البنت الرابعة..!!
....
- إسمعي ياابنت الناس ، لقد صبرنا عليك بما فيه الكفاية ، من المستشفى إلى بيت أهلك مباشرة ....أما إبني ، فسأزوجه بمن هي أجمل منك وأصغر ،وبمن ستملأ داره بالأولاد الذكور ...!
ثم التفتت إلى ابنها متوعدة: هيا ارم عليها يمين الطلاق ،وإلا فدعوات الشر ستلاحقك إلى يوم القيامة.!
حاول عيسى استعمال ما وصف به الرجال من رزانة العقل في هذه المواقف ، لكن بدون جدوى ، وأمام إصرار والدته المتعنتة والرافعة فوهتي أنفها المفلطحة إلى السماء، نطق بالكلمة التي ذبحت عنق العشرة الزوجية، وأنهى كل شيئ في ثوان معدودات : خديجة..أنت ..طااالق.!:
.....
أقسى درجات التعذيب التجأت إليها العجوز الحاقدة لكي تشفي غليلها، وتطفئ وهج النار المسعرة في صدرها ،ثم اختفت بعدما فجرت وابل ألغام في جوارح كنتها ،وهي تلهج كحمامة جريحة بأسماء بناتها الحبيبات، اللواتي تحول بينها وبينهن المسافات: زهرة..أمينة...زينب.......
في اليوم الموالي حضر طليقها إلى المستشفى، وفي نيته التوجه بها إلى بيت أهلها .فتح باب الغرفة بهدوء ، قابله صمت رهيب ...!! تفاجأ لأمر لم يكن يتوقعه وملأت ثنايا دماغه علامات استفهام ،لم ينجح لإيجاد لها أي إجابة :
- ترى أين اختفت هي وكتلة اللحم الحمراء تلك ؟
وبينما هو في حالة الذهول والإستغراب ، ناداه صوت بشري ناعم، فأخرجه من دوامة الحيرة والسؤال :
- هل أنت زوج خديجة ؟
فرد عيسى ،وقد قرأ في وجهها عنونا أسودا لم يستطع تمييز حروفه ....
- أجل أنا هو..( وبقي ينتظر للأمر تفسيرا )
- لقد أصيبت زوجتك البارحة بنزيف دموي حاد ، حاولنا إنقاذها ولكن للأسف ، البقاء لله .
إنحبست أنفاسه في أسناخ رئتيه لهول الصدمة ..!! أجهظت عيناه وخرس لسانه، وكأنما ألقي في واد جارف ،فاستصعب عليه اصطياد ذرات الهواء .! وكاد جسمه المتماوج أن يفقد توازنه، وسرعان ماعاد إليه وعيه وقد سقطت على وجنتيه دمعات.!! بالتأكيد ، أحس برصاصات ندم تخترق دروع قلبه المتوجع لكن فات الأوان للتعبير عن المشاعر المتدفقة . سلمت إليه ابنته الرابعة ، اصطدم بصره بوجهها الملائكي الجميل ...أزهرت في أعماقه عاطفة الأبوة ، فلفها بذراعيه المنبسطتين . إندست بينهما وهي تحرك رأسها الأصلع في كل الإتجاهات . لم يفطن أنها كانت تتحسس طريقا إلى حلمة ثدي أمها الراحلة ،ولو أنها كانت تدرك بغريزتها الطفولية البريئة ألا غنيمة ترجى من صحراء صدر والدها ، لما بذلت جهدا للوصول إليه . توافدت هجمات الجوع لاسعة على معدتها الصغيرة ،فأطلقت العنان لصرخات متواصلة، نسجت فيها مع رياح الخريف سيمفونية حزينة. إتجه بها والدها إلى حيث غاب ظله،وكسته أثواب الزوال ، ليبقى المكان الذي جرت
فيه أحداث قصة البنت الرابعة، ومثيلاتها من البنات، شاهدا على تحجر القلوب الآدمية، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان..!!
....
توالت الساعات منسكبة في كف الزمان ، ينظم تدفقها عقارب الساعة المثبتة على جدار غرفة الولادة، وخديجة لاتزال تغوص في معاناتها وألمها وقدتمددت المسافات تحت قدميها على أرضية جرداء ،غمرت زوايا أمكنتها أشباح صمت قاتل ..!
كانت تتمايل بخطواتها المحبطة، وقد أنهك التعب جسمها النحيف، وارتشف من وجهها العابس آخر قطرة من دماء ، حتى ليخيل للناظر إليها بشعرها الكستنائي المموج على كتفيها ،و الكحل المتناثر تحت جفنيها كهالة سوداء تظلل عينيها الواسعتين ، أنها أميرة فاتنة غدرت بها الأيام، ورمتها أسيرة في إحدى شراك عنكبوت الأحزان .!، بل تحفة فنية رائعة ..!! موناليزا عصرية بدماء عربية أبدعها الخالق وثمن الأمومة لها عنوان .
إرتفع مقياس درجة الألم إلى أقصاه ، فتتابعت حثالة ماتبقى بحنجرتها المبحوحة من صرخات جارفة ، حملت على إثرها إلى طاولة الولادة .
وبينما كانت خديجة تغرق في جحيم العذاب وتصارع سعراته الحارقة ، وتتلمس أثرا إلى بحيرة الطمأنينة والإستقرار، كانت العجوز في غرفة الإنتظار مع ابنها عيسى تقبع على كرسي خشبي و كأنماهي على كومة من الجمر ، لاتثبت جثتها العريضة على حال ،متلهفة للخبر السعيد الذي سيجعلها على الرغم مما تكتنز من اللحم والشحم ، عصفورة مرفرفة في الهواء...! وفجأة ، إقتحم الآذان صراخ ملائكي ، لطيف بعد آخر صرخة أطلقت عنانها بحرارة تلك المنهكة داخلا ، فتسمرت في مكانها تنتظر أن يكشف الستار ،وتبرز على مسامعها الحقائق ، وإذا بإحدى القابلات تشق رداء الصمت والذهول ،وعلى وجهها ابتسامة مشرقة :
ألف مبروك ، خديجة بخير وقد أنجبت بنوتة مثل القمر ...و...
إستوقفتها العجوز بوابل من الكلمات المنغمسة في أوحال الدناءة وراحت تعلق على الخبر الصاعقة بإنه مجرد كذب وافتراء ..!! فقد نسفت صروح أمانيها لما اصطدمت مخيلتها الهشة بصخرة الحقيقة المرة واختلطت أمام ناصيتها الموازين ..! حاول عيسى تهدءتها لكنها انزلقت من بين يديه مقتحمة الغرفة كغوريلا ثائرة والغضب يتطاير من عينيها الجاحظتين .!
وما إن لمحتها خديجة، حتى تسربت روحها المنكمشة وانقسمت أشلاءا ،وطفقت تبحث في أنحاء الجسم عن مواطن للإختباء .كانت تعرف أنها ستكون عرضة للوم والعتاب كمرات سابقات ، لكن ليس بتلك الحدة والجبروت !! فازدياد البنت الرابعة واقعة أغلقت المنافذ على شعاع البسمات ،ورمت الجميع في مدارج الظلمات، وسيطرت كفيروس لعين على خلايا الأعصاب الساخنة ،مخلَفة وراءها سخطا كاد أن يصير جنونا !! إنتظرت خديجة بفارغ صبر ماستجود به العجوز الغاضبة من كلمات جارحة وتهديدات ، بيد أن انتظارها لم يطل . تفحصتها من رأسها إلى أخمص قدميها ثم نطقت أخيرا :كانت تتمايل بخطواتها المحبطة، وقد أنهك التعب جسمها النحيف، وارتشف من وجهها العابس آخر قطرة من دماء ، حتى ليخيل للناظر إليها بشعرها الكستنائي المموج على كتفيها ،و الكحل المتناثر تحت جفنيها كهالة سوداء تظلل عينيها الواسعتين ، أنها أميرة فاتنة غدرت بها الأيام، ورمتها أسيرة في إحدى شراك عنكبوت الأحزان .!، بل تحفة فنية رائعة ..!! موناليزا عصرية بدماء عربية أبدعها الخالق وثمن الأمومة لها عنوان .
إرتفع مقياس درجة الألم إلى أقصاه ، فتتابعت حثالة ماتبقى بحنجرتها المبحوحة من صرخات جارفة ، حملت على إثرها إلى طاولة الولادة .
وبينما كانت خديجة تغرق في جحيم العذاب وتصارع سعراته الحارقة ، وتتلمس أثرا إلى بحيرة الطمأنينة والإستقرار، كانت العجوز في غرفة الإنتظار مع ابنها عيسى تقبع على كرسي خشبي و كأنماهي على كومة من الجمر ، لاتثبت جثتها العريضة على حال ،متلهفة للخبر السعيد الذي سيجعلها على الرغم مما تكتنز من اللحم والشحم ، عصفورة مرفرفة في الهواء...! وفجأة ، إقتحم الآذان صراخ ملائكي ، لطيف بعد آخر صرخة أطلقت عنانها بحرارة تلك المنهكة داخلا ، فتسمرت في مكانها تنتظر أن يكشف الستار ،وتبرز على مسامعها الحقائق ، وإذا بإحدى القابلات تشق رداء الصمت والذهول ،وعلى وجهها ابتسامة مشرقة :
ألف مبروك ، خديجة بخير وقد أنجبت بنوتة مثل القمر ...و...
إستوقفتها العجوز بوابل من الكلمات المنغمسة في أوحال الدناءة وراحت تعلق على الخبر الصاعقة بإنه مجرد كذب وافتراء ..!! فقد نسفت صروح أمانيها لما اصطدمت مخيلتها الهشة بصخرة الحقيقة المرة واختلطت أمام ناصيتها الموازين ..! حاول عيسى تهدءتها لكنها انزلقت من بين يديه مقتحمة الغرفة كغوريلا ثائرة والغضب يتطاير من عينيها الجاحظتين .!
- إسمعي ياابنت الناس ، لقد صبرنا عليك بما فيه الكفاية ، من المستشفى إلى بيت أهلك مباشرة ....أما إبني ، فسأزوجه بمن هي أجمل منك وأصغر ،وبمن ستملأ داره بالأولاد الذكور ...!
ثم التفتت إلى ابنها متوعدة: هيا ارم عليها يمين الطلاق ،وإلا فدعوات الشر ستلاحقك إلى يوم القيامة.!
حاول عيسى استعمال ما وصف به الرجال من رزانة العقل في هذه المواقف ، لكن بدون جدوى ، وأمام إصرار والدته المتعنتة والرافعة فوهتي أنفها المفلطحة إلى السماء، نطق بالكلمة التي ذبحت عنق العشرة الزوجية، وأنهى كل شيئ في ثوان معدودات : خديجة..أنت ..طااالق.!:
.....
أقسى درجات التعذيب التجأت إليها العجوز الحاقدة لكي تشفي غليلها، وتطفئ وهج النار المسعرة في صدرها ،ثم اختفت بعدما فجرت وابل ألغام في جوارح كنتها ،وهي تلهج كحمامة جريحة بأسماء بناتها الحبيبات، اللواتي تحول بينها وبينهن المسافات: زهرة..أمينة...زينب.......
في اليوم الموالي حضر طليقها إلى المستشفى، وفي نيته التوجه بها إلى بيت أهلها .فتح باب الغرفة بهدوء ، قابله صمت رهيب ...!! تفاجأ لأمر لم يكن يتوقعه وملأت ثنايا دماغه علامات استفهام ،لم ينجح لإيجاد لها أي إجابة :
- ترى أين اختفت هي وكتلة اللحم الحمراء تلك ؟
وبينما هو في حالة الذهول والإستغراب ، ناداه صوت بشري ناعم، فأخرجه من دوامة الحيرة والسؤال :
- هل أنت زوج خديجة ؟
فرد عيسى ،وقد قرأ في وجهها عنونا أسودا لم يستطع تمييز حروفه ....
- أجل أنا هو..( وبقي ينتظر للأمر تفسيرا )
- لقد أصيبت زوجتك البارحة بنزيف دموي حاد ، حاولنا إنقاذها ولكن للأسف ، البقاء لله .
إنحبست أنفاسه في أسناخ رئتيه لهول الصدمة ..!! أجهظت عيناه وخرس لسانه، وكأنما ألقي في واد جارف ،فاستصعب عليه اصطياد ذرات الهواء .! وكاد جسمه المتماوج أن يفقد توازنه، وسرعان ماعاد إليه وعيه وقد سقطت على وجنتيه دمعات.!! بالتأكيد ، أحس برصاصات ندم تخترق دروع قلبه المتوجع لكن فات الأوان للتعبير عن المشاعر المتدفقة . سلمت إليه ابنته الرابعة ، اصطدم بصره بوجهها الملائكي الجميل ...أزهرت في أعماقه عاطفة الأبوة ، فلفها بذراعيه المنبسطتين . إندست بينهما وهي تحرك رأسها الأصلع في كل الإتجاهات . لم يفطن أنها كانت تتحسس طريقا إلى حلمة ثدي أمها الراحلة ،ولو أنها كانت تدرك بغريزتها الطفولية البريئة ألا غنيمة ترجى من صحراء صدر والدها ، لما بذلت جهدا للوصول إليه . توافدت هجمات الجوع لاسعة على معدتها الصغيرة ،فأطلقت العنان لصرخات متواصلة، نسجت فيها مع رياح الخريف سيمفونية حزينة. إتجه بها والدها إلى حيث غاب ظله،وكسته أثواب الزوال ، ليبقى المكان الذي جرت
فيه أحداث قصة البنت الرابعة، ومثيلاتها من البنات، شاهدا على تحجر القلوب الآدمية، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان..!!
تعليق