[align=center]في تعثر مشاريع الترجمة العربية[/align]
[align=justify]قرأنا أمس في أخبار الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية) عن إنطلاقة مشروع ترجمة الأدب الفلمنكي إلى العربية بدعم مالي غير محدود من وزارة الثقافة البلجيكية .. وما أن علم بالمشروع حتى اتصل بإدارة الجمعية مسؤولو وزارة الثقافة لدولة أوربية أخرى بشأن وضع خطة مماثلة لترجمة مجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية من ثقافة تلك إلى العربية، فضلا عن مفوضات جارية الآن بشأن مشاريع علمية ولغوية تتجاوز الترجمة من حيث هي نقل وتعريب بكثير ..
وهذا يذكرني بالميزانيات الضخمة التي تعتمدها سنويا دول أوربية كثيرة من أجل نشر لغتها في العالم (رصد الاتحاد الأوربي لذلك هذا العام 51 مليون يورو). فهذه هولندة، وهي دولة صغيرة ولا يتجاوز عدد الناطقين بلغتها العشرين مليون نسمة في العالم، تفتتح "معاهد هولندية" في كل مكان بهدف نشر لغتها وثقافتها، كان آخرها في سورية والمغرب، وقبل ذلك في مصر ..
وهذا يجعلنا نطرح سؤالا ملحا: أين مشاريع الترجمة العربية؟ وأنا لا أقصد بالسؤال: مشاريع الترجمة إلى العربية، فهذه موجودة ولكن بالقطارة، فما يعلن في دول عربية نفطية غنية عن مشاريع ترجمة إلى العربية أمر مثير للاستغراب الشديد. وفي الحقيقة إن الجهة العربية الوحيدة المعنية بالترجمة إلى العربية بصورة جدية هي المركز القومي للترجمة في مصر .. ووجود هذا المركز في مصر ونشره، منذ تأسيسه حتى اليوم، أكثر من ألف كتاب مترجم إلى العربية، يحسبان لمصر على الرغم من مشاكلها الإقتصادية الكثيرة، ويؤكدان على الدور الحضاري الرائد الذي تمارسه مصر بطريقة ممنهجة لا بارتجال المشاريع العشوائية التي تطلق فقط من أجل خداع أنفسنا، والعالم معنا! إنما أقصد بالسؤال: أين المشاريع العربية التي تهدف إلى ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الرئيسية في العالم؟!
منذ ثلاث سنوات أعلن عن "مشروع الترجمة السعودي العالمي" (متسع) لترجمة الأدب السعودي إلى لغات العالم الرئيسية بالتعاون مع الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية)، وجاء وقتها في الإعلان ـ كما نشر في الصحف العربية الورقية والإلكترونية* ـ أن الدكتور أحمد الليثي، رئيس الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية)، والدكتور محمد عمر أمطوش، وكاتب هذه المقالة، "أعضاء في اللجنة التنفيذية" للمشروع .. ومن وقتها، وحتى اليوم، لم يتصل بنا أحد .. ومنذ ذلك الحين، وحتى اليوم أيضا، ومشروع (متسع) لم ينطلق، ليس لأسباب مالية فيما أظن، لأن المملكة العربية السعودية دولة غنية في نهاية المطاف!
صحيح أن المال لا بد منه لتحقيق ذلك، ولكن وجود المال أو عدم وجوده لا يفسران هذا التقاعس الرسمي الرهيب في الدول العربية التي بمقدورها تخصيص ميزانيات لمشاريع ترجمة ناجحة، فهذه الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية) نشرت حتى الآن، ضمن سلسلة (منشورات واتا)**، وبجهد تطوعي لا غير، أربعة كتب باللغة الإنكليزية، وتنوي نشر المزيد منها لتعريف لعالم بكتابنا وآدابنا ومبدعينا. وتوجد في العالم صناديق دعم كثيرة يمكن للعرب أن ينفذوا كثيرا من مشاريع الترجمة الناجحة بالشراكة معها .. لكن ذلك بحاجة إلى مبادرات جدية ـ مثل مبادرات الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية) ـ وليس إلى مشاريع شكلية تطلق في هذه الدولة النفطية أو تلك، ويستقطب لإدارتها والقيمومة عليها أشخاص غير متخصصين في الترجمة وغير مطلعين على حركة الترجمة في العالم، مما يؤدي إلى تعثر تنفيذها! وليس أدل على هذا الكلام من اتصال مسؤول عن مشروع ترجمة جديد أطلق في دولة خليجية، بكاتب هذه المقالة ليطلب منه ترجمة كتاب من اللاتينية إلى العربية، له ترجمتان اثنتان في اللغة العربية لا يدري بهما أخونا المسؤول! فكيف يمكن لمشروع كهذا أن يؤتي أُكُلا، والقائمون عليه لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء التحقق مما إذا كانت الكتب التي اقترحوها للترجمة ـ أو بالأحرى التي اقترحها غيرهم عليهم ـ ترجمت إلى العربية أم لا؟ أي عبث بالمال العام هذا؟
أمامنا مهمة صعبة جدا أيها المترجمون والمترجمات، مهمة ذات أولويات ملحة جدا تتمثل في التحسيس المستمر لأولياء الأمور بضرورة البدء بمشاريع ترجمة جدية من العربية إلى اللغات الرئيسية في العالم، ومن اللغات الرئيسية في العالم إلى العربية، من جهة، والتدريب المستمر للمترجمين والمترجمات العرب للرفع من مستواهم من جهة أخرى، فضلا عن السعي الحثيث لنشر العلم والمعرفة واستجلاب المشاريع الجدية مثل مشروع ترجمة الأدب الفلمنكي إلى العربية والمشاريع الأخرى التي سيعلن عنها في المستقبل. هذا قدركم وقدرنا في ظل التقاعس العربي المريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مثلا: http://www.alriyadh.com/2005/10/23/article102615.html
** انظر: http://www.wataonline.net/site/modul...m.php?forum=51[/align]
[align=justify]قرأنا أمس في أخبار الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية) عن إنطلاقة مشروع ترجمة الأدب الفلمنكي إلى العربية بدعم مالي غير محدود من وزارة الثقافة البلجيكية .. وما أن علم بالمشروع حتى اتصل بإدارة الجمعية مسؤولو وزارة الثقافة لدولة أوربية أخرى بشأن وضع خطة مماثلة لترجمة مجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية من ثقافة تلك إلى العربية، فضلا عن مفوضات جارية الآن بشأن مشاريع علمية ولغوية تتجاوز الترجمة من حيث هي نقل وتعريب بكثير ..
وهذا يذكرني بالميزانيات الضخمة التي تعتمدها سنويا دول أوربية كثيرة من أجل نشر لغتها في العالم (رصد الاتحاد الأوربي لذلك هذا العام 51 مليون يورو). فهذه هولندة، وهي دولة صغيرة ولا يتجاوز عدد الناطقين بلغتها العشرين مليون نسمة في العالم، تفتتح "معاهد هولندية" في كل مكان بهدف نشر لغتها وثقافتها، كان آخرها في سورية والمغرب، وقبل ذلك في مصر ..
وهذا يجعلنا نطرح سؤالا ملحا: أين مشاريع الترجمة العربية؟ وأنا لا أقصد بالسؤال: مشاريع الترجمة إلى العربية، فهذه موجودة ولكن بالقطارة، فما يعلن في دول عربية نفطية غنية عن مشاريع ترجمة إلى العربية أمر مثير للاستغراب الشديد. وفي الحقيقة إن الجهة العربية الوحيدة المعنية بالترجمة إلى العربية بصورة جدية هي المركز القومي للترجمة في مصر .. ووجود هذا المركز في مصر ونشره، منذ تأسيسه حتى اليوم، أكثر من ألف كتاب مترجم إلى العربية، يحسبان لمصر على الرغم من مشاكلها الإقتصادية الكثيرة، ويؤكدان على الدور الحضاري الرائد الذي تمارسه مصر بطريقة ممنهجة لا بارتجال المشاريع العشوائية التي تطلق فقط من أجل خداع أنفسنا، والعالم معنا! إنما أقصد بالسؤال: أين المشاريع العربية التي تهدف إلى ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الرئيسية في العالم؟!
منذ ثلاث سنوات أعلن عن "مشروع الترجمة السعودي العالمي" (متسع) لترجمة الأدب السعودي إلى لغات العالم الرئيسية بالتعاون مع الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية)، وجاء وقتها في الإعلان ـ كما نشر في الصحف العربية الورقية والإلكترونية* ـ أن الدكتور أحمد الليثي، رئيس الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية)، والدكتور محمد عمر أمطوش، وكاتب هذه المقالة، "أعضاء في اللجنة التنفيذية" للمشروع .. ومن وقتها، وحتى اليوم، لم يتصل بنا أحد .. ومنذ ذلك الحين، وحتى اليوم أيضا، ومشروع (متسع) لم ينطلق، ليس لأسباب مالية فيما أظن، لأن المملكة العربية السعودية دولة غنية في نهاية المطاف!
صحيح أن المال لا بد منه لتحقيق ذلك، ولكن وجود المال أو عدم وجوده لا يفسران هذا التقاعس الرسمي الرهيب في الدول العربية التي بمقدورها تخصيص ميزانيات لمشاريع ترجمة ناجحة، فهذه الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية) نشرت حتى الآن، ضمن سلسلة (منشورات واتا)**، وبجهد تطوعي لا غير، أربعة كتب باللغة الإنكليزية، وتنوي نشر المزيد منها لتعريف لعالم بكتابنا وآدابنا ومبدعينا. وتوجد في العالم صناديق دعم كثيرة يمكن للعرب أن ينفذوا كثيرا من مشاريع الترجمة الناجحة بالشراكة معها .. لكن ذلك بحاجة إلى مبادرات جدية ـ مثل مبادرات الجمعية الدولية للمترجمين العرب (جمع/واتا الشرعية) ـ وليس إلى مشاريع شكلية تطلق في هذه الدولة النفطية أو تلك، ويستقطب لإدارتها والقيمومة عليها أشخاص غير متخصصين في الترجمة وغير مطلعين على حركة الترجمة في العالم، مما يؤدي إلى تعثر تنفيذها! وليس أدل على هذا الكلام من اتصال مسؤول عن مشروع ترجمة جديد أطلق في دولة خليجية، بكاتب هذه المقالة ليطلب منه ترجمة كتاب من اللاتينية إلى العربية، له ترجمتان اثنتان في اللغة العربية لا يدري بهما أخونا المسؤول! فكيف يمكن لمشروع كهذا أن يؤتي أُكُلا، والقائمون عليه لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء التحقق مما إذا كانت الكتب التي اقترحوها للترجمة ـ أو بالأحرى التي اقترحها غيرهم عليهم ـ ترجمت إلى العربية أم لا؟ أي عبث بالمال العام هذا؟
أمامنا مهمة صعبة جدا أيها المترجمون والمترجمات، مهمة ذات أولويات ملحة جدا تتمثل في التحسيس المستمر لأولياء الأمور بضرورة البدء بمشاريع ترجمة جدية من العربية إلى اللغات الرئيسية في العالم، ومن اللغات الرئيسية في العالم إلى العربية، من جهة، والتدريب المستمر للمترجمين والمترجمات العرب للرفع من مستواهم من جهة أخرى، فضلا عن السعي الحثيث لنشر العلم والمعرفة واستجلاب المشاريع الجدية مثل مشروع ترجمة الأدب الفلمنكي إلى العربية والمشاريع الأخرى التي سيعلن عنها في المستقبل. هذا قدركم وقدرنا في ظل التقاعس العربي المريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مثلا: http://www.alriyadh.com/2005/10/23/article102615.html
** انظر: http://www.wataonline.net/site/modul...m.php?forum=51[/align]
تعليق