هديل الجمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فضيلة مسعي
    أديب وكاتب
    • 26-11-2008
    • 93

    هديل الجمر

    قصيدة هديل الجمر كاملة/فضيلة مسعي تونس/المسار

    للمسام هديل
    يبعثر جمر الروح
    يختلط بالرماد
    ينسكب في فنجان الجدة
    تطحنه شعيرا للحصان الجائع في ابتسامة طفل صغير
    تجرجر ذكراها خرق طحالب القلب
    ترشق بشظايا السراب رذاذ الفجيعة
    ينهمر من المحجرين الحزن
    يختبئ في أضلع الخوف
    في شقوق الصمت
    وفي أردية الطين صراخا مكتوما
    تنز من العذابات الروح
    تميد في الدم جلدا مسلوخا
    و تتورم في المرآة كرة قدم
    خارطة قهقهات المحن
    نزف الوجع
    صرخة المشيمة المسروقة
    و أنين الماء في البراد
    ذلك هو الوطن
    تحلج الهوى بالهواء
    لباب أنفاس النوى
    و اكتواء النخيل بالندى
    ذلك هو الوطن..

    عود نرند
    عطر
    كحل
    أحمر شفاه
    و موج بحر في كأس يتشقق
    هو ذا طرح كل ليلة في كف النساء
    لوعة اللغة في ثغاء الشياه
    و تجرع المر في قهوة الصباح..
    يبكي البكاء علينا
    يتقيأنا الظل في ظلنا
    تبحث أرواحنا عن أجسادنا
    و أجسادنا عن اللحم والدم فينا
    تتأبط سدرة المنتهى الجمال في المعركة
    تموت القصائد بين الحناجر و الشفاه
    ترتبك الفصول
    و الأوسمة
    يغادر الربيع وهج الأصابع
    و غليون شيخ قيل انه رسم ذات مساء بيتا له
    هبت عاصفة
    طارت الورقة
    و بقي الرسام جالسا في العراء..
    نادته نخلة مجاورة
    لا تبحث عن بيت
    سقراط كان مشاء
    و المعري تعرى من كل شيء إلا من اسمه
    يعود الشيخ من جديد للورقة
    يخاتل بياضها
    باحثا عن بيته القديم في سديم الحبر
    و شفيف الورقة..

    نعيمة ما خرج من شخروبه
    ولا الغربال أتى بغير النوى
    جبران يا جبران
    أجنحة عشقك تاهت
    تكسرت
    و تبعثرت في الهواء
    و نبي حرفك ظلمه قوم الردة
    مات على شفة زيادة
    قبل موتها بظلم الأحبة
    و خراطيش الهوى..
    طوقت بطوق النار
    جدار عزلها عن صدرها
    شائك السلك النابت في هدبها فدوى طوقان..
    نزار شردته كلماته بين العواصم
    غرف الفنادق

    الماس

    الأبنوس
    و العاج..
    أحمر الشفاه
    الحرير
    الساتان
    وما عرف طريقه إلى حبيبته

    وطنه
    زرقة عينيه
    أو صورة وجهه في المرآة..
    الجاحظية بأرض المليون شهيد
    ترفع الستار في كل عام عن ملتيميديا الكلام
    شدو الروح الغائرة في الكثبان
    رجع صدى صوت الجاحظ
    المئن تحت الرقاع
    صرخة الشابي

    و مفدي زكريا في الأصقاع..
    تبحث في فضائيات
    مسارح
    وألوان
    عن أرشيف دمائنا
    محطات نقائنا بخيام جلودنا على الواب
    تدفق ماء خصوبتنا على الف م
    تبحث عن بلابل ترشدنا إلى حناجرنا
    ترمم هياكل العظم فينا

    وتعيد إلى أرحامنا طرح نسلنا بأرض الأجداد...
    على الأثير و عند الظهيرة

    كنت مع الماغوط
    الزمخشري
    ابن برد
    وأبي تمام في ساعة حوار..
    أوراق الورد تظللنا
    و ماء العطر في الأكف للأحباب
    تحادثنا
    تجالسنا
    شربنا من معين الشعر
    و تلذذنا فاكهة الكلام..
    بالهاتف كان معنا المتنبي
    المعري
    ابن زيدون
    خليل حاوي والرصاصة برأسه
    قلت ما جدوى الشعر في عصر كالعصر
    في وطن كالوطن
    ومع ولد كالولد
    و حبيبة كالتي عندي
    تبتسم لي
    وتبتسم للذي بكتاب الوجوه
    msn وال
    قال ابن ربيعة على الطرف آخر
    ليتني أكون من هذا العصر
    لأسرق من حضن الرجال كل النساء وامضي..
    أي عصر هذا يابن أمي
    أي شعر
    و أي أدب
    "كثر المشي في الوحل"
    و ارتشاف الأحلام المهترئة بشفاه مثقوبة
    و مزمار أم الأمم
    أعواد الثقاب تتناثر من عيني
    شرشف يلعق بلسانه نتف الريش
    و رخو الفجيعة في الدمن
    طفلة تخبئ وجهها بجوربها
    تتخيل
    و تتخيل
    تتخيل أنها نعامة
    تغرس رأسها في الرمل
    و تترك الرصاص يمر
    يباغتها الصياد
    يتربص بجلدها و بيضها
    يغزل من المح شعر حسنائه
    و بالزلال يستنسخ كالنعجة الدولي أحفادنا
    تتجمهر في عروقنا الخيبات
    و تتحجر القبل
    تعود ناقة البسوس من جديد
    تشعل الفتنة في قنديل العتمة
    وورق اليانصيب
    يضاجعنا الشوك
    نتوق إلى تنافر الصفوف من جديد
    يرقص الآخرون على أجسادنا
    " رقصة الكلاب على الأسود"
    فنجان شاي
    لفافة سجائر
    شاشة صغيرة في ركن الغرفة
    سرير
    بائعة هوى
    تذكرة سفر الهوية إلى اللاهوية
    التشرذم
    التشتت في المتاهة
    و العفن
    دثريني يا جراحي
    بحشرجة درويش ساعة الألم
    ووجع الجواهري عند فراق الصحب
    الولد
    و الوطن...
    مثل جثة ارتميت في غربتي
    لا رجفة تهزني
    لا إحساس
    ولا هوجاء ريح ترجني
    طافحة أنا في مذلتي
    كل يوم يحترق شجر الزيتون في كفي
    و يتهاوى النخيل إلى الأرض
    تبكي ملكة الخلية عقم النحل
    جبالا
    تلالا
    حدائق
    ووديانا تحكي مآسي الإنسان...
    صقيلة الملمس كحصاة مأساتنا
    نزدردها كل يوم مع غذائنا
    نحن شعب أدمن مأساته
    كما أدمنت بعض الشعوب الحشيش
    الكوكايين
    و المورفين
    دمنا كرنافال كبير يحتفي بألوان هزائمنا
    و بحشود الموتى في وجوهنا
    مرآتنا قفل أسرارنا
    و الأبواب متاريس جراحنا
    تعقدت أيامنا يا عقاد
    تعقدت
    خوفو ما تزحزح من مكانه
    ولا غادر الجيزة أبدا
    رجلاه غاصتا أكثر في التراب
    و لكن يأتون إليه بالأفواج
    و في كل يوم تجلس سائحة على أنفه
    تشرب البيرا
    البيبسي
    و قهوة الصباح
    و كي تكون الصورة معه للذكرى أجمل
    تلبسه ربطة عنق بعلم بلادها
    ثم تدخن سيكارها و تبتسم
    فينبعث صوت زيادة من حناجر الجمال رغاء
    هديل الجمر يوقظ الأجنة بالأرحام
    يتكور الحزن في أمعاء الحجر
    يجلس جاثيا على ركبتيه
    دافعا للنيل بمنسوبه كل يوم
    ليس لي وجها و شفاه
    ولا صوتا واضحا لأتحدث مع الشمس..
    الانهج
    و الشوارع كثيرة
    و كل الطرق تؤدي إلى حتفي
    أحمل في الصباح تابوتي برمشي
    و أعود في المساء منهكة بوزني
    أضعه فوق رأسي و أنام
    و أحلم بغد أجمل
    و طفل على شاطئ القلب
    و دون خوف من الكاتيوشا
    قراصنة البراءة
    و مزارع الألغام يلعب
    يرعد الرعد بمفاصلي
    يصرخ الطفل
    أدرك أني كنت أحلم
    أدس خيبتي في قفاز الوقت
    تتسع الفجوة بيني و ظلي
    يهرب مني
    يختبئ في أكمام زهرة الصبار
    و يتركني وجها لوجه مع ماء وجهي
    أخلع أثوابي
    و أغطس عند رحيل الشفق الأحمر في نهره
    يصفعني الموج
    تعمدني الطحالب بسديم الذكرى
    تشخب أمي حليبها في حلقي
    تقرأني المذيعة خبرا عاجلا
    و تمر في وجل لخبر آخر
    أجمل فساتين اليسا
    آخر رجال هيفا
    و سر شفاه بنت عجرم..
    طال ليلنا
    و القمر أسير الظلام
    جرعوه دواء السبات
    كي لا يعود للديار قبل ألف عام
    حروفنا على الورق شريدة حبر
    و الفتنة في زهر اللوز تتبرعم
    ما جدوى أن نموت
    و أن نحيا
    و أن نرقص في بلاهة على جثثنا
    آه يا عزيزي
    دروبنا أسمال
    و شظايا
    ذاكرة كسيحة
    نزحف من خواء إلى خواء
    نتآكل و نتهدل
    كموج البحر عند المد و الجزر
    يموت اليراع بشرانقه
    زفرات السنين العجاف
    وميض الفتيل المكتوم
    طقطقات القصدير في عظامنا
    رفوش
    و معاول تحفر قبر الأجداد
    شهية جدا عذاباتنا
    شهية جدا لذاذات الألم حين نحركها
    لتذوب في فنجان قهوتنا
    نحن شعب يدمن القهوة
    و ترشفها على مهل في أمسياتنا
    أمسياتنا لا لون لها
    لا طعم
    و لا نكهة بلا قهوة
    رائحة الهيل
    قطر الزهر
    و برش البرتقال
    الدرس الأول للبنت قبل أن تخطو خطوتها الأولى
    تتكلم للمرة الأولى
    و تنادي أمها ماما
    قبل أن تعرف لون بشرتها
    و يجلس الحمام على نهديها..
    سؤال يتمترس بسؤال
    سؤال يمتهن حياكة الإنكار
    وحده قرميد النوافذ يعرف تربة الأجداد
    طفولتنا الممزقة و الهشة
    هو الجواب على السؤال...
    قرطبة مثل زنبقة تتوهج في فم الريح
    تترنح ثملة في كأس الاسباني
    شعرا للأحفاد
    تتسكع في القصور القديمة
    الشوارع
    و الاصطبلات..
    تنفض الغبار عن الحرير
    صناديق العطور
    الأساور
    الخواتم
    و الخلاخيل
    تدير المفتاح في قفل خبأته بين نهديها
    تدخل داخل عبد الرحمان الداخل
    تجوب على شاحنة عمامته
    تجمع الكلمات المخمورة في هذيان اللغة
    و رطانة لسان الأحفاد
    حناجر الجواري
    و أياديهن و هي تصفق في الليالي الملاح
    تجمع سدادات القوارير الصدئة
    و تفتح النوافذ
    كي تخرج منها رائحة الشبق على الشراشف
    الستائر
    أعمدة الأسرة المذهبة
    المزركشة بالعاج
    الماس
    و الخشب الناعم الملمس
    الثمين
    تصرخ في ظلها الذي يلازمها
    أخرج من دمائنا أيها العربي
    لا شيء لك هنا
    لا تاج ملك
    لا أرضا
    لا امرأة
    و لا ولدا..
    أخرج من دمنا
    و خذ ما شئت من الحكايا
    الذكريات
    و الهيهات..
    هيهات يا أندلس
    يصرخ مائي في أحشائي
    يتجمد
    و يتصلد حجرا في أحداقي
    أتكلس ذكرى في دفاتري
    و صورا مبهمة في التلفاز
    صورا متحركة تضحكنا
    كما تضحك منا أجنتنا في الأرحام أحيانا..
    نتقوقع في أصداف الحلزون
    و قواقع السلحفاة
    نسير
    نسير
    على مهل نسير
    إلى مراتع خزينا
    و عارنا نسير..
    مبللين مثل القنفذ ببوله
    مرتجفين كالقصب النابت في صدر الريح
    شجر صبار ملابسنا الداخلية
    أوار على أوار...
    شوك
    إبر
    و يراع
    دروبنا إلى أجسامنا
    إلى نساءنا
    إلى بناتنا
    و سيقان شجر الزيتون
    الياسمين و النخيل..
    كشرخ في جدار كانت فلسطين في المرآة
    تتفرس وجوه المارة
    و العابرين
    العابرين إلى متاهات الروح
    تؤثث ذاكرة الرحيل..
    العتمة كبيرة
    و مفتاح الإضاءة في القلب معطل
    بأقدامها تقدح عود الثقاب
    باحثة في الظلمة عن وجهها
    و الأنوار المبعثرة في أسنان الطلق
    و طرف ثوبها
    تتدثر بدفقها
    تركل صوتها بصمتها
    و تقرأ بياض الورقة في كفها
    تكشط دمها المجفف في جيوب خطيئتها
    و رضوض الأصابع التائهة عن يدها
    تختصر المسافة بينها و رائحة فمها
    تمسك بأضلع و حشتها
    و بتلات وردة القلق
    لقالق الشوك تخطف نور عينيها
    دروب الخضرة في الأهداب تحترق
    مطر الحزن يجرف منحدرات جسدها
    شقفة من روحها..
    يهاجمها العث
    يمتص ماء عينيها
    و لإرواء العطش تشرب ملح جلدتها
    تتعطن فاكهة رأسها
    تهرب منها إليها
    تختار رحلتها إلى فخاخ العمر
    و التجوال في العتمة..
    تشرق شمس مصائرنا
    من طمي خرائبنا
    مشردون نحن في عروبتنا
    خاناتنا
    و كلماتنا
    لا جدار يحمينا
    لا جسرا نعبره
    ولا ظلا عند القيظ نتفيأه
    أنهكنا الطواف في هزائمنا
    و التسربل في رماد حيرتنا
    تحدق بنا أحزاننا
    تسكب عطرها في ألياف أصواتنا
    يحشرج شهقة ياسمين نستنشقه رويدا
    رويدا
    يغادرنا الوطن الذي يغادر
    ترفسنا الوعول
    المواسم
    و ملامح وجوهنا المهاجرة
    كطيور صغيرة
    وديعة ودعت ربيعها
    نتوارى في شرايين تحترف الذهول
    الخنوع
    و التأتأة
    نحتجب في حماقاتنا
    نلعب الورق على مضاجعنا
    أماسينا
    و سرائرنا..
    نتكور في طبشور يدون تواريخ رحيلنا
    كذبة كبيرة هذا العصر يا ولدي
    كذبة كبيرة الحرية
    الديمقراطية الغازية بدبابة
    و بندقية
    العالم يغزوك يا ولدي في قريتك
    في حيك
    في بيتك
    كوابيسك
    أحلامك
    و يقظتك..
    هي الحداثة ترمي بتفل جنونها في فمك
    و عليك يا ولدي أن تزدردها
    لقما
    لقما
    و تهضمها بصمت
    ليس أشهى من الصمت في العالم القرية
    و قرية العالم
    ليس أشهى من الصمت و أمك تشخب حليبها للغريب
    و تخبز شفتيها على سوار معصمها للساكن الجديد...













    حزيران انحدار
    انكسار
    و استسلام..
    الطريق إلى الذات سراب
    ارتجاج جماجم
    و نسيان..
    إدريس
    يا سهيل
    مر" بالخندق الغميق"
    عرج على سامي" بالحي اللاتيني"
    و آتنا على عجل" بأصابعنا التي تحترق"
    احترقنا يا إدريس
    و غرقنا في " زهرة من دم"
    اغتسلنا في دمائنا
    و تطهرنا من آثام فرقتنا
    وحشتنا
    و تكسر أنصالنا فينا..
    ضماد جراحنا نسيج مدادنا
    اللحم المدخن
    و المشوي على مهل في العامرية عنوان الهوية
    أفرعت الخيانة
    اخضرت
    و أينعت
    أورقت في نزف العمر
    و أفرخت في نزق الضمير
    إسفلت الموانئ
    و مخيض الجماجم..
    استحمت الوعول بالقهوة
    غسلت وجوهها بنفط فجيعتنا
    احترقنا في مكبات تخمتهم
    في بطاحهم
    و في هيولى نعناعهم
    سقطت سنبلة قمح على الأرض
    يكشطها التاريخ أحلاما كبيرة
    و مهرجانا بلا ألوان
    عروضا موسيقية
    أسودا تنهش الخواء فيا
    ليس لي أمامي سواي
    ليس لي ورائي سواي
    وحدي مع خزي في المرآة
    أتناثر حبات خرز على السجاد
    آهة عشق قديمة
    غليونا في يد صياد
    و سلة حوت لرواد المطاعم
    و هواة غلال البحر
    و غلال القلب
    قلبي عصارة موج دجلة
    طرح شعري لإجهاض المعنى
    شهقة طفل لحظة الختان
    صدمة المتلقي للحقيقة
    تفاصيل كبيرة
    و أخرى صغيرة
    فحولتي المتهافتة على أسرتهم
    تثير قرفي
    ابتسامة وردهم الأصفر
    شايهم الأخضر
    ترياق حتفي..
    دمعتان بحجم دجلة و الفرات
    منبعهما مقل القرنفل
    مصبهما نهدي سنبلة أحرقتهما نار الغزاة
    يزحفان كتسونامي
    يجرفان سنوات عمري
    و يمضيان إلى ظلي
    آهة فرح
    أم ألم هاته التي تخرج من صدري
    يرمقني القدر السافر
    يضحك من غبائي
    يمتص شمع جسدي
    يذيبه في سويداء عيني اليمنى
    كذلك اليسرى
    يثبت لساني إلى ذقني
    فيتكلس جبال حلوى في مدن اليراع
    يورق الحزن فيٍّ
    يأكلني كما يأكل العث الصحف اليومية
    أومض في حلق الأفعى
    و أتناثر في عمودها الفقري شوك صبار
    تتكور في ثوبها
    تتدحرج حنظلا في يد ناجي العلي
    تهمس زوجة الطائي
    غدا تضع السنابل حملها
    غدا ينضج الرغيف بين يدي
    غدا يبتسم القدر على النار
    غدا..
    غدا يرقص أهل طيئ
    بكر
    و تغلب
    و يعود إلى رحم الأم الأحفاد
    غدا..
    اضمامة أقحوان هاته التي تنبت بكفي
    أم طائر منيرفا
    جاءني باحثا عن ادوارد سعيد
    سعد الله ونوس
    و الحكمة التائهة في رأسي
    أتناسل من وجهي
    أقنعة في حفلة تنكر
    أرقص مع مسخي
    أتناص كنص شعري مع نفسي
    و أنام في غابة التطريس
    قطة بأردية الوحل..
    تطاردني الأرقام على الإتاحة
    و بيانات علم الإحصاء
    و علم الاجتماع عن التقتيل
    التنكيل
    التشريد
    و عن الجوع
    الجريمة
    و الأمية
    عن عدد كراسي المقاهي
    أسرة المواخير
    و تقارير الطلاق..
    أثداء الريح تشخب حليبها في صمت الفواجع
    و نواعير الطواحين المهجورة
    الكئيبة
    زهرة لوتس تبحث عن لونها الأبيض في شعر عجوز تجالس ذكرياتها
    تطوف بالأصفر لوحة فان غوج
    تزحف إلى خصب شراييني
    تقتل الحلاج في مآقي الندى
    تكفنه بجبته
    تواريه الصباح الذبيح
    و تقرأ على قبره ما تيسر من سيرة القرش و السمكة الصغيرة
    أخرج مني إلي
    أغتسل بسفيك الحلم
    أغمس رغيفي في رعشة القصب
    و في صلصال العواطف
    أتأرجح من دمعي ثمار صبار
    و أشعل عمودي الفقري عود ند لسيدة الخصب
    و في نيسان
    و عند كل مساء
    أسرج كرياتي البيضاء و الحمراء
    أمتطي صهوة كل واحدة
    و أنطلق تاركة غبار القلم على الورقة
    أكتبني على لوحي عروس طبشور
    أدق جدار المعنى
    أثبتني لوحة خطاط
    تتململ اللوحة
    يخرج أهل الكهف
    سبعة رجال و ثامنهم كلب يعوي غربته
    يقرقر الوجل و الجوع في أحشائهم
    يسرق الصدى
    و مواء القطط أصواتهم
    تتلاشى أجسادهم في الضباب
    في كلس الشوارع
    و النوافذ المقفلة
    الحزينة
    ماذا سأفعل
    قلمي يمارس غوايته
    و أنا اشتهيه مختلفا
    مغايرا
    و متمرسا بحنكته
    ووسامته
    الأجنة برحم الكتابة تزدحم
    و القصيدة البكر دائما تنتظر
    يوم أكتبها تكتبني
    يكتبنا التاريخ في العدم
    قلمي يبشر بولادتها
    تلاحقني
    و ألاحقها
    ألبسها و تلبسني أحلى الحلل
    و أحلى القصائد ما كنت انتظر..
    ماذا سأفعل
    النص يهبني عروسا هذا المساء
    يريدني جميلة
    بهية الطلعة
    ذكية
    مثقفة
    اجتماعية
    أتقن فن التحذلق
    التزحلق على الجليد
    الرقص على النار
    العزف
    و الغناء
    يريدني امرأة استثنائية
    بارعة في علوم السياسة
    الحياكة
    و القتال..
    خبيرة بضناء القلوب
    همسة الأجفان
    و رعشة الأجساد
    يريدني فيض دموع
    حكاية نشيج
    كرة أرضية تتدحرج في حبره
    كبسولة زمن
    و جماع تجارب الإنسان...
    نازك
    سيدة رقيقة
    ّ سليلة شعر
    وملائكة
    تهشم نيزك بلادها
    غاب
    و غابت معه كل النيازك
    نازك
    نيزك حب
    شعر
    تفرد
    و قصيدة تؤرخ لتعاليم فن القصيدة
    الكوليرا شهادة ميلاد جديدة
    لسيدة جميلة
    لديوان عرب تاه
    كما تاهت منا في صحرائنا الكبيرة
    عروبتنا

    مروءتنا
    عزتنا
    نخوتنا
    و عطور الفضيلة
    رحلت نازك
    كما رحلت بغداد
    و رحل السياب
    و الطيور المغردة في الحدائق المعلقة
    القدس
    و القباب...
    لن ترثينا الحروف

    ولا دواوين العرب المتنافرة الصفوف..
    عضاة بين شقوق جدران الروح
    معلبات صمت في مصب النفايات
    الوميض المحتشد

    المتجعد في قزحية النسيان
    حرية تساكن البحر في أسطول
    و حشد من دعاة السلام
    يتكاثر في تبر صلصالها الإنسان..
    غزة عروسك يا بحر
    و هذه النار التي تشتعل بالأسطول
    فوقه
    و تحته
    رائحة اللحم المشوي
    الأشلاء المبعثرة في السفن
    في أحشاء الحوت
    مناقير الطيور
    وهن العجائز
    و الشيوخ
    و صرخة الطفل المكتومة
    مهر الحرية الموعودة
    اندحار الديناصور
    و سقوط الجدار الخائف
    المذعور..
    بين السلب والإيجاب
    الممكن واللاممكن
    يصهل الحصان
    و ينعق الغراب..
    من الممكن أن يموت عشرون
    عشرون ألف
    عشرون مليون
    أكثر..
    و من الممكن أن يبنى مع كل رفة جناح جدار
    تغلق المعابر
    الأبواب

    وكل منافذ شراييني

    بكتيبة جيش
    أو إسمنت مسلح
    و رشاش نار..
    و لكن من غير الممكن أبدا
    أن يموت ضمير العالم في حاصرة دانتيل
    قنينة نبيذ
    و حفنة مال تحت كعب راقصة
    و تموت نخوة الرجال...
    أسرج يا ألمي دماء أوردتي
    خذ من الجنود حمرا وبيضا

    شد وثاقهم إلى الركاب بأمعائي
    أصقل سيوفهم بعظامي
    وأحمي صدورهم بقحاف جمجمتي
    كي تزهر بجدار القلب
    و منعطفات التاريخ بين أناملي
    مزارع الحلوى
    و حقول الياسمين...
    أرى ضفائري حبل غسيل
    و وجهي عليه
    يأخذ من بياض البيت سواده
    و من قوس قزح حين تمطر سماءهم بدمائنا ألوانه ..
    أرى وجهي يبتسم
    و عقال رأسه بين فكيه
    أما العمامة فحدث و لا حرج
    عمامة رأسي بأخفاف كلابهم
    و في الطين تعفر..
    أرى وجهي يبتسم
    أرى رأسي يطأطئ
    أرى دمي من عنقي ينزف
    أرى عمامتي تعفر
    ويح وجهي كيف يبتسم...
    لا تحزني يا أم الخمسة
    السبعة
    العشرة
    وما فوق العشرة...
    "هم أحياء عند ربهم يرزقون"
    و ماتوا بعزة في غزة..
    بل حزنك ليكن كبيرا
    و عميقا
    طويلا ..طويلا
    على الذين خارج الأسوار
    و النار
    في خزيهم
    و ذلهم يعيشون...
    عند المساء
    و عند انزياح اللغة
    و الأجساد
    أنظر في المرآة
    أتصعلك في شوارع ذاكرتي
    و أدخن ثمالة نرجيلة التعب
    تزورني شهرزاد في المنام
    و على رأسها تاج غياب
    و عنب
    تبتسم لي
    ترجني في مقصورة شهريار
    و تأمر الجلاد أن يقطع الأوصال من الجسد
    جلست العجوز
    تعد سنوات عمرها
    حجر نرند
    و لفافات سجائر بلون فمها الادرد
    ترفع رأسها إلى السماء
    تتذكر
    كم مشيمة قذفت رحمها إلى الأرض
    كم صرخة بألم الطلق
    كم جنينا وارت بالقبور المنسية

    تعلق روحها على المشجب
    تجلس قبالتها
    تتذكر أكثر..
    تقول في سرها الصورة لا تشبهني مؤكد
    و هذا الصندل
    ذاك الجورب
    و تلك القمصان الحريرية على السلك الشائك
    لست أذكر
    يسقط جسدها أمامها
    قشا و زجاجا
    و ينتشر شعرها نشارة فحم

    يطبع وجهها باللون الأسود
    يكفنها رحم الغياب
    تذوب في الملح
    و تطفو في دمعها جثة أرنستو جيفارا
    يلولبها الصمت في ظلها
    يضرب بها سابع أرض
    و سابع سماء
    فتخرج من عيني الجيوكاندا قطعة سكر في أفواه الغرباء
    يشيخ الشيح في الجبال
    يخاتل نوح الحمام
    و تغيب الصحراء في سرابها
    باحثة عن رملها و كثبانها
    و عن أخفاف الجمال
    و رغائها..
    تناديها الكلمات في كف بابلو نيرودا
    تتراقص عرائس جمر في حنجرة مرسيدس سويا
    تتجعد في دم لوركا
    و تنسكب أغنية حب تغنيها في الليالي الملاح
    و الغير الملاح الست
    كوكب الشرق هي
    و الشرق لها كوكب...
    ينام العالم في ذبذبات صوتها
    تفرخ العصافير في آهاتها
    و تنسكب مياه المحيطات في محارم يدها
    سيرة حب
    هجر
    و شك
    فموعد
    ولقاء

    ينام الرجال في حضن كلماتها
    ويكرهنها النسوة اللاتي يتحرقن لمثل اللقاء..
    تفيض الأوتار بجثث العازفين
    يهتك النسيان هيبة المسارح
    المعارك
    تفاصيل الحكايا في ضفائر شهرزاد
    ذاكرة الصخب ترمي بدلوها في صفصاف الإثم
    تتناسل جمرا في رحم الحبر
    الحروف مخالب المعنى
    نحول الصمت في البلاغة
    ليس للهذيان سوى الاكتظاظ في طحالب المناحة
    نعاسا يدق كعب الفجيعة
    خيانات تتمرغ في صوت الطواحين
    و تصلب صلبها في لعاب الوشم
    يلبس العشب قميص الوهن
    يفتح أزراره لفاكهة العمى
    و يتطاير رماد نافر من اللون الأسود
    يقاسم الديك حنجرته
    و يغيب يائسا في رفوف المراثي
    يتوغل الموت في أبجديتي
    و أسمر على لوحي المكتوب قطعة سكر
    تهجوني طفولتي

    وترمي بصورتي في دغل كبريائي
    و تغرزني تصل انكسار في عويلي
    تتهاوى أثداء الذكرى
    تنجرف إلى أغواري وجلة
    تترسب في هديل اليمام
    خفقة مطلة من فتحة بسجن البلال
    أعمدة الاحتمالات في قاموس النسغ
    ارتخاء السؤال المتكئ في جسارة الملح
    صهاريج المعنى في كتاب البلح
    خجل الحقول المثخنة بالأراجيح…

    مر بي أيها الوطن

    احتاج أن أشرب معك قهوة الصباح
    آكل رغيف خبز من كف أمي
    أحتاج وجهي
    جسدي
    و أمعائي أنسجها وشاحا لرأسي..
    في مداراة الضياع
    أشتهي ليل الغياب في المعنى
    و معنى الحضور في خرم إبرة
    يعترضني رجل من قومي
    أنسى أني خرجت من ضلعه امرأة
    أصفعه على وجهه وأمضي
    زادي وحشتي
    فجيعتي
    و تعبي
    يراودني النص الغائب في نصي
    تنادمني الأقاحي
    تدثرني عشبة النار
    أشتهي حبة عنب من عنقود الحرف
    و كأسا من يد المهلهل
    يهلهل نومهم
    يقل مضجعهم
    فيخرون تحت سجاد نظمي سجدا
    حروفي معتقة
    مركزة التركيبة
    مكثفة
    عصير لرفع السعرات الحرارية
    أنا جمر وماء
    و قلم يفتض بكارة العتمة
    شهيق الريح
    ووميض الضياء
    صار اسمي المبتدأ والخبر
    و صارت المدينة عرجون تمر
    أشتهيه ويشتهيني
    كلما هب نسيم
    أو نزل مطر..
    قراصنة الحرف كثر
    دود عث
    قز يتقزز دمي من ذكرهم
    كان يدعوه بصديقي الشاعر
    يجلسه إلى طاولة نبيذه
    ينادمه
    يشعل له بقداحة الخبث سيجارته
    ثم يهتف له في مكر
    أسمعني يا شاعر الوطن ما تقل
    و في الصباح يقرأ الشاعر المثمول شعره باسم صديقه في الصحف..





    عفوك إيف
    عفوك
    لا تسأليني من أمّك
    من أبوك
    لا تسأليني من أي جنس أتيت
    لا تسألين من أي عنصر
    و أي لون
    و أي بلد أتيت
    هي النعجة الدولي فقط تعرف
    هي النعجة الدّولي فقط تعرف و تحدث عن أخبارك
    عن أوجاعك
    عن أسرارك ...
    اسألي من أسماك إيف
    اسألي عن مصنع الأعضاء
    عن سوق الإنسان
    اسألي عن مخططات التجنيد
    و التشريد
    و التقتيل ...
    هم يريدونك بلا قلب
    بلا حلم
    بلا وطن...
    هم يريدونك نسخة
    والنسخة بلا أصل
    لا أصل لها
    و لا معنى
    إلا بتعريف وإمضاء..

    يشتهيني الهجوع وثير الجفن
    يلطخ بحذائه سجاد اليقظة
    تتسربل كوابيسه قطعة ثلج واجمة في عيون الشمس
    صرخة مكتومة ينخلها الخوف
    يزورها الربيع الهائم على وجهه
    يطارد في آدم
    ألف مده
    داله
    و ميمه..
    يخرجه من أكسدة الوقت
    و لفيف القلق
    أقفالا لبوابات هزائمه
    يتصالح مع وجهه
    مع منعرجات التاريخ في كفه
    و ينبت تشكيلات صخرية ببئر الجصة
    تتهجى أنوثة بابل
    صنعاء
    دمشق
    بسكرة
    نزوى
    و قفصه
    و كل الجذور المتآلفة مع الكدمات..
    بالوطن الكبير..الحزين
    في ظلمة الليل
    و عتمة صحاري الجسد
    تمر نوق السطور
    ترسم بأخفافها
    على رمل الشفاه
    و ذهول الفكرة
    منصة شرفية لحفل التثاؤب
    وثرثرة الموت البطيء
    على قهقهات برائحة النفط المحترق في الجباه
    و عفن الحواس الخمس..

    من آسيا إلى أفريقا
    و من دمشق إلى الموزمبيق
    اقتفيت أثري باحثا عن لوني في أسودي
    عن نفطي
    ماسي
    عاجي
    و لؤلئي...
    تدحرج وجهي كرة قدم
    من أعلى قمة بآسيا
    لأعلى قمة بأفريقيا
    تدفق ماؤه مع شلال هارور
    أخذ لون الطين
    و لون الحمإ المسنون
    و لما جفت ينابيع مسامه
    بقناعه أقيمت حفلات التنكر
    ولرواد المتاحف مما تبقى نصيب..
    هارب أنا من لوني الأسود
    من جلدي
    ووجهي الملفوح بالشمس
    إلى شقوق بكعب سائحة
    وجدائل شعرها الأشقر
    جسدها البض كالبيضة
    ووجها المنفوخ بالسليكون كالطبل..
    هارب أنا من ذبابة تسي تسي

    Bفيروس بي (
    و فقدان المناعة المكتسبة..
    من جبة الأجداد المهترئة
    من صمتي
    وجلي
    وخوفي
    من كفي التي أمدها سكة حديد لسرقة أرضي
    و خارطتي التي تضيق و تتقلص مع كل فجر..
    إلى كوة صغيرة بمدائن الثلج
    حقنة سم بوريدي
    و محرمة أنف معطرة بأنفلونزا الطيور
    و الخنازير..
    كيف الرجوع مني إلي
    دربي إلى اسمي ملغم
    و معتم
    مرآتي عمياء لا تعكسني
    أقف وحدي كالعمود في الشمس
    و لا أجد ظلي يرافقني
    صبر وصبار أنا
    وزبد موج بلا بحر
    غيمة بلا مطر
    من فاعل إلى مفعول به
    و مفعول فيه صار اسمي..
    أناديني فلا أسمع صوتي
    و لا يسمع
    طبلة أذني اليمنى مخرومة
    كذلك اليسرى

    هل أبيت في بيتك يا بياتي
    أم ببيت كنفاني
    القصف كثيف ومرعب بالنهر البارد
    الصومال
    صنعاء
    والخرطوم بخرطوم نار ترش
    الشيشان بشاش شوك تلف
    كابول
    قندهار والنهار في أسر..
    طفلة في الشرق تبحث عن ضفائرها
    فساتينها
    مسواكها
    و عطورها
    شرشف سريرها
    و رائحة تبغ آخر عشاقها...
    يكلمها ابن سلمى وراء ستائرها
    هزي بجذعي
    وأخرجي من ضلعي امرأة في جلباب الحرف
    يتبعثر بعضي في بعضي
    و يضيع بعضي الآخر ببعضي
    و في رحلة التفكيك
    و التحليل
    أقرأني جملة سيميائية
    نظرية بنيوية تقودني إلى كوني
    و حتفي
    إلى المعلن
    و المتخفي
    إلى النص الصامت في نصي
    إلى المعقلن
    و المقصدي
    إلى الديناميكي
    و الستاتيكي
    إلى النسقية في نسقي
    التقارؤ
    التباعد
    و التجاذب بين حروف اسمي
    ومن الكوجيتو الديكارتي
    من ريبة هيوم
    من عمليات الضرب
    الجمع
    و الطرح
    من تربيعة جذر
    و حقنة الأنسولين
    و البنيسيلين

    أتناسل بلاهة في بلاهتي
    متاهة في متاهتي
    فتلفني في نارها قداحتي
    أنسكب جرحا في جرحي
    و" في أروقة البيان"
    و" الجوهر المزدوج للسان"
    تتهدل في ذلها خطابتي
    تتسربل بطريح رجولتي
    و كرامتي
    تتكرمش في ذاكرتي

    و تتلو لب لولبا يلو لبني في لولبي
    تنسجني صمتا يكفنني ساعة موتي
    و تطرحني سجادا لهواة حتفي
    و حمامة تتشهى الصياد بكفي...
    أحن إلى وجهي
    و مرآتي
    إلى صوتي المكتوم
    إلى الشمس
    و نورها بأحداقي..
    إلى أضلاعي
    و جمجمتي
    إلى ساق تحملني حيث ضاعت مضارب ساقي
    و ساقها السائق إلى الساقي..
    تتناسل الغيمة في العيون الغائمة
    في رقصة الصفصاف على ظله
    في أضلاع جسد العبارة
    ووجهها النافر من المرآة
    في ترنح عود المسواك من الضرس إلى الضرس
    و لونه النازف من الطين
    في صوت خديجة الخديج
    و حسرة الحلم المسفوك في الذبذبات
    في سواحل الغرائز المصطافة بعشبة النار
    و الضوء الهارب من الفجر
    تكتظ الفراغات في جسارة الحواس الخمس
    يفتح الليل نوافذ المشهد الأخير
    لأغصان الماء في هسهسات الفوضى
    لنبيذ الذاكرة
    و لغو الورد بين البتلة والبتلة
    لفزاعة المعنى..
    و طحالب الفيض بضفيرتي طفلة
    يفتح البلح أزرار النخلة
    دهاليز الملح لجدلية الفكرة
    معطف البعد
    قميص الظل الرابض بفسحة النزق
    تتلفع الرجفة بجلد الأفعى
    يحاصرها الطيش الباذخ في مخالب الشهقة
    يسكب طريح الأراجيح مخفي النصوص للتأويل
    لزج التشكل في مشيمة الحبر
    الوجه خلاصة المشهد
    و خطوط الجبين أكثر من جدار
    المعابر إلى التوابيت مفتوحة
    الرمل
    الماء
    الهواء
    و النار ذاكرة الأكوان..
    لي متسع من الصخب يا ولدي
    كي تكبر
    و يكبر سهوا الجرح في كفي
    تنسجك اللوعة بشائك الطباق
    الجناس
    و المحاسن والأضداد مجازا
    و يقيسك القياس قياسا على الضاد
    قلاقل القول و القيلولة تقولب قوام القهوة في الفنجان
    تعويذة التفاح
    حكاية التين و السفرجل
    وميض السيف في مقصورة شهرزاد
    بسالة لفظ سلالة العشاق
    الهروب
    الانتظار
    الشموخ
    و الانكسار دفق الشيء و نقيضه على الأنقاض
    خرافة الغول
    الجنية التي عشقت الإنس
    علي بابا
    افتح يا سمسم
    و علي بن سلطان
    البحار ملئ بالقصور
    الخدور
    و الحكام..
    الشقوق
    و السحالي المتربصة بمسخ الإنسان
    ارتياب الارتياب
    التاريخ المحكوم بالمؤبد
    و الإعدام
    السؤال
    و الجواب رحم الأوجاع
    ذعر الزجاج من جسارة و جرأة الأحداق
    ليس لي سوى أسمال غربتي
    ووجهي المتمترس بالخرافات
    و الألوان
    ذاكرتي مقبرة جثامين هويتي
    و حريتي
    مرثية أشجار الزياتين
    مراعي أبقار
    ووعول
    و شياه..
    يمام خائف من رفيف جناحيه
    مناجل هاربة من شموخ السنابل
    بين السياج والأشباح
    كان نومي عميقا
    ظلال رمادي وارفة
    وولادة لعنتي تعنفني
    أشربني في كاسي مرا
    أو حلوا وامضي
    يطاردني صراخي المكتوم في حنجرتي
    اطفوا على سطح ما سيغدو
    و ما سيأتي فراشة لغو
    و حلوى جمر للذي يقبل
    و يدبر
    على مقربة مني
    و على أهبة قلق
    و صهوة دهشة شهدت حتفي
    و في جبة الحبر مات القاص
    الشاعر
    و المؤلف
    ضحك من يتمه الممثل على الركح
    قال الهذيان في صمتي كثيرا
    استرخى الريح في كرسيه الهزاز كسيحا
    لغة الأراجيح مسمارية
    جداريه
    و أبجدية تلتهم أبجدية
    يتصبب العرق من اللحن في نايه
    يشرب قهوته
    و يدخن سيجاره في قطر انمحائه
    ظمأه
    و ارتوائه
    يلتصق على جرحه رقعة بحجم أخطائه
    يهاجم الضجيج فيه
    يساكن الضرير فيه
    يزداد ارتفاعا في غميق شهقته
    و يزداد نزولا في صبيب مذلته
    يعود إلى قطافه
    و يعود إلى نطافه مشيا على المدامع
    المذابح
    و المهالك
    يحبو الظل على ظله بين المكعب
    المثلث
    و المربع
    يكون المستطيل صلصالا يشكل وجهه
    و بجداول الضرب
    الجمع
    و الطرح
    تكون قسمة ذاكرتي اعدل الأشياء
    يهاجر الحمام من هديله إلى صمته
    و من صمته إلى بوح أحداقه
    يتجمهر في قحاف جمجمتي
    فارتوي بضمئي
    و نزفي على النتوءات
    أتمرغ في ضجري
    في غضبي
    و ذهول الظل في ظلي
    سعال فواحش الأفكار يهزني
    يرجني
    و يقودني حتما إلى حتفي
    يشتهيني النص نصا لنصي
    و نصا لحماسة
    لدماثة و مكانة الحرف في نصي..
    مثل توت العليق يتعلق الريح براحه
    و رائحة الصيف في مائه
    يتهدج الصبار برميم أشواكه
    و تتهجد الجمال في صفيق رغائها
    ينفخ الخيل في الصدى بنفيره
    و أبواقه
    تتأرجح الخيول من نواصيها
    و سيقانها مقابر لصهيلها
    خببها و صفيحها
    يتوه التيه في تيهه
    ينام الضباب في رخوه
    و حزنه
    يصاهر ملوك الطوائف
    و يختبئ في وشاح العناكب بين الأصابع
    تغسل المومس ذنوبها بأموالها
    تدس نصلها في ملح المعنى
    و تذوب في نحيبها
    و بكائها ماء بقدر اشتهائها
    و انزياحها في كواليس الكأس
    و فتوحات النحس المجنح
    و المرقط بسواد الهدب..
    البائن في حرفي ليس بعضي
    و ليس كلي
    هو القطرة من البحر
    هو الثمرة من حقلي
    و البتلة من زهري..
    من زمرد و عقيق الابستيمولوجيا
    و سيمولوجيا الأصوات التائهة في تضاريس العبارة
    من فيزيولوجيا الأجساد
    و بسيكولوجيا المثليين
    المشردين
    و التائهين عن دماء الأجداد
    من أنتروبولوجيا الشعوب
    و أركيولوجيا الكلام
    تنمو و تتبرعم سوسيولوجيا المجتمعات
    الثقافة
    و الآداب
    من ماركسية
    إلى لوكاتشية
    إلى غولدمانية
    و بنيوية تتواشج مع رؤى العالم بالنصوص
    الفنون
    و فضاءات الاتصال..
  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    تحياتى البيضاء
    ربما لى أولا قبل الوقوف مع هذا النص النثرى عبر العلاقة النحوية ، ربما لى هذى الملاحظات التى أعتبرها تذوقا يسبق تفعيل العلاقة النحوية لقراءة النص

    - لى هذى الملاحظات من حيث البنية اللغوية
    1- ليس لي وجها و شفاه ،
    ولا صوتا واضحا لأتحدث مع الشمس..
    الانهج


    لا تبدو جلية علة نصب ( وجها ) حيث الظاهر من السياق أنها لسم ليس أى مرفوعة ، إذا كانت ( الانهج ) هى ( إلا ) أداة الاستثناء فوجب إظهار الهمزة حيث إن غيابها يجعلنا أمام دلالتين مختلفين

    2- شدوثاقهم إلى الركاب بأمعائي
    أصقل سيوفهم بعظامي
    وأحمي صدورهم بقحاف جمجمتي

    لا تبدو لى علة عدم جزم الفعل ( أحمى ) حيث الظاهر من السياق أنه فعل أمر بما يجعله واجب الجزم بحذف حرف العلة

    3- يطاردني صراخي المكتوم في حنجرتي
    اطفوا على سطح ما سيغدو

    لا يبدو لى جليا هل الفعل للمفرد أم للجمع ، لو كان للمفرد فوجب حذف الألف الدالة على الجمع


    1- الملاحظة التالية وهى أن السمة البنيوية التى مازت النص هى أنه يقوم على لوحات متغايرة يمكن أن تصلح كلا منها كنص منفصل تام وذلك كلوحة المفتتح التى قامت على تخييل الهديل ، ولوحة قرطبة ، ولوحة فلسطين ، ولوحة أخرى مازها استدعاء الرموز الأدبية وتوظيفها فنيا، ولوحة المونولج التى نرى فيه صوت الشاعرة ونبصر وجدانها وهى لوحة مازها تعدد الصوت فالبوح يجىء بوح امرأة عبر سياق ويجىء بوح رجل عبر سياق تال ، هذى اللوحات العديدة تبين ظاهريا غير متصلة ، لكننا مع تلقى النص بأكمله ربما نجد أننا أمام وحدة دلالية لكنها قامت عبر خيط حرير رهيف يحتاج بصيرة وتبصر لندركها فى سلاسة ويسر

    2- أغرق النص فى حشو للمصطلحات فى ختامه ربما للدلالة على حالة التيه التى يكابدها الإنسان العربى المعاصر بل الإنسان بوجه عام لكنه هذا الحشو ربما أضر بسلاسة التلقى فى رأيى فنجد الحديث عن (عقيق الابستيمولوجيا -سيمولوجيا - و بسيكولوجيا المثليين- أنتروبولوجيا الشعوب و أركيولوجيا الكلام ) وهو ما أراه سياقا رغم إيحائه فإنه ليس من الذى ييسر التلقى بل يضر كثيرا بشاعرية النص ورهافة الحس الإنسانى الذى صاغه

    3- امتازت بنية التخييل بالصورة الشعرية التقليدية كما جاورتها وتناغمت معها لوحات عبر الاستعارة الإيحائية التى لا تقوم على جمالية البلاغة الكلاسيكية وستكون لى وقفة حول هذى النقطة بإذن الله

    أرى أن تناول هذا النص يقوم على تحليل لوحاته المختلفة وسأبدأ بإذن الله فى مداخلتى القادمة فى تحليل لوحة من لوحاته عبر العلاقة النحوية
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد الصاوى السيد حسين; الساعة 09-05-2011, 11:25.

    تعليق

    • فضيلة مسعي
      أديب وكاتب
      • 26-11-2008
      • 93

      #3
      شكرا جزيلا سيدي الكريم على الوقفة و ما افسد جمالية النص هي الاخطاء الاملائية ويرجع لعدم درايتي الكافية بقوانين الكتابة على الكمبيوتر. و ترجع بعض الاخطاء النحوية الى اهمالي لهذا النص بحكم انشغالي بالدراسة..انا لم اراجعه نهائيا..اكون ممنونة لك و للاصدقاء بتصويب اخطائه و اخضاعه لمحكة النقد و سانشر المحاولات الجادة في تقديم الكاتب الذي يحمل نفس العنوان ونفس القصيدة..

      تعليق

      • محمد الصاوى السيد حسين
        أديب وكاتب
        • 25-09-2008
        • 2803

        #4
        العلاقة النحوية وتشكيل لوحة المفتتح

        للمسام هديل
        يبعثر جمر الروح
        يختلط بالرماد
        ينسكب فيفنجان الجدة
        تطحنه شعيرا للحصان الجائع في ابتسامة طفل صغير


        1- تبدأ لوحة المفتتح عبر علاقة الجملة الاسمية التى تكنز حالة من اليقين يميز الجملة الاسمية دوما ، ونجد أن علاقة الجملة الاسمية قد حدث فيها تغيير لنيتها من حيث التقديم والتأخير

        2- تم تقديم علاقة الخبر شبه الجملة ( للمسام هديل ) بما يمنح تمهيدا جماليا لتلقى دفقة التخييل التى تكنزها علاقة الجملة الاسمية

        3- مع تلقى علاقة المبتدأ المؤخر ( للمسام هديل ) نتلقى دفقة التخييل الأولى فى هذا النص ، وهو تخييل عبر الاستعارة المكنية التى تجسد لنا فى ذكاء حالة من رهافة الحس حين يكون للمسام التى لا تكاد تبين هديل ، فكأن المسام أعشاش طير ، وكأن الوجدان الإنسانى حاضن لهذا الهديل

        4- يمكن القول أن علاقة المبتدأ الذى جاء نكرة توحى بالجو النفسى تجاه هذا الهديل فهو يمثل حالة من الرهافة والثقة وإعلاء القيمة الانسانية فالتنكير هنا يوحى بحالة التقدير وسمو هذا الهديل فى بصيرة بطلة النص التى عبرت عنها الشاعرة

        5- نجد أن علاقة الجملة الاسمية ( للمسام هديل ) تكنز استعارة تصريحية تتمثل فى المبتدأ المؤخر ودلالته الجمالية ، فالهديل هو الحس الإنسانى تجاه الآخر وتجاه الحياة ، والهديل هو الرغبة فى التواصل مع الآخر ، والهديل نبض الوجدان الرافض للخرس والسكون طى المسام ، وهكذا نجد أن الاستعارة التصريحية التى تمثلها علاقة المبتدأ المؤخر تكنز الكثير والكثير من القراءات المتغايرة والمتنغمة فى آن

        6- ثم نتلقى علاقة جملة النعت ( هديل يبعثر جمر الروح ) والتى تبدأ دفقة تخييلها مع تلقى الفعل المضارع ( يبعثر ) بما يجعلنا نقرأ دلالة الهديل بصيرة جديدة نرى فيها حالة جديدة لهذا الهديل ، فهو ليس مجرد حالة من الرهافة والسكينة تتجلى لنا عبر النفس التى تستحيل أعشاشا ولكنه هديل قادر على أن يبعثر الجمر

        7- يمكن القول أن علاقة جملة النعت ( يبعثر جمر الروح ) تكنز تخييلا ثريا عبر الاستعارة المكنية التى تخيل لنا الروح فى هيئة أخرى ، هنا الروح قد صار لها جمر ، ولعله جمر هادىء فاتر يحتضر ، لكن الهديل قادر على رهافته أن يرفض هذى السكينة وهذا الفتور ، قادر أن يبعثر الجمر لعله يتقد

        8- يمكن القول أن علاقة المفعول به ( يبعثر جمر الروح ) تكنز استعارة تصريحية ثرية فعندما نحاول تأويل دلالة الاستعارة نجد أن جمر الروح نبضها ، وجمر الروح رغبتها فى الحياة ، وجمر الروح دفء الروح الذى تشعه ، وهكذا تنفتح الاستعارة للتأويل

        9- ثم نتلقى هذى الاستعارة ( يختلط بالرماد ) والتى تمثل فيها علاقة شبه الجملة استعارة تصريحية فالرماد لعله الماضى ، والرماد لعله الأحلام المكسورة ، والرماد لعله حالة اليأس التى تسيج جمر الروح الذى يتقد ، والاستعارة هنا تستحيل تعبيرا كنائيا عن الجو النفسى الذى تكابده بطلة النص من تلبد الحس الإنسانى بلحظات من كدر وأسى تماما كالرماد الذى يغشى الجمر كأنه كفن

        10- ثم تشرق اللوحة عبر سياق ( ينسكب فى فنجان الجدة ) والتى تمثل علاقة الضمير المستتر المؤول فى الفعل مفتاح الاستعارة المكنية والتى تخيل لنا الهديل فى هيئة أخرى فها هو حين يختلط بالرماد لا ينهزم ولا يعلوه الخرس بل هو قادر على أن يجوز هذا الرماد ليستحيل فى هيئة أخرى

        11- حيث ( تطحنه شعيرا للحصان الجائع فى ابتسامة طفل صغير )فالهديل هنا يخرج من هيئة الرهافة والوداعة تدريجيا حتى يصل لمرحلة كونه فاعلا نابضا قادرا على أن يغير الواقع إلى الأجمل والأجمل

        12- يمكن القول أن علاقة شبه الجملة ( للحصان الجائع فى ابتسامة طفل صغير ) هى العلاقة التى تمنح للحصان دلالة مجازية وعمقا تخييلا فالحصان هنا ليس فى براح ولكنه يتراءى لنا فى بسمة طفل صغير

        13- بما يجعلنا أمام تأويل لعلاقة شبه الجملة ( للحصان الجائع ) حيث يغدو الحصان استعارة تصريحية لحالة العنفوان والشغف بالحياة التى يرويها الهديل ، فما أروعه من هديل

        تعليق

        • فضيلة مسعي
          أديب وكاتب
          • 26-11-2008
          • 93

          #5
          شكرا

          استاذي الكريم..عشقت هديل قلمك و تمنيت المزيد..هنيئا لنا بك..ارجو ان لا تبخل علي..انتظر..محبتي..قررت ان ادرج هذا التحليل في تقديم المجموعة عند نشرها..
          الى اللقاء

          تعليق

          • محمد الصاوى السيد حسين
            أديب وكاتب
            • 25-09-2008
            • 2803

            #6
            العلاقة النحوية وتشكيل لوحة الطفلة

            طفلة تخبئ وجهها بجوربها
            تتخيل
            وتتخيل
            تتخيل أنها نعامة
            تغرس رأسها في الرمل
            وتترك الرصاص يمر
            يباغتها الصياد
            يتربص بجلدها و بيضها
            يغزل من المح شعر حسنائه
            و بالزلال يستنسخ كالنعجة الدولي أحفادنا
            تتجمهر في عروقنا الخيبات
            و تتحجر القبل

            - هنالك ملاحظة أولى حول اللوحة تتمثل فى أن كافة أفعال اللوحة نتلقاها عبر علاقة الفعل المضارع بما يكثف من دلالة اللوحة ومرارة تجددها ، فكأن الطفلة فى اللوحة لا تنتهى مكابدتها لما هى فيه من انكسار وخيبة ، بما يجعل من علاقة المضارعة يدا تعتصر الوجدان ولا تبرح عنه ، وهى ترسم فى دأب مشهدية الطفلة فى تجدد لا يمل من بث رسالة فجيعته الأليمة لهذى الطفلة النيرة التى تسكن اللوحة

            - تبدأ هذى اللوحة عبر علاقة الجملة الاسمية التى يمكن تلقيها على ظاهرها أى أن علاقة طفلة تمثل المبتدأ ، أو تلقيها على أن ( طفلة ) تمثل خبرا لمبتدأ محذوف تقديره يفتح المجال لتأويل ثرى بحق ، حيث يمكن تلقى الـتأويل على سياق ( أنا طفلة ) أو ( عروبتنا طفلة ) ، أو ( أحلامنا طفلة ) ، أو ( قلوبنا طفلة ) هنا يمكك القول أن تأويل المبتدأ المحذوف يمنح علاقة الجملة الاسمية ثراء وسعة تكثف من جمالية التخييل الذى ينفتح للتأويل عبر علاقة التشبيه البليغ التى تمثلها علاقة الجملة الاسمية

            - أما إذا تلقينا علاقة الجملة الاسمية على أن علاقة طفلة هى المبتدأ فنحن أمام تخييل آخر يقوم فى جوهره على تعبير كنائى تمثله تفاصيل اللوحة الثرية يجلو لنا الجو النفسى لسياق النص حيث مكابدة الانكسار وضياع الحلم

            - (طفلة تخبئ وجهها بجوربها ) نحن هنا فى مفتتح اللوحة نتلقى فى نهاية السياق عبر شبه الجملة ( بجوربها ) علاقة نحوية تعيد تشكيل الصورة وتحفزنا لإعادة قراءة السياق ببصيرة جديدة ، إننا حتى تلقى سياق (طفلة تخبئ وجهها ..... ) لم نتلق بعد دفقة التخييل التى يكنزها السياق ، علاقة شبه الجملة ( بجوربها ) هى العلاقة التى تكنز دفقة التخييل ومغايرة دلالة السياق الأولى ، حيث تنشر علاقة شبه الجملة ظلها الجمالى والدلالى على علاقة ( تخبىء وجهها ) هنا تتحول دلالة علاقة المفعول به إلى هيئة أخرى لم نكن ندريها لوجه الطفلة الذى يستحيل عبر الاستعارة المكنية سبة وجريمة ، الوجه الذى يرى ويصغى وينطق ، تخفيه الطفلة فى جوربها ، كأنها تطيع واقعا قاهرا يجبرها أن تتجرد من كيانها الإنسانى الذى يمثله الوجه ، كأنها لم تعد تجرؤ على أن تحقق وجودها الإنسانى من فرط بشاعة الواقع الذى لاتطيقه وتختار الأسهل أن تمسخ نفسها

            - أن تتخيل أنها نعامة وتغرس رأسها فى الرمل وهو السياق الذى يقوم على علاقة التشبيه البليغ الذى يذوب فيه طرفا التشبيه فى كيان واحد ، ها هى الطفلة تمسخ نفسها نعامة أمام بصائرنا حين تتخلى عن الوجه الذى تمثل مجازيته دلالة على الكيان الإنسانى الفاعل الحى
            - ثم إنها هذى الطفلة لا تجد مشكلة فى أن تترك الرصاص يمر ، هذا السياق يستحيل تعبيرا كنائيا موحيا على ما يمكن أن تفعله الطفلة ، إن السياق يقول لنا أنها هى التى تترك الرصاص يمر ، أى أنها يمكنها أيضا ألا تفعل ، وهذا هو سر ثراء هذى الكناية التى توحى لنا رغم ما تظهره من انكسار الطفلة ، توحى لنا بما تملكه من قوة وطاقة مهدرة كان يمكنها لولا أنها انهزمت لوقفت فى وجه الرصاصة

            - (يباغتهاالصياد، يتربص بجلدها و بيضها ) عندما نتلقى هذا السياق نجد أن هناك تنافرا ظاهريا بين علاقتى الجمل الفعلية أى بين المباغتة والتربص أى أن السياق كان يجب أن يكون ( يباغتها الصياد الذى كان يتربص ... ) ولكن الحقيقة أن علاقة صلة الموصول ( الذى كان ... من السهل تأويلها فى السياق ، لكن الأجمل هو تلقى علاقة ( يتربص بجلدها ) على أنها علاقة جملة الحال الفعلية ( يباغتها متربصا ) بما يوحى بقلق الصياد وعدم طمأنينته لهزيمة هذى الطفلة فهو المباغتة ذاتها مازال يتربص فى خوف وحذر لأنه يدرى أن روح هذى الطفلة قادرة رغم هزيمتها ومسخها أن ترجع هادرة بعنفوان البراءة والطفولة

            يغزل من المح شعر حسنائه ) ها هى الطفلة تغدو ذبيحة مستبحاة أمام بصائرنا عبر علاقة التشبيه البليغ المتحول من علاقة الجملة الفعلية ( المح شعر حسنائه ) ، وروعة التشبيه البليغ هنا تكمن فى قدرة علاقة الفعل على أن يصهر طرفى التشبيه ، أو على العكس لا يصهرهما فيكون التنافر هو المراد جماليا ودلاليا ، وهذا ما نحن إزاءه فى هذا السياق ، فمح نعامة لا يستساغ أن يكون شعرا حسناء ، إن التشبيه البليغ هنا هو يجلو لنا كيف صارت الطفلة التى رضيت أن تكون نعامة حقلا للهو وملعبا للسادية العمياء ، إن الصياد يلهو ويجرب ، بل إن السياق لا يخبرنا أن حسناءه نفسها استنكرت أن يكون لها شعرا من لحم طفلة ،فكأن حسنها ليس إلا قشرة كاذبة لروح عطنة معطوبة ، بما يضعنا فى مشهدية من القسوة والبشاعة هى المرادة من علاقة التشبيه البليغ ، لذا لن يكون غريبا بعدها أن يلهو بزلالها ويستنسخ به نعجة أو غيرها ، وأن تجلو لنا الاستعارة المكنية (تتجمهر في عروقنا الخيبات ، وتتحجر القبل ) كيف تنكسر فى عروقنا الأحلام وتحتشد الخيبات ، وأن نعجز أن نحب وأن نشعر، فتكون القبلات بين أحجار لا تدرى ما الحب ، فلو أنها كانت تدريه ما اضطرت الطفلة أن تخبىء وجهها فى جوربها أمام بصائر تعى وتحس

            تعليق

            • فضيلة مسعي
              أديب وكاتب
              • 26-11-2008
              • 93

              #7
              شكرا جزيلا استاذي القدير على الاضافة المقتدرة و التحليل الانيق..اصبحت انتظر كل يوم بشغف ما ستكتب لاستمتع بتحليلك الذي ينم عن دراية و تميز وتصلع..احييك على لغتك و روح العطاء لديك

              تعليق

              يعمل...
              X