أكره ربيعا - عائدة محمد نادر / محطات نقدية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • زهور بن السيد
    رئيس ملتقى النقد الأدبي
    • 15-09-2010
    • 578

    أكره ربيعا - عائدة محمد نادر / محطات نقدية

    أكره ربيع / عائده محمد نادر

    أكره ربيعا
    فاجأني ربيع حين كنت ساهمة بملامح وجهه
    يرمقني عميقا
    أحسست برعشة جليدية تقتحمجسدي, وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور, وأنا أتفحص تلكالقسمات الحادة, التي..... !!
    كم كان عمري حين أنجبتهخالتي
    ست سنين؟
    غضة طرية كورقة فل لم تتفتح أوردتهابعد!
    أذكر أني كنت في المرحلة الأولى
    لا
    ربما الثانية
    حقيقة لا أدري
    زهري الجلد ناعما, يقولبعيناه جلد ثخين ومتهطل كجرو صغير, أدهشني مرآه, ولسانه ما فتئ يتلولب خارج شفتيه, كأفعى صغيرة تتلوى!
    أكره الأفاعي, حد العمى
    ابتسمت رغما عني وأنا أتذكر إولى لحظات ولوجه عالمنا المجنون, يصرخ وجههالعابس المنتفخ, كبالونة صغيرة, ونلتف حوله جميعا, كمهرجين نفتعلالحركات والأصوات, عساه يصمت!!
    وليته يفعلها, ويخرس إلىالأبد!
    كمكرهته
    بغضت صوته المجلجل, والكل يسرع لتلبية طلباته
    حقدت عليه, وهو يستحوذ علىاهتمام الجميع
    وحب خالتي له الذي جعلني في دائرة الظلمة
    ألقمه زجاجة الرضاعة, أدفعهالفمه الممطوط دفعا, يغص فيها أحيانا, يتقيأ جوفه, لبنامتخثرا
    ضحكت بصوتي المبحوح العالي وأنا لم أزل أنظر له, متفحصة.
    صدمتني نظراته التي اخترقت وريقات عمري المطوية, بلمحة, وهي تلتقي بنظرة عيني كأنه أحس بما يعتمل داخلي, فارتبكتمحتارة
    ربمااحمر وجهي
    وشعور من هذيان انتابني, أضناني سنين طويلة
    سألت نفسيألومها!!
    هل فضحتني ملامحي الساذجة, حدالبلاهة
    ويحي
    هل أنا حمقاء؟
    استطاع رجل بكل سهولة أن يفك طلاسمها, المخبأة بينالأفئدة!؟
    كيفسأواجهه, وأواجه خالتي التي احتضنتني منذ صغري بعد الفجيعة التي أصابتني بفقدانوالدي, وأختي الأصغر.
    بمَ سأبرر موقفي لهذه المرأة التي أخذت بيدي, يوما بعدآخر, حتى أصبحت تلك الفتاة التي يشير الجميع أنها, الإبنةالمثالية!
    وهاهي صورتي المعلقة على جدران الصالة, تحدجني بقرف, وأناأبتسم لخالتي وزوجها بكل حب, يوم تخرجي,
    وبحماسة تحكي للجميع عن ذكائي, وكفاحي المستميت أن أكون المتميزة, تسفعنيبسياط محفوفة بالغموض!
    مسكينة خالتي
    يالها من امرأة مخدوعة!
    لم تدر أني, في يوم غافلتالزمن
    وتركت ربيع حين كان بعمر زهرة ندية, تحت صنبور الماء فيحديقة الدار, يشهق بأنفاسه, وحين باغتني وجودها, حملته من بين براثن الموت مرتعشة, أرفعه بين يدي عاليا, فأصبحت البطلة بنظرها, ونظر زوجها, والآخرين.
    وغفوت أنشج متحسرة, تلك الليلة الغبراء على ما فعلته, نادمة على غفلتي المقصودة
    حاصرتني نظرات ربيع, وأناأدير وجهي عنه, لعلني أتفادى رماحا أدمتني أعواما, بعدد سنين عمريوعمره.
    تقدم نحوي بخطى ثابتة, يخترق جموع المهنئين بخطبة أخته, يرد عليهم بكلمات مقتضبة, يقتلع الابتسامة من بين أسنانه اقتلاعا, ومقلتاهالمحمرتان أرعبتني, حد الشعور بالتلاشي.
    صار قاب قوسين أو أدنى
    كأنالمكان خلا, إلا مني ومنه!
    وحدسي ينبئني أنه ينوي شيئا
    يريد انتزاع اعترافامني
    ينوي تعريتي, بحقائق دامغة
    لا أقوىعليها
    وصورة واضحة لسر دفين,لا أستطيع البوح فيه!
    هربت ملتحفة برؤوس الحاضرين, أتخفى بينها, أحشرني
    كلص مبتديء أهوج
    أدفن رأسي كنعامة مرة, وكنورسة مبللة أخرى, يغرقها المطر بمد بحري لا حدود له, أبتعد عن مرماه,
    لكني مازلت أحسه قربي!!
    يلاصقني
    يتغلغل مساماتي
    بلأكاد أجزم أني سمعت طرق طبول نبضات فؤاده, تلامس رجفات قلبي المشنوق, هلعا!
    خذلتني أنفاسي, وأطاح الدوار بجمسي يتهاوىسحيقا
    امتدت يده, انتشلتني قبل أن أحط مرتطمة
    دافئة وحنونة , كانت
    وعيناه النديتان تترقرقان بالدمع, حين احتواني بينساعديه
    همس بما يشبه الأنين, يزفر الأنفاس حروفا مجمرة فوقرقبتي:
    - حبيبتي, أعشقك حد الثمالة, إلى متى تبقين تتهربين منحبي!؟


    قراء في قصة "أكره ربيعا" للمبدعة عائدة محمد نادر

    [align=justify]
    إن أول ما يلفت الانتباه في القصة هو العنوان "أكره ربيعا" وهو عنوان مثير, يحيل في دلالته الأولى إلى التعبير الصريح عن الإحساس العميق بالكراهية تجاه شخصية ربيع.
    ورغم بساطة العنوان وطابعه التقريري, إلا أن دلالته يمكن أن تتسع, ويكون محملا بكل المعاني التي تختزنها مكوناته, وخاصة كلمة "ربيع" التي تحيل إلى دلالة أخرى غير كونها اسم علم لمذكر عاقل, وهي دلالة فصل الربيع. وإذا سلمنا بهذا الاحتمال الثاني, ستكون الكراهية المعلنة في العنوان لحظية ستتحول في أي وقت إلى حب, لأن الربيع هو رمز الحياة والحب والعطاء.
    وعموما فالعنوان بصيغته, يخلق أفقا للتوقع والانتظار لدى القارئ, بحيث نجد أنفسنا نتساءل باحثين ومستكشفين عن أسباب كل هذه الكراهية المعلنة تجاه ربيع؟ ومن هو ربيع؟ وما علاقة الساردة به؟ وما شعوره نحوها؟ وهل سيستمر كرهها له أم أن لكل شيء نهاية؟
    تستهل الكاتبة قصتها بعنصر المفاجأة والتعبير بالنظرات عما يختلج النفس من أحاسيس متبادلة بين البطلة وشخصية ربيع, تقول:

    فاجأني ربيع حيث كنت ساهمة بملامح وجهه


    يرمقني عميقا

    ونتساءل إزاء هذه البداية, هل شكلت عتبة استراتيجيه لنقل القارئ من مجال الواقع إلى مجال الحكي (التخييل)؟
    البداية تستبق النهاية إذ نستشعر فيها الحب بدل الكراهية, فهي تعبر عن إحساس نبيل يتعارض مع دلالة العنوان المباشرة. فالذي يحس بالكراهية لا يطيق النظر في وجه من يكرهه, أما وهي (ساهمة في ملامح وجهه) وهو (يرمقها عميقا) فلا يمكن أن يدل ذلك إلا على الإعجاب والحب العميق.
    وتعيش البطلة بين البداية والنهاية أحداثا تكون مشاركة فيها من خلال المواقف التي تعرضت لها. كما أن أحداثه القصة وسلوكيات الشخصيات وأبعادها العاطفية, هي استنباط لأحاسيس بشرية قائمة على التعارض والتضاد وهي:الغيرة والكراهية والا حساس بالذنب والحب.
    لقد انكبت الكاتبة على كشف تفاصيل هذه الأحاسيس السابقة اعتمادا على السرد والوصف, واعتمادا كذلك على الانتقال بين لحظتين أساسيتين في القصة: لحظة استحضار محطة أومحطات من طفولة البطلة, ولحظة آنية تعيش فيها ربيع حياتها (الحب إلى جانب التخرج والتتويج) .
    إن بلوغ الذات إلى غايتها مر بمجموعة من المراحل ضمن برنامج سردي تتناوب فيه اللحظتان (الطفولية والآنية) كما يتناوب فيه السرد والوصف.
    وفي مرحلة ما بعد البداية تنقلنا الساردة إلى التفاعل مع الأحداث, فتصف لنا وقع نظرات ربيع على نفسيتها, وما أثارته فيها من إحساس بالخوف والرهبة, تقول:
    أحسست برعشة جلدية تقتحم جسدي, وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور وأنا أتفحص تلك القسمات الحادة.....
    ونتعرف في مرحلة موالية, عن طريق الاستذكار على البطلة وهي طفلة صغيرة تبلغ من العمر ست سنوات, وعلى طفل حديث الولادة, هو ابن خالتها. وكأي طفل تحس الصغيرة بمشاعر الغيرة تجاه هذا الرضيع الوافد الذي استحوذ على كامل رعاية الأهل وبقيت هي خارج دائرة الاهتمام. فما كان منها إلا أن تعبر عن غيرتها منه وكراهيتها له, بسلوكاتها تجاهه وتصرفاتها معه, ونلمس كل ذلك في وصفها له بأبشع صورة ومتمنياتها له بالموت, تقول (جلد ثخين مهطل كجرو صغير لسانه كأفعى صغيرة تتلوى ـ وجهه العابس المنتفخ كبالونة صغيرة ــ عساه يصمت ـ وليته يفعلها ويخرس إلى الأبد ـ كم كرهته ـ بغضت صوته المجلجل ـ حقدت عليه وهو يستحوذ على اهتمام الجميع ـ ألقمه زجاجة الرضاعة أدفعها لفمه الممطوط دفعا, يغص فيها أحيانا, يتقيأ أحيانا جوفه, لبنا مخثرا.)
    وتكشف هذه المتواليات السردية عن خلفية ضمنية مشتركة بين الساردة والقارئ (الغيرة) وهي إحساس طبيعي يعكس مجالا طفوليا بامتياز.
    وفي مرحلة ثالثة تعيدنا الساردة من عالم الذكريات وعالم الطفولة, إلى اللحظة الآنية, موظفة تقنية الحوار الونولوجي والصراع الداخلي والاستبطان, وهذا ما مكنها من التتغلغل في أعماق ذاتها لتنقل اضطراباتها وارتباكها الناتج عن خوفها من أن تكون نظرات هذا الرجل (ربيع) قد اخترقت أعماقها وجالت في بواطنها واكتشف ما كانت تضمره له طوال السنين الماضية من كره وما صاحب ذلك من أفعال وصلت حد محاولة إغراقه تحت صنبورالماء, تقول:
    صدمتني نظراته التي اخترقت وريقات عمري المطوية, بلمحة, وهي تلتقي بنظرة عيني كأنه أحس بما يعتمل داخلي, فارتبكت محتارة
    ربما احمر وجهي
    وشعور من هذيان انتابني, أضناني سنين طويلة
    سألت نفسي ألومها!!
    هل فضحتني ملامحي الساذجة, حد البلاهة
    ويحي
    هل أنا حمقاء؟
    استطاع رجل بكل سهولة أن يفك طلاسمها, المخبأة بين الأفئدة!
    و استمرت في استحضار مواقف وتصرفات طفولية بنبرة باعثة, هذه المرة, على القرف والإحساس بالذنب وتأنيب الضمير بكل قسوة, جراء ما فعلته في حق ربيع وخالتها التي كفلتها كل هذه السنوات بعد أن فقدت والديها وأختها في حادث مؤلم وهي ماتزال في سن مبكرة, تقول:
    بمَ سأبرر موقفي لهذه المرأة التي أخذت بيدي, يوما بعد آخر, حتى أصبحت تلك الفتاة التي يشير الجميع أنها, الإبنة المثالية!
    وهاهي صورتي المعلقة على جدران الصالة, تحدجني بقرف, وأنا أبتسم لخالتي وزوجها بكل حب, يوم تخرجي,
    وبحماسة تحكي للجميع عن ذكائي, وكفاحي المستميت أن أكون المتميزة,
    تسفعني بسياط محفوفة بالغموض
    مسكينة خالتي
    يا لها من امرأة مخدوعة

    إن الندم والإحساس بالذنب ولوم الذات واتهامها بنكران الجميل ماهي إلا مؤشرات تعكس بلوغ البطلة مرحلة من النضج تستطيع فيها مراجعة تصرفاتها الطفولية, كما يمكن أن تكون بداية بوح وتصريح لما تستشعره من أحاسيس نبيلة تجاه ابن خالتها بدل الكراهية ولو كانت ظاهريا. وهو ما تقوله النظرات والهروب بكل شفافية. حتى أن وصفها له الآن, في استحضارها مشاهد طفولية تغير من صورة بشعة إلى صورة جميلة: (وتركت ربيع حين كان بعمر زهرة ندية تحت صنبور الماء في حديقة الدار يشهق بأنفاسه).
    وفي مرحلة أخيرة تجد الأحداث طريقها إلى نهاية سعيدة غير متوقعة إلى حد ما, تنتهي القصة بالمفاجأة كما ابتدأت بها, فالحفلة والضيوف في بيت خالتها بمناسبة خطبة أخت ربيع, تتحول إلى احتفال البطلة بحبها الكبير الذي فتح لها ذراعيه في أخر المطاف في مشهد رومانسي, ويصبح ربيع هو ربيع حياتها.
    إنها لحظة كشفت فيها البطلة عن عمق مشاعر الحب المتبادل بينهما. والذي يتعارض مع الدلالة التي يحملها العنوان.
    إذا تأملنا وقائع هذه القصة من بدايتها إلى نهايتها نجدها تنتظم في خطاطة سردية تقوم على تعاقب سلسلة من الأفعال والسلوكات تتخللها ارتدادات إلى الماضي, وتنتهي باتصال الذات بالموضوع المرغوب فيه.
    وأخلص في نهاية هذه القراءة إلى أن هذا النص القصصي تجربة فنية متميزة في استبطان أعماق الشخصية الإنسانية, وإبراز صراعها الداخلي وكشف أفكارها ورغباتها ومشاعرها المختلفة.
    ومن الناحية الفنية تميز النص بوحدة الحدث والاقتصاد السردي وقلة الشخصيات والتكثيف والاختزال على مستوى الزمن ومحدودية المكان (فأحداث القصة وقعت لحظة تبادل النظرات بين الشخصيتين في البيت), إضافة إلى خصائص السرد القصصي والوصف الذي لعب دورا أساسيا في تكسير رتابة السرد, وفي الكشف عن الانفعالات والأحاسيس الكامنة في أعماق الشخصيات.وتميز النص كذلك بالتشويق وحمل المتلقي على التفاعل مع الأحداث والشخصيات.
    إن النص بفكرته الجديدة وخصائص الفنية يمثل إضافة نوعية لرصيد المبدعة عائدة محمد نادر القصصي.
    [/align]
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    #2
    أكره ربيع / عائدة محمد نادر

    أكره ربيع / عائدة محمد نادر

    فاجأني ربيع حين كنت ساهمة بملامح وجهه
    يرمقني عميقا
    أحسست برعشة جليدية تقتحم جسدي, وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور, وأنا أتفحص تلك

    القسمات الحادة, التي..... !!
    كم كان عمري حين أنجبته خالتي
    ست سنين؟
    غضة طرية كورقة فل لم تتفتح أوردتها بعد!
    أذكر أني كنت في المرحلة الأولى
    لا
    ربما الثانية
    حقيقة لا أدري
    زهري الجلد ناعما, يقولب عيناه جلد ثخين ومتهطل كجرو صغير, أدهشني مرآه, ولسانه ما فتئ يتلولب خارج شفتيه, كأفعى

    صغيرة تتلوى!
    أكره الأفاعي, حد العمى
    ابتسمت رغما عني وأنا أتذكر إولى لحظات ولوجه عالمنا المجنون, يصرخ وجهه العابس المنتفخ, كبالونة صغيرة, ونلتف حوله

    جميعا, كمهرجين نفتعل الحركات والأصوات, عساه يصمت!!
    وليته يفعلها, ويخرس إلى الأبد!
    كم كرهته
    بغضت صوته المجلجل, والكل يسرع لتلبية طلباته
    حقدت عليه, وهو يستحوذ على اهتمام الجميع
    وحب خالتي له الذي جعلني في دائرة الظلمة
    ألقمه زجاجة الرضاعة, أدفعها لفمه الممطوط دفعا, يغص فيها أحيانا, يتقيأ جوفه, لبنا متخثرا
    ضحكت بصوتي المبحوح العالي وأنا لم أزل أنظر له, متفحصة.
    صدمتني نظراته التي اخترقت وريقات عمري المطوية, بلمحة, وهي تلتقي بنظرة عيني كأنه أحس بما يعتمل داخلي,

    فارتبكت محتارة
    ربما احمر وجهي
    وشعور من هذيان انتابني, أضناني سنين طويلة
    سألت نفسي ألومها!!
    هل فضحتني ملامحي الساذجة, حد البلاهة
    ويحي
    هل أنا حمقاء ؟
    استطاع رجل بكل سهولة أن يفك طلاسمها, المخبأة بين الأفئدة!؟
    كيف سأواجهه, وأواجه خالتي التي احتضنتني منذ صغري بعد الفجيعة التي أصابتني بفقدان والدي, وأختي الأصغر.
    بمَ سأبرر موقفي لهذه المرأة التي أخذت بيدي, يوما بعد آخر, حتى أصبحت تلك الفتاة التي يشير الجميع أنها, الإبنة المثالية!
    وهاهي صورتي المعلقة على جدران الصالة, تحدجني بقرف, وأنا أبتسم لخالتي وزوجها بكل حب, يوم تخرجي,
    وبحماسة تحكي للجميع عن ذكائي, وكفاحي المستميت أن أكون المتميزة, تسفعني بسياط محفوفة بالغموض!
    مسكينة خالتي
    يالها من امرأة مخدوعة!
    لم تدر أني, في يوم غافلت الزمن
    وتركت ربيع حين كان بعمر زهرة ندية, تحت صنبور الماء في حديقة الدار, يشهق بأنفاسه, وحين باغتني وجودها, حملته من

    بين براثن الموت مرتعشة, أرفعه بين يدي عاليا, فأصبحت البطلة بنظرها, ونظر زوجها, والآخرين.
    وغفوت أنشج متحسرة, تلك الليلة الغبراء على ما فعلته, نادمة على غفلتي المقصودة
    حاصرتني نظرات ربيع, وأنا أدير وجهي عنه, لعلني أتفادى رماحا أدمتني أعواما, بعدد سنين عمري وعمره.
    تقدم نحوي بخطى ثابتة, يخترق جموع المهنئين بخطبة أخته, يرد عليهم بكلمات مقتضبة, يقتلع الابتسامة من بين أسنانه

    اقتلاعا, ومقلتاه المحمرتان أرعبتني, حد الشعور بالتلاشي.
    صار قاب قوسين أو أدنى
    كأن المكان خلا, إلا مني ومنه!
    وحدسي ينبئني أنه ينوي شيئا
    يريد انتزاع اعترافا مني
    ينوي تعريتي, بحقائق دامغة
    لا أقوى عليها
    وصورة واضحة لسر دفين,لا أستطيع البوح فيه!
    هربت ملتحفة برؤوس الحاضرين, أتخفى بينها, أحشرني
    كلص مبتديء أهوج
    أدفن رأسي كنعامة مرة, وكنورسة مبللة أخرى, يغرقها المطر بمد بحري لا حدود له, أبتعد عن مرماه,
    لكني مازلت أحسه قربي!!
    يلاصقني
    يتغلغل مساماتي
    بل أكاد أجزم أني سمعت طرق طبول نبضات فؤاده, تلامس رجفات قلبي المشنوق, هلعا!
    خذلتني أنفاسي, وأطاح الدوار بجمسي يتهاوى سحيقا
    امتدت يده, انتشلتني قبل أن أحط مرتطمة
    دافئة وحنونة , كانت
    وعيناه النديتان تترقرقان بالدمع, حين احتواني بين ساعديه
    همس بما يشبه الأنين, يزفر الأنفاس حروفا مجمرة فوق رقبتي:
    - حبيبتي, أعشقك حد الثمالة, إلى متى تبقين تتهربين من حبي!؟

    ----------------------------------------------------------------------------

    تظل العلاقات الأسرية عاملا حاسما يؤثر في معظم تفاصيل حياتنا ولا يكاد الشخص في مجتمنا شبه المغلق يستطيع أن
    يتنفس بعيدا عن اعتبارات وضوابط أسرية قد تكون غير منطقية وتفرضها في كثير من الأحيان ظروف غير اعتيادية أيضا ..

    وبشكل عام مازالت العلاقات الأسرية تستمد أصولها من العلاقة القبلية القديمة التي عاشها الإنسان العربي ضمن قبائل
    وعشائر وبطون وأفخاذ استمرت تعبر عن انتماء الدم حتى يومنا هذا وما لهذا النتماء من حقوق وواجبات مدعوما بصيغ العرف
    الاجتماعي وأيضا بالنصوص القانونية التشريعية والشرع مما كرس هذه العلاقة وحافظ على متانتها في إطار الأسرة الواحدة
    وبعد ذلك انتقل إلى الحي والمدينة والوطن .. كل هذا جميل ولكنه ظل يتم على حساب الحرية الشخصية للفرد فكل ما
    تأخذه الجماعة لابد أن يدفعه الفرد ..

    ومن الطبيعي أن حديثنا عن الحرية يستجلب الحديث عن الخيار الشخصي باعتباره يمثل القرار الحر وفي ظل الاعتبارات
    الاجتماعية والبيئة وعلى رأسها الأسرية في مجتمعاتها شبه المغلقة ستصبح مساحة هذا الخيار ضيقة إلى أبعد الحدود
    وكثيرا ما يجد المرء نفسه يقوم بما لا يحب ويترك ما يحب إرضاء لاعتبارات أسرية أحيانا ما تكون غير منطقية .. مما يفاقم
    المشكلات في إطار الأسرة المجتمع الأسري ويعمق حالات الانكسار بين أفراده من أجل الحفاظ على الأسرة ولو شكليا
    وهذا ما يسيء للعلاقات الأسرية في الباتطن وفي العمق وفي النهاية ويؤدي إلى سقوطها رغم كل محاولات الإصلاح ..

    لقد عرف واختبر الإنسان منذ نعومة أظفاره ميولا خاصا به يمثل ويعبر عن موقف عاطفي خاص به أيضا فهو يحب أشياء ويكره
    أشياء في تشكيل عاطفي يرسم حدود شخصيته في بصمة عاطفية خاصة وذاتية .. وهذا يبدأ منذ لحظة ولادته ويبدأ بالتعبير
    عنه مع تقدمه في السن وتتسع قائمته ولكن يبقى العشق والوقوع بالحب هو أعظم الخيارات المعبرة عن ذاتية الشخص
    وذوقيته الأكثر أهمية وبهجة في حياته ولا يمكن لأي إنسان أن يعيش دون حب يشكل طابعه الإنساني و محتواه العاطفي ..

    ----------------
    ومن هنا نبدأ رحلتنا مع النص الذي بدأ بكلمة ( أكره ) أنه التعبير الأكثر قسوة ووضوح وصراحة ومباشرة في توصيف الخيار
    الحر وبلا مواربة أو مجاملة أو تجميل .. وكأن بطلة القصة تلقي بقنبلة كانت تجثم على صدرهاا طويلاااا كان يمكن أن تقول لا
    أحب ربيع .. وستكون أقل وقعا .. ولكنها اختارت التعبير الأقصى في الرفض والأكثر تطرفا وهو الكره .. وهذا الكره موجه
    لشخص رجل وليس شيئ آخر وهذا يحمل رفضا عاطفيا وجنسيا - باعتباره رجل - شديدا وقاطعا ومن هنا من العنوان تبدأ
    الحكا ية وهنا يجب أن تنتهي ..


    فاجأني ربيع حين كنت ساهمة بملامح وجهه
    يرمقني عميقا
    أحسست برعشة جليدية تقتحم جسدي, وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور, وأنا أتفحص تلك

    القسمات الحادة, التي..... !!
    كم كان عمري حين أنجبته خالتي
    ست سنين؟
    غضة طرية كورقة فل لم تتفتح أوردتها بعد!
    أذكر أني كنت في المرحلة الأولى
    لا ربما الثانية
    حقيقة لا أدري
    زهري الجلد ناعما, يقولب عيناه جلد ثخين ومتهطل كجرو صغير, أدهشني مرآه, ولسانه ما فتئ يتلولب خارج شفتيه, كأفعى

    صغيرة تتلوى!
    أكره الأفاعي, حد العمى
    ابتسمت رغما عني وأنا أتذكر إولى لحظات ولوجه عالمنا المجنون, يصرخ وجهه العابس المنتفخ, كبالونة صغيرة, ونلتف حوله
    جميعا, كمهرجين نفتعل الحركات والأصوات, عساه يصمت!!
    وليته يفعلها, ويخرس إلى الأبد!
    كم كرهته

    تبتدئ الأحداث من الحركة القصوى ( فاجأني ) ويبدأ القص بإيقاع سريع من لحظة البدء بالمفاجأة تعلو وجه البطلة وهذا
    كان مجرد توطئة لمطاردة ستتواصل بعد ذلك بين البطلة و البطل الثاني ربيع وكانت الصورة المشهدية على وجه ربيع وعلى

    ملامح البطلة وبما أحست به تثير القلق والتحفز وكأنها توحي بقرب وقوع كارثة و تشي برعود قادمة وكان
    المستهدف هو بطلة القصة ..

    وبأسلوب الخطف خلفا الكلاسيكي نتابع الأحداث في القصة حيث تسترجع البطلة علاقتها بربيع وتصف بشكل أكثر تحديدا هذا

    الكائن بما يمكن أن يكون إعادة رسم وتوصيف لتاريخ علاقتها الشعورية والعاطفية به وبدأت من لحظة ولادته وهنا تضع البطلة
    أمامنا مسألة فارق السن الذي يميل لصالحها فارتباط الأكبر سنا مع من يصغرها سنا غير المقبول نوعا ما إجتماعيا..

    وتتابع المشاهد المتلاحقة من ذاكرة البطلة وتظهر أوصافا غير محببة للربيع في معظمها تعكس مشاعرها السلبية ضده

    ومنذ لحظة ولادته حتى تقارب بين بعض أوصافه وبين الأفعى لتعلن مرة أخرى ( أكره الأفاعي حد العمى )
    وهذا إعلان رفض قاطع .

    ونعود بأسلوب الـ ( cut ) إلى وجه البطلة في اللحظة الآنية بلقطة سريعة وهي ترسم ابتسامة مفتعلة تغطي موقفالاشمئزاز

    والرفض الذي يعتمل في نفسها وهي تسوق مبررات كرهها لربيع حين تعود بنا الكاتبة بأسلوب الخطف خلفا مع البطلة

    لتتذكر أيام ربيع الأولى وملامحه القبيحة وصوته المزعج
    ومحاولات الجميع استرضاءه ليتوقف عن البكاء .. ويتصاعد غضب البطلة ورفضها وكرهها إلى أقصى حدود التطرف لتعلن ..
    ليته يصمت إلى الأبد .. أنها تكرره حد الموت وتتمنى له الموت .. وهذا منتهى الجرأة من البطلة والكاتبة حيث تضع بذور

    الجريمة على لسان الطفولة فنحن أمام واقع عاطفي متأزم بشكل عنيف يقدم لنا طفلة في السادسة من عمرها تفكر

    بالموت كحل لمشكلتها مع طفل عمره أيام وتعترف بكل صدق في لقطة آنية ( cut ) بينها وبين نفسها ( كم كرهته )

    ورغم أن الفعل هنا ينسحب على الماضي إلا أن الموقف ما زال قائما يحرك مشاعرها الآنية ويوصف موقفها الشعوري منه ..

    بغضت صوته المجلجل, والكل يسرع لتلبية طلباته
    حقدت عليه, وهو يستحوذ على اهتمام الجميع
    وحب خالتي له الذي جعلني في دائرة الظلمة
    ألقمه زجاجة الرضاعة, أدفعها لفمه الممطوط دفعا, يغص فيها أحيانا, يتقيأ جوفه, لبنا متخثرا
    ضحكت بصوتي المبحوح العالي وأنا لم أزل أنظر له, متفحصة.
    صدمتني نظراته التي اخترقت وريقات عمري المطوية, بلمحة, وهي تلتقي بنظرة عيني كأنه أحس بما يعتمل داخلي,

    فارتبكت محتارة
    ربما احمر وجهي
    وشعور من هذيان انتابني, أضناني سنين طويلة
    سألت نفسي ألومها!!
    هل فضحتني ملامحي الساذجة, حد البلاهة
    ويحي
    هل أنا حمقاء ؟
    استطاع رجل بكل سهولة أن يفك طلاسمها, المخبأة بين الأفئدة!؟


    وتخطفنا الكاتبة خلفا من جديد مع ذاكرة البطلة لتتابع موقفها بشكل أكثر حدة ( بغضت صوته , حقدت عليه ) أن البغض يمثل

    درجة عالية من درجات الكره الممزوج بالحقد ولنتوقف لتعرض البطلة مشكلتها معه إنها الغيرة يحملها الطفل الأكبر من الطفل

    الأصغر الذي يستحوذ على اهتمام الجميع ومحبتهم التي كانت له هو لوحده .. وهذه قضية كبيرة هامة تربوية ونفسية تطرح

    هنا وبمنتهى الجرأة والواقعية حيث تقف الطفولة في قفص الاتهام .. وها هي الطفلة ذات الأعوام الستة تحمل كل هذا

    البغض والكره والشرور .. فمن قال أن الأطفال كالملائكة ..؟؟

    وتتلاحق اللقطات الـ ( cut ) بشكل سريع تعرض مشاهد من ذاكرة البطلة لتضعنا أمام محاولات ومبادرات حقيقية للقتل تقوم

    بها البطلة - الطفلة بالقدر الذي سمحت به الظروف وقد كانت محاولات بمنتهى الخبث والعدائية المبطنة والمغلفة بمظهر

    الود ابتداء بمشهد الإرضاع الشبه مميت .. ثم تنتقل بنا اللقطة ( cut ) بشكل سريع إلى اللحظة الآنية على وجه البطلة

    التي تؤكد موقفها الشعوري بضحكة متشفية كارهة لهذا الكائن الكريه لدرجة أنها خافت أمام نظراته الثاقبة التي تحاصرها

    وتتابعها أن تفتضح مشاعرها المبغضة له واعترافاتها الداخلية بمحاولات التخلص منه .. مما زاد من ارتباكها و توترها ..

    وبدأ حوار وجداني مع الذات داخلها ورحلة من التشكك .. هل عرف بما تضمر واكتشف ما تكنه له ..؟؟
    وتساءلت بخبث الأنثى : هل كانت ملامحها مكشوفة لهذه الدرجة أمام رجل ..؟؟
    وهنا تطرح الكاتبة قضية أكثر نضوجا في حياة المرأة الشابة في المجتمع شبه المغلق بشكل عام وفي إطار المجتمع

    الأسري الضيق بشكل خاص وما يمكن أن تمتلكه من مهارات كافية للإيقاع أو لتجنب الإيقاع بالرجل أو الوقوع بشباكه وهذه

    قضية فيها الكثير من الزوايا على ما تملكه المرأة من مهارات فطرية والتي قد تبدأ تنميتها والعناية بها بتوجيهات من قبل

    الأم والتجارب المريرة للمحيطين بها من النساء ..

    يف سأواجهه, وأواجه خالتي التي احتضنتني منذ صغري بعد الفجيعة التي أصابتني بفقدان والدي, وأختي الأصغر.
    بمَ سأبرر موقفي لهذه المرأة التي أخذت بيدي, يوما بعد آخر, حتى أصبحت تلك الفتاة التي يشير الجميع أنها, الإبنة المثالية!
    وهاهي صورتي المعلقة على جدران الصالة, تحدجني بقرف, وأنا أبتسم لخالتي وزوجها بكل حب, يوم تخرجي,
    وبحماسة تحكي للجميع عن ذكائي, وكفاحي المستميت أن أكون المتميزة, تسفعني بسياط محفوفة بالغموض!
    مسكينة خالتي
    يالها من امرأة مخدوعة!

    ونتابع الحوار الوجداني الرائع الذي يعتمل في نفس البطلة ( كيف سأواجه خالتي ) ولتطرح قضية أكثر عمقا هي الوفاء
    ورد الجميل لمن أحسن إليها واحتضنها وتكفل بتنشئتها بعد أن فقدت المعيل وهي طفلة , خالتها أم ربيع الكريه هذا ,
    ولم تتوانى عن ذكر تفوقها وبلائها الحسن خلال هذه الأعوام مرتبطا بتشجيه خالتها ودعمها لها .. ثم لتعاني ويؤرقها

    شعورها بالذنب أمام إحسان خالتها الذي قابلته هي بالجحود وأيضا بالخديعة .. ( يا لها من امرأة مخدوعة ..! )
    وهذا ما سبب لها شعورا بالندم وبالأسف وربما بالخزي أمام نفسها وهذا تطور مهم في الحالة الشعورية للبطلة رسمته

    الكاتبة بمنتهى الوضوح وصل حد القسوة ..

    لم تدر أني, في يوم غافلت الزمن
    وتركت ربيع حين كان بعمر زهرة ندية, تحت صنبور الماء في حديقة الدار, يشهق بأنفاسه, وحين باغتني وجودها, حملته من

    بين براثن الموت مرتعشة, أرفعه بين يدي عاليا, فأصبحت البطلة بنظرها, ونظر زوجها, والآخرين.
    وغفوت أنشج متحسرة, تلك الليلة الغبراء على ما فعلته, نادمة على غفلتي المقصودة

    وتتابع المشاهد بتصاعدية لافتة وبلقطات مشهدية متسارعة تضعنا أمام محاولة حقيقية أكثر جرأة وأكثر خبثا للقتل تقوم بها

    طفلة ..! استطاعت أن تدرس احتمالات الموقف وأن تبقى هي بعيدة عن اللوم في حال نجحت الخطة .. وبرد فعل بمنتهى

    الذكاء والخبث استطاعت - وربما كان للخوف دورا أيضا والصدفة التي تمثلت بظهور الخالة المفاجئ وغير المتوقع - أن تظهر
    بمظهر المنقذة وتنال المديح من الأم الخالة المخدوعة ..
    مشهد بمنتهى القوة والقسوة والجرأة أيضا .. تحول إلى كابوس سيئ وذنب عظيم تكابده وتحاول نسيانه وتفادي افتضاحه
    ولم يكن مشهد نشيج الطفلة النادمة كافيا لتبرير ما حدث بل أنه كان فقط مقدمة لما ستعانيه خلال السنين القادمة .


    حاصرتني نظرات ربيع, وأنا أدير وجهي عنه, لعلني أتفادى رماحا أدمتني أعواما, بعدد سنين عمري وعمره.
    تقدم نحوي بخطى ثابتة, يخترق جموع المهنئين بخطبة أخته, يرد عليهم بكلمات مقتضبة, يقتلع الابتسامة من بين أسنانه
    اقتلاعا, ومقلتاه المحمرتان أرعبتني, حد الشعور بالتلاشي.
    صار قاب قوسين أو أدنى
    كأن المكان خلا, إلا مني ومنه!
    وحدسي ينبئني أنه ينوي شيئا
    يريد انتزاع اعترافا مني
    ينوي تعريتي, بحقائق دامغة
    لا أقوى عليها
    وصورة واضحة لسر دفين,لا أستطيع البوح فيه!

    ( cut ) جديد وننتقل إلى اللحظة الآنية في حفلة خطوبة أخت ربيع وازدحام في لقاء اجتماعي تقليدي ومراسم التهنئة
    وهنا أظهرت الكاتبة براعة في رسم التعابير الشخوصية التمثيلية في المشاهد مع تسارع إيقاع المشهد وتصاعده مبتدئة من
    الموقف الصعب والمتأزم الذي تعاني منه البطلة ( حاصرتني نظرات ربيع ) رغم كل محاولاتها للتهرب والاختباء منه ربيع هذا

    الذي يطاردها وبعينيه الحمراوين وملامحه الصارمة ونظراته الثابتة وتوجهه المثابر نحوها .. لا تعيقه التهاني والمجاملات التي

    تقدمها له جموع المهنئين
    ويختصرها بابتسامات مفتعلة وباقتضاب ليستمر في تقدمه نحوها ليحتدم خوفها وتتفاقم أزمتها الداخلية .. مع اقترابه من

    الوصول إليها .. فها هو المجني عليه وقد أصبح شابا قويا يقترب من الجانية التي باتت ضعيفة جدا أمامه ..
    لابد أن فضيحتها الآن أمام كل المخدوعين بها ستكون أقل مطالبه .. ولينكشف هذا السر الدفين بعمر السنين ..


    هربت ملتحفة برؤوس الحاضرين, أتخفى بينها, أحشرني
    كلص مبتديء أهوج
    أدفن رأسي كنعامة مرة, وكنورسة مبللة أخرى, يغرقها المطر بمد بحري لا حدود له, أبتعد عن مرماه,
    لكني مازلت أحسه قربي!!
    يلاصقني
    يتغلغل مساماتي
    بل أكاد أجزم أني سمعت طرق طبول نبضات فؤاده, تلامس رجفات قلبي المشنوق, هلعا!
    خذلتني أنفاسي, وأطاح الدوار بجمسي يتهاوى سحيقا
    امتدت يده, انتشلتني قبل أن أحط مرتطمة
    دافئة وحنونة , كانت
    وعيناه النديتان تترقرقان بالدمع, حين احتواني بين ساعديه
    همس بما يشبه الأنين, يزفر الأنفاس حروفا مجمرة فوق رقبتي:
    - حبيبتي, أعشقك حد الثمالة, إلى متى تبقين تتهربين من حبي!؟

    ويتابع المشهد تصاعده بإثارة ملحوظة وتستمر البطلة بمحاولات الابتعاد والتخفي بين المهنئين لإفلات من المواجهة ,وبلغة

    شعرية رائعة و عالية تفوق احتياجات العرض الدرامي تصف البطلة محاولات التملص من مواجهته في مقطع مشهدي حركي

    شديد تعقيد والصعوبة ضمن ( cadre ) ضيق يكاد لا يتجاوز حدود الجسد .. وتمارس الاستشعار العالي للمؤثرات الصوتية

    الداخلية والتيقظ الشديد لجميع الحواس بتأثير المخاوف المتصاعدة مع الاقتراب الشديد من جسد الصياد منها ..
    انهارت فريسة المخاوف وتقطعت أنفاسها وتهاوت في شبه غيبوبة ..

    وفي هذه اللحظة وفي موقف مفاجئ جدا يغير مجرى وتوجه الحدث المشهدي يسارع الصياد - ربيع لانتشالها من السقوط
    ويحتضنها وفي (close) قريب جدا تظهر عيناه الحمراوان الصارمتان الآن بصورة أخرى تماما ممتلئة بالرومانسية و الرقة ويخرج

    حديثه الهامس العذب وفي وضع الاحتضان الحميم معترفا بعشقه وبوقوعه بحبها .. وهنا تكمن المفارقة والمفاجأة ..
    فالمجني عليه الذي تجهد الجانية في الهروب من مواجهته كان يلهث وراء وراء الجانية حبا وعشقا وليس انتقاما كما صور لها
    عقلها المريض بعقدة الذنب التي حملتها منذ الطفولة ..

    وانتهى النص هنا بخاتمة غير منتهية دراميا ومفتوحة على الكثير من الإحتمالات وهذا ما ينسجم مع أسلوب النص المتسارع

    والسريع الإيقاع و الذي اعتمد على اللقطات المشهدية المتداخلة.. والـ ( cut ) السريع

    كان العنوان شديد الالتصاق بالنص حتى بدأ انه جزء منه أو بوابة توجيه عبر منه النص بمجمله إلينا حتى نهايته المفاجئة وغير

    المتوقعة ..

    أهنئ الكاتبة على هذا العمل القصي التمثيلي الجميل وأشير إلى أن هذا النص يختلف تماما عن أسلوبها ومواضيعها
    المعتادة وقد احتشدت في النص بعض القضايا الاجتماعية والنفسية الهامة مما أكسبه أهمية فكرية وثقافية من حيث

    المضمون والعرض ..





    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      الزميلة القديرة
      زهور بن السيد
      أولا أقدم شكري وامتناني لهذه الرؤية لنصي أكره ربيع
      والله لم أكن أعلم بها مطلقا وعتبي أنك لو بعثت لي برابط على الخاص خاصة وأني انقطعت عن الملتقى أثناء موجة الثلج التي ضربت سورية في تلك الفترة
      معذرة منك سيدتي ألف مرة خاصة وأنت قد أجهدت نفسك كثيرا وقرأت وكتبت ومحصت وتعمقت
      ويحي لن أسامح نفسي مطلقا على هذا العقوق غير المقصود
      سأعود لقراءة رؤيتك فورا بعد أن أكتب اعتذارا آخر
      أشكرك كثيرا سيدتي
      ولي عودة نصية لك
      ودي ومحبتي لك أيتها الكبيرة بهذا العطاء

      أكره ربيع

      أكره ربيع فاجأني ربيع حين كنت ساهمة بملامح وجهه يرمقني عميقا أحسست بالجليد يقتحم جسدي، فارتعشت مذعورة، وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور، وأنا أتفحص تلك القسمات الحادة، التي..... !! كم كان عمري حين أنجبته خالتي خمسة سنين؟ غضة طرية كورقة وردة لم تتفتح أوردتها بعد! أذكر أني كنت في المرحلة التمهيدية لا
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القدير الرائع
        صادق حمزة منذر
        أيها الكبير بعطائك اللامنتهي
        أين سأخبيء وجهي الخجل منك أنت والزميلة زهور
        أحس بالخجل أقسم بالله منكما وكم تمنيت على أحدكما أن يبعث لي ولو برابط فقط كي أعرف
        صادق أرجوك زميلي سامحني على غفلتي فأنا فعلا أحس بتأنيب الضمير لأني لم أنتبه وكأني أجرمت بحقكما
        ويحي من فعلتي هذه وكيف لي أن أواجهكما بعد هذا
        فمعذرة منك سيدي الكريم
        صدقني صادق حين قرأت مبادرتكما تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني لفرط خجلي
        سأعود للقراءة
        شكرا ألف مرة لك أيها المجد المجتهد الودود الكريم
        ودي ومحبتي لك

        أكره ربيع

        أكره ربيع فاجأني ربيع حين كنت ساهمة بملامح وجهه يرمقني عميقا أحسست بالجليد يقتحم جسدي، فارتعشت مذعورة، وعيناه الثاقبتان تخترقان قفصي الصدري المحموم كتنور مسجور، وأنا أتفحص تلك القسمات الحادة، التي..... !! كم كان عمري حين أنجبته خالتي خمسة سنين؟ غضة طرية كورقة وردة لم تتفتح أوردتها بعد! أذكر أني كنت في المرحلة التمهيدية لا
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • إيمان الدرع
          نائب ملتقى القصة
          • 09-02-2010
          • 3576

          #5
          الأستاذ القدير: صادق حمزة منذر..
          الأستاذة الرّاقية : زهور بن السيّد ...
          كلّ الشّكر لكما ..على هذا الاهتمام الواضح لنصوص الأخوة الزّملاء هنا ...
          و تجلّتْ هذي الجهود الرّائعة من خلال نصّ الأخت الغالية عائدة / أكره ربيعاً /..
          وهو نصّ قد استوقفني طويلاً ..لجماليّة المضمون ، والأسلوب ، واللغة ، والصّياغة ...
          وكان النّقد بنّاء ...شاملاً ، متأنّياً ...
          استفدنا منه على الصّعيد الشّخصي ...
          ألف شكرٍ لكما ...فأنتما كنز لهذا الملتقى الذي يكبر بكما ...
          متمنّية لك أختي عائدة وزميلتي الرّائعة ..كلّ تقدّمٍ ونجاحٍ في مسيرتك الأدبيّة ...
          لكم أعذب أمنياتي ...وأطيب تحيّاتي ...

          تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

          تعليق

          • أمل ابراهيم
            أديبة
            • 12-12-2009
            • 867

            #6
            الزميلة الرائعة عيوده الرائعة دوما ومتالقة
            مساءالخير العافية
            جميلة انت ومجنونة تكونين عندما تسطرين بقلمك كلمات طالما أذهلنتا بكرهك لربيع
            بأحمر شفاهك مجنونة بالعصيان مجرمة بالخلاص لاتهتمين بأشباحك قوية باليوم عاد وانت فرات حبيبتي ثورة بعناقد في الذاكرة قاسية بالخيانة عاشقة باأتحبين المطر بدات ولن انتهي بوصف كاتبة واديبة تحمل كل هذا الجمال والروعة فنانة سلمت ياعا ئدة ومع ذالك كرهت الكره فيك لأني اعرف ان هذا القلب العراقي الأصيل لا يعرف الكره دمت مبدعة واثلج قلبي ما قراته بما تفضل به الزميلين حمزه منذر وزهور بن السيد مجهود بذلوه مشكورين تسحقينه هذا بجدارة
            جهود رائعة من الزميلين تستحق الوقوف عندها طويلا
            تقبلي مني حزمة من الود الرازقي تحياتي
            درت حول العالم كله.. فلم أجد أحلى من تراب وطني

            تعليق

            • زهور بن السيد
              رئيس ملتقى النقد الأدبي
              • 15-09-2010
              • 578

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
              الزميلة القديرة
              زهور بن السيد
              أولا أقدم شكري وامتناني لهذه الرؤية لنصي أكره ربيع
              والله لم أكن أعلم بها مطلقا وعتبي أنك لو بعثت لي برابط على الخاص خاصة وأني انقطعت عن الملتقى أثناء موجة الثلج التي ضربت سورية في تلك الفترة
              معذرة منك سيدتي ألف مرة خاصة وأنت قد أجهدت نفسك كثيرا وقرأت وكتبت ومحصت وتعمقت
              ويحي لن أسامح نفسي مطلقا على هذا العقوق غير المقصود
              سأعود لقراءة رؤيتك فورا بعد أن أكتب اعتذارا آخر
              أشكرك كثيرا سيدتي
              ولي عودة نصية لك
              ودي ومحبتي لك أيتها الكبيرة بهذا العطاء

              أكره ربيع

              http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=67177
              [align=center]
              أختي المبدعة عائدة محمد نادر
              أسعد الله مساءك بكل خير
              العفو يا سيدتي, أرجوك لا تعتذري مني. فقد عرفت نبل أخلاقك من خلال كتاباتك وردودك على قرائك..
              أعتذر منك أيضا كوني لم أبعث لك رابط القراءة, وهذا تقصير مني, واكتفيت بانتظار ردك, انتظرته بلهفة لأن رأيك حول القراءة يهمني كثيرا..
              كانت الأمسية شيقة للغاية, تفاعل الحضور مع أحداث القصة وبطلتها بشكل كبير.. افتقدنا وجودك معنا يومها, بسبب العاصفة الثلجية..
              كانت دواعي اختياري لنص "أكره ربيع" كالتالي: لقد قرأت مجموعة مهمة من قصصك, ووجدتها تجول بنا في دروب الواقع: الأحداث والمستجدات والأحاسيس والحب والحياة....
              تأخذيننا إلى كل المواقع, فنجد أنفسنا في دروب الخيانة والقتل حيث تشمئز النفوس مع أحداث قصة "همس".. وثم تنتقلين بنا إلى ساحة من ساحات العراق الجريح حيث الدمار والقتل والدم والأشلاء, فنتألم ونتوجع وتتوتر أعصابنا ونحن نسمع صراخ بطلتك الوليدة في قصة "لعنة"... وتعودين بنا إلى الحياة والحب, حيث تنخفض أنفاسنا وتعلو الابتسامة محيانا مع أحداث قصة "أكره ربيع"... في هذه المحطة وقفت طويلا وأحببت أنا وزميلي القدير الأستاذ صادق حمزة منذر أن نستكشف ونقدم للقراء هذا الجديد في عالم عائدة القصصي.. أرجو أن نكون قد وفقنا في ذلك.
              دام لك التألق
              [/align]

              تعليق

              يعمل...
              X