قلب فأر / ربيع عقب الباب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    قلب فأر / ربيع عقب الباب


    قلب فأر / ربيع عقب الباب

    كان مستغرقا فى تفكير حاد ، يلفه بكآبة قاسية ، يفتش فى نفسه عن الأسباب و
    المسببات . يشعر بدوارحاد .. حاد ، يدور رحاه ؛ كأن ضربات من نعال تنهال على
    رأسه ، و مطارق تدوي فى فراغ جمجمته .
    بعناد يقاوم ، يرجف وجعه ، يبادر للذود عن بقية كبرياء ، يتراجع .. يتراجع متخاذلا ،
    طاويا جناحيه المنكسرين ينهار ، خائرالقوي .. تتساقط حبات عرق دافئ ، يصاحبها
    لهاث ممتد .. ممتد ، يملأ مساحات الهواء ،كأنه قلبه هو .. ينتابه غثيان ، يطير حاملا
    معدته !

    يغوص حتى أذنيه ، فى خضم بحر هادر ، يستشعر ضربات والده ، و هى تصعقه ،تدمر
    عوده الصغير ، فيجرى كفأر مختبئا خلف ظهر جدته ، تنهره بقسوة ليست غريبة عليها
    :" عدي يامنجوس .. ما تخافشى إلا بعينيك ".

    يتفتت بدنه :" خلاص يابا .. حرمت .. حرمت و الله ". لكن ضربات يكيلها الأب ، لا
    تنتهي عندحد ، كأنها عذاب قررته الآلهة ، يتجمهر المارة ، يشكلون سدا حائلا بين
    الطفل واللطمات .
    هاهو يصرع أحد خصومه ، فى مبارزة يشهدها العالم كله ، عبر الأقمار الفضائية . يكاد
    يفقد إحساسه بنفسه ، يعلو به الهواء ، ثم يهوي إلى سحيق .
    يصفق الجمهور ، يطغى التصفيق ، تضج القاعة ، مطارق و لعنات كانت تدمي ، تنتهك
    كل تضاريسه ، تتداعى إرادته ، ينال منه خذلان حد الرواح .

    يستجمع فتاته ، مكابرا يقاوم ،يعاند خوفه الزاحف كعنكبوت ، يذري قوته هباء ، لا يدري
    أهو معلق فى رحى أم هى الأرض تروغ من تحته . خلية نحل تعشش فى جمجمته
    :" انهض .. هيا .. أنت الأقوى .. فوق .. فوق .. خذ ذراعه معك !!".

    يتمرد على مصيره ، تطيش محاولته ، تسقط روحه تحت بوابات المدينة ، تلك
    المأسورة بأكف غلاظ كمطارق ، وهراوات الكترونية ، وعيون بصاصيها تخترق الجلد و
    الأكباد ، وهزيز الأسرة داخل الخدور .

    أزيز الطائرة يصم أذنيه ، يسحق البقية الباقية ،يتلاشى فى فضاء شاسع ، حيث
    تنفلت أسئلة و إجابات متخاذلة ، تعلو عقيرة جهورية لأحدالعسكريين المسئولين :"
    جسم بطل عالم ، و قلب فأر ".
    يصرخ :" لست فأرا .. لست فأرا .. ابعد وجهك القبيح عني .. إنك تشل إرادتي ،
    تقتلني بتصرفاتك الكريهة ".
    يتحدى بقاياه . تعلو الضربات رأسه .. ضربات .. طنطنات ، يفتر حماسه ، تزاحمه صور
    وحشية ، تسحق روحه .. ينتشي خصمه ، تضج القاعة بالتصفيق كمطارق ووخزات :"
    ابعدوهم عني ".
    كاب و عقيرة لمسئول :" جسم بطل عالم ، و قلب فأر ".

    تذوب كل الأصوات ، يحل هدوء عجيب ، يخبو ذاك الضوء ، تتبعثر حروف اسمه تحت
    الأرجل ، يحطم رقما قياسيا فى صلابة الرأس ، يفل فولاذ جبابرة :" جسم بطل عالم
    ، و قلب فأر ".
    المدرجات تصفق ، فى إيران تهتف باسمه ، ميدالياته الذهبية تخطف لون وجهه ،
    تمتصه كحلم غامض . جاكسون الألماني يركع أمامه فى بون ، يعلو الهتاف ، يعانق
    السماء و المدي و ذاته المحلقة .. فى السويد ، النرويج .. تصفيق متزايد .. وميدالياته
    تأخذ مكانها هناك ،فى حضن القمر ، يرتفع طنين .. يرتفع بعيدا ، عبر بلادة القلوب ،
    وأرواح الجواسيس . فى بطولة إفريقيا ، بطولة إبراهيم مصطفى ، كانت المرة العاشرة
    ، نال ذهبية جديدة .. وجديدة ، الأول كان ، والجمهور فى صخب و غضب :" فرق القوة
    يؤهله ".
    :" قل فرق الروح ؛ فالقوة ما عادت ميزانا للقياس ".
    :" لا .. من يقول .. كان ينتهى منه ، لفه جيدا .. لا أدري كيف حدث ذلك ".
    :" ياخسارة !!".

    ميدالياته هنا .. وهناك ، تسبق خطواته ، تشاغله ، كأنها تغلق عليه
    المسافات ، يتنفس بصعوبة :" كيف يكون معسكرنا فى مستنقع .. كيف ، بطوننا
    تعفنت ياكابتن .. حرااام ".
    يحدقه ، وهو يلتهم كتلة لحم ، و يزدرد كأسا مترعة :" لا أستطيع السفر .. لا أستطيع
    ".
    :" نحن من يقول .. و ليس أنت .. تسافر مع الفريق ".
    :" أنا مصاب ، لن أستطيع فعل شيء .. لن ".
    :" يابن الكلب ... عمركم تبوسون الأيدي من أجل التمثيل الدولي .. الآن تنسى
    نفسك .. ماذا جري لك ؟".

    ذهبت كلماته أدراج الريح . ليس فى جعبته شيء .. يظن هذا ، و هو أدري بنفسه ..
    يلازمه هذا الوهم .. لا أذن تسمع له ، و ضاع ضياع المشنقة على الرقبة .

    نازل خصمه اللدود " بسيوني " ، للمرة العشرين يصفي معه ، فاز عليه فى المرات
    السابقة ، الآن انهار أمامه ، كان عصفورا بين يديه ،فتك بسيوني بقدمه اليمني :" لن
    أستطيع تحقيق شيء ، بسيوني جاهز للسفر ".
    :" أنت من سيسافر ، أنت مدرب و فى كامل لياقتك ، أماالإصابة فأمرها سهل .. لا
    تحمل هما ".
    : ماالذي جرى لك .. أنت مجنون ".
    :" كيف ترفض ؟ ".
    :" أعرف أنهم استهلكوك فى التصفيات المحلية ، لكنك قادر على إحرازالذهبية .. قادر
    ".
    :" انظر .. ياله من حيوان جريح .. لن يستطيع شيئا ".
    :" جسم بطل عالم ، و قلب فأر .. جسم .........".
    :" الرجا من السادة الركاب ربط الأحزمة .. نحن الآن فوق سماء القاهرة .. مصر
    للطيران تهنئكم بسلامة الوصول ".

    القاهرة خرافة أحلامه ، نزح إليها مغمورا بآمال، قهر أول ما قهر هذه المدينة ، قهر
    وقارها الغامض ، أنانيتها ، سطوعها اللئيم ،نرجسيتها ، عهرها الدفين ، أنصاف
    موهوبيها المتوجين ، شموسا عالية قهرها .
    يهتز جسده بعنف ، تتحرر دموعه .. القاهرة .. لكم انحنى لاسمها ، فى سبيلها
    تحمل مأساته الكبرى ، حيث كانت ماسته ، وفى كل مرة ما كان يجد سوى النكران ..
    أما هى فتحصد أوسمة معاناة .. فى أكتوبر ، كان و الأسطورة ، وكانت هى فى ذعر
    مقيم ، تبكي نفسها ، أصداء المعركة تطن ، ضربات الأب الظالمة ،لعنات المسئولين .
    فى إيران .. بون .. جاكسون يركع ، يتوسل ، يجثو .. جليموند يكيل له الضربات ، "
    اسبيليت " نهايته ، لكم يكرهها .. بسيوني . أصبح منهبة الجميع ، هاهو يفتك به ،
    لأول مرة يتغلب عليه أحدهم بتثبيت الأكتاف : " جسم بطل عالم و قلب فأر ".
    :" الطائرة المسافرة ............. فى رحلتها رقم ....... إلى القاهرة
    اندلعت فيها النيران .. مما اضطرربانها ........ ". أمنية خرقاء !!
    ------------------------

    لقد عانت البشرية من التسلط والاستبداد منذ بدء الخليقة ولم يتوقف ذلك حتى
    يومنا هذا , فقد عمد الإنسان ما أن وجد لديه تفوقا في القدرات لفرض إرادته
    والتسلط حتى على من هم تحت مسؤوليته أولا وهذا كان تبعا للموقف البدائي الذي
    تفرضه الطبيعة في تسلط الأقوى دائما وفي جميع المجتمعيات الحية على اختلاف
    صنوفها ..

    ورغم تقدم الإنسان وتطوره في مواجهة الطبيعة والحد من تأثيرها عليه إلا أن
    طبيعةالإنسان البشرية كانت تحمل آفة التسلط والاستبداد من خلال عملية تأقلمه مع
    البيئة المحيطة بحيث كان شططه واستخدامه المفرط لسلطته يزداد كلما أتيحت له
    الفرصة ..


    وانتقل ذلك السلوك من الفرد إلى الهيئات والجماعات والمجتمعات بحيث تفاقمت
    حدة الاستبداد والظلم وازداد شراسة ووحشية واستمر حتى يومنا هذا , ونستطيع أن
    نلمس هذا بغاية الوضوح في ممارسات وسلوك وسياسات الكثير من الدول الكبرى
    ضد الدول الصغرى .. والدول الأكثر قوة وتقدما وتحضرا ضد الدول الأضعف والأقل
    تحضرا فحتى الآن مازال القوي يفرض إرادته ويكون الهيئات والمؤسسات الدولية
    والمحلية التي تخدم مصالحَه وتشرعنها ..

    وعلى مستوى الأفراد والجماعات والدول بقيت القوة والسلطة تفرض هيبتها وتمتلك
    الحقوق المشرعنة لاستبدادها وتسلطها .. وفي مجتمعاتنا العربية خاصة .. كان

    الاستبداد والتسلط الأسري ترعاه أعراف وقوانين متخلفة ومتزمتة وبالية تغلفها عادات
    تديّنية زائفة تسمح للأب بالتجاوز على حقوق المرأة والأولاد وامتهان كرامتهم
    واستباحة حقوقهم بلا أي رادع اجتماعي عرفي أو قانوني ..

    ولم يتوقف هذا المرض على المجتمعات المتخلفة فقط بل إنه امتد إلى
    المجتمعات المتقدمة رغم تشدد القوانين والتشريعات الاجتماعية لحماية
    الضعفاء ( المرأة والطفولة ) وهكذا شكل الاستبداد والتسلط والظلم العقدة
    الكأداء أمام الباحثين والمفكرين والهيئات الاجتماعية والقانونية الدولية حتى
    يومنا هذا , وما زالت الدراسات تبحث في أصل هذه النزعة المرضية والسبل

    الناجعة لحلها ..

    وفي هذه القصة شكل القهر النفسي وعقدة الاضطهاد العامل الحاسم في تكوين
    شخصية البطل وقد طرحت القصة عناوين عامة مهمة :

    1- التسلط والاستبداد الأسري ضد الطفولة , حيث صورت القصة المعاناة النفسية
    والحياتية التي تكتنف الطفولة في بلادنا إضافة إلى الكثير من العلاقات الاجتماعية

    والتربوية غير الصحية , والمرضية في كثير من الأحيان حيث تعرض الطفل لما يفوق
    قدرته على الاحتمال مما يؤدي إلى نموه بشخصية مشوهة تحمل الكثير من العقد


    2- الاستبداد والتسلط الوظيفي المجتمعي , حيت ينتقل التسلط هنا إلى كل من
    يحمل المسؤولية ليسيء استخدام سلطته واليتسلط على كل من يقع تحت سلطته
    بدأ من المدرس الذي يمارس التجاوزات الكبيرة في بلادنا مرورا بالشرطي والموظف

    الحكومي وشبه الحكومي حتى وإن كان مسؤول تنظيمي أو إداري في مؤسسة
    رياضية ..

    3- التمييز العنصري المجتمعي ( المناطقي ) حيث يؤسس الشعور بلانتماء نوعا من
    التصنيف المناطقي والفصل الديموغرافي بين المناطق المتلاصقة إداريا والممتدة من

    المركز باتجاه الأطراف .. وهذا ربما شكلا نوعا من التنافر والتعالي من المجتمعات
    الأكثر مدنية ضد الأرياف الأرياف لتشكل العاصمة أسطورة لهم ..

    وقد سلطت القصة الضوء على قضايا مجتمعية وتربوية أخرى :

    1- التنافس في المجتمع العام المفتوح والمقنن ( الرياضي ) وكل ما يحيط بهذا
    التنافس من علاقات غير صحية وغير عادلة كذلك خضوع هذا التنافس لشروط غير
    شريفة تتيح لأنصاف الموهوبين بتسيد الموقف وترمي بأصحاب الكفاءات خلف
    الأحداث مما يؤدي إلى الخسارة المجتمعية وتراكم الأخطاء المعيقة لأية حلول


    2- الأسس غير العلمية وغير المنطقية وغير العادلة للأحكام لدى الجمهور
    والأفراد في القضايا العامة والوطنية حيث تدفع الثقافة المحدودة والمتدنية
    أحيانا للجمهور وللكوادر المجتمعية الفاعلة وكذلك كفاءاتهم المتواضعة إلى
    سقوط الهدف من الفعاليات الاجتماعية الثقافية والرياضية بحيث تنحرف
    بالجمهور إلى منزلقات أكثر خطرا ومرضا على الفرد والمجتمع ..


    3- غياب المؤسسات الفنية المتخصصة لتوجيه وقيادة الفعاليات الاجتماعية المدنية
    الرياضية وغيرها .. على أسس علمية وتقنية عالية وسيادة المحسوبيات في مجالات
    الرعاية والتربية البدنية والذهنية للفرد في المجتمع ..


    4- الفساد المجتمعي والحكومي الذي يؤدي إلى تغييب الكفاءات عن مواقع الإنتاج
    الفكري والاقتصادي والسياسي القيادي .. ويدفع بالمتسلطين إلى المزيد من
    القرارات غير الخاطئة وغير المدروسة في بناء الدولة والمجتمع ..

    كانت القصة ذات جانبين نفسي واجتماعي رسمت معالم الشخصية الأولى في
    القصة والتي تعمد الكاتب أن يبقيها بلا إسم .. ليدلل على أنها شخصية اجتماعية
    لا على التعيين من هذا المجتمع المريض .. فهذه الشخصية المرضية لم تحمل
    صفات خاصة بل ربما أغفلت هنا الصفات الخاصة لصالح الصفات السلوكية العامة
    وكذلك نلاحظ أن العلاقة بين المجتمع وهذه الشخصية كانت معقدة ويشوبها الكثير
    من التناقض والإشكالات التي أدت بالشخصية لتمني الموت والرحيل عن هذه الحياة


    وقد برزت تقنيات القص والمهارات العالية لدى الكاتب في القفز فوق الزمن
    واختراق التسلسل السردي المشهدي مع الحفاظ على هيكلية وضوابط
    الحدث والصورة والشخصيات في إيقاع سريع لم يتوقف حتى النهاية واستمر
    التشويق المبتكر على هامش الأحداث حتى النهاية رغم هذه النهاية غير المشجعة

    وغير المفاجئة بالقدر القياسي ..

    ونسجل أيضا أن العنوان كان تهكميا ساخرا تبناه النص في توصيف الشخصية
    الرئيسة من قبل أعدائها نفسيا واجتماعيا .. وأظن أن الكاتب أراد أن يقدم شخصية
    تكاد تكون نموذجية في المجتمع الاستبدادي المتخلف حيث تظهر نجومه بمظاهر
    خارجية سطحية لامعة في حين أن محتواها مخز ومتدن ومتهاو ..


    تحيتي وتقديري للكاتب المبدع الأستاذ الربيع على هذه المحاولة الجريئة
    في اقتحام ميدان يصعب تناوله في قصة قصيرة بهذا التماسك وهذه الشفافية


    مجلس النقد





  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2
    قــــــراءة
    قلب فأر!!
    عندما قرأت هذه القصة تبادر إلى ذهني سؤال توقفت عنده و لم أجد له إجابة و السؤال هو لماذا نكتب ؟ و تحديدا أمام هذا النص بالذات أسأل لماذا نكتب القصة ؟ هل الكتابة هي متنفس عن أشياء دفينة داخلنا تطفو على السطح عندما يعترينا حال الكتابة ؟ أم هل هي تحليل لواقع نعيش أحداثه و نريد إدراك جذورها الممتدة في الذاكرة الجمعية و الفردية ؟
    إذا اعتبرنا أن الكتابة هي متنفس و محاولة لإدراك واقع أيقظ ما في الذاكرة فبماذا يستنفع المتلقي عند قراءة النص؟ في هذه الحال لا يعدو النص أن يكون وجهة نظر فردية معاشة أو مرصودة على مستوى المجتمع نقل أحداثها القاص و كتبها بأسلوبه الشخصي بعد أن حملها بصمته المميزة ككاتب قصصي له رؤيته و معجمه اللغوي الخاص به ليبقى السؤال مطروحا ما هو الناتج النفعي الحاصل للقاريء؟
    كل هذه الأسئلة طرحت نفسها تبحث عن جواب و في حقيقة الأمر لم أبحث طويلا عن إجابات لأن الأمر يطول لكني أطرحها في محاولة مني و معكم أن نجد بعض جواب أو بعضا من رؤية تجعلنا نقدم شيئا يمكن أن نستفيد منه جميعا .
    في حقيقة الأمر النص هو من أثار فيَّ كل هذه الأسئلة و أخرى تتعلق بالفكرة و تناولها من قبل الكاتب لنطرح سؤالا آخر هل نستطيع أن نجعل للفكرة روحا في النص ؟ بمعنى هل نستطيع تكوين نسيج متناسق الألوان و الأحداث في الزمن و متماسك مع المعنى و الفكرة و بنية النص على مستوى اللغة و أن يكون هناك منطق وهو هذا الخيط الرفيع الذي يكون الأساس الذي يرتكز عليه النص ليكون متوازنا و يستطيع العقل أن يدركه بسلاسة لتكون معالم الفكرة واضحة و جلية تفصح عن مضمونها بلغة تتبناها و تحتضنها ليكون الإبداع حاضرا على مستوى الزمان و المكان و الحدث و اللغة ؟
    للفكرة منطق يفرض الزمان و المكان ليكون الحدث هو تواصل يجعل المعنى يتماسك مع البناء اللغوي ليكون هناك وضوح في رؤية يريدها الكاتب فاعلة و متفاعلة في المتلقي .
    إذا غاب هذا الوضوح أصبح النص ضبابيا متشظي على مستوى اللغة و الفكرة و هذا يرهق المتلقي و يجعله يركض وراء الأحداث و الزمن و ليلملم شظاياها و يكوِّن الفكرة او المعلومة التي أراد الكاتب طرحها ... هكذا يكون النص كقطعة (ليقو) تستوجب وجود الصورة الأصلية حتى نستطيع أن نركب القطع المتناثرة لنجد أن الفكرة تضيع في منعرجات النص الملتوية و التي ليس لها لا أول و لا آخر و هذا ما أعبر عنه بالنص ذو التمشي على خط مستقيم لا نعرف بدايته و لا نهايته ليكون المحمول في طياته صورا و أحداثا معالمها ضبابية تتابع و لا تتواصل .
    النص الذي أمامي هو مثال جلي لما كنت أتحدث عنه وهي رؤيتي الخاصة للكتابة و للقراءة لأني أعتبر أن القراءة تكون دائما قبل الكتابة لا أبد أن أقرأ الفكرة و التي من طبيعتها تستوجب منطقا له تسلسل واضح في الزمان و المكان و مشاعر تعبر عن وجدان الكاتب و حال لحظة الكتابة ,لأقول أن للكلمة حياة وهي التي تجعل للنص روحا تأثر في المتلقي تكون إيجابية و فاعلة فيه ليصبح للقراءة معني يبني الإنسان و لا يهدمه و يكون ذلك على مستوى المنطق و الفكر و اللغة .
    أنا أمام نص بعنوان و قلب فأر و ضع الكاتب المتلقى أمام مفارقة صعبة فالقلب هو اشرف الأعضاء يحتوي في طياته أشرف و أنبل المشاعر ألا وهو الحب وهو النابض بحياة إن فقدت كان الموت.... يجد القارئ نفسه أمام قلب فأر هذا الحيوان المعروف بنجاسته و منظره المقزز وهو القاطن في أنفاق يحفرها في باطن الأرض لتكون متاهات ينافق بها أعدائه حتى لا يتوصلوا إلى الإمساك به لضعفه و عدم قدرته عن الدفاع عن نفسه
    بعد العنوان الذي يوهمنا أن النص يتحدث عن فأر نجد أنه يتحدث عن إنسان له فكر و مشاعر و قادر على التفكير و الإحساس بأعراض جسدية يتألم لها ليكون كفأر ملاحق بضربات نعال تنهال على رأسه و جمجمته الفارغة لنقول... هل نحن أمام إنسان أم فأر هارب من سياط تلسع جسده؟ فتشبيه الإنسان بالفأر هو تحقير أشرف خلق الله تعالى مهما كانت ردة فعله و التي يمكن أن تشبه الحيوان ..... لعل الكاتب أستحضر مقولة أن الإنسان حيوان ناطق و أقول النطق هو ميزة أكرمنا بها الله تعالى لتكون لنا أداة علم و فكر و تعبير عن أنبل المشاعر و أرقاها ليس لتجعلنا نشبه الحيوان فنفقد المنطق الإنساني الفاعل و تكون لنا ردة فعل على أفعال يغيب عنها العقل و تخضع للحركة و التي هي عنف متأصل في الحيوان الفاقد للمنطق و النطق, فغريزة الحياة هي التي تجعله يدافع عن وجوده ضد من يريد افتراسه و هنا أجد نفسي أمام أب فقد وجوده الإنساني المفكر ليكون آخر غائب عنه الوعي أمام فريسة يريد تغيير معالمها بالقوة و إخضاعها لحركة نفسه الطاغية ...
    و السؤال هل هذه هي الصورة التي نريد ترسيخها عند المتلقي ؟ ما قيمتها الفعلية و الجمالية على مستوى الحركة و اللغة و الصورة ؟
    هي مأساة الإنسان الفاقد للعقل الذي يستطيع أن يميز و يبتكر أدواة أخرى غير العنف قادرة على تغيير الفعل على الأرض برشد و منطق و عقل واع يقول الكاتب
    كان مستغرقا فى تفكير حاد ، يلفه بكآبة قاسية ، يفتش فى نفسه عن الأسباب و المسببات . يشعر بدوارحاد .. حاد ، يدور رحاه ؛ كأن ضربات من نعال تنهال على رأسه ، و مطارق تدوي فى فراغ جمجمته.
    بعناد يقاوم ، يرجف وجعه ، يبادر للذود عن بقية كبرياء ، يتراجع .. يتراجع متخاذلا ، طاويا جناحيه المنكسرين ينهار ، خائرالقوي .. تتساقط حبات عرق دافئ ، يصاحبها لهاث ممتد .. ممتد ، يملأ مساحات الهواء ،كأنه قلبه هو .. ينتابه غثيان ، يطير حاملا معدته
    يشبه الكاتب الطفل بالفأر هل هو حقا كذالك ؟ صورة مستفزة و قبيحة لها مفعول الصدمة لهول الصورة الراسخة في الشراسة و العنف اللفظي و المادي و التي يجسدها الأب لتشمل ردة فعل الطفل الحيوان الضحية ..... تعلمنا أن القراءة متعة تحمل في طياتها معاني سامية يتربى عليها أجيال هل للقصة هذه المواصفات ؟
    و يقول الكاتب
    يغوص حتى أذنيه ، فى خضم بحر هادر ، يستشعر ضربات والده ، و هى تصعقه ،تدمر عوده الصغير ، فيجرى كفأر مختبئا خلف ظهر جدته ، تنهره بقسوة ليست غريبة عليها:" عدي يامنجوس .. ما تخافشى إلا بعينيك".
    يتفتت بدنه :" خلاص يابا .. حرمت .. حرمت و الله ". لكن ضربات يكيلها الأب ، لا تنتهي عندحد ، كأنها عذاب قررته الآلهة ، يتجمهر المارة ، يشكلون سدا حائلا بين الطفل واللطمات
    العنف حركة خارجة عن الوعي الإنساني تجعل من يتلقاه يتشظى يفقد كل مقومات العقل و الفكر و يصبح مشلول الإرادة يفقد زمام المبادرة يتصرف بغريزة البقاء فتراه يهرب ليحتمي من سياط تلهب جسده يمتلكه الخوف و الجبن فيكذب و ينافق و يسرق و يقوم بكل الأفعال السلبية و الخبيثة في محاولة منه لحماية فكره من الاغتصاب و جسده من العنف هل هذا ما نريد ترسيخه و الاستسلام له كفكر و نحن أمة اقرأ ؟ هل هذه هي القراءة التي تجعلنا نرتقي بالعمل و الفكر؟
    ينتقل الكاتب من مكان الحدث إلى زمان آخر يجد القاريء نفسه أمامه و كأنه أمام الجزء الثاني من قطعة لليقو لتتطلب منه إعادة تركيب مفرداتها حتى تكتمل مع القطعة الأولى و هذا التشظي للنص يرهق القارئ و يشتت الفكرة في ذهنه و يفقده التركيز عدى انه يوحي بتقطيع للنص لنجد أننا أمام شظايا حدث و شظايا زمن و شظايا فكرة كلها تستوجب فتق و رتق حتى تتواصل الفكرة و تكتمل و يقول الكاتب
    .
    هاهو يصرع أحد خصومه ، فى مبارزة يشهدها العالم كله ، عبر الأقمار الفضائية . يكاد يفقد إحساسه بنفسه ، يعلو به الهواء ، ثم يهوي إلى سحيق.
    يصفق الجمهور ، يطغى التصفيق ، تضج القاعة ، مطارق و لعنات كانت تدمي ، تنتهك كل تضاريسه ، تتداعى إرادته ، ينال منه خذلان حد الرواح.
    يستجمع فتاته ، مكابرا يقاوم ،يعاند خوفه الزاحف كعنكبوت ، يذري قوته هباء ، لا يدري أهو معلق فى رحى أم هى الأرض تروغ من تحته . خلية نحل تعشش فى جمجمته :" انهض .. هيا .. أنت الأقوى .. فوق.. فوق .. خذ ذراعه معك!!".
    يتمرد على مصيره ، تطيش محاولته ، تسقط روحه تحت بوابات المدينة ، تلك المأسورة بأكف غلاظ كمطارق ، وهراوات الكترونية ، وعيون بصاصيها تخترق الجلد و الأكباد ، وهزيز الأسرة داخل الخدور
    التشظي لا يطال الفكرة و المنطق و الصورة و الزمان و المكان بل أيضا اللغة لتستعمل مفردات بعيدة كل البعد عن سياق النص ليقول الكاتب (يغوص حتى اذنيه في خضم بحر هادر) و يقول الكاتب في فقرة أخرى من النص
    أزيز الطائرة يصم أذنيه ، يسحق البقية الباقية ،يتلاشى فى فضاء شاسع ، حيث تنفلت أسئلة و إجابات متخاذلة ، تعلو عقيرة جهورية لأحدالعسكريين المسئولين :" جسم بطل عالم ، و قلب فأر".
    يصرخ :" لست فأرا .. لست فأرا .. ابعد وجهك القبيح عني .. إنك تشل إرادتي ، تقتلني بتصرفاتك الكريهة".
    يتحدى بقاياه. تعلو الضربات رأسه .. ضربات .. طنطنات ، يفتر حماسه ، تزاحمه صور وحشية ، تسحق روحه.. ينتشي خصمه ، تضج القاعة بالتصفيق كمطارق ووخزات :" ابعدوهم عني".
    كاب و عقيرة لمسئول :" جسم بطل عالم ، و قلب فأر
    ينتقل الكاتب من مشهد لآخر ليجعلنا نبحث عن تواصل يكمِّل بناء الفكرة و المنطق نلتجيء إلى النص فنراه صورة من شظايا الفكرة و منطق يُفقد فيه التواصل لنجد و كأننا أمام بناء نقيمه لنعيد هدمه و بناءه من جديد ولنقرأ معا هذه الفقرة لنجد أننا أمام مفردات تتواجد على السطر بدون تواصل و كأنها فاقدة لمعناها كبطل القصة و ككل أحداثها المتتابعة و حركة أبطالها في الزمان و المكان يقول الكاتب :
    تذوب كل الأصوات ، يحل هدوء عجيب ، يخبو ذاك الضوء ، تتبعثر حروف اسمه تحت الأرجل ، يحطم رقما قياسيا فى صلابة الرأس ، يفل فولاذ جبابرة :" جسم بطل عالم ، و قلب فأر
    قراءتي هذه لم تشمل كل النص بل حاولت أن أتناول عينة منه وهي ليست نقدا بل هي قراءة لفكرة النص و بناءها على مستوى المنطق و اللغة و من خلال هذه القراءة تبادرت إلى ذهني أسئلة طرحتها لعلي أجد الجواب عندكم .لأني قبل أن أقدم قراءة نقدية اطرح هذه الأسئلة على نفسي و أحاول الإجابة عليها ماذا سأقدم من خلال قراءتي للمتلقي من معلومات تفيده على مستوى الفكر و المنطق و اللغة و جمالية الصورة و التي تهذب الذوق الأدبي و تبني الإنسان و بيانه ليكون النص المكتوب لوحة فنية يتمتع بها حس و ذوق القاريء و أيضا تغذي عقله و فكره.

    تعليق

    • زهور بن السيد
      رئيس ملتقى النقد الأدبي
      • 15-09-2010
      • 578

      #3
      قراء ة في قصة "...وقلب فأر" للكاتب ربيع عقب الباب
      [align=right]
      القصة تعرض حدثا واحدا هو المبارزة, وتعكس الحالة النفسية للشخصية المحورية, نتيجة تربية أسرية قائمة على القهر والعنف الجسدي والنفسي, ونتيجة السلطة الممارسة عليها من طرف المسؤولين في الفريق الرياضي الذي تنتمي إليه. وهذا ما انعكست تبعاته سلبا على حياة البطل, والنتيجة أن حاصرته المهانة والسقوط والفشل.
      لقد وجد البطل نفسه على حلبة مبارزة صعبة, لم يقتنع بالمشاركة فيها, لأنه لم يكن مؤهلا إليها نفسيا وجسديا. نفسيا لأن الإحساس بالإحباط والهزيمة والضعف النفسي كان يلازمه, بسبب ترسبات سابقة تعود إلى التربية العنيفة التي تلقاها في صغره. وجسديا بسبب الإصابة في مبارزةسابقة مع مواطنه بسيوني الذي نكل به وهزمه. أما مشاركته في مبارزة خارج الوطن فكانت بقرار من المسؤولين في فريقه دون رغبته في ذلك.
      النتيجة: صراع داخلي وصراع مع خصم متمكن قوي, ومعاناة نفسية وجسدية شديدة تنتهي بالتراجع والانهيار والهزيمة.
      وتعكس المتواليات السردية دلالات معرفية عديدة ترتبط باستبطان العالم الداخلي للشخصية الرئيسية في النص, فيغوص الكاتب إلى أعماقها, كاشفا عن مشاعرها وأحاسيسها ورغباتها, مبينا حالات الانهزام والاستسلام والقهر الذي تعيشه.
      إذا تأملنا أحداث النص ووقائعه نجد أن الفكرة المحورية تصل إلى رصد مجموعة من الاختلالات التي تعرفها مجتمعاتنا العربية, والتي نستخلصها في شكل مواقف أعلنها الكاتب بكثير من السخرية والرفض:
      ــ الموقف من التربية الأسرية ومن الوسط العائلي:
      يقدم الكاتب نقدا صارخا لتربية الأبناء السائدة في مجتمعاتنا العربية والقهر المسلط على الأطفال, فالتربية القائمة على الضرب والإهانة والتحقير, ترسخ فيهم الإحساس بالدونية والإحباط, وتؤثر سلبا في تكوين شخصياتهم. لقد تلقى البطل في صغره معاملة قاسية جدا وتعنيفا شديدا من أقرب الناس إليه "الأب", تركت في نفسه جرحا عميقا وأثرا سلبيا وزرعت فيه الخوف والتردد والإحساس بالدونية والانهزامية, فها هي اليوم تجر عليه ذيول الخيبة والانكسار وهو في أمس الحاجة إلى شخصية قوية وثقة بالنفس, فقد كان تحت ضربات خصمه يعيد سيناريو ضرب والده له, وحينها كان صغيرا لا يستطيع فعل شيء:
      "يغوص حتى أذنيه, في خضم بحر هادر, يستشعر ضربات والده, وهي تصعقه, تدمر عوده الصغير "
      ما حجم الجرم الذي ارتكبه الطفل ليستحق كل هذا العقاب الهستيري, وهذه المعاملة الوحشية:
      يتفتت بدنه: "خلاص يابا.. حرمت.. والله" لكن ضربات يكيلها الأب, لا تنتهي عند حد, كأنها عذاب قررته الآلهة, يتجمهر المارة, يشكلون سدا حائلا بين الطفل واللطمات.
      تربية كانت قائمة على التحقير سواء بالألفاظ النابية الموجهة إليه والتي سلبته الكثير من كرامته, كما جاء على لسان الجدة التي احتمى بها"عدي يا منحوس.." أوبالضربوالإذلال أمام الناس (المارة) وهو ما يفقد الإنسان كبرياءه: (يتجمهر المارة, يشكلون سدا حائلا بين الطفل واللطمات.)
      الخلاصة: تجسيد وانتقاد للانتهاكات والتجاوزات ضد الطفولة في مجتمعاتنا,
      الموقف من المسؤولين:
      ينتقد الكاتب بشدة الممارسات التي يقوم بها المسئولون والقيمون على قطاعات حيوية في البلد, ففي المجال الرياضي لا يتم الاحتكام إلى قدرات ومؤهلات المشاركين, وإنما لأهواء هؤلاء الذين تتحكم فيهم اعتبارات أخرى خارج نطاق الرياضة, كشف الكاتب عن بعضها وبقي البعض خفيا, فبطل النص مثلما مورست عليه سلطة الأب القاسية في الصغر, مورست عليه أيضا سلطة المسؤولين, لقد قرروا وفرضوا عليه المشاركة في بطولة خارج الوطن, حتى وإن كان لايجد في نفسه القدرة على خوضها. فتتم مصادرة حقه في التقرير:
      "يحدقه, وهو يلتهم كتلة لحم, ويزدرد كأسا مترعة "لا أستطيع السفر.. لا أستطيع."
      نحن من يقول.. وليس أنت .. تسافر مع الفريق."
      أنا مصاب, لن أستطيع فعل شيء.. لن."
      "يا ابن الكلب عمركم تبوسون الأيدي من أجل التمثيل الدولي.. الآن تنسى نفسك.. ماذا جرى لك"
      "أنت من سيسافر, أنت مدرب وفي كامل لياقتك, أما الإصابة فأمرها سهل.. لا تحمل هما"
      لا أحد يسمع كلامه ولا أحد يعيره أهمية, اتخذ القرار وعليه أن ينصاع للأوامر, تماما كما كان في الصغر مسلوب الإرادة, يقول له أحدهم: (أنت مدرب), ونقول نحن هو مدرب على السمع والطاعة, لا يقوى على الرفض. قوة جسمية لا توازيها قوة شخصية وروح.
      ونستخلص من هذه الأحداث عبثية المسئولين, فلا مبررات مقنعة لقراراتهم وسلوكاتهم , مما يطرح العديد من الأسئلة حول هؤلاء ومؤهلاتهم القيادية ونواياهم, فقراراتهم الخاطئة تعكس سوء التدبير والفساد في التسيير والقيادة.
      الموقف من الذات:
      يسجل الكاتب بكثير من الازدراء الموقف السلبي لبطل القصة, فالخذلان والسلبية والضعف.. إحدى الصفات الكاشفة لشخصيته, يصورها الكاتب أداة لا تمتلك قرارات نفسها, بل يستخدمها الآخر حسب أهوائه, مفروض عليها إنجاز ما يوكل إليها من مهام (المبارزة), وهي لا تستطيع الرفض أو إبداء الرأي, وحتى وإن حدث لا يأخذ بعين الاعتبار:
      "ذهبت كلماته أدراج الريح. ليس في جعبته شيء.. يظن هذا, وهو أدرى بنفسه.. يلازمه هذا الوهم.. لا أذن تسمع له, وضاع ضياع المشنقة على الرقبة"
      لعنة التحقير تلحقه في حياته, وهو بطل رياضي ولكن دون أدنى كرامة, يعامل بتحقير شديد من طرف أعضاء فريقه ويتم تجريده من إنسانيته وذلك بإلحاقه بصنف الحيوانات:
      "يا ابن الكلب" "انظر يا له من حيوان جريح.. لن يستطيع شيئا" "جسم بطل عالم, وقلب فأر.."
      فلا نجد لهذا الشخص موقفا قويا يشير إلى تدخله لوقف عملية استنزافه واستغلاله, هو يعرف أن كل ما يمارس عليه من سلطة ومصادرة رأيه, سيؤدي به حتما إلى السقوط والذل والإهانة, ومع ذلك لا يفعل شيئا لتجنب هلاكه وتحطيمه وإذلاله.
      ونقف هنا على انتقاد الكاتب الصارخ للذات, التي فقدت كل كرامتها وكبريائها, وأنها تتحمل جزءا من المسؤولية في يحدث لها.
      الموقف من المدينة/الوطن:
      يسجل الكاتب بكثير من الحسرة والحزن موقف البلدان والأوطان العربية تجاه أبنائها وكفاءاتها وما تقابلهم به تجاهل وإقصاء, في حين يفسح المجال أمام الفاسدين, وتمكينهم من مراكز القرار.
      فمدينة البطل "القاهرة" سلبته الحلم وحطمت آماله, وقابلت كل ما فعل وتحمل من أجلها بالنكران, , فتعرض فيها للإقصاء والتهميش, وقد تعمق هذا الإحساس في داخله كونه مسلوب الإرادة وعديمة القيمة والكرامة فيها, فحكم عليها بالزيف والجحود:
      "القاهرة خرافة أحلامه, نزح إليها مغمورا بآمال, قهر أول ما قهر هذه المدينة قهر وقارها الغامض, أنانيتها سطوعها اللئيم نرجسيتها, عهرها الدفين, أنصاف موهوبيها المتوجين..."
      "يهتز جسده بعنف, تتحرر دموعه.. القاهرة.. لكم انحنى لاسمها, في سبيلها تحمل مأساته الكبرى, حيث كانت ماسته, وفي كل مرة ما كان يجد سوى النكران.. أما هي فتحصد أوسمة معاناة..."
      ويعبر الكاتب عن هذه المواقف بأسلوب تهكمي, لإعلان رفضه لمجموعة من الممارسات في مجتمعاتنا, التي تستغل الإنسان أبشع استغلال, وتجرده من إنسانيته وتسلبه إرادته في التصرف وصنع مصيره.
      وتتضمن القصة موقفا تهكميا من شخصية البطل المترددة الضعيفة, فالسارد يتحدث باستخفاف وبسخرية عن البطل لأنه ضعيف ومنهزم, نجد ذلك عندما كان السارد يصف شرود البطل أثناء المبارزة وتلقيه الضربات من الخصم: " كأن ضربات من نعال تنهال على رأسه, ومطارق تدوي في فراغ جمجمته."أو عندما يستحضر قسوة والده عليه "...فيجري مختبئا كفأر خلف ظهر جدته, تنهره بقسوة ليست غريبة عنها "عدي يا منحوس"وخلال المبارزة كان يسمع الإهانات من الجمهور: "تضج القاعة, مطارق ولعنات كانت تدمي, تنتهك كل تضاريسه,.."وتعلو حدة هذه السخرية عندما يسمع من أحد العسكريين الحاضرين في المبارزة "جسم بطل عالم, وقلب فأر" "تضج القاعة بالتصفيق كمطارق ووخزات ": ابعدوهم عني" .... جسم بطل عالم, وقلب فأر"
      ويستخف كذلك بالمسؤولين ويسخر منهم كونهم لا مبادئ أخلاقية لهم, قراراتهم عشوائية, وأسلوب في التعامل مع غيرهم منحط.

      ــ ملء الفراغات:
      من الخصائص الفنية التي قام عليها هذا النص الفراغات والانزياحات, والتي تمكن القارئ من المشاركة في إعادة بناء النص وتفعيل دور القراءة. سأقف على بعض هذه الفراغات الكثيرة في النص:
      "بعاند يقاوم, يرجف وجهه, يبادر للذود عن بقية كبرياء, يتراجع ..يتراجع متخاذلا,...."هنا نستنتج أنه يواجه خصما عنيدا واثقا من نفسه, متيقنا من الفوز وهذا هو الفرق بين بطل القصة وخصمه,...
      "يغوص حتى أذنيه, في خضم بحر هادر, يستشعر ضربات والده....." يأخذنا الكاتب إلى الوقوف على الأسباب والمسببات التي أوصلته إلى حاله الإحباط هاته, العنف والقسوة التي كان يلاقيها من أقرب الناس إليه الأب والجدة, أما الأم فنستنتج من هذا المقطع أنها غائبة إما معنفة هي الأخرى ولا تستطيع حماية أبنائها من جبروت الأب, أوأنها غير موجودة في حيات البطل وترك لسلطة وقهر الأب العنيف.
      ــ الوصف والتصوير:
      اعتمد الكاتب تقنية الوصف في القصة بشكل كبير, ولعب دورا أساسيا في بناء النص, من خلال وظيفة التعريف بالشخصيات والكشف عن صفاتها الداخلية والخارجية .ووظيفة الكشف عن الأحداث وتصويرها والمساهمة في خلق التشويق والترقب. فقد أبدع الكاتب في تصوير هذه اللقطات, لوضع القارئ أمام حالة الانهيار والسقوط والخذلان التي عاشها البطل :
      " بعناد يقاوم, يرجف وجهه, يبادر للذود عن بقية كبرياء, يتراجع.. يتراجع متخاذلا, طاويا جناحيه المنكسرين ينهار, خائر القوى.. تتساقط حبات من عرق دافئ, يصاحبها لهاث ممتد..ممتد...."
      "يستجمع فتاته مكابرا يقاوم, يعاند خوفه الزاحف كعنكبوت, يذري قوته هباء, لا يدري أهو معلق في رحى أم هي الأرض تروغ من تحته. خلية نحل تعشش في جمجمته"
      "يتحدى بقاياه, تعلو الضربات رأسه.. ضربات طنطنات, يفتر حماسه, تزاحمه صور وحشية, تسحق روحه.. ينتشي خصمه, تضج القاعة بالتصفيق كمطارق ووخزات"
      وقد جاء الوصف في قصة "..وقلب فأر" مهيمنا, ما يجعلنا نقول إنه أداة أساسية في بناء العمل القصصي, لا كمجرد عنصر زائد كما تذهب بعض النظريات.
      لغة النص:
      اعتمد الكاتب لغة شفافة واضحة في معظمها, يطغى عليها المعجم النفسي, الذي مكنه من التغلغل في أعماق شخصياته, تتخللها كلمات عبارات من العامية المصرية. وتميز النص كذلك بتوظيف لغة وتعابير إيحائية تمارس تأثيرا قويا على المتلقي: (مطارق تدوي في فراغ ـ يتراجع طاويا جناحيه المنكسرين ـ يطير حاملا معدته ـ تتنتهك كل تضاريسه ـ تسقط روحه تحت بوابة المدينة ـ يعاند خوفه الزاحف كعنكبوت ـ ...)
      وأخلص إلى القول إن النص يقوم على وحدة الحدث "المبارزة", وهي خاصية من خصائص القصة القصيرة. وشخصية محورية نفذ الكاتب إلى أعماقها النفسية, وحاول من خلالها الوقوف على الكثير من الاختلالات في المجتمعات العربية في إشارة إلى غياب القيم الأصلية وسيادة القيم الزائفة.
      النص يتميز بالإثارة والتشويق التي تدفع المتلقي إلى الترقب والتفاعل مع الأحداث والشخصيات, الشيء الذي يجعل من هذا النص تجربة متميزة.
      [/align]
      التعديل الأخير تم بواسطة زهور بن السيد; الساعة 04-05-2011, 17:54.

      تعليق

      يعمل...
      X