و رشد فكر يميزه عن بقية الخلق ,فالبطش يثمر آخر, و القتل يستدعي ثأرا, و الموت يستدعي حزنا ووجع فراق و يقول الشاعر :
        (بغداد) شُطآنها تغفو على لهب ****بغدادُ( روما) على أحطاب( نيرون)
        فمن يجيرُ دماءُ في شوارعها ****و يمسحُ النارَ عن وجه القرابين
        و من سيرثي لمحراب و مئذنة****و من يرد صلاة المساكين
        ينتقل الشاعر من الحديث عن نفسه, ليتواصل مع وطنه بنفس الوجع ,الذي يسكنه لأنه مقيم على أرض إنسانيته و روحه الشاعرة, و التي لها بيان ينسج خيوطه بحكمة و حرفية عالية ومشاعر موغلة في الحزن , و في أرض موطنه, يُشكل بهم الشاعر وحدة لا تتجزء, من وجوده كإنسان ,كشاعر و كمواطن عراقي صامد ,رغم رياح الحقد العاصفة بكل مقدرات وطنه الجريح ....
        يستلهم الشاعر صورا من تاريخ حاضر غائب, لتكون بغداد و شبيهتها روما على أحطاب نيرون ,الذي لم يمت بعد فعله المُدمِّر رغم اختفاء وجوده المادي , هي أحداث تحييها أحقادنا لتتكرر حياة الوجع فينا, نتألم عَلَّنا نَتعلَّم من التاريخ و الجُغرافيا و نَتجاوز النُفس و هواها, لنتصرف بحكمة الراشد ,الذي يقرأ الحياة و الحدث جيدا, ليتفادى أوجاعا مهلكة .
        يرسل الشاعر استغاثة ألم ووجع صارخ أمام إزهاق أرواح بريئة في شوارع الوطن المضرجة بدماء, لها قداستها تُدَنسها أقدام المغتصب للأرض و العرض و القاتل لكل نَفَس مُثمر لخصوبة مادية و فكرية هي أساس حياة ووجود .
        في هذا الواقع المشبع بالدمار, يصبح الناس قرابين ....تشتعل النيران من وجوه تنتظر ميقات توديعها, لتكون الضحية المُقبلة... من يَمسح هذه النيران ؟ يقول الشاعر سُؤال يبقى ينتظر جوابا لا يأتي.... و تمر الأيُام و السِّنين ...
        تُغتال حياة المئذنة و المحراب الناطقين بصلة الإنسان بالخالق و بالآخر ,حتى لا يُسمع غير صوت الحقد المدمر فهما حياة في مُجتمع يَحي بوجودهما بعد موت.... لكن للحقد مفرداته وهو من يسير ضد التيار, لينشر الموت و يبني بمصطلحات جديدة قديمة انهيار الإنسان و ضياع صلاته و تواصله, ليصبح مٌنبَتَّ الوجود عَقيمَه يفقد بذلك كل فعل يُثمر حياة خلاَّقة و مُقاومة لطغيان الفِكر و السِّلاح و يقول الشاعر:
        ناديتُ (حطين)فارتجَّت مقابرها****واستنفرت غيظها أموات حطين
        لكنَّ( باديتي) نيرانها انطفأت****و حرمت ضيفها صوت الفناجين
        يا خائفين من( الأحبار) تسمعهم****لا لن أخاف سوى الدنيا على ديني
        يستنجد الشاعر بتاريخ الجغرافيا ليقول لنا, أننا بأعمالنا فقدنا الحركة في الزمان و المَكان لنكون أصناما تعيش الحَدث و أستمراريته بدون أن تكون لنا أي قدرة على تغييره أو إقامة فعل مجدي على الأرض, و القادر على مسح و تهجير كل هذا الحقد و الظلم المحيط بنا, و الذي يحاصرنا ليجعلنا نعيش الأسر و القمع ,على مستوى المشاعر الإنسانية و المحيط الاجتماعي, و الذي هو جزء من وجود الوطن و الأمة ترتج له الأموات, و تستنفر غيظها في قبورها و تفزع منه حطين...... تنطفئ نار الشاعر كلما تذكر أمجادا, و تشتعل كلما تذكر أحقادا , تقطع التَّواصل مع أجمل مفردات الإنسانية الراسخة في التراث و الدين, ألا وهو إكرام الضَّيف في بوادينا لترسم لنا كلمات القصيد, صورة رائعة و مبتكرة و يقول الشاعر:
        لكنَّ( باديتي) نيرانها انطفأت****و حرمت ضيفها صوت الفناجين

        لللفناجين صوت خرس أمام صوت السلاح, فلم يَعد له وجود يذكر. للبادية عاداتها المُتجذِّرة فيها, و نيرانها المُشتعلة التي تهدي الضيف و تُكرم وفادته ,هو التواصل الإنساني في أبهى مظاهره المُثمرة لجمال تعاملات نَفتقدها في زمن طغى فيه الإنسان بالسِّلاح و الفكر المادي العاشق لمصالح آنية زائلة زائفة سرعان ما تأفل لتترك مرارة وفقدا, يقتل أجمل مشاعر الحُب المُطلق في الوجود, والذي ليس له مقابل يُدفع أو يُقبض
        يتوجه الشاعر للخائفين من أحبار باعوا الدين بالدُنيا امتشقوا السِّلاح بيد ,و كتابا أضاع قداسته عبر تاريخ أحقادهم بأخرى , ليقول لكل من ملكه الخوف أنه إنسان قبل أن يكون شاعر يحتقر الدنيا ليتمسك بدينه سر وجوده و رسالته و يقول :
        غدا ستنكشف الأوراق صارخة ****أين الملايينُ من هذي الملايين
        و أين ارضي و تأريخي و ساريتي****يا من ركعتم على أقدام( فرعون)
        يقول الشاعر لكل مستسلم خاضع, أن للأوراق صرخة في وجه المَلايين ,لعلَّها توقظ همة أحتضنها سبات و موت يعيش على أرض واقع يقيم عليه فرعون هذا الطاغية, و الذي جعل الشعوب تخضع للتهديد و سحر خيال ليس له وجود و لا عهود.... أدواته مشاعر هوى حارق و أسلحة من وَهْم تدمر إنسانية خلقت لتحيا.
        هو التاريخ يحتل الأرض, بأحداث موجعة لا تتقشَّع ظُلمتها لأنها مقيمة على أرض الإنسان, تشكل أفعاله و تُحي وجوده الباغي على نفسه و أرضه ,وهو من يخال أنه إله قادر على تشكيل الواقع ,و تغييره حسب هواه و متطلبات فكره الماسخ لوجوده الإنساني .

        لفرعون مفردات يبتكرها عبر الزمان و المكان , ينشرها كتعليمات لجنود محيطين به, مهمتهم تنفيذ الأوامر نفسها, و التي تتخذ عبر الحِقب الزَّمنية المتتالية, مظاهر تتجدد لتكون نفسها بحُلل مُبتكرة تجاري الشيطان في أعماله المتلونة المائعة في الوجود, لتستدرج كل من ملكه الخوف و أقعده الجبن و الاستسلام ,عن القيام برسالة الإنسان ,مناط تكليفه وهو المستخلف في الأرض, لنرى كيف يركع أشرف خلق الله تعالى, على أقدام أحقر الطغاة يستجدي رضاهم على أرض العراق, و أرض الأمة المكرمة بإنسانيتها و مقدساتها و دينها الحنيف, و يقول الشاعر في نفس السياق:

        تعليق

        • منجية بن صالح
          عضو الملتقى
          • 03-11-2009
          • 2119

          #5


          كفى ضلالا كفى ذلا و منقصة ****كفى وعودا بأعناب و زيتون
          قد آن للكبد المطعون من غضب****يفجر الهول في أعراق مطعون
          و أن تطيح بأصنام معابدها****و يلعنُ القبرُأصنام السلاطين
          الراقدين على أخبار مذبحة ****مثل العجائز في أيام تشرين
          و كل أحلامهم لو يذبحوا مدني****يوما لعاهرة في ( قصر شيرين)
          حتى العباءاة خجلى من مناكبهم**** و من ضمائر بيعت بالفساتين
          ينتقل الشاعر من سرد واقع مرير يعيش فيه و به على مستوى المشاعر والوطن, ليستشرف مستقبلا يأمل منه شروق شمس تضيء عتمة وجود و تحتفظ بحرمة حدود, و يطلق صرخة لعلها تجد من يسمع و يعي أنه كيان حي يعتز بإنسانيته و يستميت في الدفاع عنها حتى آخر لحظة في حياته, و يدرك أن للضلالة مسالك, و للخوف ذل و منقصة, و للوعود أكذوبة, تمتد عبر تاريخ الأرض, ولا ينقطع مداها ما دام لفرعون وجود في واقع له منطق و بيان مَصلوب..... للغضب ثورة ,و للسلاح صولة تطيح بالظلم و تكشف الخداع و النفاق المستشري في الإنسان و على الأرض, له معابد و أصنام و فكر , و أيضا أسلحة تتطور لها حاجة و مقتضيات ,هي التي تحافظ على استمراريته ...هو خلود أغرى به إبليس سيدنا آدم عليه السلام ,و مذ ذاك الزمن و الغواية تتجذر, و تحيك خيوط مؤامرة تتوالد لتستمر و تحتل الفكر ,تدافع عن وجودها بكل الأسلحة المتاحة ....
          غريب أمر الإنسان, هذا المدعي للإدراك و العِلم و المعرفة ,نراه يعاني من جهل تخلله جعل منه خرقة بالية تدوسها الأقدام, يبيع ذمته بكؤوس مترعة غباء و خيانة... يراقص الضمير في مأتم يقيمه أموات أحياء ,ويحتمي بفساتين الغانيات ليدفن الحياء بين طياتها ...

          هو الخيال الساحر و القاتل لحقيقة وجود الإنسان و رسالته السامية ,لتكون له أخرى مبتذلة, يحتضنها دين آخر, يصنعه المِخيال الإنساني على مقاسه, ليروجه و يعتنقه أتباع أشبَعَتهم روح الهزيمة و الإستسلام, يكون لهم وجود آخر يدافع عن صورة لإنسان لكنه غيره . هي نظريات يروج لها طغاة فكر الاستسلام المتكامل المرتكزات, ليقول لنا أنه السِّلم في أرقى معانيه و الذي لا يسمح أن تسيل نقطة دم واحدة..... ليهدر بعد ذلك الدم العربي ويسيل أنهارا , يغرق الوطن و يستبيح العرض و الأرض هكذا يكون إعدام الإنسان.
          يقول الشاعر لحبيبة هي أنثاه, و روحه المستجيرة به من واقع حارقة نيرانه:
          يا أنتِ لا تحزني فالدارُ ما احترقت ****إلا لتحرقَ أوكار الثعابينِ
          فقد تنفسَ هذا الليلُ عن( شُهب)****نيرانها أذهلت دُنيا (الشياطين)
          لله في روحها عهد و في دمها****ألا يمسَّ الثرى( أجنادُ شارونِ)
          ألا يمسَّ الثرى( أجنادُ شارونِ)

          تنضح القصيدة حزنا ,و يتأوه فيها الألم الصارخ من بين السطور, ليُخاطب الشاعر ضميرا صَاحَبه في سفره على أرض القصيدة و كأنه حاديه, ليقول لنا ليس للحزن مكان, و كأنه يأخذ رشفة من كأس أمل , تصوغه مفرداته, ليستطيع الاستمرار ,فأوكار الثعابين هي المقصودة بالإحراق و ليس الإنسان.... فللشهب إشراق و نيران, تذهل لها الشياطين وهي المتعودة على إشعالها على أرض البيان, ولليل مُتنفس لا يستشعره إلا من كان متوازن المشاعر, يعشق جمال الوجود بكل كيانه ليكره الطُغيان و الظُّلم و يقاومه بكل ما أُوتي من قوة.
          يلوذ الشاعر في آخر القصيد, إلى خالق الخلق و النار و الشياطين ليقول أن للدار روح حاملة لعهد, و لها من يحمي ثراها من أجناد شارون المنتشرون عبر العالم , يترصدون نقاط ضعف الشعوب لينقضُّوا عليها .
          هناك تاريخ طُمست مَعالمه, و هناك قصائد تغوص في أعماق الإنسان لتفصح لنا عن حقيقة نتجاهل وجودها, لعل تكرار أحداث مؤلمة عبر التاريخ و الغائرة في الذاكرة و جسد الأمة تجعلنا ندركها و نتعلم كيف نقرأ مفرداتها لنتفادى الكثير من المآسي و الأحزان .... الأحداث على الأرض ,ما هي إلا مَظاهر تَحكي تَطلعات النَّفس البشرية للخلود و الأبدية, بتكريس تصرفات و سلوك نتوارثه لنعيد تشكيله عبر العصور و الزمان و المكان ,فأحداث التاريخ متتالية متواصلة تتشابه لتتكامل صورة الإنسان و بيانه , ونتعرف على حقيقة فطرية تسكننا و أخرى خَلقتها أهوائنا و مشاعرنا السلبية, لتتشبَّه بنا لكنها ليست نحن, نستطيع أن نغيرها إذا أدركنا سر وجودها ,و تعاملنا على تقليم سلبياتها المُتنامية فينا...

          هو الإنسان من يصنع التاريخ و يغير معالم الجغرافيا, باستحداثه لحدود وهمية تَسكننا على مُستوى الفكر, لتجعلنا نتمسك بما لا نملك ,و بأرض هي للإنسانية جمعاء وُجدت لنعيش عليهاا بحب و تواصل, يبني الإنسان و لا يهدمه, يتوق للمعرفة ولا يحترف التعامل مع مفردات ترسخ الجهل و الأحقاد, و مشاعر سالبة لإنسانية تُشكل أصل وجودنا على الأرض
          لنا حرية مُطلقة نمارس مفرداتها على مستوى اللُّغة و السُّلوك و مع ذلك نحن نعيش الأسر و نستعذبه و نستسلم له, على أرض الواقع لأننا لا نريد رؤية نقيضه ,ألا وهي الحرية , الشق المُكَمِّل لحقيقتنا ,و التي خلقنا بها لنشكل مفرداتها على أرض الواقع ...... نهرب من حبس الذات الخانق, لنمارس ما نَخاله حرية الفكر ,نتعامل مع كلمة نكتبها ,لنقول أنها تُحرِّرُنا و نَتَحرَّرُ بها....
          هل فعلا الكلمة هي من يحررنا ؟ أم أنها تتحرر من أسرنا لتكون في عالم نحن من صاغ واقعه ؟
          أقول أن الكلمة لا تتحرر ,ولا تملك القُدرة على تحريرنا, لأنها ببساطة مِرآة عاكسة لأحزاننا و أوجاعنا الدفينة ,التي تَسْكننا, و عندما ينفجر البركان في الإنسان ,تتساقط منا كجثث و شَظايا أحرقها لهيبنا , لتكمل اشتعالها حولنا, و ربما تُلهب المحيط فيختنق بدخانها ....


          يمتلك الشاعر حرية نظم الشعر . ليحمله أحزانه المتراكمة تراكم الأحداث المؤلمة حوله, كما يُحمله طموحاته و آماله و حب غائر في وجدانه ,يتوق للبوح و تجسيده على أرض الواقع, فيَذْكر حبيبة يتمنى قربها, أو وطنا سلب منه و دنسته أقدام طغاة احترفوا بيع و شراء المشاعر, ليكون الحب سلعة تطرح على طاولة مفاوضات يباع و يشترى بالتقسيط المُمِل, لأن الفكر المادي هو المسيطر على الروح و الجسد ,وهو المتحكم في طاقة الإنسان الحيوية و خيرات الوطن و مقدراته .
          كنت معكم في قراءة لقصيدة تحكي ألم إنسانية, و حرب تدور رحاها ,لإقامة حدود جديدة لوطن يغتصب فكره و أرضه في محاولة يائسة لطمس معالم هويته الثقافية و الإنسانية,
          فكانت قصيدة الشاعر صلاح سعيد الحديثي صَرخة مدوية عسى أن تكون لنا استفاقة و نهضة, تعيد للإنسان كرامة يحاولون اغتيالها بشتى الطُّرق.... القصيد بعنوان "آهات الشاعر المجهول" هل كان فعلا الشاعر مجهول؟ أم أننا نحن من فقد الهوية ؟ أم أصبحنا كلنا ذاك الشاعر المجهول ؟

          "آراء و مواقف نقدية" و قراءة لمنجية بن صالح
          لقصيد آهات شاعر مجهول للشاعر صلاح سعيد الحديثي

          تعليق

          • محمد مثقال الخضور
            مشرف
            مستشار قصيدة النثر
            • 24-08-2010
            • 5517

            #6
            أستاذتي الفاضلة
            منجية بن صالح

            كنت رائعة في الاختيار وفي التحليل والتقديم
            تشرفت بحضور القراءة وأسعدتني وعلمتني

            لك الشكر والتقدير
            ولأستاذنا الشاعر الكبير صلاح الحديثي كل التقدير والاحترام
            على هذه المعلقة الرائعة

            مودتي واحترامي

            تعليق

            • خالدالبار
              عضو الملتقى
              • 24-07-2009
              • 2130

              #7
              أقول له:
              فرقونا كما يشاؤون لاكنْ=نرقب الفجر هاهنا ..هل رآنا؟
              أنا بغدادُ والفرات وريدي=ينضح الحبَ للثرى أوطانا
              لله انت ايها الشاعر الرائع
              تحية تليق بهذا الزخم
              ...
              وأقول لها:
              معلمتي القديرة الاستاذة /منجية بنت صالح
              ليس من السهل ان نغوص في اعماق المعنى شاعرا
              ولكنني وجدتكِ غواصة وسباحة ماهرة.
              هنا ..تعلمت الكثير والكثير
              فشكرا لهذا المجهود الذي اجد كلمة رائع قليلة بحقه وحقكِ والاثراء الادبي اللا محدود..
              أنرتِ بنزف قلمكِ لنا الطريق
              سيدتي
              شكري واحترامي وتقديري
              لشخصكِ وقلمكِ وجهدكِ
              اخوكم
              ابو حامد


              أخالد كم أزحت الغل مني
              وهذبّت القصائد بالتغني

              أشبهكَ الحمامة في سلام
              أيا رمز المحبة فقت َ ظني
              (ظميان غدير)

              تعليق

              • منجية بن صالح
                عضو الملتقى
                • 03-11-2009
                • 2119

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة محمد مثقال الخضور مشاهدة المشاركة
                أستاذتي الفاضلة
                منجية بن صالح

                كنت رائعة في الاختيار وفي التحليل والتقديم
                تشرفت بحضور القراءة وأسعدتني وعلمتني

                لك الشكر والتقدير
                ولأستاذنا الشاعر الكبير صلاح الحديثي كل التقدير والاحترام
                على هذه المعلقة الرائعة

                مودتي واحترامي

                شاعرنا الراقى محمد الخضور

                سعيدة جدا بحضورك الذي يشرفني دائما و بتعليقك
                الذي يحفزني على تقديم المفيد و الجيد
                الف شكر شاعرنا
                مع كل التحية و التقدير

                تعليق

                • منجية بن صالح
                  عضو الملتقى
                  • 03-11-2009
                  • 2119

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة خالدالبار مشاهدة المشاركة
                  أقول له:
                  فرقونا كما يشاؤون لاكنْ=نرقب الفجر هاهنا ..هل رآنا؟
                  أنا بغدادُ والفرات وريدي=ينضح الحبَ للثرى أوطانا
                  لله انت ايها الشاعر الرائع
                  تحية تليق بهذا الزخم
                  ...
                  وأقول لها:
                  معلمتي القديرة الاستاذة /منجية بنت صالح
                  ليس من السهل ان نغوص في اعماق المعنى شاعرا
                  ولكنني وجدتكِ غواصة وسباحة ماهرة.
                  هنا ..تعلمت الكثير والكثير
                  فشكرا لهذا المجهود الذي اجد كلمة رائع قليلة بحقه وحقكِ والاثراء الادبي اللا محدود..
                  أنرتِ بنزف قلمكِ لنا الطريق
                  سيدتي
                  شكري واحترامي وتقديري
                  لشخصكِ وقلمكِ وجهدكِ
                  اخوكم
                  ابو حامد
                  شاعرنا الجميل خالد البار

                  سعيدة حقا بتعليقك و أنا التي تتعلم دائما من شعراء
                  أفاضل أمثالكم و ما نزف قلمي إلا ثمرة كتابات
                  راقية تبدع بالكلمة الرسالة و التي تكون سلاحا بتارا في يد المبدع
                  كل التحية و التقدير

                  تعليق

                  يعمل...
                  X