يحدث أن يكذب الدخان / وفاء عرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    يحدث أن يكذب الدخان / وفاء عرب

    يحدث أن يكذب الدخان / وفاء عرب

    لم أذق طعم النوم طوال الليل، وهذا الصباح بطعم قهوة لا تشبه الإشراق.. إذ لم
    تنجح بتهدئة صراخ الأمس الذي مازال يتردد صداه؛ (حوار تلفزيوني ساذج
    هولوكست, هولو.. كست )
    الأوغاد جعلوها ذكرى سنوية ... وبعض الأصابع الغافلة لم تعد تحتفل بها
    فقط!.. بل أصبحت لا تصفق إلا لمحرقة صنعت بخرافة من دخان غرقد !..
    سحقا لهم ... لك ...أيها الشاهد زورا ، بعدد ما أورق الشجر وما أحرقوا..
    بعدد ما انتهى موقوفا عن الاخضرار..وما هشموا من فروعه.. وسقط من ورق
    على صقيع دخان دفن بشوك زهر... خنجر مسموم
    أه وجعلتم من رماد وهم وقوداً لأول غراب تصهين وعلق جذورا سلبت من
    تحت أقدام الأرض..
    أرمم أفكاري.. أواسيها؛ هي السياسة كل يوم تأتي بكومة قش تدخن أخبارا تثير
    ضحك الموجوع قيد جفاف أحلام تمضي لأقسى الغرق
    لقد تأخر الوقت لابد أن أغادر، أفتح مذياع السيارة فيأتي صوت مزعج يردد
    (أنا اكره إسرائيل والكل عارف ليه وإييه ). أنتقل إلى موجة أخرى؛ صوت
    مصطنع الألم (أكرهها وأشتهي وصلها وإنني أحب كرهي لها )
    فأقفله على الفور ...
    تبا لهذا الفن المتراقص على قلوب تنزف (وحل الجهل) بالطين وبكل أنوع
    الحقيقة، لماذا لا تردد الأوتار وتنكر ثم تحفر بالطيف على الضمير أسماء من
    رحلوا، ودفنوا في الحديقة الخلفية للبيت الأحمق؟؟..
    نعم.. نعم قد علمت أنه لأحقر شيطان؛ ذلك الذي علمكم التغني بإسرائيل
    عليكم سموم تسعى..
    لستم إلا خونه
    لستم إلا مصب لها
    وهذا قلب الأيام والسواحل.. الأحلام.. الحقول، قد سُرقت وأنتم تحبون بالإكراه
    نهايات مقذوفه بنهار شجر مقصوف زيتونه.. كل يوم تقتل حقيقة لنا ...
    لم أع إلا وأنا أمام لوح عليه درس باق لم يمح من الأمس.. أقرأ قوله تعالى:
    .(فمن اعتدى عليكم فاعتدو عليه بمثل ما اعتدى عليكم).. التفت إلى الطالبات.. ألقي درساً
    وأنهيه بإعراب كلمة
    الطفولة ....أسير إلى غرفة مجاورة وألف سؤال عن الطفولة العربية وأين
    موقعها من الإعراب؟؟ أعتقد انها ضمير مستتر في لغة عربية رحلت وتركت
    شيئا غير مستتر.
    أنصرف وأنتبه إلى أنه بين يدي أوراق كثيرة علي إنجازها؛ هنا محاضرات،
    قصائد وطنية هذه عن فلسطين.. أغمض وأتراجع للخلف، استرجع
    صورا ...مذابح صبرا و شاتيلا ، .........، دير ياسين ،............، قانا
    ،........، جنين ثم غزة كم دفعنا لهم من دماء أين جماجمنا الناقمة!..
    شبعا ننام.. ثم نستيقظ لننام !.. وهم أحرقوا الدنيا من قبل؛ على محرقة تسكن
    الخديعة دخانها مع كل لحظة
    ونحن مع كل نبضة، تسكننا آلاف النجمات مجتمعة بعمق بحر حزن الكلام..
    ومداه وحجمه باتجاه وجود لا يشبه إلا الغياب
    لن أنسى مجازر كانت..وإن لم يبق على الأرض عاقل، أو في المحابر دماء حرة تبكي شهيدا
    أسمه الدرة
    أيعقل أن أنسى مرارة الحقيقة وقت كنت أشاهد أكواما من جنون رماد يتقد
    بركانه، ويرسم لأعوام كثيرة حزن الشيخ ياسين على عيون الأيام وإن غاب
    الظل تحت الظلام عاما وأعواما وتغير الاسم.. تبدلت الفصول مع كل وقت
    يتكئ على ثوان..كان يأتلق بدفء غصن يمطر الصيف بالشمس حرقة..وبحرقة
    انتهى اليوم الدراسي.. ولم تنته دروس كتبت بأياد قلمت أجنحة الأشجار
    وما عادت بعدها.. إلى أوكارها الفصول
    غص الحلم بطعم خريف توشح زرقة وقت لا ينتهي بعين تشبعت وقطعت.. بحد
    طرفها صور هرمت..والضوء لم يصل بالماء ساحلا
    عدت بعد يوم شاق وأخرجت القلم لتصحيح أوراق عمل...توقف القلم
    رفض أن يكتب وكأنه عانق الصمت وهو ينظر إلي من ألف عروبة تردد زفير الفراغ الأبدي
    __________________

    الانتماء هو ليس مجرد شعور مؤيد لفكرة أو عقيدة أو بلد ما, بل هو حالة التحام نفسي
    يقيمها الإنسان لخلق كيان أوسع له .. وهذا ما يدأب المرء على تبنيه في مواجهة الكثير من
    تحديات الحياة ضمن تسلسل هرمي ينظم انتماءه في اتساق ذي حلقات يبدء بالأصغر الأقوى
    ( في حدود الأسرة ) وينتهي بالأكبر الأضعف ( قد تصل إلى حدود المجتمع الإنساني برمته )

    ولا بد أن نعي أن الإنسان يدأب على فعل ذلك مدفوعا بمصالحه الشخصية الفردية والتي
    تفرض انسجاما واتساقا مع مصالح أفراد وجماعات أخرى من أجل تكوين قاعدة الحشد والقوة
    من أجل تحقيق الهدف ..
    فما أريده أنا لا يمكن أن يتحقق دائما ضمن مجتمعي الذي أعيش
    فيه .. ولكي يتحقق ما أريده لا بد أن أسعى إلى جعل ما أريد مطلبا عاما ( رأي عاما ) من
    خلال حشد قوة عددية مطالبة تضغط من أجل تحقيق الهدف المنشود ..

    ومن هنا نشأت الحاجة للإعلام والدعاية كوسيلة هامة في حشد الرأي العام وبناء الحلقات
    الأوسع في الانتماء المتعدد الحلقات بدءا من الانتماء الأسري ثم المديني - من المدينة - ثم
    الوطني ثم القومي ثم القارّي وهكذا ..
    ونلاحظ أن هذا الانتماء المتعدد الحلقات يتناسب
    عكسا مع الاتساع من حيث القوة ( هذا في العموم ) ..

    وهنا تستوقفنا قضية الالتزام حيث يكون الالتزام الشخصي هو المسؤول عن رسم هذا
    الاتساق في هرمية انتماءنا .. وهذا الالتزام هو الموقف الشخصي الذي نتخذه والمتبني
    لقضية ما وفق شدة قربها من مصالحنا الشخصية الفردية .. وبهذا نعود إلى نقطة البداية حيث
    تكون المصلحة الشخصية الفردية كما يراها الفرد هي الدافع المحرك لانتمائه المتعدد الحلقات
    ولنفهم هذا سأورد مثلا :

    إذا سألنا أحدا ما من أنت ؟ فيقول معرفا عن نفسه مثلا :
    أنا فلان ابن فلان
    من المدينة الفلانية
    من الدولة الفلانية
    وأنا عربي
    وأنا مسلم
    وأنا من القارة الفلانية .. ..

    وكما رأينا فالمرؤ يبني هرما كبيرا يزداد اتساعا ليجلس على رأسه فهو في الحقيقة يبني
    لنفسه مجدا شخصيا يزداد اتساعا ليستوجب احتراما أكبر .. وعلى هذه المصلحة الفردية
    الشخصية نشأت وتكونت المصالح الكبرى للمجتمعات وانتشر هذا التكتل والتجمعات الكبرى
    التي نشهدها اليوم مثل الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي - بعد تحقق السيادة الوطنية
    التامة - ضاربة بالانتماءات الصغيرة الوطنية والقومية والدينية أو العقائدية عرض الحائط وهذا
    هو التطور الطبيعي الذي كان لابد أن يحدث في ظل تحديات العصر التي نشأت بعد ثورة
    المعلومات والتقدم العلمي الهائل وانخفاض الموارد ..

    بعد هذه المقدمة يمكننا أن نلاحظ في هذا النص هنا الأقرب إلى التداعي .. أو قراءة في دفتر
    مذكرات ..
    كان - في جميع مفاصله - يسجل حالة رفض شديدة لانتهاك صارخ لأبسط معاني الحق
    والعدل والحقيقة .. وينوء تحت ضغط الانكسارات والانهزامات القومية والوطنية والاجتماعية ..
    وفي جميع القضايا الملتزمة في حدود انتماءات صاحبة المذكرات ..

    ويمكننا أن نسجل في النص :

    1- كان الانتماء القومي والعروبة تحمل الطيف الأوسع والهم الأكبر في حدود هذه المذكرات
    وهذا ما جعل الجرح أكثر إيلاما بسبب حالة التردي التي تعيشها الأمة في الوضع الراهن
    وهذا ما أثر على الحالة النفسية المزاجية لصاحبة المذكرات وجعلها متوترة وقلقة وذات ردود
    أفعال انفعالية هجومية تنطلق من مثالية المفردات الإنسانية البسيطة ( الصدق .. الحقيقة )
    وهذا انسحب على - وأثر بشكل واضح على جميع ردود أفعالها في جميع تفاصيل برنامجها
    اليومي .. ( النهاري وحتى الليلي .. )

    2- إن حالة الانتماء القومي الشديد لدى الشخصية فرضت رفضا شديدا تجاوز انكسارات
    الوطن إلى رفض ميوعة وانحدار القيمة الفكرية والمعرفية والثقافية السائدة لدى المجتمع
    العربي .. وهذا مثل صدمة وحاجزا اجتماعيا وهوة تزداد اتساعا تفصلها بمبادئها المثالية
    الناهضة عن هذا الهبوط والإسفاف المنتشر والمتفشي .. ولا بد أن مهنة الشخصية ( معلمة )
    زاد من إحساسها بالمسؤولية وقربها من تفاصيل المشكلة بكل بشاعتها .. وهذا ما جعل
    الشخصية أكثر عنفا وهجومية في انتفاضها بمرارة ضد كل هذا التردي والهبوط صارخة :
    تبا لكم أيهاالخونة .. !!
    في نظرها كان كل ما يقال أو أي نشاط يكون بعيدا عن الالتزام بقضية الأمة هو خيانة بشعة
    يجب اجتثاثها واستئصالها حتى يتحقق النصر وتتحرر الأرض .. فلا يمكن التغني بجمال
    السواحل والسهول .. وهذه السواحل والسهول رازحة تحت الاحتلال .. ووفق هذه الرؤية لا
    يمكن أن نعتبر - أغنية راقصة تقول أنا بكره إسرائيل - التزاما .. فهذا التزام هابط راقص ..

    3- أن عملية التعليم كأداة فاعلة تمثل الخط الهجومي الأول في معركة البناء والتقدم والتحرر
    .. لم يغب عن أجوائها منهج عقائدي مثالي وثابت اوحت به الشخصية وهو الإسلام .. هذا
    المنهج الذي سنراه يتساوق مع الكثير من المعارك الأخرى في تحرير الأرض يقودها الرجال
    الأحرار لتسير جنبا إلى جنب مع معركة التعليم الماضية في تحرير الإنسان ..
    ولهذا - ووفق تعاليم المنهج ( الإسلام ) - لم تكن الشعارات في معركة التعليم أقل عنفا
    وشراسة من دعوات معركة التحرير .. حتى وإن كانت الطفولة هي موضوع وهدف العملية
    التعليمية برمتها ولكن ما الحيلة فقدر أطفال هذه الأمة أن يولدون كبارا تحت ثقل السؤولية
    القومية الكبرى ..

    4- كان لابد أن تبرز قضية الأمة الكبرى والمركزية ( فلسطين ) ليثقل شبح الهزائم والجرائم
    الوحشية على مشهد الوطن المغتصب .. ولينسحب ذلك على باقي الأجزاء المحتلة
    والمحترقة بمجازر الصهاينة تحت بصر العالم المتصهين في مقابل استمرار التعنت والجبروت
    والطغيان للعدو الصهيوني ..
    هنا حضرت كل المآسي والآلام .. هنا وقف كل القتلى .. وانتصب شهداء الأمة .. هنا ازدادت
    انفعالية الشخصية لتبرر حالة القلق والاضطراب والغضب التي تعتريها وتحرمها النوم .. فإن
    كان العدو أحرق الدنيا اعتمادا على أكذوبة .. فمن اغتصبت أرضهم وانتهكت حرماتهم وارتكبت
    المجازر بحق أبناء أمتهم .. فلا يحق لهم الشبع ولا النوم .. ولا تذوق طعم الهدوء في حياتهم ..
    حتى يعود الحق المغتصب ..

    5- ان التسارع في جميع الأحداث اليومية لتصب في نهر قضية الأمة كان له مبرر لم يغب عن
    طبيعة وطبع الشخصية الانفعالية بما تلتزمه ويدور في نفسها وبما يدور حولها .. أنه هذا
    المبرر النفسي والذي سميناه حالة الالتحام النفسي التي أقامتها الشخصية لخلق كيان
    أوسع لها .. إنه كيان العروبة على امتداد الأمة والوطن ..
    ..


    لقد حفل النص بتصاعد انفعالي وتفاعلي لم يهدأ منذ أول حرف وكان الحزن والغضب ومختلف
    مشاعر الرفض والاستنكار تسيطر على معظم جوانبه .. ورغم أن شاعرية الجملة لم تغب عن
    النص بانزياحاتها وجمالياتها اللغوية ولكنها ظلت عاجزة عن أن تخفف من حدة و هجومية و
    قسوة وعنف المشاعر السائدة في جسد النص .. وكان توقف القلم عن الكتابة أصدق نهاية
    يمكن أن تعبر عن حالة كهذه ..
    وما ينقص النص هو أن حالة اليأس كانت طاغية حتى آخر حرف .. وبقيت زهرات الأمل بالنصر
    محتجبة وخافية وسيطر الواقع الأليم بكل هوانه وانكساره على معالم النص ..
    مع أن العنوان ( يحدث أن يكذب الدخان ) كان ذكيا جدا بحيث يمكن أن ينطبق على جبهتي
    الصراع حيث يكون دخانا كاذبا يشي بأكذوبة الهولوكوست الصهيونية , كما أنه على الجبهة
    المقابلة في صفوف العروبة كان دخانا صقيعيا هو أيضا أكذوبة تمثل حالة خنوع مؤقتة لن تلبث
    أن تزول لتشتعل نيران معركة التحرير .. وهذا يعطي دفعة الأمل الحي والثابت في قلوب
    أحرار الأمة ..
    .......

    الأستاذة وفاء عرب ..

    كان لعروبة شخصيتك ( الأصيلة ) وأصالتها ( العربية ) الدور الأكبر في رسم ملامح هذه
    المذكرات اليومية المؤلمة .. والثائرة والمهتزة غضبا واشتعالا ضد كل ما يقود هذه الأمة إلى
    التخاذل وما يصيبها من وهن وضعف ..
    ولا بد أن أشيد بهذا النوع من النصوص الملتزمة بقضايا الأمة والداعية إلى النهوض وشحذ
    الهمم وحشد جميع الطاقات من أجل معركة الأمة العظيمة معركة التحرير ..

    لك مني ومن جميع الأحرار في هذه الأمة تحية




  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    #2
    اشكر الاستاذ صادق على هذا التحليل والشرح لنص الاستاذة وفاء

    كان تحليلا اضاف بعدا معنويا الى ما عرفته من قراءتي للنص سابقا

    ربما اعود مرة اخرى باذن الله

    تحيتي وتقديري
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]

    تعليق

    يعمل...
    X